عبد الله بن محمد بن عُبيد بن سفيان بن قيس، الأموي،أبو بكر بن أبي الدنيا البغدادي (208/281)هجري، من موالي بني أمية،الحافظ، المحدث، صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، كان مؤدب أولاد الخلفاء. وكان من الوعاظ العارفين بأساليب الكلام وما يلائم طبائع الناس، إن شاء أضحك جليسه، وإن شاء أبكاه. وثقه أبو حاتم وغيره. صنّف الكثير حتى بلغت مصنفاته 164 مصنفاً منها: العظمة؛ الصمت؛ اليقين؛ ذم الدنيا؛ الشكر؛ الفرج بعد الشدة وغيرها. مولده ووفاته ببغداد.
قال عنه الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في البداية والنهاية: " المشهور بالتصانيف الكثيرة، النافعة، الشائعة، الذائعة في الرقائق وغيرها، وكان صدوقاً، حافظاً، ذا مروءة ".
يحث الكتاب على العزلة في مواطنها الصحيحه واوقاتها المناسبة كالعزلة من اجل طلب العلم لسلامة القلب من الفتن وزيادة الحكمه والعلم
الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في الصمت والعاشرة في عزلة الناس قال رجل لسفيان الثوري :أوصيني فقال هذا زمان السكوت ولزوم البيوت "من أراد ان يكثر علمه ويعظم حلمه فليجلس في غير مجلس عشيرته "
قرأت من طبعة مركز تبصير الأولى لعام 2022 بينما أقرأ حضر على طول المدى سؤال: ما الكتب التي أثرت بي حقا؟ لا أقول أعجبتني، ففي هذا الباب عديد كتب، ولكن كان لها حضور وتعلق. لازال الحضور الأبرز لكتابين، الأول: وحي القلم. لمصطفى الرافعي رحمه الله. قرات قبل الكتاب عددا من الكتب لا أذكرها، كما تصفحت بعضها كالتذكرة للقرطبي مثلا، وبعض مجلات الثقافة العامة وعدد آخر من الكتب. لكن كان لوحي القلم تأثير السحر، وسطوة الحضور! ما بدأت القراءة إلا وأسرتني اليماماتان، فما وجدتني إلا معادوا للقراءة مرة أخرى وثالثة ثم المرور على المقالات واحدة فواحدة. هو الكتاب الوحيد الذي أحضرت منه نسختين. ثم كان بعده للرافعي ماكان من حب وتعلق. فرحمه الله ورحم من دلنا عليه. وأما الثاني فكتاب بلدي. لرسول حمزاتوف. ما إن بدأته وبعد صفحات قليلة استويت في مجلسي متسائلا: أي حكمة معجونة بالسحر هنا؟! ما كل هذا الجمال والعذوبة؟ كيف يمكن لأحد أن يكتب بهذه الانسيابية؟ ثم كان بعدما قرأته أن عرفت سر اعجابي به، وهو أنني لم يمكنن التعبي عما أشعر به إلا بهذه الطريقة. حكاية مع رصد شعور مع أبيات من الشعر وذكريات قديمة وأحلام وخيال. وبينما أقرأ النص الحالي (الانفراد والعزلة) كان السؤال السابق ولازلت أفكر..! لعل تأثري البالغ بهذا الكتاب من جهتين. فالأولى هو سيري على القراءة في تراث العرب وأدبهم ونصوصهم والقديم منها خاصة، والجهة الثانية تعلقي بمفهوم العزلة ورغبتي في تهذيبها ومعرفة حقها والتوازن بين متطلباتها و مايلزم من إقاة كافة الحقوق والواجبات على المرء الآن. وجدت الإجابة في الأقوال بالكتاب والحمد لله. طائفة من أقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وعدد من صحابته والتابعين والزهاد وروايات عن قائمين بالخلوة ومذهبهم ورأيهم وطريقهم. وآمل أن يكون ثمة عمل يتبع ما قرأته هنا. وأظن أن الكتاب سيكون الثالث في قائمة الكتب الأكثر تأثيرا وصاحب حضور في قائمة طويلة أخرى مما أعجبتني. اشتريت الكتاب من مكتبة عين 18 شوال 1444 مع كتاب حياة الرافعي للأستاذ محمد سعيد العريان. بدأت القراءة في 20 شوال، ثم أنهيتها اليوم الجمعة 29 شوال من نفس العام. مما رسخ بذهني وظل ثابتا: - الوحدة أنس المريدين. - إنما العزلة في اللسان. - توحش من الناس كما تتوحش من السباع. لن أضع الكتاب مع الكتب التي انتهت، بل مع الكتب التي نأخذ منها مرة أخرى إثر مرة كلما أردنا استنشاق الورد. وإلى رحلة أخرى.
أمّا وقد حادثتني نفسي بالعزلة حينًا، لم أجد من مؤنسٍ ككتاب يفيض بالحديث عن العزلة، وأول ما خطر لي كتاب كنتُ قد وضعته على قائمة القراءة وهو كتاب العزلة للإمام الخطّابي رحمه الله، لكني لم أجد من الكتاب نسخة مطبوعة، فقلتُ أُصبّر نفسي بهذا الكتاب لحين توافر كتاب العزلة، وللأسف هذا الكتاب لم يروي ضمأ قلبي في الحديث عن العزلة.
اقتصر الكتاب على ذكر الأحاديث والآثار الدالة والآمرة بالعزلة، أي العزلة لعبادة الله ومن الفتن. حيث اقتصر على هذا الباب فقط. ولم يكن به تنوع واسهاب كما في كتاب الخطابي. ومن المهم للقارئ أن يبحث عن نسخة محققة فيها تخريج الأحاديث، لأن الأحاديث والآثار المذكورة فيها الصحيح والضعيف والمكذوب والمقطوع والمنقطع والمرسل وغيرها، فوجب التنبيه عليها.
بعض ما أحببت من الآثار :
- ".. عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك، إن الأرواح لها أنفسٌ كأنفس الأجساد، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضا، ويتحابون بروح الله عز وجل، وإن لم يلتقوا ويتعارفوا ويتكلموا، وإن نائت بهم الديار، وتفرق بهم المنازل."
- "من خالط الناس داراهم، ومن داراهم راءاهم."
- ".. ويهيج في حب الخلوة الزهد في معرفة الناس .. ويهيج في حب الخلوة شغل العبد بنفسه .. ويهيج في حب الخلوة كثرة الهموم والأحزان .. ويهيج في حب الخلوة رقة القلوب والرحمة .. ويهيج في حب الخلوة عزوف النفس عن الدنيا .."
"وينوي بعزلته كف شره عن الناس أولاً، ثم طلب السلامة من الأشرار ثانياً، ثم الخلاص من آفات الاختلاط ثالثاً، ثم التجرد بكنه الهمة لعبادة الله رابعاً، ثم ليكن في خلوته مواظباً على العلم والعمل والذكر والفكر ليجني ثمرة العزلة، وليمنع الناس عن أن يكثروا غشيانه وزيارته فيشوش عليه وقته، وليكف عن السؤال عن أخبارهم والإصغاء إلى أراجيف البلد؛ فإن كل ذلك ينغرس في القلب حتى ينبعث في أثناء الصلاة أو الفكر من حيث لا يحتسب.
وبالجملة، يقطع الوساوس الصارفة عن ذكر الله، وليقنع باليسير من المعيشة، وإلا اضطره التوسع إلى الناس، وليكن له أهل صالحة أو جليس صالح لتستريح نفسه إليه عن كد المواظبة في اليوم ساعة ؛ ففيه عون على بقية الساعات، ولا يتم له الصبر في العزلة إلا بقطع الطمع عن الدنيا وما في أيدي أهلها، وطريق ذلك أن لا يقدر لنفسه عمراً طويلاً، بل يصبح على أنه لا يمسي ، ويمسي على أنه لا يصبح ؛ فيسهل عليه صبر يوم واحد، وإلا ؛ فلا يسهل عليه الصبر عشرين سنة أو قدر تراخي الأجل. وليكن كثير الذكر للموت ووحدة القبر مهما ضاق قلبه من الوحدة، وليتحقق أن من لم يحصل في قلبه من ذكر الله ومعرفته ما يأنس به ؛ فلا يطيق وحشة الوحدة بعد الموت، ومن أنس بذكر الله ومعرفته ؛ فلا يزيل الموت أنسه ؛ إذ لا يهدم الموت محل الأنس والمعرفة، بل يبقى حياً بمعرفته وأنسه"
٤٧.٦.٢٩هـ ختمته مع اقتراب طيّ صفحة أيام زاخرة بالعزلة، تجرعت آلامها مرة، وتفيأت ظلالها مرارا، أنست وتوحشت، حزنت ورقت، لكني رغم ذاك، أحبها، جزء متجذر مني، ولا أتخيل نفسي دونها
كتاب يدعو إلى التأمل في الانفراد والعزلة ويخاطب المرء نفسه في اتخاذهما للحظات عند ارتفاع ضجيج الحياة ، اورد فيه المصنف الاحادث والاقوال والاشعار والحكم التي تدعو إلى اعتزال الناس والانفراد للعبادة، ولكن جمع فيه كل الاحاديث ما بين الصحيحه والحسنة والضعيفة .
يقول ابن أبي الدنيا: اختيار المخالطة مطلقًا خطأ، واختيار الانفراد مطلقًا خطأ. ولكن مقدار ما يحتاج إليه كل إنسان من هذا وهذا، وما هو الأصلح له في كل حال.
This entire review has been hidden because of spoilers.
العزلة والانفراد لابن أبي الدنيا من المصنفات النافعة التي جمعت آثار السلف في هذا الباب، وعمل الشيخ مشهور لم يكن فقط تحقيق الكتاب وتخريج أحاديثه وآثاره، بل قدّم بمقدمة نافعة عن العزلة والخلطة ونقل نصوصًا مهمة عن الأئمة والعلماء فيهما...
الآثار الواردة في الكتاب تُحدِث عند المرء اتزانًا، وتُصلح له بوصلته التي انحرفت، وتعيد إليه رُشده، فالكتاب أنصح بمطالعته والعودة إليه كلما فسد القلب وضعفت النفس جرّاء مخالطة الناس.
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه:"كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سُرُج الليل، جُدُد القلوب، خُلقان الثياب، تعرفون في السماء، وتخفون على أهل الأرض"