بين فتح المغرب على يد موسى بن نصير حوالي 86هـ وبروز دولة الأغالبة عام 184هـ، ثمة قرن من الزمن تمت فيه أسلمة الرقعة المغربية وإقحامها نهائياً في مجرى التاريخ الإسلامي.
إلا أن هذه الفترة المفصلية من تاريخ تطور المغرب- والغرب الإسلامي عموماً بما في ذلك الأندلس- أي أثناء فترة تنظيمه من قبل الفاتحين وإرساء مؤسساتهم الحكومية والاجتماعية، لم تدرس كما يجب من قبل، فالدراسات التاريخية ذات الصلة بالموضوع، التي وضعها كتاب عرب ومستشرقون أجانب، على كثرتها، لم تكن معمقة، كما اتسمت أحياناً بالإطالة غير المبررة وبالمنهجية غير النقدية، ناهيك عن التحامل والافتئات في بعض الأحيان.
في هذا الكتاب الذي يضم خمس دراسات غزير ومكثفة في آن، سبق للمؤلف أن وضعها في فترة شبابه ونشرت متفرقة في مجلات تاريخية واستشراقية متخصصة، واعتمد فيها منهجاً صارماً بعد إطلاع دقيق على المصادر وعلى كل ما كتب في الموضوع، على نحو ما فعل في كتابيه السابقين: الكوفة، والفتنة، يبحث المؤلف، من حيث الأساس في المؤسسات والبنى الاقتصادية والاجتماعية والمعتقدات الدينية والنشاطات الثقافية بالمعنى الحصري، لكن من دون إهمال الدينامية السياسية ومن دون الإجحاف بالتحليل التجريدي, وكونها تنطلق من مقولة: “التاريخ هو علم الثقافة”، فإن هذه الدراسات مفيدة حتماً للمهتم بتاريخ المغرب خاصة، كما هي مفيدة للمهتم بالمؤسسات الإسلامية في البلاد المفتوحة على وجه العموم.
زاول هشام جعيط تعليمه الثانوي بالمدرسة الصادقية ثم وفي سنة 1962 تحصل على الإجازة في تاريخ. تخصص في التاريخ الإسلامي وقام بنشر العديد من الأعمال صدرت سواء في العالم العربي أو أوروبا. أحرز سنة 1981 على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة باريس. وظل حتى آخر حياته أستاذا شرفيا بجامعة تونس، أستاذ زائر بكل من جامعة ماك غيل (مونتريال) وجامعة كاليفورنيا، بركلي وبمعهد فرنسا.
لم يجب هذا الكتاب عن السؤال الأسطورة " نحن عرب أم أمازيغ " !! على كل حال جعيط كعادته يتبع مهنية و أكادمية عالية لإستقراء التاريخ و رغم المصادر التي تعتبر شحيحة إستطاع هذا الكتاب أن يكون صورة لا بأس في إضاحها عن الفتح الإسلامي للمغرب و الأندلس و تكوين النواة الأولى للدولة الإسلامية آن ذاك ذلك الفتح الذي غلف" بطوباوية الملائكية أحيانا أو بالدموية أحيانا " لا يبدو إلا صورة من صور التاريخ الإنساني التي تتداخل فيها المصالح الدنوية بأحكام الله سبحانه و تعالى