الشر كنت أظن أن هناك شراً كثيراً في العالم فرغم أنني أكثر أصدقائي حناناً، لم أر وردةً على مائدة إلا وطحنتُ طرْفها بين الإبهامِ والسبّابة لأتأكّد أنها ليست من البلاستيك
مؤخراً بدأت أشك في وجود الشرّ أصلاً كأنّ الأذى كله يكون قد حدث بالفعل في اللحظة التي نتأكد فيها أن الكائنات التي أدميْناها كانت حقيقية
من قصيدة فكرة البيوت
كل مرةٍ تعود إليه وتراب العالم على أطراف أصابعك، تحشر ما استطعت حمْله في خزائنه. مع ذلك ترفض أن تُعرّف البيت بأنه مستقبل الكراكيب، حيث أشياء ميتة كانت قد بدت في لحظةٍ ما تفاوضاً مع الأمل. ليكن البيت هو المكان الذي لا تلاحظ البتّة إضاءته السيئة، جدار تتسع شروخه حتى تظنها يوماً بديلاً للأبواب
صدر لإيمان مرسال 1995 ممرّ معتم يصلح لتعلّم الرقص، دار شرقيّات، القاهرة. طبعة أولى ١٩٩٥ 2004 طبعة ثانية بينما صدرت الطبعة الثالثة عن مكتبة الأُسرة في 2013 المشي أطول وقت مُمكن، دار شرقيّات، القاهرة 1997 والطبعة الثالثة عن مكتبة الأُسرة في 2013 جغرافيا بديلة، دار شرقيّات، القاهرة. طبعة أولى 2006 وطبعة ثانية 2011 حتّى أتخلّى عن فكرة البيوت، دار شرقيّات ودار التنوير، القاهرة – بيروت 2013 ذبابة في الحساء، تشارلز سيميك. دار الكُتب خان، القاهرة، 2016 2020 الطبعة الثانية
كيف تلتئم: عن الأمومة وأشباحها. كيف تـ مع مؤسسة مفردات، برلين - براسل، 2017 2018 طبعة ثانية أغسطس
في أثر عنايات الزيّات، الكتب خان، طبعة أولى نوفمبر 2019 طبعة ثانية، ١ يناير 2020
ولدت إيمان مرسال في المنصورة، مصر في 30 نوفمبر 1966 وشاركت في إصدار مجلة "بنت الأرض" المستقلة من 1986 إلى 1992. انتقلت إلى القاهرة في 1988 و نُشرت قصائدها في مجلات هامشية كانت نافذة للكتابة الجديدة في مصر مثل "الجراد" و"الكتابة الأخرى" ويعدّ كتابها "ممرّ معتم يصلح في تعلّم الرقص" واحداً من أهم الكتب الشعرية الصادرة عن جيل التسعينيات في الشعر العربي تركت مرسال مصر إلى مدينة بوسطن الأمريكية في 1998 بعد سنوات من العمل كمحررة في مجلة "أدب ونقد" القاهرية وبعد حصولها على الماجستير في الأدب العربي بعنوان "التناص الصوفي في شعر أدونيس"، ومن بوسطن إلى كندا حيث تعمل أستاذ مساعد للأدب العربي ودراسات الشرق الأوسط في جامعة ألبيرتا. أقامت مرسال في برلين كأستاذة متفرّغة للعام 2012- 2013 لإنهاء كتابها عن "أمريكا في كتابة الرحلة العربية" وهو تطوير لرسالتها للدكتوراة التي حصلت عليها في 2009. تُرجمت مختارات من عمل مرسال إلى أكثر من 22 لغة منها ترجمة خالد مطاوع لمختارات بالإنجليزيّة عن شيب مادوت برس - نيويورك في 2008 ومختارات إلى اللغة الهندية 2012 ترجمها الشاعر جيت شاتورفيدي، كما صدر "المشي أطول وقت ممكن" بالأسبانية عن دار نشر هيوجرا وفيرو بمدريد في يناير 2013 و ديوان "جغرافيا بديلة"عن دار نشر ليبرو دِل اير في مدريد في يناير 2014، وديوان ممرّ معتم يصلُح لتعلّم الرقص عن دار نشر هيوجرا وفيرو في ٢٠١٦، وقد قام بترجمة الكتب الثلاثة لورا سالجورو ومارجريتا أوزاريو منندز صدرت مختارات من قصائدها بالفرنسيّة في يناير ٢٠١٨ عن أكت سود، باريس كما صدرت الترجمة الإنجليزيّة لـ "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها"، ترجمة روبن ميجور، في نوفمبر ٢٠١٨ ----------------
رؤية وفكر وحس إنساني الوطن والغربة والعالم والناس والوقت والماضي واللحظة والسؤال كتابة ذاب فيها الشعر وذابت في السرد صداقة لن تستطيع أن تنفض نفسك منها مع هذه النصوص ستستضيف الصور والكلمات وتقول إن الإنسان الصادق هو من يشعر بعمق الجروح التي لا يراها حتى أصحابها تخلت إيمان عن فكرة البيوت بالمفهوم الشعري، ومضت تومض في سطور الشعربة الجديدة مصباحا منيرا تتجلى في حيزه صورا مركونة في جداريات القلب امندت الأسرة في فضاء الإنسانية لكن الجميع غرباء وأصبح الأصدقاء الكثر حفنة افتراضية في أصابع اليدين والسيرة قليل من الصور في مرآة الخاطر والشعر أبجدية الوحدة غلاف حتى أتخلى عن فكرة البيوت لوحة ناطقة بجمال غامض لأقدام غرباء في عتمة داكنة، غرباء بزي احتفال رسمي، تكوبن ثابت لحركة آلية، خطوات وهمية تتجه لخط متعرج، كشخصيات لعبة لا تكتمل، يحتويها فراغ جحيمي مكتوم استراتيجية الكتابة في ديوان حتى أتخلى عن فكرة البيوت تنطلق من الظاهرة الإنسانية التي تتجلى في متناثرات الرؤية، المعاني المطروحة في طريق الناس، لا يراها إلا من يعايش أحوالهم متأملا حركاتهم في فضاء اللوحة المتراَمي القارات، الشعرية هي استخلاص آلام المنكسرين والمتبعثرين والممزقين من نوافذ التعبير المكتوب والمنطوق والصامت، شعرية العمق الخفي ونثرية الصياغة الباحثة عن حرية التشكل
كنت أظن أنه بإمكان قارئ مثلي أن يكتب كلامًا كبيرًا وعظيمًا عن ديوانِ أعجبه، في الواقع ومن خلال خبرات قليلة سابقة يمكننا أن نؤكد أن كل ما يُكتب عن الشعر صعب .. الشعر تقرؤه وتحس به وتفكر فيه وتدور حوله .. لكن أن تكتب عنه فهذا أمر وشأن آخر .. بإمكاني أن أستريح هنا عند بعض القصائد وأتوقف أمامها أيامًا .. وأنا مغمض العينين مثل مقال عن ألعاب الطفولة، مثل النجاة، مثل كأن العالم ينقصه شباكٌ أزرق ، مثل فكرة البيوت طبعًا و من النافذة .. ولاشك عندي أن لإيمان مرسال لغة وتركيبًا خاصًا جدًا .. وممتع في الحقيقة .. شكرًا إيمان
حتى أتخلى عن فكرة البيوت لم يتم اختيار العنوان بشكل عشوائي بغرض إظهار العمق، لكنه قناعة طبقتها الكاتبة في ديوانها الشعري المزعوم. نصوص نثرية مفككة ومكتوبة علي هيئة أبيات شعرية، مرتبة في قصائد مزعومة، ولكن أين القصائد؟ أين الشعر؟! نصوص عدمية سوداوية لن تفهمها ما لم تكن عميقا بالقدر الكافي، أو تدعي فهمك لها بينما تحتسي قهوتك. هناك حل أخر أكثر منطقية، أنت تقوم بحرق النسخة التي في يدك حتي تنقذ غيرك من ضياع ساعة في قراءة هذا الشيء السخيف.
كنت أظن أن هناك شراً كثيراً في العالم فرغم أنني أكثر أصدقائي حناناً، لم أر وردةً على مائدة إلا وطحنتُ طرْفها بين الإبهامِ والسبّابة لأتأكّد أنها ليست من البلاستيك
مؤخراً بدأت أشك في وجود الشرّ أصلاً كأنّ الأذى كله يكون قد حدث بالفعل في اللحظة التي نتأكد فيها أن الكائنات التي أدميْناها كانت حقيقية
حتى اتخلى عن فكرة البيوت وجدت هذا العنوان في وجهي وقلت في نفسي (ازاي يعني؟)
وكان هذا هو السبب الذي دفعني لقراءة الكتاب
في ريفيوهات الكتاب لاحظت ان الجميع يطلق عليه ديوان مع اني لم ارى فيه اي نوع من انواع الشعر كما انه ليس بخاطرة بالمعنى وليس بقصة بالمعنى....هو لون ادبي بلا ملامح محددة اشبه بشخص اراد (الكتابة) وخلاص
لم احب هذا الكتاب بالرغم انه اتى مختلفا في لونه الادبي ( اللي انا لحد دلوقتي معرفش هو ايه) ومختلف في اسلوب الكتابة لاشك ان الاسلوب جميل لكن الحكايات نفسها لم تكن بالمستوى اشبه بجمل متقطعة لشخص يهذي...الكلمات المتقاطعة التي تحاول ان تفهم منها ما في بطن الـ كاتب....
اكره جدا الكاتب الذي يكتب الغاز ليوحي لك انك لا تفهم شيئا وانه عميق وعليك ان تساير مستوى عمقه واكره الكتابة التي تشبه اللوحات (اللي فيها اي شخبطة والمفروض ان ده فن وعمق وموضوع وهدف وانت بطيخة)
يمكن اللي عجبني اربع او خمس مقاطع اللي تخص البنت اللي نامت على كتف الغريب في السفر دي اللي انا فاكراها منهم
باختصار الكتاب معجبنيش
ملحوظة انا في الاول لما شوفت الغلاف ماعجبنيش بس بعد ما قريت الكتاب عذرت المصمم لاني لو مكانه برضه مش حاعرف اختار صورة تناسب اي حاجة في الكتاب
(قراءة في نص من ديوان: حتى أتخلى عن فكرة البيوت لـ إيمان مرسال)
سنقرأ نص مرسال، المعنون بـ (تصبح على خير)، دفعة واحدة، ثم نجزأه بطريقة تتناسب مع قراءتنا له: من سريرك في قارة أخرى تقول: "تصبحين على خير" أنت تنام في الثامنة صباحا، هذا ما يجب أن يفعله روائي صبور بعد ليلة من اختراع الأحداث، بعد يوم طويل أمد يد امرأة عاملة لأوقع باسمي على قائمة المشتروات، هل أنت من كان يمكن أن يقول "نعيش اللحظة نفسها في توقيتين مختلفين"؟ أقول بنفس الحنان "تصبحين على خير" للهندية الواقفة منذ الصباح خلف صندوق النقود، فتبتسم بطراوة كأنها لم تكن غاضبة من ثوان على زبائن اللحظة الأخيرة. لصوتك الذي رن في السوبر ماركت لحظة إغلاقه ألتفت حيث ألمح الموز ينام في تل صغير ويتثائب العنب في عناقيده الندى على التفاح وعش الغراب يشع دفئه من نقطة ذاتية في الداخل بينما الباب ينفتح أوتوماتيكيا لجسدي الذي للمفاجأة يشغل حيزا من الفراغ.. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ تصبح على خير: يبدو عنوانا ودودا. جملة بسيطة نقولها لحبيب أو قريب أو صاحب، أو حتى أي شخص عادي تصادف لقاءه، عند انتهاء اليوم، أو قرب الدخول إلى النوم. تقال على سبيل تمني الخير للآخر. من سريرك في قارة أخرى تقول: "تصبحين على خير": تحديد للمكان. لكنه تحديد مثير للتفكير، سرير في قارة، وحدة جد صغيرة، مع أخرى عملاقة: سرير، وقارة. ولا تحديد لموضع أو أمارة أخرى تدلنا على جغرافية المكان الذي يعيش فيه، بوضوح. سرير موضوع في قارة، غير تلك التي تسكنها البطلة. قارة قبالة قارة. سرير قبالة سرير آخر. هو وهي. بينهما حيز مكاني، وزماني، وكأننا في الوجود كله، لا نشغل حيزا، أكبر من حيز سرير، ولا نحتاج لموضع أكبر منه.. من سريره النائي البعيد، يتمني لها امنية المساء: "تصبحين على خير". أنت تنام في الثامنة صباحا، هذا ما يجب أن يفعله روائي صبور بعد ليلة من اختراع الأحداث: ولأنه يمتهن عملا شاقا: اختراع الأحداث، فإن وقت نومه، (الثامنة صباحا)، هو وقت مماثل تقريبا، لوقت سكوت شهر زاد، عن حكايتها، كانت تفرغ منها مع طلوع النهار. وهو المطابق لوقت حلول المساء وانتهاء اليوم، عندها، في قارتها البعيدة، إنهما معا، يعيشان اللحظة ذاتها بتوقيتين مختلفين.. بعد يوم طويل أمد يد امرأة عاملة لأوقع باسمي على قائمة المشتروات: هو ينمي حكاياته بالليل، وهي تمضي حياتها (في العمل)، بالنهار. هي توقع على قائمة مشترواتها كأنها توقع على انقضاء اليوم. وهو، وإن كان يزاول عملا آخر؛ مهنة اختراع الأحداث، كروائي صبور، فإنه، حتما سيمهر ما كتب بتوقيعه: (كل رواية، حكاية، لا بد لها من أن تحمل اسم مؤلف ما). هي في قارتها توقع مساء على يومها، لتقول: عشتها. وهو يوقع صباحا، على أحداث اخترعها ليلا، ليقول: كتبتها.. تحضر اليد للتوقيع/ وكإشارة على ممارسة العمل: بعد يوم طويل أمد يد امرأة عاملة لأوقع. اليد، تفضح مهنة صاحبها. يد العامل غير يد الكاتب. يد المرأة غير يد الرجل. يدها تقوم بعملين: ممارسة عملها اليومي، والتوقيع عليه. ويد صاحبنا، أيضا، تقوم بعملين: تكتب طوال الليل ما اخترع من احداث، وتوقع عليه. ما تجنيه هي من يوم عملها: مشتروات توقع على قائمتها. ما يجنيه هو من ليلة شغل واختراع: حكايات يوقع على غلافها. هل أنت من كان يمكن أن يقول "نعيش اللحظة نفسها في توقيتين مختلفين"؟ تداع للذاكرة. تذكر. تداخل للأحداث: لحظة التوقيع، بالقول: هل أنت من كان يمكن أن يقول "نعيش اللحظة نفسها في توقيتين مختلفين"؟ وكأن الذاكرة تؤازر فعل اليد. أو، لنقل، إن ذاكرتها تأبى إلا أن تشارك ذاكرته اللحظة هي الأخرى، فهو كروائي لن يُعمل يده إلا بمعونة من الذاكرة، وهي لما جاء وقت توقيعها حضرت على الفور كأنها تقول: أنا أيضا هنا.. أقول بنفس الحنان "تصبحين على خير" للهندية الواقفة منذ الصباح خلف صندوق النقود، فتبتسم بطراوة كأنها لم تكن غاضبة من ثوان على زبائن اللحظة الأخيرة. هي هنا تقوم بدور وسيط لنقل الجملة: تصبحين على خير. ومما سهل عليها القيام بهذا الدور، انفعالها الحاضر: أقول بنفس الحنان. بنفس طزاجة الذاكرة، وحضورها: إنها تريد أن تشرك الهندية معها في اللحظة. إنها تطمح لإقامة مؤتمر للحنان العالمي يحضره هو في سريره، وفي نفس التوقيت الذي تجتمع فيه بالهندية، بترديد تلك الجملة الوحيدة: تصبحين على خير. وعلى الفور تجني ابتسامة منها كمكافأة. تقول: كأنها لم تكن غاضبة قبل ثوان على زبائن ضايقوها. من غضب لتبسم، تحول أحدثه الروائي الصبور دون أن يشعر، وهو في قارته البعيدة: إنه دوره على كل حال. دور الفن الذي يخترعه: احداث تأثير ما من خلال الكلمات والحكايات. ها هو قد حقق نجاحا لحظيا وهو ذاهب إلى نومه، بتصبحين على خير، أقول: ما ذا لو قرأت روايته، وماذا لو قراتها الهندية الواقفة خلف صندوق النقود المتبسمة من جملته العابرة.. لا بد أن النتيجة ستكون شيئا آخر، أكثر جمالا من ابتسامة بعض غضب. لصوتك الذي رن في السوبر ماركت لحظة إغلاقه ألتفت حيث ألمح الموز ينام في تل صغير، ويتثائب العنب في عناقيده الندى على التفاح وعش الغراب يشع دفئه من نقطة ذاتية في الداخل بينما الباب ينفتح أوتوماتيكيا لجسدي الذي للمفاجأة يشغل حيزا من الفراغ: دفقة واحدة. فاصلة واحدة فقط، بعد الموز النائم. تركيب مهول لللأشياء: (صوته)، في فضاء (السوبر ماركت)، ( لحظة إغلاقه)، (تلفتت) على الصوت، لم تره طبعا، (لمحت الموز ينام، والعنب يتثائب، والندى على التفاح، وعش الغراب يشع دفئه)، بينما (الباب ينفتح أوتوماتيكيا) لـ (جسدها) الذي (يشغل حيزا من فراغ) آخر فجأة. عندما نسمع صوتا لغائب، لابد بعده من أن نلتفت، مكذبين الواقع كله. وكأننا نريد أن يصبح الحلم حقا. ولأنه غير موجود أقصد هو: (مصدر الصوت)، فالعين تلمح، ما في نطاقها من موجودات: موز وعنب وتفاح وعش غراب، تلك التي تشير بطريقتها إلى انتهاء يومها أيضا: (الموز) نائم، (العنب) متثائب، يهم بالنوم، (التفاح): يحمل نداه، كأن، نهاره ليل وليله نهار، مثل صاحبنا الساهر في قارته على اختراع الأحداث. أو ربما كان يعمد إلى عيش لحظته بتوقيت مختلف مع تفاح آخر، بقارة اخرى. كل هذا حصل وهي في طريقها إلى الباب تحمل مشترواتها بيد امرأة عاملة دون توقف، فدخلت في نطاق الباب الحساس، فانفتح.. هنا تتبدى لعبة المكان والحيز. كانت في مكان تعيش لحظة مشتركة، مؤتمر حنان عالمي عابر للقارات، وفجأة انتهى كل شيء لتشغل حيزا جديدا: الباب ينفتح أوتوماتيكيا لجسدي الذي للمفاجأة يشغل حيزا من الفراغ. وجود الجسد داخل حيز السوبر ماركت أثث لحلم اليقظة الجميل الذي عاشته وهي تنهي يومها، ولمؤتمر الحنان العالمي الذي أدارته بنجاح توج بابتسامة الهندية. لكن انفتاح الباب ومغادرة الجسد للمكان، بدد الحلم، في لحظة، ليكتمل النص الذي نقرأه الآن. هي لم تكن ترغب في المغادرة، والابتعاد عن رنة صوته، وعن وجوده، ومصاحبته لها، مشاركا إيها اللحظة، لذلك شعرت بالمفاجأة: بينما الباب ينفتح أوتوماتيكيا لجسدي الذي للمفاجأة يشغل حيزا من الفراغ. وهنا يمكننا أن نستنتج علاقتان داخل النص: - الجسد بالكتابة: فالكتابة تشغل حيزا من فضاء/ بياض الصفحة، وتأخذ توزيعا وشكلا معينا يناسبها. وجسد صاحبتنا أخذ (خارج السوبر ماركت) حيزا جديدا اكتشفته فجأة بانفتاح الباب، هو في الحقيقة حيز كتابة. - الزمان بالمكان: فبالاشتراك في فعل واحد في نفس الوقت، بجملة واحدة، اختصر المكان وكان حاضرا معها وسمعت رنة صوته، ولما انتقل الجسد من حيز لحيز آخر، تشتت اللحظة/ الزمن. تلك لعبة لا تنتهي.. لم ننتهي بعد. هناك نقطة تخص فعل الكتابة في الزمن، استدرجتنا لقراءة ثانية: كم كلف هذا النص كاتبتة من الوقت، لتكتبه، بفرض أنه خرج، دفقة واحدة بلا إعادة صياغة أو إضافة أو حذف؟ سأفترض أنه كلفها ثلاث دقائق فقط، مدة ملاحقة الكلمات، وإثباتها فوق فضاء الورقة. وكم كلف هذا المشهد بطلتنا من الوقت؟ أقل بكثير: مجرد تذكرها قوله: تصبحين على خير، وتوقيعها على مشترواتها، وترديدها على سمع الهندية، ثم التفاتها على صوته، ونظرها للفاكهة، حيث لم يمهلها الباب فانفتح؛ هذا كله يحدث في ثوان معدودة، قليلة جدا.. فما يجري داخل الذهن في ثوان، يحتاج لوقت أطول بكثير لكتابته/ حكايته. وهذا أيضا يماثل ما يحدث في الحلم، فأحيانا ننام في مكان انتظار ما لثوان، ونحلم حلما أطول قد يكلفنا وقتا أكبر من اللازم في حكايته. وهذا ما جعلني أتخيل، صاحبتنا بعد يوم عمل طويل، وهي في طريقها عائدة، نامت.. نامت في باص، نامت في طريقها وهي تمشي، نامت واقفة في مكانها وهي تنتظر المصعد.. فوجدت نفسها في السوبر ماركت، وسمعت تصبحين على خير، ووقعت على مشترواتها، وفكرت في أن صاحبها مخترع الأحداث في سريره الآن، ربما كان هو القائل: نعيش اللحظة نفسها في توقيتين مختلفين، ورددت للهندية: تصبحين على خير، فتبسمت، وسمعت رنت صوته فتلفتت حيث لم تجد سوى الفاكهة وعيش الغراب، وانفتح الباب لما اقتربت من مجاله، وهنا، توقف الحلم، بإنفتاح الباب. تلك النهاية التي أنهت النص/ المشهد، هي نهاية حلم. فكثيرا ما يحدث، ونستفيق من أحلامنا على صوت غائب بعيد سمعناه، ثم لما نتلفت لرؤية مصدره، نتنبه أننا كنا نحلم، ونتيقظ. وها هي صاحبتنا قد تيقظت، لما لم تجد مصدر الصوت الذي كان يرن، ووجدت نفسها في مواجهة فراغ آخر، غير فراغ الحلم؛ حيزا جديدا غير الذي كانت تشغله: (داخل السوبر ماركت فضاء ما/ خارج السوبر ماركت فضاء آخر. داخل الحلم شيء/ خارج الحلم شيء آخر)، وانفتاح الباب هو الحد الفاصل في الأولى، وانفتاح العين، أو التيقظ، هو الحد الفاصل في الثانية.. في النص السابق على هذا النص، يعرض لحظة انفتاح العين في الصباح (تنفتح العين مثل ستارة مسرح)، والنهوض إلى المطبخ حيث القهوة السوداء: جائزة العودة سالما من النوم. وفي النص الذي يلي نصنا الذي استطردنا حوله، المعنون بـ (ادخلوها بسلام)، يحضر الجسد مرة ثانية، ويحضر الباب، فعندما تصل بطلتنا إلى المطار قادمة من قارتها البعيدة، سيتحتم عليها أن تعبر بابا وأختاما، ليكتمل الوصول: ادخلوها بسلام آمنين. وفي النص الذي يليه، ينفضح الأمر من العنوان: (أنت أمام الباب وأنا خلفه)، وماذا بعد؟ سينفتح الباب ليبدأ اللقاء على الحقيقة، تقول: وتعبر العتبة، وفي نفس النص تستعير حكاية النبي موسى مع فرعون لحظة المطاردة وعبور البحر، حيث عبور الجسد من مكان لآخر، من فضاء لفضاء آخر. وسقوط آخر/فرعون، في البحر، لأنه لم يتمكن من اجتياز العتبة، فأدركه الغرق ومن معه.. لكي يصل جسد لجسد، لابد من اجتياز عتبة، أوباب. ولكي نصل إلى مغزى نص ما/ كتابة، يجب علينا اجتياز عتبة: عنوان، تمهيد أواقتباس. هل كنا بحاجة لهذا الاستطراد؟ لا أعرف، لكنه استدراج النص لنا/ استدراج جسد، دعانا للعبور إليه..
قرأت هذا الكتاب منذ سنوات لا أذكر عددها ولا تهمني، قيمته وقتها بنجمة واحدة ولا أعلم السبب فنفسي السابقة لم تترك لي مراجعة ولا حتى سطر واحد يبرر عدم إعجابها بالكتاب.. سقط الكتاب مرة أخرى أمام عيني وقررت إعطائه فرصة ثانية في سهرة مملة و وحيدة مثل سهرتي، والحمدلله أني فعلت.
أقتباسات:
سيجتهد لحفر خندق لن يجد الوقت ليختبئ فيه. p. 14
وعندما تحدثك امرأة عن سعادة ضائعة فهي تحملك المسؤولية كاملة لترجعها لها على طبق من فضة، كمل يرجع فارس برأس عدو مقطوع في قصص الخلفاء. p. 23
اسمك امامي ولا ورد في يدي. p. 29
ربما أنا في هذه القارة كي أمشي وحدي لعدة أيام او سنوات وكأن لا أحد هناك يحتاجني، ينتظرني، يطالبني، يحبني، يستوحشني، يخاف عليّ. p. 31
والجوع؟ لمذا أبذر قمحًا في أرض لا أملكها؟
p. 43
وأنا ابدأ وصولي الأكثر خيبة إلى ما لا أريد
p. 43
قد نكون معًا في محل للسجاد على وشك أن نختار تلك المليئة بالاخطاء لغرفتنا المشتركة.. p. 53
يبحث الواحد عن الحب ثم لا يعرف ما الذي يصنع به. تقبض اليد ع��ى اليد ثم تخاف أن يقيدها ما تقبض عليه. p. 57
انا ثمل وأنت مجنون فمن الذي سيأخذنا الى البيت
سؤال مفتوح كجرح، سؤال ندعي انه وجودي ولكن سائق التكسي سيأخذنا إلى الفندق هكذا نحبط الشاعر القديم بأجابتنا السهلة. p. 58
لو كنت تعلمت كيف تصلي لواحدٍ من تلك الآلهة، لجثوت على هاتين الركبتين الآن. p. 61
بيده من شعري شدني رجل كان رآني أغرق بعد أن كنت أمشي على الماء.. بيده من شعري شدني رجل حتى درت مع الرياح وتترنح جبال بين نيرانٌ وضوء حدث هذه قبل أن أعود إلى الشاطئ بثوب ممزق وخبرة جيدة بملمس الرمال p. 82
مع ذلك ترفض ان تعرف البيت بأنه مستقبل الكراكيب، حيث أشياء ميتة كانت قد بدأت في لحظةٍ ما تفاوضًا مع الأمل. p. 84
الشخص الذي تبعثر من قبل عادة ما يتلفت حوله، كأنه يبحث عن جزءًا ما زال ضائعًا من��. p. 86
“يبحث الواحدُ عن الحبّ ثم لا يعرف ما الذي يصنع به. تقبضُ اليد على اليدِ ثم تخاف أن يقيّدها ما تقبضُ عليه. يتردد في الأذن صوتُ بعينه ثمّ لا تحتمل أن تحتفظ به يومًا آخر. كأنّي أحدّق في عتمة الرحم بحثًا عن البويضة السعيدة، أنتظر معها عقودًا ملتصقة مثلها بالجدار، لحظة النضج والتحرر، الدفء والتحقق، الالتحام والخلق ثمّ لا أعرف إذا كانت الحياة تحتاج حقًا طفلاً آخر أم لا. الحبّ مرة أخرى، ياللوهم الرائع الذي نصنعه ونتقنه.”
أحب إيمان، فهي الوحيدة ربما التي تشفي حبّي ورغبتي في قراءة العناوين الطويلة المدهشة. نصّ "كأن العالم ينقصه شبّاك أزرق" المفضل لدي. لكن بصورة عامة إيمان قريبة لقلبي جدًا.
"ما أذكره غائب عن الصورة فلماذا أجتهد هكذا لأحافظ عليها من الضياع؟"
كتاب "حتى أتخلى عن فكرة البيوت" صنفه الأدبي "شعر" -حسب تصنيف دار النشر- وفي الحقيقة وجدته نثر بلا ضفاف أكثر من كونه شعراً. العنوان ملائم لأغلب النصوص واستطيع فهم العلاقة بينه وبين ما تُريد الكاتبة طرحه من أفكار ومواضيع خاصة بالغربة والتيه والبحث في العالم عن معنى ورفقة، أفكار جميلة وبها فلسفة سوداوية مُحببة، ولكن أيضاً كانت هناك بعض القصائد/الفصول لم أفهمها تماماً ولم استسغها أو أعرف العلاقة بينها وبين فكرة الديوان.
يبدو أنني لا استطيع التخلي عن فكرة البيوت، ولكن يجب أن أحاول التخلي عن فكرة الشعر بشكله الذي أعرفه، تجربة أولى لكتابات "إيمان مرسال" لم تُعجبني تماماً، ولكني سأحب أن أقرأ لها مرة أخرى.
ترقب... فان العنوان خداع، وانك لابد ان تعرف ان ما ستقرأه ليس بشعر بحت بل هو اقرب منه للنصوص، نصوص شعر او نصوص سحر، الفارق قريب، وكأنك تقرأ الى متقاطعات اغوتا كريستوف واسئلتها غريبة الاطوار. غريبة ايمان جداً في ديوانها، وقد فاتتها في الغربة الكثير من الاشياء، وما ان تفتتح الذكريات عند ميت عدلان وتستذكر من مات من شخوصها وحياتها ومن بقي ينعم بالحياة، وكيف وصلت بها الغربة عند حدود الملامة والذنب، حتى تلعن القدر وتلوم ما جنته يداها حين قررت السفر وترك الوطن، فتقول؛
ماذا يفعل شخص جاء ليقرأ قصائد عن هناك لاناس ليسوا من هناك حين يأكله الذنب سوى ان يقف مثلي الآن في فندق خمسة نجوم ويلعن العالم بالصراخ...
العظيمة إيمان مرسال تُكمل المسيرة الرائعة بهذا الديوان المنمنم الحنون..لا تستطيع الكتابة عن الشّعر مالم تكن شاعراً .. و بالتالي لا أملك إلا أن أنصحك بقراءة الديوان بنفس راضية وواثقة من الإستمتاع و الإنبساط و رقص الأبيات بداخلك تقول إيمان مرسال الكثير في هذا الديوان عن البيوت والسّفر و الحُب و الرغبة و الأمومة و البنوّة و النبوّة و السّن و اليأس و الأمل ..و ماذاأيضاً ؟ إيمان مرسال تكتب عن العالم.. و تقول " الفجر هو الوقت الذي يمكن أن ينخلع فيه القلب.." و أقول ..و شِعْرِك أيضاً يا عزيزتي ..
اختيارها للعناوين ملفت، فمثلا تجعل الصفحة البيضاء لوحة لمجرد أن كتبت على حاشيتها "وفاتتني أشياء"، المحتوى مربك خاصة أنه يعرض لك قدرته على الإبهار دون أن يفعل، فشيء ما يشعرك أن النصوص ناقصة الجمال أحيانا وربما كانت متكلفة العمق في أماكن أخرى، فالكاتبة ماهرة وقديرة ولا خلاف على ذلك وما كتبته من مشاعر وأفكار يشبهنا وننتمي له ولكن لم أجد فيه جمالا أسكن إليه.
المفروض ان تصنيف الكتاب شعر ..بس مش شايفه فيه اي شعر عباره عن نصوص ليس لها علاقه بعنوان الكتاب ولا ببعضها ..فيه جملتين شايفه ان فيهم تطاول في الدين استفزوني جدا الريفيوهات لاصحابي شجعتني اقراه بس شايفه انه ميستاهلش ..برغم من كده فيه بعض الجمل لوحدها عجبتني ..
تقول مرسال: ”كلّما تكوّنت كلمة التأم جرحٌ ما في هذا العالم.“، ومن ثُمّ لا تردد في إيلامِ قلبي بكلماتها الصادقة واليائسة. وهي تقول أيضًا، ما فيه خلاصة لحيواتٍ كُثر، ”تقبضُ اليدُ على اليدِ ثم تخاف أن يقيّدها ما تقبضُ عليه.“، وأتساءل —كما أفعل كل مرة أقرأ فيها جملة واحدة تلخص معاناتٍ قد لا يدرك أصحابها وجودها— كيف كوّنت هذه الجملة؟ أيُّ جرحٍ عانت مرسال في خلق الكلمات لأجل شفاءه إلى أن كان الحال أن تزيده ألمًا؟ لربما يلتئم الجرح عندما يوقَظ ليُكتب عنه، وربما لجرحِ القارئ أن يبرأ عندما يجد أن لغيره الجرح ذاته، والوجع ذاته، وإن كان بصورةٍ أو بأخرى.
تستعمل مرسال لغةً غامضة حرة، تكتب فيها أحداثًا خاصة، فلا يمكن للقارئ أن يُدخِل نفسه في الصورة، إنما عليه أن يبتعد قليلًا، ليرى الصورة ضبابيةً، وبحميمةٍ أخف، فيجد فيها ما يشبهه وما يذكره بنفسه (وقد لا يجد، لكن يرى جرح غيره)، فكلنا بشر، ونحن نشبه بعضنا البعض أكثر مما ندرك.
في المرة الأولى التي قرأت فيها مجموعة النصوص هذه، كنتُ قرأتها بعجلةٍ لا تليقُ بها، ولذلك عدتُ لها بعد يومان لأجرب مرةً أخرى، بتأنٍ وتركيز. ونفع ذلك. أظنني مع ذلك في حاجةٍ لقراءةٍ ثالثة، فالثالثة ثابتة كما يقال، وفيها ستكون خلاصة التجربة، لكنني لن أعود بعد يومان، بل سأتركها إلى أن أتذكرها، لأرى كيف يحدث الزمن فرقًا.
”أمامي حياتي كلها؛ حتى أنه يمكنني ضمّها إذا شئتُ، يمكنني حتى الجلوس على ركبتيْها والغناء أو العويل.“