هل أحال تراجع الديانات المنزلة، وعلمنة المجتمع، ومع الماركسية ، والتحليل النفسي والبنيوية، ظهور فلسفة حديثة للإنسان، مسألة معنى الحياة على الحياة الخاصة، على الاختيار الحر أو على القلق لجميع واحد منا؟ لا شيء أقل يقينا، يؤكد هنا مؤلف ((النظام البيئي الحديث))، ذلك الذي يدرس سيرورتين حديثتين متجذرتين في القرن الثامن عشر : سيرورة (( أنسنة الإلهي ))، الموسومة برفض العقائد وبمتطلب تكييف الرسالة الدينية مع الأزمنة الراهنة، وسيرورة (( تأليه الإنساني )) تلك التى يشهد عليها التمسك المتزايد بحقوق الإنسان، والاختيار العاطفي المطروح كأساس للأسرة، والتفكير حول أخلاقية البيولوجيا. في تلك الحركة، تلك التى يعتبرها حاملة للكونية، يرى لوك فيري المصادر الممكنة لإنسية حديثة وروحية للمستقبل، يجرب في ذلك الكتاب أن يعرف معالمها الأساسية.
Luc Ferry (born January 1, 1951) is a French philosopher and a notable proponent of Secular Humanism. He is a former member of the Saint-Simon Foundation think-tank.
He received an Agrégation de philosophie (1975), a Doctorat d’Etat en science politique (1981), and an Agrégation de science politique (1982). As a Professor of political science and political philosophy, Luc Ferry taught at the Institut d'études politiques de Lyon (1982–1988) — during which time he also taught and directed graduate research at the Pantheon-Sorbonne University —, at Caen University (1989–96). He was a professor at Paris Diderot University (since 1996) but did not teach there.
From 2002 and until 2004 he served as the Minister of Education on the cabinet led by the conservative Prime Minister Jean-Pierre Raffarin. During his tenure, he was the minister in charge of the implementation of the French law on secularity and conspicuous religious symbols in schools. He received the award of Docteur honoris causa from the Université de Sherbrooke (Canada). He is the 2013 Telesio Galilei Academy of science Laureate for Philosophy. He was enthroned to Chevalier De La Dive Bouteille De Gaillac on the 20 march 2012 together with Max Karoubi and Francesco Fucilla.
هل يمكننا المصادقة على مقولة هيچل:"عندما نجد امرأة ومهنة فإننا نكون قد فعلنا كل شيء مع المسائل التي تطرحها الحياة"؟
لماذا لا يكون من الجنون التفكير في "التضحية" من أجل الآخرين؟
هذا سؤال المعنى الذي يشكل أحد النقاشات الأساسية في الفلسفات الأخلاقية والدينية المعاصرة
في هذا الكتاب يقدم الفيلسوف ووزير التعليم الفرنسي الأسبق لوك فيري أفكار مهمة في معالجة إشكالية الإنساني/الإلهي في منظور سؤال المعنى، معنى الوجود، والعدم، والموت، والمرض، والأسس الماقبلية للأخلاق، والقانون
مع اقترابنا نحو العصور الحديثة بعد صعود العلمنة في القرن الثامن عشر في أوروبا اتسعت ظاهرة "أنسنة الإلهي"، بتفريغ القضايا الدينية من مضامينها، و"عقلنتها"، وحقنها بمعطيات انسانية
لأشرح الأمر في إطار أوسع مما ذكر المؤلف
في السياسة مثلاً أشار كارل شميت إلى أن (كل المفاهيم البارزة في النظرية الحديثة للدولة هي مفاهيم لاهوتية معلمنة). فأضحت "سيادة الشعب" مكان سيادة الله، و"الدستور" مكان الكتاب المقدس، وأمسى الوطن مقدساً، المقتول في سبيله يعد "شهيداً"، بل حتى على المستوى الرمزي والطقوسي، تبدو الأناشيد الوطنية في مقابل التلاوات والمأثورات الدينية، والخشوع أمام العلم هو شكل من أشكال الصلوات المعلمنة…الخ
وفي الأخلاق استبدل كانط مثلاً "العقل" مكان الإيمان، و"الإرادة البشرية" مكان الإرادة الإلهية، و"الخير الأسمى" مكان النعيم، و"مملكة الغايات" مكان الجنة، و"احترام القانون" مكان محبة الإله…الخ
يقول فيري:"يمكن تعريف الفلسفة الغربية الحديثة بكونها محاولة لإعادة ترجمة مفاهيم الدين المسيحي الكبرى إلى خطاب إنساني
ثم بالتوازي مع"أنسنة الإلهي" نشأ "تأليه الإنساني"، وإذا استعرضنا النقاشات المحتدمة حول مدى "أخلاقية" العديد من التطورات الطبية الثورية في مجالات الجينات، وعلوم الأجنة والإنجاب، والاستنساخ، وبنوك الحليب والمني، والتجارب الطبية…الخ، سنجد أن قسماً من الفلاسفة والمفكرين يتحفظون على بعض تلك التطورات"الفرانكنشتاينية" من منطلق (كرامة الإنسان)، فبعد استبعاد الحكم المستند للنص الديني، أصبح الإنسان يحمل قيمة مقدسة بنفسه، ويبنى الفيلسوف الأخلاقي محاججته في هذا الصدد على هذه المصادرة باعتباره حكماً متعالياً/مفارقاً
ترجمة الكتاب رديئة، وهذه سمة لكثير من الترجمات عن الفرنسية، ويعود ذلك جزئياً للبنية اللغوية الفرنسية التي تتسم بالجمل الطويلة، وكذلك فأكثر المترجمين عن الفرنسية مغاربة، وأسلوبهم الكتابي يكثر فيه التعقيد واستخدام مصطلحات وتراكيب ركيكة
بعيداً عن الترجمة السيئة المتعبة.. فقد استفدت جداً من هذا الكتاب.
يعرض لوك فيري بشكل رائع رؤيته لإشكالية معنى الحياة وارتباطها بالإنسان. وكيفية تطور المعنى وتبلور الاتجاه الإنساني في أوروبا قلب الحضارة الحديثة - الحضارة الغربية الأوروبية- خلال القرون الماضية من أعقاب عصر النهضة حتى صدورالكتاب.. من خلال مبدأ أساسي يقبع في مركز ذلك الاتجاه الفكري وهو "رفض حجج السلطة".
فمع التطور العلمي وخصوصاً البيولوجي تجلت أزمة الدين بشكله التقليدي في العصر الحديث. ويرى فيري أن المؤمنين -خاصةً الشباب- أصبحوا تأليهيين أي أنهم يحتفظون بشعور التعالي ولكنهم يتخلون مع الوقت عن الشعائر والعقائد التقليدية في صالح تحول إلى أيديولوجيا حقوق الإنسان. وذلك ضمن اتجاه عام من أنسنة الإلهي/المقدس بل وأنسنة الشيطان أيضاً. حيث تمت بلورة أدوات مفاهيمية مستندة لأبحاث علمية نفسية وعصبية تسمح برد أفعال الإنسان لآليات لا شعورية عمياء نتيجة لجينات وراثية أو عوامل بيئية خارجية. وبذلك تتبخر مسؤولية الإنسان.. وتزول الحدود بين الأفعال التي كنا نحكم عليها بأنها إنسانية أو لا إنسانية! مما يدفع لطرح العديد من التساؤلات حول مفاهيم مثل الخير والشر والخلاص!! ومن الجدير بالذكر أن لوك فيري كان يذكر فقط الدين المسيحي عند حديثه عن الدين.. إلا أن هذا لا يمنع أن الأزمة التي يستعرضها تنسحب على كل الأديان خصوصاً السماوية والتي تقع في قلبها مسألة التأويل.. مما يطرح باستمرار دعاوي ضد الدين أقلها تطالبه بتجديد خطابه!
وعلى التوازي مع أنسنة الإلهي كان تأليه/تقديس الإنسان خصوصاً مع التطور الصناعي والاقتصادي وتغير أسلوب المعيشة التي أصبح يغلب عليه الفردية والاستقلال على عكس الماضي.. وتبلورت قيم وأخلاق عُليا تستقي معناها من الإنسان نفسه..
وكأن الاتجاهات الإنسانية والعلمانية بل حتى المادية لا تتخلص من المتعالي وإنما تقوم بإحلال تعالي الإنسان مكان تعالي الإلهي بشكله القديم.. أي أنها لا تتخلص من الدين وإنما تقدم شكلاً أخر منه أو دين جديد. إلا أن هذا الدين الجديد لا يخلو من إشكالياته الخاصة فهو ظاهرياً ضد الدين.. إلا أنه يستخدم نفس الأدوات ويقوم بنفس الممارسات وكأنه يقدم نفسه كدين جديد حتى وإن بدى العكس!
ويقدم فيري خمس حجج لتماثل تلك الإنسية الحديثة مع الدين.. يمكن إجمالهم باختصار في أن الإنسية الحديثة تقدم قيم متعالية تربط جميع البشر بصرف النظر عن تجذراتهم الخاصة وانتمائاتهم الاجتماعية دون اللجوء إلى برهنة عقلية تؤسس لها. ففي العمق تظل هذه القيم ملغزة. وعلى الرغم من أن مصدر هذه القيم هو الإنسان وأساسها هو رفض حجج السلطة إلا أنه يتم تقديمها على أنها تستحق المخاطرة بالموت من أجلها وتحتفي المجتمعات بذلك عند اللزوم. كما أن هذه التعاليات تميز الإنسان عن آليات الكون الطبيعي والحيواني. بمعنى أخر هي ممارسة لتقديس هذا الإنسان وإلا فالقبول باختزاله لحيوانية محضة. كما أن تلك التعاليات الملغزة والمقدسة التي تربطنا ببعضنا البعض إلى الأبد تستهدف الخلود. فتصور المخاطرة بالحياة من أجل كائن أو من أجل قيم ما على أنها مبررة ومعقولة. وهو ما يمثل فكرة أن شيئاً ما بالنسبة لكائن متناه واعِ بفناءه يستحق أكثر من الحياة ومن ثم يتجاوزها وتلك هي المفارقة النهائية لإنسية الإنسان-الإله.. حيث أنه من داخل زمانية مغمور فيها كلياً يشعر بأنه مطلوب من خارج يجهل عنه كل شيء سوى أنه يطلبه!
في النهاية يمكن القول أنه على الرغم من عدم وجود إجابة مريحة عقلية عند السؤال عن معنى الحياة.. وعلى الرغم من عدم وجود إجابات –تبدو- جاهزة إلا في الأديان أو الأنساق الفكرية التي تقدم قيم متجاوزة للإنسان عموماً.. إلا أن الإجابات تظل غير شافية أيضاً.. ولا تجلب الاطمئنان الكامل.
ربما يبدو ذلك الخواء الظاهري هو نقطة ضعف عند التفكير في الأديان للوهلة الأولى.. لكن الناحية الأخرى ربما يكون هذا الخواء هو أحد أعمدة فكرة الإيمان والتدين أساساً.. وأن الإيمان والتدين هما إحتياج طبيعي بشري مثل الانتماء مثلاً..
حالة مستمرة من النقص والترقب والبحث.. حالة مستمرة من الشك والسؤال والمعرفة.. حالة مستمرة من الرغبة في الامتلاء والاكتمال والوصول ليقين عزيز!!
ربما يكون هذا البحث وتلك الرغبة وكل تلك المحاولات والتأويلات في إعطاء الحياة معنى يمثلون أحد معاني الحياة! ربما!
A French philosopher who states that god is man-made and that god should be looked for in man. Norms and values are mainly regarded as catholic which is rather a narrow field of vision.