مما فتح الله به على البشرية في العصر الحديث ذاك التميز في علوم الحياة الدنيا، فقد تطور العلم البشري تطوراً غير مسبوق، ونتج عنه من المنافع ما لم نسمع عنه في تاريخ الإنسانية. ولكن هذا التميز المدهش لم يكن صافياً من الشوائب، ولا خالياً من الثغرات والسقطات، وقد استغلّ ذلك طائفة من أصحاب الأهواء داخل العالم الإسلامي، فتحركوا بباطلهم من خلال تلك الثغرات، فاتهموا الدين والوحي والعقائد والشرائع بعدم مسايرتها للعلم ولا اتفاقها مع العصر، وقد استندوا في ذلك إلى ما قدمه الفكر العلماني الغربي. والتطورات العلمية والفكرية المعاصرة تكشف تهافت المستندات العلمانية الحديثة ولكنها تعاني من غياب البديل الواضح، وهذه فرصة سانحة للفكر الإسلامي أن يجتهد في تقديم التوجيه الرباني الذي يجمع شتات العلوم ويرتقي بها بما ينفع البشرية.
الكتاب سِفْرٌ مُـرهِق ..! ضخم يتجاوز الألفَ صفحة .. لكنه ممتاز في موضوعه
يذكر المؤلِّف عبارةً تشرح فكرة كتابه (نحن عندما نعرض لمثل هذه الأمور نتذكر دعوى يرددها رواد التغريب العربي مفادها بأن العلم أمره واضح بيّن لا يمكن لأحد أن يتلاعب به أو أن يحرفه عن مساره)
بعض الفوائد الواردة في الكتاب:
1- كان العلم في الفكر الغربي ضمن مباحث الفلسفة، ثم بدأ ينفصل عنها مع بدايات العصر الحديث.
2- قام القديس توما الإكويني بدمج التركة الأرسطية (الفلسفية/العلمية/الميتافيزيقية) باللاهوت النصراني، وقبلت الكنيسة الكاثوليكية هذه التركيبة فيما بعد، ومنذ ذلك الحين تغلغل الفكر الأرسطي في النصرانية المحرفة.
3- بيَّن ابن تيمية أن العلوم البشرية المادية لا يفيدها المنهج الأرسطي، وسنجد أن اوروبا لم تحقق تطورها في باب العلوم ولا ثورتها العلمية إلا بعد هجومها الكبير على أرسطو، وما تمّ ذلك عندهم إلا بعد نقد شيخ الإسلام بقرنين تقريباً.
4- ظهر في أوروبا مجموعة سُمِّيت بالإنسانيين أضعفوا شأن الدين بين الناس، واشتهر عنهم عيشهم حياة منفلتة مع إحيائهم للتراث الوثني بكل قيَمه، وذكر عنهم المؤرخ يوسف كرم بأن عصر النهضة هو العودة للثقافة القديمة التي تنضح بالوثنية من كل جانب فانتشرت بسبب ذلك الوثنية في الأفكار والأخلاق.
5- قامت حرب الثلاثين عاماً بين الكاثولك والبروتستانت وكان الكاثوليك يسمّون لوثر وأتباعه بالمحمديين بدعوى تأثرهم بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، ولوثر يتهمهم بأنهم على الطريقة الإسلامية!
6- انطلقت الثورة العلمية في أوروبا في المقام الأول من علم الفلك والفيزياء.
7- يُقال أن إدريس عليه السلام أُخِذ عنه في الأصل علم الفلك.
8- كان كوبرنيكوس من رجال الكنيسة.
9- الكنيسة لم تكن ضد العلم مطلقاً، وإنما كانت ضد النظريات التي تخالف ماتعتقده من معتقدات وتسكت عمّا لا يخالفها وتسمح بالنشاط العلمي في الجملة، وهذا يظهر من سماحها بكتاب كوبر بشرط تصحيحه وبطلبها من جاليليو أن يجعل نظريته فرضية لا نظرية.
10- لم يُعرَف عن الكنيسة أنها حاربت العلوم الجديدة التي لا تخالف معتقدات كنسية معينة وإنما حاربت من أتى بشيء يخالف ما تقرر عندهم عقدياً.
11- نيوتن ومن قبله من علماء أوروبا كانت التفسيرات العلمية عندهم تقف حد الاكتفاء بما يمكن التأكد منه بالملاحظة والتجربة، أما اللاحقين لهم منعوا التفسيرات الأخرى وجرّموها لأنها ميتافيزيقية غيبية.
12- وعلى الرغم من أن نيوتن يتمسك بفكرة الجذب كمعطى تجريبي فإنه لم يتردد في إقحام الميتافيزيقا في تفسير طبيعة الجاذبية نفسها.
13- تذكر مصادر تاريخ الفكر الغربي عن نيوتن عدم دعوته لمخالفة الكنيسة وأنه لم يرى تعارضاً بين العلم والدين.
14- كان لمزاعم داروين العلمية حول نشأة العقيدة بفعل أثر الطبيعة في الإنسان امتدادها في العلوم الناشئة بعده فهذا علم الاجتماع مع دوركايم يرى بأن الدين نشأته بأسباب اجتماعية يمكن تفسيرها علمياً ، وفرويد أرجع نشأة الدين إلى أحداث نفسية ، وقريب من ذلك مزاعم الماركسية حول نشأة الدين بسبب الصراع الطبقي والجدل المادي التاريخي
15- الداروينية كانت في مجال الأحياء لكن تحولت لمذهب إجتماعي (الداروينية الإجتماعية).
16- كان دوركايم عالم الإجتماع الشهير مشرفاً على أحد أوائل رموز التغريب في العالم الإسلامي وهو طه حسين.
17- مما يلفت النظر بأن صَاحبَيّ مدرسة التحليل النفسي والمدرسة الدوركايمية من اليهود، مما يدفع العديد من الدارسين للربط بين أخلاق اليهود وضلالهم ومشكلة وجودهم داخل أوروبا النصرانية وبين مايقدمونه في نظريات العلوم الإجتماعية!
18- أهم مذهب فكري أسهم في انحراف مسيرة العلم الحديث هو الاتجاه المادي، وهو اتجاه يرى بأن المادة هي الحقيقة المطلقة أزلية أبدية وهي الفاعلة وحدها، وهو مذهب قديم ورد عن اليونان، لكن المذاهب المادية قد ضعف شأنها في أوروبا بعد نجاح الفلسفات العقلية المثالية أو اعتناقها فيما بعد للنصرانية.
19- وظف المذهب المادي العلم بصورة كبيرة في خدمة الإلحاد.
20- يتحدد الواجب العملي عند الماركسيين نحو الدين بالكفاح ضدّه ففي أحد قرارات الحزب الشيوعي السوفييتي ذكروا أنه : يتعين أن يُنظر إلى الكفاح ضد المعتقدات الدينية على أنه كفاح للمفهوم العلمي ضد المفهوم اللاعلمي.
21- التيار التجريبي أسهم في الانحراف بمسيرة العلم بجعله الحس هو المعيار للمعرفة العلمية وضخم من دور الحس على حساب الغيب
22- ما أصاب فيه الفيلسوف اليهودي اسبينوزا في نقده للتوراة لم يكن مجهولاً في البلاد الإسلامية فإن أسرته كانت من أهل الأندلس.
23- أينشتاين كان رغم مذهبه اللاأدري كان يطوف أمريكا ليجمع التبرعات لإسرائيل سنة 1948 و دعى للصهيونية.
24- "عادةً ما يُربَط بين الإباحية التي ظهرت في القرن 20 وبين نظريات فرويد بسبب المكانة الخاصة للجنس في نظريته، وتم ذلك باسم العلم! فجد رواد الرأسمالية وغالباً ماكانوا يهوداً نظرية فرويد في الجنس فرصةً للاستثمار فهم يروجون للاستهلاك في كل شيء بما في ذلك الجنس، وزمن المحرمات والحشمة قد أسقطته النظرة العلمية، فإن كبت الحاجات الجنسية يمكن أن يؤدي إلى العصاب، ولتلافيه فلا بد من الانعتاق من حرمان النفس من شهواتها!"
25- بدأ التحديث العثماني في عهد السلطان أحمد الثالث 1700ميلادية فأُدخِلت المطبعة وأفتى شيوخ الإسلام بجوازها إلا أن طبع المصحف بقي ممنوعاً، وأول ما طُبع كتب في التاريخ والجغرافيا.
26- تقوم العلوم الإجتماعية العلمانية على انحراف منهجي خطير، حيث تجعل القضايا الشرعية من باب الظواهر الاجتماعية كقانون التطور المادي أو الجدل المادي الإقتصادي، فيكون مصدر الظواهر أرضياً لا سماوياً.
كتاب ضخم يقع في أكثر من ألف وأربعمائة صفحة. كتاب أكثر من رائع! بذل فيه الباحث جهدا عظيما في جمع المعلومات وترتيبها بشكل جيد. مهد الباحث كتابه بتعريف النظرية العلمية ثم شرح في الباب الأول الثورة العلمية الحديثة ومعالم نشوئها بالتفصيل. وبعد ذلك ذكر تاريخ ما بعد الثورة العلمية وصولا إلى العصر الحاضر. ثم ذكر أسباب وجود الانحراف المصاحب للتطور العلمي الحديث مبينا دور الكنيسة في إفساد العلاقة بين العلم والدين ودور العلمانية في الانحراف بمسيرة العلم. كما ذكر دور المذهب المادي والمذهب التجريبي الحسي في الانحراف. ومشكلة الباحث أنه يؤمن بنظرية مؤامرة اليهود، ولذلك ذكر دور اليهود كسبب للانحراف، وهذا الكلام وإن كان صادقا جزئيا إلا أنه يحتاج إلى دلائل أكثر. ثم تكلم الكاتب عن تاريخ الانحرافات المصاحبة لحركة علم الحديث في العالم الإسلامي في فصل مستقل. وفي الفصل التالي ذكر أسباب دخول هذه الانحرافات. وبعد ذلك ذكر أبرز المواقف العلمية والفكرية في العالم الإسلامي من العلوم الحديثة ويتمثل هذه المواقف في عدة اتجاهات (الاتجاه السلفي، الاتجاه العصراني، الاتجاه التغريبي). أما في الباب الثاني فقد ذكر التأثر المنهجي في الفكر التغريبي بالانحراف المصاحب للعلم الحديث. والتأثر حدث في مصدر التلقي وطريقة التعامل مع القضايا الغيبية الاعتقادية وطريقة التعامل مع القضايا الشرعية العملية. وفي الباب الثالث عرض الباحث بعض الصور للدعاوى الباطلة التي ظهرت في الفكر التغريبي حول الدين والعلم؛ منها: أهمية علمنة العلم، دعوى التعارض بين الدين والعلم الحديث ودعوى كفاية العلم الحديث لحاجة الإنسان. باختصار، الكتاب عمل متقن ورائع. يحصل للقارئ حمولة ثقافية من هذا الكتاب كما يتعرف على تاريخ العلم الحديث ووجوه الانحراف الموجودة فيه. حفظ الله الأستاذ حسن الأسمري وأجزل مثوبته في الدارين.
تم قراءة فصل في اطار برنامج البناء الفكري الدفعة الاولى من ص 560 الى ص 624 في هذا الفصل عرض لاسباب دخول الانحرافات المصاحبة لحركة العلم الحديث الى البلاد الاسلامية وذلك من خلال رصد البيئة الفكرية والاجتماعية المنتجة لذلك من خلال الاسباب الاتية : - ضعف المدرسة الحديثة ومشكلة مدارس الاقليات - دور الصحافة نشأتها وتمكن النصارى منها وتوجيههم التغريبي لها