مجموعةٌ تمضي فيها الشاعرةُ، عبر قصائدها القصيرة والمكثَّفة، في رحلةٍ داخلية، تستدعي علاقةً حميمة مع قلبها المليءِ بمشاعر حبٍّ وتذمُّر تضعُها في مواجهةٍ قاسية مع العالم بظلالهِ القاتِمة، وحروبه المُريعة، وسوءِ فهمهِ المقصود للإنسان وتوقهِ الأبدي للتعرُّف على ذاتهِ في مرايا متكسِّرة. هنا مكاشفةٌ لا تخلو من عتاب، حبٌّ يُحتضر، وولادةٌ متجدِّدة، تتخذُ فيها الروح شكل "حمامةٍ بيضاء"، بينما يصلحُ "القلب" العاشقُ لأن يكونَ صورة تتقِّد بالحياة. هكذا وعبر "غيمة"، تكتبُ سمر الشيخ "أريدُ التحرُّرَ كدَمعة/ انفجرت في القلب"، معتبرةً قصائدها "في سبيل المحبَّة"، "فراشةَ حزنٍ خفيف"، بينما حياتها "بحيرة صغيرة/ تكادُ تجفّ".تتعدَّدُ الانفجاراتُ في شكلِ صورٍ شعرية، ومعها تتعدَّدُ رغباتُ التحرُّرِ من فيزياء الجسد، لأنَّ "الجسدَ هو كلُّ ما تعرفُه/ وما تجهلُه". كأنَّ سمر الشيخ بكلماتها في الحبِّ والتذمُّر تواجهُ عالماً آيلاً للخراب، تبحثُ له في ذاكرتها عن أسباب البقاء، تلقِّحُ بخيالها نهاياته غير السعيدة، وتتخذُ لأجله قلبَها رفيقَ حياة، ذلك الذي يحمِلُها في حقيبةٍ ويمضي بها من دون سؤال، قبل أن يعودَ إليها "طفلاً متعباً وحزيناً" وقد أنهكته دروبُ الألم الشاقة.
حينما يولد شاعر في بلادي، تكثر النخيل، وتهيجن الإبل، وتكثر الواحات في البراري..
ديوان الشاعرة السعودية سمر الشيخ (أعطها اسما) من منشورات المتوسط هو كنز من كنوز رحلتي لمعرض أبو ظبي للكتاب 2023م.
أحب معارض الكتب لأنها توصلني بكتب لا أستطيع الحصول عليها سوى في المعارض.
كنت أتجول داخل جناح منشورات المتوسط وطلبت من صاحبها صديقي الأستاذ/ خالد الناصري أن يزودني فقط بكتب الشعر، فأنا ظمآن إلى الشعر الزلال..
أشار خالد بأصبعه إلى الأعمال الشعرية لأنسي الحاج وقال تعرفه؟ قلت: صاحب (لن) قال: نعم، قلت ومن لا يعرفه، قال هذه الأعمال الشعرية الكاملة له، ثم أعطاني الأعمال الكاملة لرياض الصالح الحسين، ثم بدأ يعطني دواوين شعرية منفردة حتى وصل إلى ديوان (أعطها اسما) وقال هذا ديوان لشاعرة سعودية، التقطته مباشرة لأني أريد أن أعرف كل الشعراء في بلدي.
فتحت الصفحة الأولى وإذا شاعرتنا تخرج رأسها من المقبرة:
إنها ميتة تخرج رأسها من مقبرة الحياة، يا للشاعرات اللاواتي يوهمننا بأنهنّ على قيد الحياة..
تزعم أن فمها مكمم:
كمّمتم فمي مثل وليمة، قدّمتني الحياة لدود متطفل..
لا أصدق أن هناك شاعرة مكممة فاها.. الشاعر قصائده لسانه..
إنها مسرفة ليس بالمال ولا بالمشاعر؛ بل بالوقت:
أسرفت وقتا سخيا أدل الفرح على بابي!
إنه دلّالة الأفراح على بابها، تخيّل أنك تبحث في الطرقات لتدل الفرح على بابك؛ إنها حياة مأساوية!!
هذه الشاعرة ممكن أن تكون أي شيء، كمثل تفاحة بائسة بؤس تفاحة وحيدة:
ببؤس تفاحة وحيدة تنظر للشجر في الصفة الأخرى..
إنها ككل الإناث تطلب رجلا واحدا يكفيها؛ لكن حتما للرجال رأي آخر:
رجلٌ واحد يكفي لتظل أنوثتي بطراوة القطن وخصوبة الأرض..
تخيل مأساة ضياعها مثل صباح أضاع طريق السماء:
حزينةٌ مثل صباح أضاع طريق السماء أحلم بعشرة أصابع تمسح جراحي تخرج وردة حزن تبكي في قلبي
كما قالت سابقا هي بحاجة إلى رجل واحد يملك عشرة أصابع..
تقول في بيت استفزني: الأسرار تحتاج قلوبا كبيرة لحملها
مشكلة الشعراء أنهم يحاولون اختراع الدولاب، الأسرار تخرج من تحت الأبواب وتنسل من بين الأقفال، والسر الذي أودعناه في البئر، صار يسقي القرية كلها..لا وجود لقلب يخزن الأسرار، سواء قلب صغير أو كبير، كل القلوب تشيع الأسرار..
شخوصها في الديوان لا يولدون أبناء كما في الحياة، إنهم يولدون خناجر:
بعدما يُنجبن خناجر يعشقن وطنا وينساهن الطريق إليه..
قالت سابقا أنها تفاحة، والآن تريد أن تكون أشياء كثيرة: وردة/ رائحة/ شوكة/ غصن/ رحيق أي شيء المهم ألا تكون إنسانة:
يالله ازرعني وردة شوكة غصنا هرب من حقل القطيع.. سئمت أن أكون إنسانا