هذه القصائد القليلة لا تعتبر (شعراً) في مجال الشعر الواسع المليء بالإبداع، ولكنها صورة من صور التعبير المنظوم، ولكنها تحمل في ثناياها صورة من صور التجربة، ولوناً من ألوان المعاناة في حادث هائل في حياة قلب.
ولدت بمحافظة أسيوط في صعيد مصر. تربت في أسرة متدينة بين أب وأم على خلق ودين، وهي أخت سيد قطب ومحمد قطب وحميدة قطب. انتقلت للعيش في القاهرة بعد وفاة والدها. اعتقلت لعدة شهور بالسجن الحربي مع أخيها سيد قطب.
تزوجت من كمال السنانيرى والذي حكم عليه ظلما بالسجن لمدة 15 سنة وبعد خمس سنين من السجن دخل المستشفى قابل سيد قطب وطلب منه لزواج من أخته أمينة ووافقت أمينة رغم أنه ما زال امامه عشرين سنة سجن ولكنها أثبتت أن الايمان لا تقف أي حواجز في طريقه وكان عمرها عند الزواج عشرين عاما وبعد 17 عاما وفى عام 1975 خرج كمال لزوجته الحبيبة أمينة ولكن تم اعتقاله مرة أخرى بعد ست سنين ومع شدة التعذيب مات في السجن في عام 1981م.
كتبت السيدة أمينة القصة ونشرت في عدد من المجلات المصرية مثل الأديب والآداب والعالم العربي واشتغلت بعد وفاة زوجها وأخيها سيد بكتابة الشعر ولها ديوان باسم رسالة إلى شهيد الذي يصور مدى صبر أخيها وزوجها في وجه التعذيب ومدى ظلم وجبروت من خانوا الدين والوطن وعذبوا زوجها وأخوها ومئات من الشباب الطاهر.
ودفنا الشوق في أعماقنا *** و مضينا في رضاء و احتساب
" وكثيرا ما نخفي بعض الرغبات والتطلعات، تحت ركام الأيام الأيام حتى ليبدوا أنه لم يعد لها وجود في الحس، ولكنها فجأة تنبعث من تحت ذلك الركام تحت وقع حادث أو مناسبة. وكأنما ي بنت الساعة وقرينة هذا الحادث الجديد .. أو ربما يكون للحدث من العمق والشدة ما يجعله ينبش الركام ويفجر النفس من أعماقها، وبعث ما كان ثاويا فيها. "
ليس لي أن أقيّم آلام النّاس، فهل أضع خمساً لآلامها ومعاناتها مثلاً !؟ أعلم أنّ الشّعر بالمجمل هو نوعٌ من تجسيد المشاعر بكلماتٍ ذات إيقاع، وأنّ معظم الشّعر الذي وصلنا هو تجسيدٌ لمعاناة الشّاعر، أمّا ما لا أستوعبه هو عجزي عن وضع تقييمٍ لهذا الكتاب كما لو أنّه لا يحقّ لي عمل ذلك!
يا الله على كل هذا الألم.. يا الله على تلك الكلمات الصادقة التي خرجت من قلب موجوع، تجرع مرارة الفراق والفقد كثيرًا.. قصائد كتبتها أمينة قطب -رحمها الله- بعد إعدام زوجها كمال السنانيري -تقبله الله- على يد السادات.. قالت عنها: " إنها إليك وإلى السائرين على الدرب، رغم أشواك الطريق، فإن كانت الدموع تملأها فمعذرة، فقد تركتني وحدي أكمل بقية المسير ". اعتقل كمال السنانيري عام 1954 في عهد عبد الناصر، وحكم عليه بعشرين سنة، خطب خلالها أمينة قطب، التي انتظرت كل تلك السنين حتى خرج 1974، تزوجا بعدها، لكنه لم يكف عن العمل والجهاد في سبيل الله، فلم يكادا يهنآ بالعيش معًا، حتى اعتقل كمال في 1981 وتم إعدامه في نفس العام.. امرأة تلك قصتها، كيف تتخيلها؟! كيف تتخيل عزيمتها وقوتها وعظمتها؟! في هذه القصائد لم تكتفِ أمينة قطب بالشكوى والحزن، وإنما كانت قصائدها بمثابة القنابل المتفجرة، قصائد تمتلئ عزة وكبرياء -رغم ما فيها من شديد الحزن والألم-.. وكم من رسائل الآن من آلاف النساء إلى شهدائهم من الآباء والإخوان والأزواج والأبناء، لم يجدن فرصة للبوح بها؛ فأودعنها قلوبهن؟! كم من أرواح أنهكها الفراق والشوق إلى أناس خلف القضبان، أو واراهم الثرى! اللهُمّ كن لكل مظلوم، وعليك بكل ظالم! رحمكم الله ورضي عنكم يا آل قطب، وبلغّنا منازلكم! غير أني سوف أبقى مثلما كنت تلقاني في وجه الصعابِ سوف يبقى الرأسُ مرفوعًا فلا يرتضي ضعفًا لقولٍ أو جوابِ سوف تحدوني دماء عبِقَت وأنــارت كـــل فجّ للذهــابِ وبإذن الله تلـقانـي عـلـى ذلك العهد، على شط المآبِ!
لا أدري كيف تمكنت من كتابة هذا الحزن كله، أتخيلها وعيونها قد اغرورقت وقلبها قد امتلأ بالأسى. أراها تلبسُ الأسودَ وجفونها متورمة وقلبها محطم. ولكني أراها أيضًا صابرة! أراها محتسبة! أراها جالسة تُخاطب الباب وليلة القدر! أراها تخاطب الذكريات التي تمر في مخيلتها - تلك الذكريات المؤلمة! التي تتمنى لو تعود كي تراه مجددا. سألتُ صديقتي إن كان "الحبّ" موجودًا وأخبرتني أنهما خير دليل! فهذا الحب المكلل بالخضوع لله وحده والمكلل بالاصطبار. ففي الجنة سترسو سفينتهما ويعيشان فيها إلى الأبد سويًّا- بدون طغاة وبدون سجون وبلا قيود، حريّة العقيدة وحريّة التوحيد. لا أدري كيف تمكنت من وصف "الحزن" في قصائد مختلفة، لا أظنها بعدما انتهت شعرت بالاكتفاء. لا أظن حزنها قد ارتوى. من لم يفقد أحدًا مقربًا منه لن يتذوق دموعها في كلامها. لن يشعر حقًّا بها إلا من أخذ الموت منه شخصًا عزيزًا عليه. أتفهمها. وأتفهم حزنها. وأعرف ذلك الشعور حقا. رغم اختلاف الزمن واختلاف المكان إلا أننا نلتقي كلنا - هنا: في الرسائل إلى شهيد - حيث الحزن والصبر واللقاء السرمدي.
قبل الغروب بدقائق.. عمدت إلى مجموعة من الكتب اقتطعتها من مكتبة والدي، وأحببت أن تكون لي خاصةً، تربض جوار سريري، فاخترت كتابين أبغي بصحبة أحدهما بدلًا عن صحبة الهاتف. "رسالة إلى شهيد" و "المعذبون في الأرض"، كان هذا خياري، ولأني آنست في نفسي ميلًا للشعر ودفعةً إليه، اخترت الأول. وبُعيْد العشاء، كنت قد انتهيت منه، ووجدت في نفسي هذا الهاتف وتلك الرغبة المُلّحة التي تطرق النفس دونما استئذان، فثير فيها بواعث الكتابة، فها أنا ذا أكتب. والشهيد هو (كمال السنانيري)، وصاحبة الرسائل السيدة (أمينة قطب)..زوجة الشهيد سيد قطب، الغني عن التعريف. والكتاب أشبه بقصيدة طويلة مُوجعة، سطرتها سنون العذابات، وخطت أحرفها ذاكرة مُتعبةٌ، لإمرأة فقدت زوجًا غاليًا، ورفيقًا حنونًا، أخذته يد البطش، ومزقته مخالب الطاغية، وانتزعته ذئاب الخيانة والغدر. هذه مشاعر إمرأة تجاه حبيبها الراحل، أبت أن تخرج إلا شعرًا، وكلمات انتُزعت من آبار الذكرى الغابرة المغبّرة التي امتلأت بالظلم والبطش والطغيان الناصري؛ والذي سلب حياة أخيها الأكبر: سيد قطب، وزوجها كمال السنانيري، وآخرين مشوا نفس الدرب الصعب في سبيل فكرةٍ، ارتضوا لأجلها الموت.
"هذه الرسائل كلها إليك..كتبتها بعد تلك الليلة، بعد أن غادرت ولم تعد.. إنها أول رسائل لن تراها ولن تقرأها، ولن تبعث لي بعدها بردّ..ولكني كتبتها إليك رغم هذا اليقين: فما كنت أملك حبس الدموع وأنت ترحل عني بلا عودة.." إن هذه القصائد لا تُقرأ دون سابق علمٍ ببواعثها، وبالتجربة الشعرية التي أملت على صاحبتها نظمها. فقصة السيدة أمينة والشهيد كمال، تحمل في طياتها من بواعث الحب والإخلاص والوفاء والجهاد والصبر وحسن الظن ما يمر على القلوب فيرققها، وما يمر على العيون، فيفتحها على آفاق لم تُعرف لها حدود في ما تقدم ذكره من مشاعر.
"ما عدت أنتظر الرجوع ولا مواعيد المساء ما عدت أحفل بالقطار يعود موفور الرجاء ما عدت أنتظر المجئ ولا الحديث أو اللقاء ما عدت أرقب وقع خطوك مقبلا بعد إنتهاء ماعاد يطرق مسمعي في الصبح صوتك في دعاء"
أبيات مؤثرة رقيقة، كتبت بماء الدمع قبل ماء الحبر، وإن كنت لا أعدها من جيد ما قرأت، إلا أن صدق تلك العاطفة، ولذعها الشديد، يفرض عليك التأثر البالغ والحزن الشديد..انظر في عذوبة وحنو لتلك الأبيات الرقيقة الحزينة:
"هل ترانا نلتقي أم أنها..كانت اللقيا على أرض السرابِ ثم ولت و تلاشى ظلها..و استحالت ذكريات للعذاب هكذا يسأل قلبي كلما..طالت الأيام من بعد غيابِ فإذا طيفك يرنو باسما..وكأني في استماع للجوابِ أولم نمضي على الحقِ معـًا..كي يعود الخير للأرض اليبابِ فمضينا في طريق شائك..نتخلى فيه عن كل الرغابِ و دفنا الشوق في اعماقنا..و مضينا في رضاء و احتسابِ قد تعاهدنا على السيرِ معـًـا..ثم اعجلتَ مجيبـًا للذهابِ حين ناداني رب منعم..لحياة في جنان ورحاب و لقاء في نعيم دائم..بجنود الله مرحب الصحاب قدموا الأرواح و العمر فدا..مستجيبين على غير ارتياب فليعد قلبك من غفلاته..فلقاء الخلد في تلك الرحاب أيها الراحل عُذرًا في شِكاتي..فإلى طيفِك أنات عتابِ قد تركت القلب يـدمي مثقلا..تائها في الليل في عمق الضباب و اذا اطوي وحيدا حائرا..اقطع الدرب طويلاً في اكتئابِ و اذا الليل خضم موحش..تتلاقى فيه امواج العذاب لم يعد يبَرق في ليلي سَناهُ..قد توارت كل انوار الشهاب غير اني سوف امضي مثلما..كنت تلقاني في وجه الصعاب سوف يمضي الرأس مرفوعا فلا..يرتضى ضعفـًا بقولِ او جوابِ سوف تحدوني دماء عابقات..قد انارت كل فج للذهاب" __ هذا الكتاب الشعري الصغير، أحيا فيَّ مفهوم الوفاء، وفتح لي أفقًا جديدًا وتعريفًا أسمى للحب، حبٍ محدوِّ بقضية سامية، محمي بعهد الرفيقين على المضي سويا مهما كان الثمن، الثمن..الذي اتضح في النهاية أنه الحياة. هذا الكتاب بثٌ للحزن اللاذع، والفراق المُعني المُضني.. هذا الكتاب سلوى، وذريعة تجلّد، وتصبير على لقاء أحبة افترقوا بين عالمين..تطمح أمينة أن تلحق ب(كمال) الزوج الحنون الشهيد، و(سيد) الأخ المربي الشهيد.. "زاملتَ (سيد) بالجنان وصحبَهُ...والسابقين على مدار سنين. كيف الحياة إذن وكيف أعيشها؟...في عالمٍ خاوٍ، وجدّ حزين؟ في القفر أحيا، والحياة مريرة...بعد الفراق، وفي هجير شجوني".. "رسائل إلى شهيد"..أسعدتني بقدر ما آلمتني، ربما كان هذا حظي من لذع الألم الذي ذاقته كاتبته، غفر الله لها وجزاها عن صبرها وحبها ووفاءها ما يُقر العين ويسر القلب.. وللسيدة أمينة كلمةٌ أخيرة: " إنها إليك في الدار التي سعيت لها وأدركتها في نهاية المطاف. إنها تهنئة أبعث بها إليك..حتى ألقاك، بعد المسير العاني ووعورة الطريق.. إنها وفاء وعهد على السير مع القافلة التي ما انقطع سيرها على مر الزمان...إلى ذلك المرتقى البعيد.. إنها إليك وإلى السائرين على الدرب، رغم أشواك الطريق، فإذا كانت الدموع تملأها؛ فمعذرةً، فقد تركتني وحدي أكمل بقية المسير.. إنها دموع الفراق، حتى ألقاك عند ذلك المرتقى، بإذن الله..مع قوافل الواصلين.
ماعدت انتظر الرجوع ولا مواعيد المساء ماعدت احفل بالقطار يعود موفور الرجاء ماعاد كلب الحي يزعجني بصوت او عواء واخاف ان يلقاك مهتاجا يزمجر في غباء ماعدت انتظر المجئ ولا الحديث او اللقاء ماعدت ارقب وقع خطوك مقبلا بعد انتهاء ماعدت اهرع حين تقبل باسما رغم العناء ويضئ بيتي بالتحيات المشعة كالرجاء ونعيد تعداد الدقائق كيف وافانا المساء وينام جفني مطمئنا لا يؤرقه عناء ماعاد يطرق مسمعي في الصبح صوتك في دعاء واذا بفجري في غيابك ،يستحيل الى بكاء ماعاد قلبي يستجيب لأمنيات أو رجاء ماعاد ضوء الفجر يغمرني بفيض من سناء ماعادت الايام تشرق او توسوس بالهناء وتركتني امضي مع الايام في صمت الشقاء أتراه ذاك الشوق للجنات ؟ او حب السماء ؟ فمضيت كالمشتاق كالولهان حبا للنداء وهل التقيت هناك بالاحباب ؟مالون اللقاء ؟ وبدار حق قد تجمعتم ، بأمن واحتماء ان كان ذاك فمرحبا بالموت ،مرحى بالدماء فلسوف القاكم هناك وتختفي دار الشقاء ولسوف القاكم أجل ، وعد يصدقه الوفاء ونثاب اياما قضيناها ، عناء وابتلاء وسنحتمي بالخلد لا نخشى فراقا او فناء
من القلب كلمات مغعمة بالحزن ..الوحدة ..والم الفراق ..تدخل الى القلب فتدميه ..بكيت كما لم ابك يوما ..ولم تفلح بتهدئتي سوى ابيات مؤثرة خاطبت بها امينة قطب نفسها قائلة :
فاطفئي وقدة الحنين وهيا فاقتفي اثر خطوهم في الحياة وانذري للإله أيام عمر ثم سيري على طريق الهداة فاحتساب الآلام في الخطو غنم وعزاء للحزن في المأساة واستعيني بالله في كل خطو لتفوزي بالخلد ، يوم النجاة
هل ترانا نلتقي أم أنها ** كانت اللقيا على أرض السرابِ ثم ولت وتلاشى ظلها ** واستحالت ذكريات للعذاب هكذا يسأل قلبي كلما ** طالت الأيام من بعد الغياب هكذا يسأل قلبي كلما ** طالت الأيام من بعد الغياب فإذا طيفك يرنو باسماً ** وكأني في استماع للجواب أولم نمضي على الدرب معاً ** كي يعود الخير للأرض اليباب فمضينا في طريق شائك ** نتخلى فيه عن كل الرغاب ودفنا الشوق في أعماقنا ** و مضينا في رضاء و احتساب قد تواعدنا على السير معاً ** ثم أجلت مجيباً للذهاب حين نادني ربٌ منعم ** لحياه في جنان و رحاب و لقاء في نعيم دائم ** بجنود الله مرحا بالصحاب قدموا الأرواح و العمر فداء ** مستجيبين علي غير إرتياب فليعد قلبك من غفلته ** فلقاء الخلد في تلك الرحاب أيها الراحل عذراً في شكاتي ** فإلى طيفك أناتُ عتاب قد تركت القلب يدمي مثقلاً ** تائهاً في الليل في عمق الضباب وإذا أطوي وحيداً حائراً ** أقطع الدرب طويلاً في اكتئاب وإذا الليل خضم موحش ** تتلاقى فيه أمواج العذاب لم يعد يبرق في ليلي سنا ** قد توارت كل أنوار الشهاب غير أني سوف أمضي مثلما ** كنت تلقاني في وجه الصعاب
أيها الراحل عُذرًا في شِكاتي ، فإلى طيفِك أنات عتابِ قد تركت القلب يـدمي مثقلًا ، تائهًا في الليل في عمق الضباب و إذا أطوي وحيدًا حائرًا ، أقطع الدرب طويلاً في اكتئابِ و إذا الليل خضم موحش ، تتلاقى فيه امواج العذاب .
رغم حرارة العاطفة التي تعج بها الأبيات إلا أنني للأسف لا استطيع تذوق الشعر إلا إذا كان مميزا..ولكن مع ذلك الديوان جميل وأجمل ما فيه أنه حقيقي وغير مزيف.. والكلمات لا تمثل شيئا من الواقع الجسيم الذي عاشته تلك المجاهدة وزوجها وكل أسرتها.. اتفق او اختلف مع الفكر الا إنك لا تستطيع إلا أن تعترف بأن تلك الأسرة لاقت العنت والعذاب لأنها وقفت في وجه طاغية ومن أجل كلمة حق اقتنعوا بها وأفنوا حياتهم من أجلها
كنت بسمع قصيدة: "ما عدت أنتظر" الرائعة، وبحثت عن كلماتها وصادف إني لقيت الكتاب.. عاطفة متأجّجة وفكرة! عندما ترتبط العاطفة بالأفكار يمكن أن تخرج لنا شيئًا كهذا، لا تشعر أنك تقرأ عنها وزوجها فقط، بل عنها وزوجها وأفكارهم ونضالهم، أمينة قطب وكمال السنانيري، مثال لقصة حب إطارها نضال وكفاح ودعوة وسجون ومعتقلات ومنشورات وحياة غير آمنة وغير مستقرة، وكما يقول بابا دائمًا: ضريبة الطريق يا رميصاء!
عرفت كمال السنانيري في الصف الثاني الثانوي أظن في كتاب"الكتابة على جدران الزمن"، تطرق للحياة داخل المعتقلات وأتى ببعض الأشياء عن كمال، وقصة قتله بالمناسبة زعموا أنه انتحر، لكن كلامها عنه لا يدل على ذلك، شخص اعتقل من ٥٤ل٧٤ ثم اعتقل في ٨١ أيضًا، لا أظن أن شخصًا صبر كل هذه السنين وحين اعتقاله مرة أخرى ينتحر، قصة مفتعلة كما يفعل الطغاة دائمًا! كانت قصة أمينة وكمال مثيرة للكثير من الأسئلة بالنسبة لي، لكن يبدو إن كل شخص له تصوراته وأفكاره ومشاعره والأشياء التي يؤمن بها ومن خلالها يستطيع اتخاذ قراره كما فعلت أمينة، تظل مخطوبة ما يقرب من ٢٠عامًا ثم تتزوج ٧سنوات مثلًا ثم تتأيّم، لم أستطع استيعاب هذا في أول الأمر، لكن مادمت هي استوعبته وعاشته إذًا فالأمر وارد!
أول قصيدة "ما عدت أنتظر" رائعة رائعة فعلًا وقصيدة "هل ترانا نلتقي" غنيّة عن تقييمها
الباقي لم أره شعرًا بالمعنى، لكنه كان يحوي أفكارًا ومشاعرًا كثيرة، فكانت تجربتها مع كمال مثرية للمشاعر والأحاسيس والأفكار فضلًا عن القضية المشتركة، ولو أنها عبرت عن هذا بالشعر الحر أو النثر لكان أفضل:"")
عل كلٍّ تجربة لطيفة ورحلة قصيرة حزينة مليئة بأشياء كثيرة.
كيف آتي الى ديار تولى -أمرها ظالم يعيث فسادا؟ يقتل المؤمنين فيها اغتيالا -ويعين الضلال والالحادا وسجون ملأى يعذب فيها - من اراد الاسلام حكما وزادا كل هذا لكي يكون عميلا- يترضى في سعيه الأسيادا
فهل تراني على الأيام ناسية- ما كان في عهدنا من واقع عطر اني على العهد والأيام باقية - لن يقرب القلب نسيان مدى العمر وسوف امضي باذن الله صابرة- ولن تزيغ الخطا على مطلب النصر لعل في روضة الرحمن موعدنا - فكم لدى الله للناجين من خير
خطر على بالي وأنا أقرأ المقدمة والأشعار قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إن زوج المرأة منها بمكان) فرغم ما عانت أمينة قطب من بلاء طوال عمرها وتعرضها للظلم هي وأسرتها وإعدام أخوها الأكبر إلا أن ألم اعتقال وقتل زوجها هو المسيطرعلى شعرها أغلب القصائد تشبه كثيرا قصيدة "هل ترانا نلتقي" التي أشتهرت لها. ألم الزوجة التي فقدت زوجها يظهر في كل شيء حولها يذكرها بأنه غير موجود.. باب المنزل يشتاق إلى مفتاحه، في ليلة القدر تدعو أن تلحقه، بل حتى أنها تتمنى أيام السجن لأنها كانت تراه ولو دقائق.
هذا إبداع بدون شكّ! لله دُركِ يا أمينة وطيّب الله ثراكِ، كلماتها يبدو أنها كتبت بمدادِ الوجع. تدب في النفس كأنها تجسد واقع كل من فقد حبيب، وفارق عزيز على النفس، غير أنها غاصت في خبايا أرواح الشهداء وعزّت أهليهم بضمادٍّ للجرح ��سلوى لهم.
بعد رحلتي في قراءة هذه الرسائل التي كتبتها أمينة قطب الي زوجها المجاهد السجين كمال السنانيري الشهيد بإذن الله ، لا اعرف كيف استطاعت أن توصف لنا كل هذا الألم ، ربما أبى النثر أن يعبر عن الابتلاء والمحنة ، لانه لا يملك أن يواكب حرارة المشاعر وانطلاقها ، وهي لا تملك وسيلة إلا التعبير بهذا القول المنظوم....
رغم ما تحمله هذه الابيات من دموع ، لكنها ليست دموع الندم ، ولا النكوص عن السير في طريق الله ، فالدموع لابد أن تتذوقها عيون الأحياء الذين لم يقفدوا انسانيتهم....
تقبل الله في الشهداء قوما لم يطأطوا رؤوسهم للظلم ، ولم يسعدوا إلا في طريق الجهاد. يمنحون الحياة بيعًا زهيدًا ..... لنعيمٍ في جنة الخلود.
رغم بساطة شعر أمينة قطب وتواضعه، فإنه يحمل حزناً شفيفاً رقيقاً يمس شغاف القلب مسّاً. تصف تجربتها قائلة: "تحمل لوناً من ألوان المعاناة في حادث هائل في حياة قلب". و: "كان ارتباطي بكمال وهو سجين مثرياً للأحاسيس والخيال والمشاعر".
في البداية، هذا والله تقييم للفن الذي قرأته لا تقييمًا للعاطفة، فعاطفتها تُبكي رحمةُ الله عليها.. الشعر متواضع جدًّا، والقافية تكون مُقحمةً في كثيرٍ من الأحيان إقحامًا، والمعاني وحتى الأحداث مكررة. شعرتُ أن الشعر الكلاسيكي قيدها وكان لابد أن تلجأ غلى الشعر الحر. لم تعجبني في الكتاب إلّا "بداية" أول قصيدة، بالإضافة إلى القصيدة الشهيرة والتي غنّاها رامي محمد "سوف نبقى هنا" غير ذلك = تكرار .. رحمةُ الله عليهم أجمعين..