يهدف هذا الكتاب إلى بيان الأثر الذي تركته المدنية الإسلامية في الحضارة الغربية، حيث عمل المؤلف على توضيح المؤثرات المختلفة التي تركها المسلمون في حضارة الغرب، والتي أفاد الغربيون وما زالوا يفيدون منها.
فقد ازدادت عناية الباحثين في السنوات الأخيرة بدراسة الجانب الحضاري في قصة التاريخ البشري، فظهر كثير من المؤلفات التي عالجت تطور الحضارة البشرية في مختلف العصور، فضلاً عن تاريخ العلوم والفكر الإنساني منذ القدم حتى اليوم.
وسرعان ما تكشفت حقيقة مهمة أخذت تزداد وضوحاً كلما ازداد البحث عمقاً، هي أن الفكر الإسلامي قام في العصور الوسطى بدور كبير وفعّال في بناء الحضارة البشرية، وأن هذا الدور البنَّاء لم يقتصر على مجرّد النقل والحفظ، بل تعدى ذلك إلى الابتكار والتجديد والاكتشاف، والانتقال بالحضارة البشرية من درجة إلى درجة أخرى أسمى بكثير مما كانت عليه الحال من قبل.
سعيد عبد الفتاح عاشور أستاذ تاريخ العصور الوسطى بكلية الآداب، جامعة بيروت العربية، وجامعة الاسكندرية. له أكثر من 22 كتاباً في تاريخ العصور الوسطى في أوروبا والمشرق العربى الإسلامي. نشر العديد من الأبحاث والمقالات العلمية على مدى تاريخه العلمى الطويل. ترأس الدكتور عاشور كرسى العصور الوسطى لعدة عقود بأقسام التاريخ بجامعة القاهرة، جامعة بيروت العربية، وجامعة الكويت. حاضر، وأشرف على الأبحاث، وعمل كأستاذ زائر، بالعديد من الجامعات المصرية والعربية. أجمع المؤرخون العرب في مؤتمرهم الكبير الذي عقد عام 1991 في القاهرة على انتخابه رئيساً لإتحاد المؤرخين العرب وهو المنصب الذي ظل يحتفظ به بإجماع الأعضاء، الذين لقبوه بشيخ المؤرخين العرب، حتى اعتزاله وتقاعده لظروفه الصحية، في العام 2005.
ولد سعيد عاشور بحى الروضة بالقاهرة وكان أبوه أستاذاً بدار العلوم، فنشأ في بيئة محافظة لأسرة مصرية من الطبقة الوسطى وهى الطبقة التي كان ينتمى إليها رجال التعليم وموظفى الحكومة والمهنيين في ذلك الوقت. أظهر سعيد عاشور نبوغاً وجدية وكان من أوائل الخريجين في جميع مراحل التعليم التي تدرج فيها حتى نال شهادة التوجيهية (الثانوية العامة) عام 1940. التحق بكلية الآداب والتي كان عميدها في ذلك الوقت الأستاذ الدكتور أحمد أمين المؤرخ والأديب المعروف. إختار دراسة التاريخ حيث تتلمذ على أيدى زمرة من أعلام وشوامخ مؤرخى مصر مثل حسن إبراهيم، ومحمد مصطفى زيادة، وعزيز سوريال، وزكى على ومحمد شفيق غربال ومن المستشرقين جوجيه ودايتون وغيرهم، ممن يضيق المقام عن ذكرهم. وفى عام 1944 حصل على شهادة الليسانس بتقدير جيد جداً، وسجل رسالته لدرجة الماجستير بعنوان "قبرس والحروب الصليبية" تحت إشراف الأستاذ الدكتور محمد مصطفى زيادة. وباختياره موضوع تلك الرسالة ربط حياته ومستقبله بالدراسة والبحث في العصور الوسطى والحروب الصليبية والتي إستأثرت بأهم وأضخم مؤلفاته في سنوات لاحقة. سافر إلى العراق عام 1946 حيث قضى عامين كمساعد لأستاذه الدكتور محمد مصطفى زيادة الذي كان قد أنتدب مع ثلاثة من الأساتذة المصريين لوضع أسس أول جامعة في بغداد. وفى عام 1949 حصل على درجة الماجستير بتقدير جيد جداً مع مرتبة الشرف، وهو نفس العام الذي رزق فيه بأول مولود له. واصل دراسته العليا حتى حصل على درجة الدكتوراه مع نفس الأستاذ – دكتور محمد مصطفى زيادة- عام 1955 بتقدير ممتاز وكان موضوعها "الحياة الاجتماعية قي مصر قي عصر سلاطين المماليك". وفى سنة 1955 عين الدكتور سعيد عاشور مدرساً لتاريخ العصور الوسطى بقسم التاريخ بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة).
أسهم عام 1956، ضمن وفد من الأساتذة في تأسيس وافتتاح الدراسة بفرع جامعة القاهرة بالخرطوم، وقام بالتدريس بذلك الفرع لمدة فصل دراسى واحد. عمل أستاذا زائراً بجامعة الرياض سنة 1961 لمدة عام واحد، وجامعة الجزائر سنة 1973، وجامعة بيروت العربية خلال الفترة من 1973 إلى 1975، وجامعة الكويت في الفترة من 1975 إلى 1985، كما إشترك في اللجنة التأسيسية التي خططت لإنشاء جامعة السلطان قابوس بعمان خلال الفترة من 1983 إلى 1985. توفي سعيد عبد الفتاح عاشور عن عمر ناهز الـ87 عاماُ. ويعد عاشور من كبار المؤرخين في العالم العربي ويُطلق عليه شيخ المؤرخين فقد كان رئيس اتحاد المؤرخين العرب سابقا.
انشغلتُ الفترة السابقة بتقليب شيء من تاريخ أوروبا العصور الوسطى حتى عصر التنوير: فترة خانقة، رائحتها طاعون، لا أراها بغير اللون الرمادي الكئيب، ثم جاء هذا الكتاب رحلة شرقية بديعة، رفعت عني شيئا من الحنق، إذ أرتني منظورًا فعما ضاجا بالحياة خلاف النموذج الأوروبي وقتها: الحضارة العربية الإسلامية. بيد أني وقد انتهت هذه الرحلة لست أدري أي المشاعر أطغى، الانبهار أم الحسرة أم السخط على كلا القطبين اليوم؟ ستخلف هذه القراءة في حلقي غصة طويلة الأمد، وفي عزمي وسعيي الحثيث إلى إكبار التراث العربي الإسلامي شعلة أرجو ألا تخبو على الأيام.
الكتاب جميل وعيبه أن عدد صفحات قصيرة لأن هذا الموضوع يحتاج بلا مبالغة إلى مجلدات لوصف آثر الحضارة والمدنية الإسلامية على المجتمع الأوروبي وخصوصاً القسم الغربي البابي الأول والثاني هو تكرار لبعض أبرز النقاط التي تطرق له الدكتور سعيد في كتابه أوروبا في العصور الوسطى بجزئيه الأول والثاني وإما الباب الثالث نستطيع أن نصفه بمقدمة الكتاب وإما لبه وجوهره فمسطور في الباب الرابع