كتاب رائع جدا ، على الرغم من كثرة اطلاعي على الأبحاث والكتب التي تدور في فلك "فقه التنزيل" إلا أنني استمتعت جدا -أكثر مما توقعت- بهذا الكتاب .. بطريقة معالجته وترتيبه لهذا الموضوع على بعض استعجال ملحوظ في آخر الكتاب (قواعد المصلحة) إلا أنه كتاب مميز وسلس قرأته في يوم واحد ويستحق خمسة نجوم
الكتاب تحدث عن "الإسلام الممكن" وحاول التأصيل لفكرة رئيسية وهي وجود فرق بين "منهج فهم النص" و "منهج تطبيق النص" حاول التمييز بينهما وإبراز ملامح كل منهما وركز على "منهج التطبيق" بالذات -وهو بالفعل ما يحتاج إلي تركيز وإظهار لقواعده وأصوله- وتعرض لبعض أبرز القواعد في هذا المنهج
بقي أن أشير إلي نقطة تفصيلية صغيرة لن تعنيكم كثيرا -إلا أنني أحببت تسجيلها هنا- وهي أنني أعجبني تقسيم الكاتب الأحكام الشرعية إلي أحكام متغيرة (وهي التي تعمل فيها "المنهج التطبيقي") وأحكام ثابتة (لا يعمل فيها "المنهج التطبيقي") ثم قسم المؤلف الأحكام المتغيرة إلي ثلاثة أنواع وأظن أن القسم الأول من هذه الأحكام المتغيرة (=الأحكام التي علقت بعلتها وجودا وعدما) هي إلي منهج الاستنباط أقرب منها إلي منهج التطبيق/التنزيل والله أعلم .
قبل الشروع بقراءة هذا الكتاب، لم أكن أتوقعه مهما لهذا الحد وتكمن أهميته في موضوعه، وفي طريقة معالجة المؤلف لهذا الموضوع، حيث أثبت سعة اطلاعه ومقدرته العلمية، وإمكانياته في توظيف النصوص العديدة التي اقتبسها في سياقاتها المناسبة الإسلام الممكن، بحسب المؤلف، هو الصيغة التوفيقية بين أحكام الشرع وتغيرات الواقع، وفقا لقاعدة الموازنة بين المصالح والمفاسد، أو الحسنات والسيئات لذا كان من المهم جداً التمييز بين فهم النص وتطبيقه ففهم النص يتعلق ببيان معاني النصوص ودلالاتها على الأحكام ويقوم على قاعدتين أساسيتين: قاعدة التسليم والتي تمثل المعيار الإيماني، فيكون التسليم للنص قبل النظر فيه بقصد التجرد، وبعد النظر فيه بالرضا به وقبوله وقاعدة الاستنباط والتي تمثل المعيار المنهجي، من خلال وضع أصول كلية تُرد إليها الجزئيات وللواقع أثره في فهم النص، ويتبين هذا الأثر من خلال القواعد الأصولية (الواقع يبصر ولا يفسر) و(تغير الأحكام بتغير الزمان) (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) التي تناولها المؤلف بالعرض والبيان أما تطبيق النص، فهو بذل للجهد في تنزيل النص على واقع الناس وتحقيق مناطه، من خلال القواعد التالية: التدرج والاستطاعة والمصلحة وقد تناول المؤلف كل قاعدة من هذه القواعد بالبيان والشرح، وجاء شرحه مبسطا سلسا رغم ما فيه من مباحث أصولية ونقول لأرباب الشأن
كتاب " الإسلام الممكن" هو كتاب من رحى ثورات الربيع العربي ووصول بعض التيارات الإسلامية إلى سدة الحكم في بعض البلاد العربية ، ومن ثم حاول المؤلف تقديم رؤية متزنة ومتوازنة حول قضية " تطبيق الشريعة " مراعاًة للواقع ، فالإسلام الممكن هنا هو ما كان مرتبطًا بحدود الاستطاعة الشرعية والمصلحة المعتبرة ، وما لم تتوفر فيه هذه الاستطاعة هو خارج عن مفهوم " الإسلام الممكن " .
مواضيع هذا الكتاب ومصطلحاته هي مواضيع ومصطلحات علم أصول الفقه ، فمن خلاله يحاول ان يغطي المسافة بين " فهم النص ' و " تطبيق النص " ، ففهم النص يقوم على قاعدتين أساسيتين : ( قاعدة التسليم ) و ( قاعدة الاستنباط ) ، ثم يعمل أثر الواقع في فهم النص ، ولاشك ماهر القرشي هنا يختلف في تأصيله عن الحداثيين ، ففي الوقت الذي يرى فيه الحداثيون أن الواقع مفسر للنص فإن المؤلف هنا يقول بأن الواقع يبصّر ولا يفسر ، فالواقع لا يعطي معان جديدة للنص ، فمهمة الواقع الترجيح لا الإنشاء ، مثل مسألة الخروج على الحاكم الفاسق ، فيها قولان أهل السنة ، لكن بحكم الواقع استقر قولهم على حرمة الخروج على أئمة الظلم والجور بالسيف ما لم يصل الأمر للكفر البواح .
قد يحدث أن يستدل البعض بقاعدة تغير الأحكام بتغير الزمان على أن للواقع سلطة تفسيرية ، ويرى المؤلف أن هذا تفسير للقاعدة غير سليم ، فالمقصود هي العادات والأعراف التي تعلق بها الحكم الشرعي وجعلها الشارع مناطًا لتطبيقه ، فإن مناط القاعدة خاص بمجال التطبيق ولا دخل لها بفهم النص ، وهذه إشكالية متكررة يرصدها الكتاب وهي إشكالية التداخل بين مجال فهم النص وبين مجال تطبيقه .
تطبيق النصوص هو خاص بعلماء الشريعة ، والمؤلف هنا سيضيف معهم خبراء الواقع ويكون اختصاصهم الجانب الواقعي من المسألة ، ونقول أن تطبيق النصوص خاص بعلماء الشريعة لأن هناك بعد أصولي لتطبيق النص = تحقيق المناط، الذي هو بمعناه الواسع يتساوى مع مفهوم تطبيق النص ، ويؤكد المؤلف أن تحقيق المناط لا يقتصر - كما تُشعر بذلك كتب الأصول- على باب القياس بل هو أعم من ذلك ، فهو يشمل مع القياس تطبيق القواعد الكلية على جزئياتها كما نص ابن قدامة على ذلك في روضة الناظر .
يقول الكتاب أن قواعد فهم النصوص تُستمد من اللغة العربية ومقاصد الشريعة ، وأرى أن التركيز على هذه الأمور مهم جدًا لأنه مجال المعركة مع الحداثيين ، وقد كنت أتمنى من المؤلف أن يناقش الآراء الحداثية الخاصة بعلاقة النص بالواقع ويفندها ؛ حتى تكتمل الرؤية لدى القاريء ويتضح له أهمية التأصيل لمثل هذه القواعد ، ثم يقول أن قواعد التطبيق تستمد من السيرة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ، ولاحظ أن حتى قواعد التطبيق التي ذكرها المؤلف يتم ضربها الآن ، ليس من الحداثيين وحدهم بل حتى ممن ينتمون إلى المجال الإسلامي ، مثلًا " محمد هداية " يحصر دور الرسول - عليه الصلاة والسلام- في البلاغ القرآني فقط ، وبالتالي ينكر سنته القولية والفعلية ، وإذا كان هذا في حق الرسول فما بالك بمن هو دونه !! .
فأنا أرى أهمية الكتاب في كونه يقدم قواعد مهمة للقاريء قبل طالب العلم توضح له كيف يُفهم النص وكيف يمكن تطبيقه ، وهذا مهم في ظل الهجمة الحداثية على تلك الأصول ، بل نرى من الإسلاميين من يلتبس عليه قضايا داخل قاعدة تطبيق النصوص مثل التدرج ، ويرى أن العمل بالتدرج بعد اكتمال الشريعة هو عمل بالمنسوخ ، وبالتالي يطالب بالتطبيق الكامل للشريعة دون انتقاص منها ، ويرى المؤلف في باب النسخ الذي هو من أدوات تفسير النصوص لا من أدوات تطبيقها ، فمن أدوات التطبيق التدرج [ من العلماء كالزركشي من أدخل في باب النسخ بعض صور التدرج ] ، واستشهد بموقف عمر بن عبد العزيز رحمه الله حين احتج على ابنه بالآيات الواردة بالتدرج في حكم الخمر ، وقوله ( إني أخاف أن أحمل الحق على الناس جملة ، فيدفعوه جملة ، ويكون من ذا فتنة) .
فالحقيقة أن المؤلف يريد التأصيل لفكرة " التدرج " في رد المجتمعات العلمانية إلى الشريعة الإسلامية ، بناء على أن الحكم الشرعي إذا لم يكن مقدورًا عليه ، أو كان يترتب على تطبيقه مفسدة أعظم ، فالواجب التدرج في تطبيقه .
سوف يركز المؤلف كلامه في الكتاب بعد ذلك على أربع قضايا أساسية ، يتشكل منها الإطار العام لمفهوم الاستطاعة في الشريعة ، وهي : الفرق بين [ الاستطاعة الأصلية والاستثنائية ] و [ الاستطاعة الطبيعية والشرعية] و [ الاستطاعة العامة والخاصة] و [ضابط الاستطاعة الشرعية ] .
الكتاب يعالج قضية مهمة ، وهي قضية تمثل إشكالية وجدال ليس بين الإسلاميين والحداثيين فقط فيما يخص فهم النص ، بل بين الإسلاميين أنفسهم ولاسيما في جانب تطبيق النصوص .
هناك مسافة واضحة بين النص وتطبيقه وذلك يتضح حين يحاول المفتي تطبيق أحكام الشريعة. ومن هنا تأتي فكرة الإسلام الممكن. يحاول الكاتب تأسيس قواعد للفهم وقواعد لتطبيق فهم النص في المجتمع. فقواعد الفهم تشمل اللغة العربية ومقاصد الشريعة. ثم في التطبيق تأتي قاعدة التدرج والاستطاعة والمصلحة. كتاب مهم لمن يهتم بتطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الراهن.
(الإسلام الممكن - دراسة تأصيلية في فقه المسافة بين فهم النص وتطبيقه) - كعادة الباحث ماهر القرشي يعطيك لوحة الـPuzzle مكتملة ثم يفككها أمامك، ثم يعيد ترتيبها مرة أخرى. في البداية يستهل حديثه عن مفهوم (الإسلام الممكن) والذي هو الصورة الصحيحة لتطبيق قواعد الشريعة في كل الأوقات وبمختلف الأحوال بجميع الأمكنة، وهذا لن يكون إلا بالاعتصام بحبل مضفور تكوّنه خصلتان تلتف إحداهما على الأخرى من أوله لآخره، هذه الخصلتان هنا هي: أدوات فهم النص، وأدوات تطبيقه. - تنبع أهمية إدراك المسافة بين فهم النصوص الشرعية، والقدرة على تنزيلها في الواقع، أو كما يقولون تحقيق المناط وفقه التنزيل وغيرها من العبارات الدالة على المعنى: إثبات معاني ملائمة الشريعة في كل زمان ومكان، ولو حدث قصور في إدراك هذه المسافة لتعطلت مصالح الناس، وسوّغ للجاهلين اعتبار الشريعة عائق أمام التطور والتقدم. حيث يصف القرافي هذه الإشكالية بـ: "ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل اقليمك يستفتيك، لا تجره على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأجرِه عليه وأفته دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو ��لحق الواضح، والجمود على المنقولات أبدًا: ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين..." - قواعد الفهم ثابتة مطلقة لا تتغير ولا تتبدل، وقواعد التطبيق تتغير بتغير الحال والظرف والمكان والشخص. - إقرارك بحكم شرعي ما، لا يعني صلاحية تطبيقه دائما. وهذه نقطة تُشكل على الكثيرين، فالبعض عندما يريد تنزيل حكم ما على واقعة ما يغيّر في الحكم الأصلي ليتناسب مع الحال، وهذا تعدي على حدود الله، كما يقولون "الواقع يبصّر ولا يفسّر" بمعنى أنه لا يقوى على إنشاء أحكام جديدة في النص، وإنما يقتصر أثره في ترجيح بعض معاني النص على بعضه. - أدوات فهم النص محددة وهي: اللغة العربية، ومقاصد الشريعة. - أدوات تطبيق النص: سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده. - ثم يتناول دائرة فهم النص بشيء من التفصيل من ضرورة التسليم الإيماني لها ابتدأ بمعنى لا يكون حظك من النظر في نص ما اتباع هواك ومناسبته للحال، بل يكون الأصل الاجتهاد في فهم وجه دلالته على مراد الشريعة ثم يستعرض أصول الاستنباط عند ابن تيمية: من قرآن كريم، وسنة متواترة، وإجماع، وقياس على النص والإجماع. - ويغلق الدائرتين على بعضهما (أدوات فهم النص، وأدوات تطبيقه) بثلاث قواعد مهمة في التطبيق بل ربما تندرج منها كل القواعد الأخرى: ١- التدرج، ويقسمها لنوعين: التدرج التبليغي في بيان عموم الشريعة وإن هذا إنما يكون خاص بأُناس معينين وليس جميع البشر وإلا لما وصلت لنا الشريعة كاملة تامة منها، والتدرج التطبيقي ومنه قصة معاذ بن جبل وذهابه لأهل اليمن، وقصة عمر بن عبدالعزيز وابنه عندما ظن به ماظن من التباطؤ في تطبيق الشريعة، وقال له: "لاتعجل يابني، فإن الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها لي الثالثة..." ٢- الاستطاعة، ويفصلها بنوعين: الاستطاعة الطبيعية وهذا تكفلت الشريعة به، إذ محال أن يأمرنا الله بشيء لا نطيقه. والاستطاعة الشرعية: وهي المتعلقة بتطبيق أحكام الشرع ولها نوازل وأحوال يضيق المقام عنها هنا جمعها ابن القيم في مقولة تحقق ضابط هذه الاستطاعة وهي على أربع درجات. ٣- وأخيرا المصلحة، وهي نوعان: مصلحة تفسيرية مرتبطة بفهم النص، ومصلحة تطبيقية تؤثر في تطبيقه، وضوابط هذه الاستطاعة.
الكتاب دسم قليلا، لكنه يبصّر ويفسّر :) ويظهر من خلاله كثير من الممارسات الخاطئة اليوم من قبل بعض المتدينين في إنكار المنكر وفي السياسة الشرعية.
إن صلاح الإسلام لكل زمان ومكان ليس صلاحا مجردا بل هو منظومة متكاملة تحدد سير المسلم إلى أن يلقى الله تبارك وتعالى. واليوم في ظل تنوع التيارات والتوجهات بين من سلكوا مسلك الغلو وحملوا الناس فوق طاقتهم وواقعهم فأضلوهم وبين من توسعوا حتى بلغوا حد التفريط فضلوا وأضلوا الناس ، فيظل هذا الوقع ينبغي لنا أن نفهم تماما كيف نقيم دين الله في أنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا وفق سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسنة الصحابة الكرام من بعده. ما يميز هذا الكتاب أنه بدء من مفهوم الإسلام الممكن وهو بحد ذاته كافي لمن أراد الصورة الإجمالية ثم انتقل إلى فهم النص وأصل فيه ثم اختتم بالأصول العلمية لتطبيق النص الشرعي
أنصح بالكتاب وهو جدير بأن يقرأ وتكرر قرآءته على طول المسيرة
هذا الكتاب وضح بالنسبة لي الكثير من الإشكالات فهو مع صغر حجمه إلا أنه نافع جداً في فهم بعض القواعد الفقهية وفي إعمال النصوص على أرض الواقع ينقسم إلى ثلاثة فصول الفصل الأول/مفهوم الإسلام الممكن الفصل الثاني/فهم النص الفصل الثالث/تطبيق النص ويندرج تحت هذه الفصول الكثير من الأمثلة والإستشهادات والوقائع.إذ كنت مهتم بفهم النصوص وتطبيقها على أرض الواقع فلا تفوت قراءته:)
كتاب جميل حقا قرر فيه المؤلف أنه "يجب الفصل بين فهم النص وفهم تطبيق النص في الشريعة", وان التطبيق له قواعد يجب مراعاتها مثل التدرج والاستطاعة والمصلحة, والاجمل أيضا اوضح الفائدة من ذلك الأولى: حفظ معاني الشريعة الثابتة من أن يطالها التحريف والتبديل والثانية: التوازن في تطبيق النصوص الشرعية بين طائفتين: طائفة جمدت على النصوص، وطائفة سوًّغت من الأحكام ما ينافي حكم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.