لقد أدرك سدنة الحضارة الغربية للمرة الأولى منذ رحيل الاستعمار أن الاستبداد والنخب العلمانية المتطرفة لم تعد جديرة بتأمين مصالحه السياسية والاقتصادية وبقاء هيمنته الثقافية والحضارية، وأن الطريق لاستدامة تلك الهيمنة يمكن تحقيقه عبر نخب فكرية متصالحة فيما يظنون مع الحالة الإسلامية أو نخب فكرية إسلامية أنتج شعورها بالانسداد السياسي تبنيا للقيم الليبرالية عبر تأويلات محدثة، وهذا الأمر لم يتمكن البعض من رؤيته بسبب وهج الثورات العربية ونسائم الحرية التي دلفت على أمة عانت لقرن من ظلمة الاستبداد وقيود التبعية.
هَذا الكِتاب هو (رؤية لأبعاد المعركة الفكرية والسياسية في حقبة الثورات العَربية) يحَوي ثلاثَة فصُول يتدرج في الحَديث فيهَا مِن البِداية حَتى يصِل إلى أبعَاد الأمر، يبدأ بِفصل (الإسلاميون الجدد .. قراءة في الظروف المهيئة لتسيدهم المشهد الفكري والسياسي) وينتقَل للحَديث عن ( الإسلاميون الجدد .. بين مجهر الراصدين وطموح الثائرين) ويختم بـ (أبعاد المعركة الفكرية في حقبة الثورات العربية).
. .
الكِتاب واضح مِن عُنوانه أنه يتحَدث عن مفهُوم ( الإسلاميون الجُدد) الذيَن يُعرفون بِأنهم نُخب إسلامية استخَدمت تأويل النَص حَسب مُرادها وتَبنت بعض القيم الليبرالية وأسلمتهَا لتتوافَق مع الشَريعة الإسلامية والنِظام العَالمي !
ويؤكِد الكَاتب هُنا أن بعَض هؤلاء وصلوا إلى سدة الحُكم بِمُباركة غَربية واضِحة، لأن الغَربي الآن يبحَث عمن يأمنَه على مصَالحه وبقَاء هيمنته الثَقافية والحَضارية في هَذه البِلاد، وقَد سَاهموا بِشكل كَبير في تأسيس وتنشئة مِثل هؤلاء الإسلاميون الجُدد !
لا شىء يمكن ان يظهر الاسلمة / الاسلاميين فى صورة غير جذابة أكثر من تجربة فاشلة فى السلطة جراهام فوللر مستقبل الاسلام السياسى 2003 تن تن تااااا :) يجد المغرم بنظرية المؤامرة فى طيات هذا الكتاب ما يثير شهيتة رغم ان الكاتب ينفى عن نفسه (وأظنه صادقاً) التأمرية لا اريد ان اظلم الكاتب الذى جاء كتابة ضم سيل جارف من الكتابات المحللة والمفسرة و المنظرة لثورات الربيع العربى المأسوف عليها :) ولكن الواقع كان أقوى وأعتى من أستيعابنا جميعاً الخطا الاساسى للكاتب انة لم يلتزم خطا ومنهجاً واضحاً لكتابة فلا هو كفى بالوصف و التحليل الحراكات الاسلامية المتأثرة بالحداثة (الاسلاميين الجدد) ولا اوضح الموقف الغربى بشكل متكامل (وان كان فى الكتاب مايدفعنا للتأمل فى كيف اننا اصبحنا محل بحيث و تحليلات مراكز الغرب البحثية التى ترسم باستمرار سيناريوهات لمستقبلنا ثم تحاول حكوماتها بشكل او باخر تحقيقها ان وجدت بها مصالحها) ولا عرض لمواقف الحراكات الاسلامية (المتباينة جداً ) من الحراك الثورى للربيع العربى و القضايا التى اثارها بشكل كافى الخ ولعلة ان كان وضع جهدة فى موضوع واحد لخرج الكتاب اقيم واكثر فائدة وان قل بالضرورة جمهورة
أبدع الدكتور وليد الهويريني في طرح هذا الكتاب الهام.. أعتقد أنه من الضروري على كل شخص في هذا الزمان قراءة هذا الكتاب والإصدار المكمل له (خارطة الدم) لفهم ما يدور على الأرض لا سيما العربية منها، ومعرفة بعض الأفكار السياسية التي يُبنى ويهدم عليها بلدان وأمم.. .. إن من أهم العوامل التي تجعلك تثق ولو بجزء كبير من معلومات هذا الكتاب هو أن وليد الهويريني يتبع الشيخ سفر الحوالي في منهجه الفكر والعقدي، وكثيرا ما يستدل على أفكاره واستقراءاته من أقوال الشيخ..
من أهم النقاط الواجب مراعاتها عند قراءة هذا الكتاب ، أنه ليس من الضروري أن يكون الكاتب قد أصاب الفكر والاعتقاد في كل ماكتب، ولربما تختلف معه في بعض القضايا إما بالإجمال أو الخصوص، لذا لاتقف عند مالايعجبك كثيراً. بالإضافة إلى أن كثيراً من القراء أبدوا استيائهم بسبب الوصف الذي وجهه الكاتب للحزب الحاكم في تركيا، وهو بعين الكثير كذب وافتراء، وعليك أن تعي أنه كان يذكر حقائق مجردة لقياسها على الوقائع فحسب.
رغم أن الكتاب صدر في فترة مبكرة من مرحلة الربيع العربي، قبل أن تبدأ التداعيات في مصر وتونس وليبيا، إلا أن الكاتب كان يتحلى بالواقعية السياسية في رؤيته للأحداث، من دون أن يغلب عليه التفاؤل المفرط كما أعجبني في الكاتب موقفه المتوازن من "نظرية المؤامرة" والدور الذي تلعبه السياسة الغربية في رسم سياسات المنطقة
أعتقد أن هذا الكتاب مهم جدا لكل من تهمه الأمة الإسلامية وهو في حيرة من أمره..لا أقول بأنه سيخفف من حيرته..بل سيزيدها سوءاً والله لكن هذا كله من ناحية إيجابية ^^ إذ أن�� لن تمشي مغمض العين بتفاؤلٍ ساذج تقتات منه! و لن تجريَ المياه تحت قدميك كما يقولون .. بل ستدري مصدر المياه التي تجري من تحتك..
أكثر الفصول متعة هو الفصل الثاني ! كنت أقرؤه بكامل كياني !لكنني ��ع هذا التركيز دخلت في دوامات خطيرة خرجت منها بعد أن وضّح الكاتب بشكلٍ مباشر في المبحث السادس عن ماهية الإسلاميين الجدد ! أحببت موقف الكاتب الحيادي ولهذا سأقرأ له إن شاء الله .. فهو لم يجرّح بأحدٍ من الأطراف سوى الكفرة ..
وأشهد أن الكاتب ذكي جدا وكما يُقال "دبلوماسي" ! فهو إن استغربتَ فكرته في البداية حاوركَ بهدوء و رُقي حتى تقتنع بما يقول وأنت راضٍ !
وكنت أكتب مع كل فقرة تساؤلا فما إن أقرأ المبحث التالي حتى أجد إجابة تساؤلي وكأن الكاتب قادر على قراءة أفكار القارئ..!
لمَ ٤ نجمات ؟ لأني وجدت في قلبي ضيقا من ناحية عدة أمور.. منها الجانب التركي كما أنني توقعت أن أقرأ ولو سطرا واحدا عن الدور الخليجي! على أية حال ..قد نبّه الكتاب غير مرة : فكروا بالعقل لا بالقلب هنا ! لكن لا مناص عن الجبلّة التي اعتدنا عليها.. إلا بأن ندعوَ الله : "اللهم أرنا الحق حقاًّ وارزقنا اتباعه .. وأرنا الباطل باطلا .. وارزقنا اجتنابه"
كتاب جيد يطرح بعض الأفكار المهمة، وفيه إشارة إلى تحذيرات يجدر بكل مسلم الانتباه إليها خلال المرحلة المقبلة من تاريخ الأمة الإسلامية، قد تكون معلومة لدى كثيرين، خلاصته أن (الإسلام المعتدل) أو (المسلمون الجدد) ليسوا سوى "بديل" وضعه الغرب في الأمة الإسلامية ليعيد من خلاله الكرّة ويجدد الاستعمار؛ إنما بثوب جديد! والحذر واجب....
يسلط الكتابُ الضوءَ على دور الإسلاميين الجدد في الأحداث السياسية الأخيرة. يُطلق مصطلح "الإسلاميون الجدد" على من هم في مقابل الإسلاميين الأصوليين أو الراديكاليين. ينبغي التنبه إلى أن الدراسات المتعلقة بأحداث معاصرة لهذه الدراسات غالبا ما تكون غير مكتملة أو ناضجة نظرا لعدم اتضاح الرؤية في وسط الأحداث. وتكون أقرب إلى التفكير المسموع منها إلى الدراسة الناضجة الموضوعية.
بكل بساطة , المؤلف ضعيف في فهم الواقع العالمي والاقليمي من الناحية السياسية , وكذلك تكلم فى الشأن المصري بدون علم فكان كلامه هراء وعبثا . استفدت بعض الافكار فى اجزاء معينة من الكتاب ولكنها ضاعت فى وسط التنظير السياسي الغير واقعي
التيارات الإسلامية الآن تتنوع اتجاهاتها ودوافعها الحركية في بعث النهضة الإسلامية من سباتها، فمِن تباين واضح بين تيار إسلامي أصولي يلتزم بالثوابت العقدية والمُدافعة لأدبيات الاستعمار في بلادنا الإسلامية، ويؤمن بفِكرة الصدام الإستراتيجي كحلٍّ أوحد لحالة العلمَنة الغربية، إلى جانب تيار آخر "حداثي جديد" انطلق من فكرة تكييف المفاهيم الشرعية مع مُقتضيات الواقع المعاش، وانساق إلى محاولة تأويل الديمقراطية في صالح المشروع الإسلامي، هذان التياران على اختلافهما وتباينهما يُكيِّفان أدواتهما لصالح هدف واحد هو: محاولة استعادة الصحوة الإسلامية وإيجاد موطئ قدم لها في خريطة الصراع العالمي المتجدد.
يرى "وليد الهويريني" أن "الإسلاميون الجدد" أو ما يُطلَق عليهم "التنويريون" أو "العقلانيون" هم سلاح "الغرب" القديم الجديد في معركة الأفكار التي تُديرها الولايات المتحدة الأمريكية حاليًّا في العالم الإسلامي؛ فقد أيقنَ الغرب بعد آخر حملة صليبية على بلادنا الإسلامية صعوبة ديمومة مصالِحِهم السياسية والاقتصادية بقوة السلاح، وأن معركته مع العالم الإسلامي لن تَحول دون اختراقه وتركيعه ثقافيًّا، فالقوة العقائدية للإسلام وأهله يشتدُّ أوارها مع وجود المحتل الأجنبي؛ لذا عمد إلى استمالة عملاء له من بني جلدتنا ليُحاربوا عنهم، ومن أجل مصالِحهم وعلوّهم السياسي "حربًا بالوكالة"؛ حيث صارت المعركة مع العالم الإسلامي (معركة أفكار) في المقام الأول؛ ليتفرغ الغرب بعدها لوضع ما يراه من رؤى "شبه إسلامية" مُتصالِحة مع السيادة الغربية والتبعية الدائمة لدائرة العبث والغثائية التي يَسبح في فلكها العالم الإسلامي منذ بداية القرن التاسع عشر.
يقول الكاتب:
"لقد أدرك سدنة الحضارة الغربية للمرة الأولى منذ رحيل الاستعمار أن الاستبداد والنخب العلمانية المتطرِّفة لم تعد جديرةً بتأمين مصالِحه السياسية والاقتصادية وبقاء هيمنته الثقافية والحضارية، وأن الطريق لاستدامة تلك الهيمنة يُمكن تحقيقه عبر نخب فكرية مُتصالِحة - فيما يظنون - مع الحالة الإسلامية أو نخب فكرية إسلامية أنتج شعورها بالانسداد السياسي تبنيًا للقيم الليبرالية عبر تأويلات محدثة، وهذا الأمر لم يتمكَّن البعض من رؤيته بسبب وهج الثورات العربية ونسائم الحرية التي دلفت على أمة عانت لقرن من ظلمة الاستبداد وقيود التبعية".
جاءت دراسة الكاتب في ثلاثة فصول، قسم كل فصل إلى عدة مباحث داخلية تبحث حول ظاهرة "الإسلاميين الجدد" ومدى تأثيرها في تحويل دفة الصراع الغربي - الإسلامي إلى صراع داخلي تناحُري يهدف في النهاية إلى خدمة "السيد الأبيض"، والاستمرار في تثبيت دعائم الهيمنة الغربية.
الإسلاميون الجدد.. الخيار الأفضل:
جاء الفصل الأول بعنوان "الإسلاميون الجدد.. قراءة في الظروف المهيئة لتَسيُّدهم المشهد الفكري والسياسي" ليؤكد من خلاله "الهويريني" أن الغرب يدرك جيدًا أن الثقافة الإسلامية تفسِّر - إلى حد كبير - فشل فكرة الديمقراطية والليبرالية وتعارضها مع الأصولية الإسلامية، فبالنسبة للغرب الدولة القومية هي قمة الولاء السياسي، بينما في العالم الإسلامي يرى المسلمون أن فكرة الدولة القومية قد تتعارض في بعض أيديولوجياتها مع فكرة الحاكمية لله، وأولوية تحقيق مصالح الأمة الإسلامية ككل، وهذا ما أكد عليه صمويل هنتجتون وفوكاياما وبرنارد لويس وغيرهم من منظِّري الغرب، بل إن لويس يصرِّح قائلاً: إن الإسلام هو الحضارة الوحيدة التي جعلت بقاء الغرب موضِع شك، وهو ما حدا بلويس وهنتجتون من منظري الغرب بالإشارة إلى مصطلح "صدام الحضارات" وضرورة ضرب الإسلام في أهمِّ أفكاره وعقر داره عن طريق تفتيت الدول الإسلامية إلى مجموعة من الدويلات المذهبية والعِرقية والطائفية، مع تصدير مشروع "الشرق الأوسط الكبير" (الجديد)؛ ليتمكن من خلاله من إعادة هيكلة المنطقة من خلال إدماج وتطبيع دولة الصهاينة في المنطقة لتكون خَنجرًا مؤرقًا في ظهر الأمة الإسلامية، وكان لا بد لهذا المشروع من منظّرين له ومدافعين عن أهم أدبياته، التي تتضمَّن تقبُّل النموذج الليبرالي في المنطقة عبر الديمقراطية الغربية مع تهيئة المنطقة للعولمة؛ بحيث تتحقَّق للغرب الهيمنة السياسية والفكرية والاقتصادية على العالم الإسلامي، وهو ما يشير إليه الكاتب بقوله: "من هنا تفتَّقت الذهنية الغربية عن خيار جديد وهو خيار (الإسلاميون الجدد) أو (الإسلام المعتدل)، والذي يقدم القيم الليبرالية في وعاء إسلامي، فهؤلاء هم الأقدر على حل إشكالية الاستبداد وتخفيف احتقان الشعوب، وتوجيه مشاعرها واهتماماتها لشؤونهم المعيشية والداخلية (القُطرية)، وفي الوقت نفسه سيَسمح الإسلاميون الجدد بنشر القيم الليبرالية عبر بوابة الديمقراطية الغربية"؛ (ص: 38، 39).
وقد لمح الكاتب أن مشروع تقسيم المنطقة وإنشاء مشروع (الشرق الأوسط الجديد) قد عاد من جديد بعد ثورات الربيع العربي التي قامت في كثير من الدول العربية منذ عام 2011 وحتى وقتنا الحالي، ورغم أن الكاتب خجل من القول صراحةً بنظرية المؤامرة التي يروِّج لها كثير من القوميين والساسة في الوقت الحالي، فإنه يرى أن الغرب قد استغل الأحداث الحالية ليُعيد ترتيب أوراقه من جديد، وإعادة تبادل الأدوار بين القوميِّين والإسلاميين الجدد لتسيُّدهم المشهد السياسي الحالي كبديل مرحلي مُهم لا بد منه في ظل حالة الاحتقان الشعبي العارمة ضد الدعم الغربي للشمولية الديكتاتورية بالمنطقة.
يقول الكاتب:
"عندما نؤكد أن الإستراتيجية الغربية الجديدة أصبحت تُعوِّل على خيار الإسلاميين الجدد، فهذا لا يعني أنهم خيار غربي نهائي لا رجعة فيه، بل هم أداة وظيفية يُراد من خلالها نشر القيم الديمقراطية الليبرالية في أوساط الشعوب الإسلامية، مع تأمينهم بوصفِهم حلفاء جددًا للمصالح الغربية في ظل حكومات رخوة ضعيفة، وهذا ما يَعتبره الغرب تجفيفًا للمنبع العقائدي للتطرف والإرهاب، وإذا فشل الإسلاميون الجدد سياسيًّا فلا مانع من التخلُّص منهم، وإعادة دفة القيادة للنخبة الليبرالية إذا انتخبتْها الشعوب ديمقراطيًّا، بعد أن تكون ملَّت وسئمت من فشل الإسلاميين في تغيير أوضاعهم الاقتصادية والسياسية"؛ (ص: 41).
وقد أشار الكاتب في غضون هذا الفصل إلى النموذج التركي الحليف للغرب، والذي ما زال يتمسَّك بكلمة العلمانية في كافة خطاباته رغم المسوح الإ��لامي الذي يظهَر عليه على المستوى الشعبي، والذي لاقى تعاطفًا كبيرًا وحماسًا ساذجًا من جانب الجماهير المتعطِّشة لأي تجربة ناجحة لحكومة إسلامية!
وأشار الكاتب أن صناعة "إسلام مُعتدل" بمواصفات فكرية محددة تم الترويج له من خلال إنشاء عدة مؤسَّسات بحثية ومراكز دراسات غربية تم زرعها في المنطقة العربية، وعلى رأس هذه المؤسسات: مؤسَّسة راند، والتي تعاونت مع شخصيات أمريكية سياسية وفكرية من العيار الثقيل كهنري كيسنجر ودونالد رامسفيلد وكوندليزا رايس وفرانسيس فوكاياما، وتعمد هذه المؤسسات البحثية إلى التعاون مع ثلاثة قطاعات لتنفيذ أفكارها وخطتها ا��عامة:
1- العلمانيون.
2- المسلمون الليبراليون ذوو الخلفية الدينية التي تدعو إلى التعدُّدية والديمقراطية.
3- المعتدلون التقليديون (الصوفية).
حيث تعمد إلى توفير مصادر تمويل لهذه القطاعات، والتي تُمكِّنهم من نشر أفكارهم وحصد أنصار لهم داخل المجتمعات الإسلامية، وتوفير الدعم السياسي من خلال الضغط على الحكومات السُّلطوية للسماح لهم بالدخول في التجربة السياسية وتنفيذ برامجهم بحُرية دون قيود، وهذا ما يفسِّر الجرأة الاستثنائية التي يَحظى بها إصلاحيُّون ليبراليون وديمقراطيون في انتقادهم السلطات وسط دعم غربي.
وتؤكِّد تلك المؤسسات الغربية أن "الإسلاميين يُمثِّلون البديل المحتمل للنظم الشمولية في العالم الإسلامي خصوصًا في العالم العربي، كما أن هؤلاء الإسلاميين الأكثر قدرة على مواجهة الخطر الراديكالي الذي يُمارس العنف، وهم أقدر على ذلك من رجال الدين التقليديين"؛ (ص: 64، 65).
لعبة الديمقراطية:
تناول الفصل الثاني بعنوان: "الإسلاميون الجدد.. بين مجهر الراصدين وطموح الثائرين" رصد لتنامي ظاهرة "الإسلام الليبرالي" وبروز تيار الوسطية الإسلامية خلال ربع القرن الأخير؛ حيث كان من أوائل المنادين بالمدرسة الإصلاحية الإسلامية الشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده، عندما استغلَّهم المستعمر الإنجليزي كجسر عبور لهدف ضرب الخلافة العثمانية، ويلتمس الكاتب حسْنَ الظن في نية رواد تلك المدرسة الإصلاحية؛ حيث يرى أن هؤلاء الأشياخ لم يتوقَّعوا أبدًا أن تَعاونهم مع المستعمر كان وسيلةً لهدف خبيث؛ بل يدخل في دائرة المباح لتحسين أوضاع البلاد العربية المتخلفة وقتذاك، ولم يكن محمد عبده علمانيًّا بأي حال من الأحوال، ولكن أفكاره كانت تمثِّل - بلا شك - حلقة وصل بين العلمانية والعالم الإسلامي، ومن ثم صارت جسرًا عبر عليه الاستعمار إلى علمانية التعليم والتوجيه في العالم الإسلامي.
يروي محمد المويلحي في روايته "حديث عيسى بن هشام" على لسان أحد أبطال الرواية الذي يتساءل متعجبًا: "كيف ساغ للمصريين أن يأخذوا بقانون نابليون المخالف للشريعة؟! فيجيبه آخر بأن المفتي أقسم بالله أنه موافق للشريعة!".
وفي مطلع العالم الحديث استُدرج الإسلاميون إلى نفس الخطة الخبيثة بقبولهم الدخول والتوافُق مع أصول اللعبة الديمقراطية الغربية، وكان دخولهم في البداية دخولاً مصلحيًّا، لا يَصبغ الصبغة الشرعية على القوانين الوضعية المستمدَّة من القوانين الأجنبية، ولكنه يُشارك من باب تقليل المفاسد وتحقيق المصالح.
ويلاحظ الكاتب في سخرية أن العلمانيين يُكثرون من اتهام الإسلاميين بأنهم سيَنقلبون على الديمقراطية مع أن التاريخ العربي المعاصر حافل بالانقلابات العلمانية على الديمقراطية.
ويرى الكاتب أن المدرسة التوفيقية التنويرية رغم أخطائها وخللها في المواءمة بين المفاهيم الغربية الليبرالية والمفاهيم الشرعية فإنها تُعذَر لسابق جهودها المشكورة في الدفاع عن الهوية الإسلامية والرد على الملاحِدة والعلمانيين!
واتخذ الكاتب جماعة الإخوان المسلمين كنموذج (تنويري معتدل) يُمكن من خلاله دراسة ارتباط الإسلام السياسي بالديمقراطية بشكل مُتزايد، ويؤكد الكاتب أنَّ تقدُّم كل من الإسلام السياسي والديمقراطية جنبًا إلى جنب - وإن لم يكن بنفس الوتيرة - والمشهد السياسي الجديد يُحدِث تحوُّلات في الإسلاميين أكثر مما يُحدِث الإسلاميون من تحولات في هذا المشهد؛ (ص: 122).
وتعاني الحركات الإسلامية بقسمَيها - الأصولي والتنويري - من خطر التوظيف السياسي، ويرى الكاتب أن بعض الحركات الإسلامية تُستدرَج أحيانًا لخطر العمالة والتوظيف السياسي نتيجة قلة الخبرة السياسية، ولتضخُّم المقاصد الدنيوية على حساب التصور الإسلامي، إلى جانب بعض البراجماتية التي يتَّسم بها بعض الإسلاميين من باب التفسير الخاطئ لفقه المصالح والمفاسد، إلى جانب الخلل في منهجية الاستيعاب لباقي التيارات الأخرى لدى بعض الحركات الإسلامية، وفي بعض الأحيان تتقاطَع مصالِحها مع مصالح المشروع الغربي كما حدث في تجربة المُجاهدين العرب بأفغانستان عندما أزاحوا السوفييت ليصطدموا من بعدها بالولايات المتحدة الأمريكية صديق الأمس!
ويرى الكاتب أن الحركات (التنويرية) الإسلامية يُمكن مُحاربة مردودها السلبي عن طريق فقه الواقع، وإبراز الخطاب الإسلامي الذي يعالج إشكاليات الواقع ويلبّي احتياجات الناس السياسية والاقتصادية والثقافية، وهذا يستلزم التمايز عن بعض الخطابات المحسوبة على الحالة الإسلامية التي غالبًا ما تُوظَّف لترسيخ الاستبداد والفساد؛ (ص: 134).
ولا يرى الكاتب تعميم الحكم القائل بتخوين الإسلاميين الجدد أو الحركات (التنويرية) الإسلامية لا سيما الجيل القديم، فالقول الجازم بأنهم عملاء جدد للغرب قول ظالم كما يُنبِّه الكاتب، بل يرى أنهم قد وقعوا في مداراة وتفاهُمات خاطئة، سواء كان ذلك مع القوى الدولية أو الإقليمية أو التيارات العلمانية!
وهنا يصطدم الكاتب بالنتائج، ففي السياسة - كما أشار د. عبدالله النفيسي - لا تهمُّ النوايا بل تهمُّنا النتائج أولاً وأخيرًا.
الإسلاميون الجدد.. في أتون المعركة:
جاء الفصل الثالث تحت عنوان "أبعاد المعركة الفكرية في حقبة الثورات العربية" للتساؤل حول مستقبل الحركات الإسلامية ككل بعد الربيع العربي، فالحركات الإسلامية في مأزق كبير بالفعل بعد الثورات العربية؛ خاصةً بعد تصدُّرها للمشهد الفكري السياسي في تلك الدول، فواقع الحال الآن أن التيارات الإسلامية مضطرة أن تُطمئن الغرب الراعي الأكبر الذي يراقب عن بعد التزام تلك الحركات بالقوانين الدولية التي وضعتها، وأن تُعطي النخب وباقي الأطياف السياسية العلمانية والأقليات الطائفية ما يُرضيها ويُسكتها من كعكة السلطة، إلى جانب أنها مطالبة بتغيير الواقع للأفضل وإيجاد صورة مادية على أرض الواقع لإرضاء الجماهير التي رضيَتْ بهم عن اقتناع مشوب بالرغبة في التغيير والبناء، ويُخشى من حشر المزيد من المفاهيم العلمانية والتنازلات في المفاهيم الإسلامية الأصولية الباقية لتلك الحركات التنويرية التي ارتضَت بالديمقراطية والانتخابات كوسيلة لهدفها، وليسَت غاية تؤمن بها.
فهل سيصمد (الإسلاميون الجدد) في هذه المعركة، ويَحتفظون بما تبقى من أصوليتهم والشعارات الدينية التي ما زالوا ينادون بها ولو بتأويل؟ أم سيقودهم هذا إلى مزيد من التنازلات وفقْد ماء الوجه؟!
الكاتب يناقش فكرة دعم الغرب لللإسلاميين الجدد على المستوى السياسي، و ذلك لتوافق قراءتهم للإسلام مع كثير من مفاهيم المنظومة اللبرالية الغربية بما يخدم مشروع ال و.م.أ في منطقة الشرق الأوسط ، و أن دعمهم يعتبر البديل الأفضل بعد صدور عدة دراسات تؤكد فشل النموذج الإستبدادي لاستبقاء الشعوب العربية و المسلمة تحت الإحتلال و التبعية الفكرية.. و كذلك يطرح بعض السمات التي يتصف بها الإسلاميون الجدد و كيفية التعامل معها في ضوء الأحداث المتشابكة الكتاب مشوق و لا يخلو من تحليلات جيدة رغم قدمه نسبيا
بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ... أما بعد ... الكتاب فيه نقاط عدة تستوقف القارئ وهو يعبر عن وجهة نظر باحث شرعي في مجموعة أحداث سياسية معاصرة وقراءة لاتخلو من عمق وتحليل ومتابعة , أعجبتني فكرة الكتاب وهو حقيق بالمطالعة ولكن من طلاب العلم فقط ممن يعرفون مقاصد التأليف ومواضع الكلم . مالم يعجبني في الكتاب هو حسن الظن الزائد عند الكاتب - وفقه الله - في كثير من الشخصيات الإسلامية وجزمه بأنهم قالوا ماقالوه عن حسن نية !! وهذا لايمكن الجزم به ولابخلافه طبعا ولكن القرائن ترجح خلاف ماذكره الكاتب والنصوص المتكاثرة في الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة شهيرة في كثرة النفاق والمنافقين لاسيما في آخر الزمن فالمطلوب منه وفقه الله أن يكون موضوعيا أكثر في الحكم على الأشخاص أو إغفال الحكم رأسا وهو يريحه من الاعتراض فالكلام في الأشخاص لاينتهي . في بعض المواضع ألمس اضطرابا فهو يتحدث عن الإسلاميين الجدد كما هو ظاهر من عنوان الكتاب ثم يستشهد على مراده بكلام لرأس من التنويريين وكأنه عالم كبير موثوق في علمه وفتواه !! بينما هو رجل يفتي بالهوى المجرد وغني أن أذكر أسماء هنا فالإشارة حسب اللبيب . والله الموفق.”
استفدت كثيراً من هذا الكتاب ، ساعدني على فهم بعض التغيرات والتوجهات السياسيه الأميركيه التي شهدت تغيراً ملحوظاً بعد أحداث 11 سبتمبر ، والهدف من دعمها مؤخراً للأحزاب الاسلامية.
كتاب جيد لا يخلو من فائدة، عودنا الدكتور الهويريني على قراءته التأملية العميقة للمشهد التي تلقي بالضوء على زواياه المعتمة، أرى أن المؤلف أجاد في قراءة طبيعة تركيبة الحركات الإسلامية (الإسلاميون الجدد) وهو موضوع الكتاب، غير أنه جانبه الصواب في قراءته السياسية للمشهد، ومن تاريخ نشر الكتاب إلى اليوم استجدت أحداث تخالف في مجملها ما ذهب إليه لا سيما في الساحة المصرية، كان بودّي لو تأخر تأليف هذا الكتاب قليلًا وأُضيف له وزيد عليه؛ ليستوعب كامل الصورة ويجمع حراك الإسلاميين الجدد في دول المنطقة.