تبحث الدكتورة يسيم آرات من خلال هذه الدراسة عن العلاقة المتناقضة بين العلمانية والإسلام في الديمقراطية الليبرالية معتمدة على دراسة حول النساء النشاطات في حزب الرفاه الإسلامي في تركيا.
وخلال خمسة فصول تناولت المؤلفة ما يتعلق بمكانة المرأة في إطار مشروع الحداثة في تركيا، ثم عن تجربة حزب الرفاه الإسلامي في لجان السيدات الخاصة بالحزب متناولة بذلك البناء التنظيمي واستراتيجيات التعبئة وأهدافها، متعمقة في تفاصيل الحياة الخاصة للنساء وطريقة انجذابهن للحزب، وتطور دورهن داخل الحزب في القوة والتجنيد، بالإضافة إلى العملية التي يمارسن من خلالها السياسة ما بين الحياة الخاصة داخل بيوتهن إلى الحياة العامة، وعن رؤى هؤلاء النسوة العالمية، ثم إعادة النظر في تجربتهم داخل الحزب في يتعلق بالعلمانية والليبرالية والديمقراطية.
الكتاب يناقش دور المرأة في حزب الرفاة التركي ذو النهج الإسلامي وكيف ساهمت الهيئة النسوية في تحقيق الحزب لمراكز متقدمة في الإنتخابات ومن ثم الوصول إلى السلطة ،، المؤلفة ركزت كثيراً على منهج الحوار مع عضوات الحزب ونظرتهم للعلمانية التركية والمقاربة الإسلامية الليبرالية ذات الطابع التركي حيث أن كثيراً من عضوات الحسب كن من خلفيات علمانية سابقاً واتجهن للعمل في حزب إسلامي ومن ثم نشأ تغير كبير في فهمهم للدين والمجتمع الإسلامي المعاصر بشكل أقرب للتسامح والتفهم مقابل الخطاب العلماني الكمالي الإقصائي لكل ما هو إسلامي وخاصة في إشكاليات مختلفة مثل موضوع الحجاب والتعليم الديني وغيرها
أعدّت "يسيم آرات" دراسةً حول النساء الناشطات في حزب "الرفاه" الإسلامي في تركيا، فقد تم تأسيس الهيئات النسائية في حزب الرفاه عام 1989، أي بعد تأسيس الحزب بست سنوات في عام 1983، في حين أوقفت المحكمة الدستورية في تركيا عمل الحزب في عام 1998، وتعطلت بذلك مشاريعه في تعبئة نساء المجتمع التركي، منهيةً بذلك جزءاً بسيطًا من أهداف الإسلاميين في بسط سيطرتهم المشروعة على السلطة في تركيا، وتعرفون جيدًا مآل ماحدث. لكن هذه الدراسة تركز على السنوات القليلة التي استطاع حزب الرفاه أن يحشد عددًا كبيرًا من النساء إلى عالم السياسة، أي من العالم الخاص إلى العالم العام. أدت هذه الهيئات دورًا فعالًا في وصول هذا الحزب إلى السلطة، وكذلك في انضمام عددٍ كبيرٍ من الدوائر الانتخابية النسائية إلى العمل السياسي، وقد نجحن بالفعل في الحصول على آلاف غيرهن. في انتخابات عام 1995 حصل حزب الرفاه على أكبر نسبة من الأصوات (21 بالمئة)، كما كان شريكًا أساسيًا في الائتلاف الحكومي بين عامي 1996 و 1997، فللمرة الأولى ينجح حزب ذو توجه إسلامي في الوصول إلى السلطة. تعتقد المؤلفة أنه يمكن للدين أن يتكيّف مع معانٍ جديدة، أو أنه قد يشكّل تهديدًا على الديمقراطية العلمانية أو يزيد من حدودها؛ تعتبر الحدود الإسلامية -في تركيا طبعًا- مساميّة، وقد تغلغلت الليبرالية في هذه المسامّ واخترقتها، ويمكننا أن نعرف إلى أي قدرٍ تغلغل الخطاب الليبرالي -فيما بعد- في خطابات حزب العدالة والتمنية، وهو الحزب الوريث لحزبي "الرفاه" و"الفضيلة" في الساحة التركية. نعود إلى "هيئة لجان السيدات"، تصرّ المؤلفة على أن مشروع التحديث الكمالي -الذي تبنّاه مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية- و إصلاحاته التي كانت تعتمد على تغريب المجتمع التركي وفصل حقوق المرأة عن حقوق الإنسان، وسحق هويته التقليدية؛ كان لها الأثر البالغ على استجابة النساء الإسلاميات لخطابات السياسيين، وتعبئتهن من أجل حزب الرفاه، وهي من أدّت الدور الفاعل في رغبة المرأة القوية لتمثيل آرائها في السلطة. في الرأي السالف تحيّزٌ واضحٌ لمبادئ العلمانية التي يتفق عليها علمانيو تركيا. في فصلٍ آخر تسلّط المؤلفة الضوء جيل النسويات اللاتي ظهرن في بداية الثمانينيات، وكيف أنهن فنّدن الطبيعة المتحرّرة للإصلاحات الكمالية، خصوصًا بعد التدخل العسكري في عام 1980، وفي ظل هذا المناخ السياسي التقَتْ مصالح النسويات بالإسلاميات؛ إلى الحد الذي دفع ببعض النسويات إلى الانضمام إلى هيئة لجان السيدات، بوصفها هيئةً تخوض معترك السياسة في سبيل نقل صوت المرأة، وهو أمرٌ كفيلٌ بأن يُشرك غير الإسلاميات في النشاط الإسلامي البحت.
الكتاب يستند جلّه على اللقاءات التي أعدتها يسيم آرات مع عضوات هيئة لجان السيدات بعد حل حزب الرفاه، ومن خلالها تكشف الكثير من الآراء والتناقضات والرؤى لدى العضوات. اشتريته من مكتبة "البيّازين" في النادي العربي، ب26 ريالًا.
الكتاب رائع جدا في موضوعه ومنهجية تأليفه ، حيث طرق بدايات دخول النساء التركيات للسياسة من خلال حزب الرفاه الإسلامي الذي يعتبر من أوائل من ساهموا في ذلك على عكس الأوضاع السابقة لبدايات نشأة الجمهورية التركية مع أنها كانت علمانية المبدأ إلا أنها كانت أبوية استبدادية تعطي للنساء ما تؤمن به كقيادة ، ولكن في المقابل استفاد حزب الرفاه من المباديء الجمهورية العلمانية في التعليم الذي منح النساء استقلالية وايمانا بالمساواة في حقوقها مع الرجل ، حيث كان العمل في الحزب يمنح الشعور للنساء الإسلاميات التي تعلمن في مدارس علمانية أوإسلامية بالإستقلالية وتحقيق الذات حتى ولو كان بدون أجر مادي ، وهذا العمل يضبط حتى العلاقة بين الرجل والمرأة في البيت بحيث تكون متوازنة أكثر من قبل أن تدخل المرأة المجال السياسي. كذلك أظهر الكتاب النتائج المبهرة جدا لنتائج العمل السياسي النسائي في حزب الرفاه والذي أوصل السياسة إلى أماكن لم تكن لتصل إليها كالعلاقات الخاصة والعائلية والصداقات والتي كانت تستثمر لإيصال أهداف الحزب ونقل تطلعات الأفراد إلى صانعي القرار السياسي في الحزب وكذلك تقديم الخدمات للمواطن مما يوثق العلاقة بين الحزب والمواطن بشكل أكبر ويجعل من السياسة علاقة تفاعلية تبادلية حقيقية بين المواطنين الأحرار وليست دعايات خادعة لنخبة متحكمة. كذلك يناقش الكتاب تأثر المعتقدات الإسلامية بالقيم الليبرالية في ظل الجمهورية العلمانية وتشكلها من جديد بشكل يضمن التأثير المتبادل لكلا الثقافتين ، ويتجلى هذا في مبادرة حزب الرفاه إلى إنشاء الفرع النسائي وإتاحة الفرصة للنساء في إثبات وجودهن سياسيا ولو كان له حد في الوصول إلى المناصب العليا في الحزب ولكن هذا كان المستوى الأعلى بين الأحزاب التركية كلها ، وكذلك في إيمان النساء الإسلاميات بحقهن السياسي والمناضلة من أجله سواء كن في عائلات علمانية متشددة ترفض ارتدائهن الحجاب الذي كان قضية سياسية في البلد أكثر مما هو اختيار شخصي أو كن في عائلات تقليدية تأخذ موقفا من المشاركة السياسة للمرأة ، وهذا كله يصب في تعزيز قيم الفردانية والحرية الليبرالية في نساء يؤمن بالمعتقد الإسلامي كموجه أساسي في الحياة.
ولكن أنقد في الكتاب التساهل في وصف عادات تقليدية اجتماعية بأنها عادات إسلامية تمثل الإسلام بدون حتى الإشارة إلى أنها نتاج فهم أصحابها في إطار قيمهم التقليدية للإسلام ،وهذا الأمر سبب في تصنيف الكتاب لمعظم الميزات الإيجابية بأنها نتيجة للعلمنة التي ساهم فيها التعليم بينما معظم السلبيات تأتي من الثقافة الإسلامية ةالتي في الحقيقة هي تقليدية تمثل فهما للإسلام قد يكون خاطئا في ظل ظروف معينة !!! كما أني أعتقد ان الدراسة ناقصة في عدم إكمالها لتشمل مرحلة حزب العدالة والتنمية الذي يعتبر الوريث لحزب الرفاه لتبرز بشكل أكبر نتائج وثمار عمل الفرع النسائي لحزب الرفاه في نهضة تركيا الحالية ، وهل استمر هذا العمل النسائي وكيف تطور وتشكل وهل له مساهمة في وصول حزب العدالة إلى هذه الشعبية الكبيرة مقارنة بشعبية الرفاه ، وهذا يرجع إلى زمن الصدور للدراسة وأتمنى إن كان هناك إصدار ثاني لها أن يترجم ليكتمل التصور الخاص بهذه التجربة الفريدة والرائعة إضافة إلى ذلك أنقد اكتفاء الكتاب ببعض المقابلات لرئيسات الفرع النسائي من أجل معرفة الخلفيات الدينية والفلسفية للقضايا المختصة بالإسلام والمرأة وعدم البحث عمن أصل هذه الثقافة في هؤلاء النسوة؛ لأن الثقافات في كثير من الأحيان تظهر كواقع في فئات كبيرة من الناس حتى ولو كان لا يستطيع أن يعبر بشكل جيد عن هذه الثقافة ، وهذا يظهر في كثير من الناشطين في مجالات عديدة بشكل مبهر ولكنه لا يستطيع أن يعبر بكلام مقنع ومنطقي عن قناعاته ودوافعه لأن المجتمع المتشبع بثقافة يدفع أفراده إلى سلوكيات هذه الثقافة وليس بالضرورة أن يمنحه التعبير المنطقي عن أصول هذه الثقافة !!!
ختاما: أظن الكتاب رائع جدا لرصده تجربة فريدة تحظى بالكثير من الكلام والقليل من التجربة والتطبيق في عالمنا العربي ,وأظنه بشكل أقل بكثير ولكنه موجود في العالم بأسره ، وهذا الكلام يكون أداة لصراع الأيدولوجيات والأحزاب بدون قاعدة مشتركة تضمن النتيجة الجيدة لهذا الإختلاف ولكنه مماحكات وكيديات حزبية ، والأدهى والأمر تحسين صورة أنظمة فاسدة مستبدة في الخليج وخاصة السعودية من خلال إصلاحات شكلية في هذا الملف وجعله مدارا تدور فيه التيارات في صراعات تافهة تلهي عن الإصلاحات الأساسية لهذه الأنظمة الفاسدة المهترئة !!!!!
كتاب خفيف اشبه بقصةٍ تُحكى ! يعتمد على بعض المقالات الي اجريت مع اعضاء وعضوات حزب الرفاه في غالب الفصول . تطرق ايضا إلى نضال الاحزاب الاسلامية في ظل الحكومة التركية العلمانية . مروراً بكفاح المرأة وتمسكها بالحجاب ! تلك الصورة التي تُثير اهل العلمنة .