تيسير سبول (1939- 1973) ولد تيسير سبول في مدينة الطفيلة عام 1939، وأنهى دراسته الابتدائية في بلدته، وفي عام 1951 ارتحل إلى الزرقاء بصحبة شقيقه الأكبر شوكت. انتقل بعد ذلك إلى عمّان حيث أنهى دراسته الثانوية في كلية الحسين عام 1957. وكان من أوائل محافظة العاصمة، فأوفد في بعثة إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، لكنه ترك بعثته واتجه إلى دمشق لدراسة القانون. تخرّج عام 1962، وعمل في دائرة ضريبة الدخل، ثم ترك العمل الحكومي وبدأ بالتدرّب في مكتب المحامي صليبا الصناع، ثم قطع تدريبه وسافر مع زوجته الدكتورة مي اليتيم إلى البحرين للعمل فيها، ثم انتقل إلى السعودية وعاد إلى الأردن عام 1964 وأكمل تدريبه. فتح مكتباً للمحاماة في الزرقاء، ثم أغلق مكتبه وعمل في الإذاعة، واستمر يقدّم برنامجه الإذاعي"مع الجيل الجديد" إلى أن انتحر بطلق ناري في 15/11/1973 في أعقاب حرب تشرين، ولقاء المصريين والإسرائيليين عند "خيمة الكيلو 101". كتب تيسير سبول الرواية والشعر، والقصّة القصيرة، والتمثيلية المصوّرة، والنقد، والمقالة الصحفية، وترك مخطوطاً فكرياً في العروبة والإسلام.
مؤلفاته: الشعر: أحزان صحراوية: دار النهار، بيروت، 1968.
الرواية: أنت منذ اليوم: دار النهار، بيروت، 1968. نالت جائزة الرواية العربية بعد الهزيمة). وصدرت الأعمال الكاملة، دار أزمنة، عمان، بدعم من وزارة الثقافة، 1998.
تنهي من قراءة "أنتَ منذ اليوم" لتيسير السبول رحمه الله، فتفهم جيّدًا، حاجتك الماسّة إلى طلقٍ ناريّ ينهي حياتك، ويبدؤها. .. رحمك الله أيها الأديب العالي، ولي ليلتي .. والكآبة.
الأولى هي أطولهم ويسرد فيها الكاتب قصة شاب يعاصر النكبة والإنقلاب العسكري والقمع السياسي والفرض القسري للأنساق الإجتماعية من قِبَل الإسلاميين والمواطنين المنساقين وراء الخطاب الديماغوغي للدولة بشكل تام حتى أنهم يقومون في أحد المشاهد بمهاجمة بطل القصة بوصفه مروّج إشاعات لمجرد أنه تجرّأ وقام بلفت أنظارهم إلى حقيقة أن هناك عدد من طائرات العدو تحلّق بالفعل -عيانا- فوق رؤوسهم وفي وضح النهار.
ينتقل الكاتب بسلاسة بين الحاضر والماضي وبين الآني وما يستدعيه من مشاعر مخزنة كما يستدعي الحلم ما تكبته النفس في اللاشعور. القصة كلها مركّزة حول إظهار تناقض الواقع السياسي وانحسار جدوى الفعل وهو ما يقوم به الكاتب بشكل موفق عن طريق توظيف المفارقات وعقد المقاربات التي تبدو خالية من المنطق ومثيرة للسخرية ولكنها في حقيقة الأمر تنجح في تصدير المشهد كما هو: عبثي ولا منطقي وغير قابل للحل وليس هناك ما يمكن فعله إزائه سوى الضحك والسخرية (يتكرر هذا النسق في القصة الثانية حين يدرك البطل أنه قام بتجاوز "أخلاقي" وأن شعوره بوقوع ضرر عصىّ على الإصلاح لا يترك له سوى الضحك كوسيلة للتغلب على الموقف) ينجح الكاتب أيضا في توظيف الأماكن والصور لتصدير شعور عام بالكآبة والقحول والقطيعة مع المستقبل والإنخراط التام في اللحظة الحالية وتداعيات الماضي دونما أمل.
في القصة الثانية، على عكس القصة الأولى، يحاول البطل إتمام قطيعة كلية مع ماضيه ولا يجد صعوبة، لنجده ينخرط بكل حواسه في الحالي. بالإضافة إلى القطيعة مع الماضي، يحاول البطل إتمام قطيعة أخرى مع ما هو مقبول وصحيح إجتماعيا وبين القيم التي يستمدها من نفسه المتخبطة التي تنشد الراحة لا القبول والاستحسان.
القصة الثالثة أراها مبتذلة وفيها تكرار لتيمة فنية تقليدية، واجترار للنموذج التقليدي للرجل العربي العنصري الكاره للمرأة ذات الملامح العربية والمنبهر بالبيضاوات الأجنبيات الحسنواوات والمتعصب -في ذات الوقت- لإنتمائه العرقي (يرى الرجل العربي نفسه أفضل وأكثر فحولة بالضرورة). وحتى الحوار -المفترض أنه ساخر- جاء سطحيا ومحملا بذات النكات الخاصة بالبعث والحياة الأخرى ومفاتن النساء وسائر الكليشيهات المصاحبة لدعوات التحرر الإجتماعي والثورة على الثوابت (بمعناهما السطحي والمختزل).
و لَيستْ هذه رواية، إنَّها شَيء مُختلف .. نفْسُ إنسانٍ عَبَر قَصَبة .. لَيست لتُمتِّعك بل لِتَغرس شيئاً مدبَّباً في القلب، و وَجهٌ آخر للماضي .. أنا أقرأ تيسير لأفهم نفسي، مع أنّه كتب شيء غامض؛ كتَبهُ لأنَّه أزعجَه و أزعجه لأنَّهم جميعاً يمضون، شعبًا كاملاً يمضون .. بامتداد الألم، الحزن، و الذُّل، و أكثر ما أزعجه أنّهم على الجسر المحطَّم كانوا يعبُرون .. كل شيء في هذه الرِّواية حقيقي، حتَّى القطط، واهِمة بِقدر بؤس الرِّجال، و سذاجة النساء، و الكل يغرق .. و ينسى الجسر، ما اتفقنا أن نسمِّيه " وطنًا " .. لَكَم نحن ننسى، علينا السَّلام .. يقول: " الآن أعرف أنَّني كنت أبحثُ عن آخر شِبر مما تبقَّى وطناً لي .. وكنتُ حرِيصاً أن أقف على آخر جزءٍ يمكن الوقوف عليه .. وكان قد جمع في جسده كلّ مذلات تاريخه فانتحب و سمع نفَسَه فازداد انتحاباً".
رواية جميلة جدا ففيها يصف الكاتب تيسير السبول الاحداث على الصعيد العربي في فترة الهزيمة التي ما زالت برمزية عالية
عربي يرفض الواقع المرير بالسخرية " يكره جدا ان يذهب ليرى الشعراء الذين يضربون الارض بارجلهم ... فالاستمار في الحقيقة ليس تحت ارجلهم "
يرفض المسلمات بالسخرية ايضا " قرأفي كتاب الدين صفحات لم يشرحها الشيخ بعد , فهم أن ما من أمرى ذكر الله وحيداً , فبكى من خشية الله , إلا وادخله الله الجنة لقد أدى فريضة العشاء , وهي واضحة محددة , إلا انه لم يشعر برغبة بالبكاء , فأسف "
عربي لا يملك قوة الدفاع عن نفسه امام السلطة العليا "-اين النقود -لا اعرف -يا ابن الكلبة , لمن اعطيت النقود؟ -يا ابي , والله لم آخذها هوية هائلة من الكف , رأيت شيئاً احمر -يا ابي! ولم اعد أرى ما اخذتها , والله ما اخذتها ثم لم يعد يجثم فوق جسمي . فرأيته يضرب امي , وسمعتها تولول , فهربت. في المساء , اتضح ان الأمر كله لا يعدو ان يكون غلطا في الحساب"
عربي يشكوا من فراغ التمثال " الكراسات الحزبية تضجره . لقد عرف بأنها متشابهة , ولا معنى لتوزيعها كل اسبوع . يسقط الاستعمار . نعم لكن كيف؟ لم تكن الكراسات مفصلة , ولم تكن تحمل الاكتفاء "
فقدان الأساس يلغي أهمية التفاصيل " ولماذا يزعجك شرفها الى هذا الحد؟ ألم تفقد انت نفسك ما هو أهم؟ وإلا لماذا انت , وهم جميعا هنا؟ في هذه المدينة , البعيدة عن مكانكم؟ وعليهم يا صديقي ان يؤجروا غرفة , وإلا فكيف ستذهب للمدرسة يا علي؟ "
يشبه بسخرية الغطاء الخارجي الخلاب والداخل الفارغ " هبطت السوق. على الجانبين تقوم محلات الالبسة الداخلية النسائية والخارجية ولزم الماكياج على المصلبات ترتفع لافتات الدعاية الانتخابية (صوت الاسلام تحت قبة البرلمان, انتخبوا ..) (اليكم مرشح العمال والفلاحين, ممثل الكادحين ..) (من اجل القضاء على الاستعمار والصهيونية انتخبوا ..) رأيت ملابس النساء في الفاترينات, الوانها عديدة ومعروضة بشكل خلاب. ورأيت مزيداً من اللافتات. "
قبل أن تبدأ بقراءة أي من مؤلفات تيسير يجب عليك أن تقرأ عن سيرته ولو شيئاً بسيطاً وتعرف أنه مات منتحراً وتعرف أنه من الجنوب المهمش المقهور، تيسير يمثل جيلاً كاملاً من الشباب العرب المرهفين الحالمين الذين تم ادخالهم في دائرة شريرة مفرغة كما يقول غالب هلسا في مقدمته عن الكاتب...رأى تيسير أن الواقع لم يطع حلمه وأن العالم الجميل الذي كان يعده الكبار به هو محض كذبة... علينا اذن بعد أن عرفنا هذه الحقائق عن الكاتب أن لا نلومه على الظلال القاتمة التي ألقاها على روايته هذه... هو شاب يقاوم عالماً لا يفهمه، يحاول البقاء بأقل الخسائر ولكن لا فائدة فالعالم لن يعطيك الفرصة لتفهم لماذا صفعك، فإذا كنت مفرط الحساسية فقد تبكي طوال عمرك ولن يكترث بك أو لك أحد وستستمر الحياة أيضاً...يااااه يا تيسير،!انها ليست رواية انها صرخات رفض لطفل لا يجيد الصراخ... كأنك طفل يعذبه كل شيئ لا يفهمه... طفل مذهول من قسوة العالم ونظامه... لوحاتك المتقطعة غير المترابطة عبارات وداع لعالم لم يفهمك... نحن أيضا تأخرنا في فهمك يا تيسير فغادرت بخفة كي لا تزعجنا... غادرت بروحك المرهفة التي لم تستطع احتمالنا... كانت هذه نداءاتك الخجولة التي لم يسمعها ولم يفهمها أحد قبل موتك... وكعادتنا السيئة دائماً نعرف قيمة من حولنا بعد أن نفقد القدرة على التعامل معهم وجها لوجه
أن تمضي ساعات وأنت تقرأ وتعيد قراءة 90 صفحة من القطع الصغير؛ ذلك يعني أنك أمام سطور تخفي بين ظهرانيها أكثر مما تظهر..! رمزية عالية..وأسلوب جدا مختلف..! الرحمة على روح الرائع تيسير السبول
رواية مُؤلمة تجعلك تشعر بالمرارة مما آلَ إليه حال العرب بعد هزيمة حزيران في الـ 67
أذكر أنني جلست ثلاثة أيّام في حالة غريبة تختلط فيها العديد من التساؤلات والمشاعر الغير محددة ..
(أنت منذ اليوم)
هي كما يُقال بمثابة كشف الحساب الأشد وقعاً والأكثر اتهامية وجرأة وتحليلاً " .. فقد تغلغلت في تفاصيل المؤسسة العربية الموهومة ، وراحت بجرأة استثنائية وبفهم عميق تحاول رصد اسباب الهزيمة ، تلك الاسباب التي كانت تمثل في مجملها المسكوت عنه ، والذي لخّصه السبول من خلال حياة بطله «عربي» المطلق في الزمان والمكان العربي ، والذي ابعدته النظم العربية وغربته عن اية مشاركة فاعلة في سبيل التصدي للاخطار المحدقة بالامة ومصيرها.. "
اقتباسات منها :
"انني اثر الهزيمة رأيتني لا استطيع ان اثق بأية حقيقة سابقة. كل المؤسسات التي كانت تبدو عاملة وتشكل زعامة نفسية للمرء بدت بالهزيمة لا شيء ، لا شيء البتة ، وكنت اريد ان ابدأ بشيء واحد مؤكد ، لأقف عليه واقول: هذه ارض صلبة اقف عليها واستطيع ان ارى من فوقها .. كنت اعتقد بكذب الحقائق السابقة ، فمن اين ابدأ؟ من نفسي.. على الا احاول الخداع".
"منذ الف لم يبك عربي.. مرت به كل مذلات التاريخ ولم يبك ، اما الان ، فها هو يدفن رأسه في الفراش..يسمع صوته المتقطع الاكثر جراحا من اية قطة فيزداد انتحابا"
يروي تيسير ببساطة و تحرر هائل من قيود الكتابة التقليدية تاريخ "عربي" الذي هو حاضره و مستقبله.. هل كان واضحا من لغة سبول الساخرة اليائسة أنه سينهي حياته فيما بعد أم أنني استشعرت ذلك لعلم مسبق بأنه فعل ؟ .بأي حال هو بارع و ذكي
كان واضحاً لكل من يقرأ رواية تيسير الاولى و الوحيدة ان الرجل ينازع رغبته في وضع حد لحياته. امتزجت الهموم في رأسه فقتلته بعد ان رشحت نصاً روائياً فوق النقد. الى جنات الخلد تيسبر..
عمل مختلف عن الروايات ، بسخرية وحديث مختلف يتحدث الكاتب عن اوضاع العربي بعد ضياع فلسطين والهزيمة المخزية للعرب . بعد ذلك بسنوات لقدم الكاتب على الانتحار لينهي حياته . كيف لو انه عاش لقوتنا الحاضر لانتحر اكثر من مرة.
صباح هذا اليوم وقعت عيني عليها مجدداً ، استذكرت تفاصيل المكان الذي رسمته بذهني أول مرة قرأتها فيها وفزعي من مصير القط وحيرتي من اسم البطل الذي كنت أضيف له " ال" التعريف دون أن أفهم لما اسقطها السبول؟! _ أول مرة قرأت فيها الرواية كان عمري 12 سنة ويمكن سكرتها أكثر من عشرين مرة وبالأخير خبيتها تحت كل الكتب اللي عند أبوي عشان ما بدي أشوف مصير البسة 😝 لكن الفضول خلاني أرجع اشيل الكتب واقرأها، اليوم بالمكتبة لقيتها عالمكتب تستقبلني غمضت عيني وصرت احكي : " يحاول أن يصرخ فيفشل في إيقاظ نفسه مرةً بعد مرة". * " ليست هذه موسيقى .. إنها شيء مختلف . نفس إنسان عبر قصبة ليست لتمتعك ، بل لتغرس شيئاً مدبباً في القلب ". * يبدو أن الأشياء التي تؤرقنا لا تغيب تظل تظهر في كل مكان وفي أي كلمة يرن صداها حولنا ،" التيه " كيف نعيد ترتيب ذواتنا وكيف نغير مصير بلادنا وهل لنا الحق بذلك ؟! كتب تيسير السبول رواية عنوانها " أنت منذ اليوم " بشكل مختلف للحظة تشعر بأنك تقرأ نثراً ، و بأخرى يتجلى الشعر فيها ويسطع ، نص مكهرب ومكركب ما أن تلامسك حروفه حتى يستفيق بداخلك وجع البلاد وأهلها . " إنها بعيدة . لا أحب هذا الوقت . لقد انتهى النهار ، وهذا وقتٌ هدفه الوحيد أن تكيِّف عينيك وروحك لليّل ".* هنا يتحدث السبول عن أزمة الوجود العربي ، وكتب نصاً مذهل هو أشبه بقصيدة هجاء ( هجاء للنظام العربي ). " منذ ألف عام لم يبك عربي . مرت كل مذلات التاريخ والأحداث واحدا تلو الآخر . معزولة تافهة مرت كلها . لم يبك عربي ". * تميز النص بالرمزية وكان لإختيار أسماء أبطالها دلالات وإشارات : " عربي " هو اسم بطل الرواية، ودلالته كانت صورة عن واقع الإنسان العربي المحاصر بالهزيمة والقمع والشتات . " إنسان كامل نام يحلم في النهار ". * من يقرأ الرواية سيلاحظ أن السبول رسم شخصياته بحرفية فهي لا تعبر عن فرد بعينه وإنما الكل ، وكانت أشبه بمفهوم يوضح للقارئ كل ما له صله بالعرب : " كنا نتحدث بكلمات قليلة غير مستكملة المعنى . ربما لطبيعة المكان أو لأنه الليل . ربما لسبب آخر لا أدريه . كانت الكلمات تدوي وكأنما تسمع مضاعفة . ولم يحدث أن عرفت ليلاً كهذا . شيء ما فيه يقربه من الليلة الأخيرة للبشرية . حاولت تقريب الأمر لنفسي ، ولم أفهم . نطقت بكلمات بصوت عالٍ " هزيمة . هذا ما هي". ولم أفهم . ليست هزيمةً بل شيء آخر ".* أنت منذ اليوم في هذه الرواية اخبرنا تيسير السبول عن موقفه من الحياة ، " مالي نفس ". * صرخ بها عربي وكانت تخرج من صميم السبول ووجعه . ( ملاحظة الجمل المختومة بـ * هي اقتباسات من الرواية ). #تيسير_السبول #أنت_منذ_اليوم #مروه
الرواية والتي فيها ثلاث روايات، الأولى هي أكبرهن في عدد الصفحات وتتحدث عن فترة كان يعيش فيها العربي بين الأمل واليأس وبين الانقلاب والاستبداد لذلك تشعر أن لا قيمة لتغير الأيام فيما يحصل وحصل في تلك الأيام. تيسير السبول يختتم هذه الرواية برواية اسمها الهندي الأحمر، مع أن أحداثها كانت في بيروت إلا أن الهندي الأحمر تبقى رغم اختلاف الزمان والمكان والمحيط أكثر ما يلصق في مخيلتك من هذه الصفحات.
سخرية على مضض من الواقع آنذاااااك... عربي بداية من الشعارات الحنجورية في بغداد...مروراً بكبته المزمن في وطنه...وانتهاء بالميني جوب في بيروت! كيف لو كان سخرية من الواقع الحالي....
ولد تيسير وفي قلبه ندبة، إذ لم ترضعه أمه لحظة ولادته، لأن خبرا وصل بوفاة الزوج والوالد، ربما لم ترضعه خوفاً عليه من أن يتشرب حزنها وكمدها، لكن لابد أن تلمس روحه ذاك الحزن، فالحبل السري ما زال طرياً لم يجف دمه بعد عن جسديهما(الأم والإبن) وهكذا حمل تيسير جرحه الذي بقي مفتوحاً طيلة حياته. ممتنة للمخرج ناصر الذي كلفني والصديق غسان مفاضلة على إعداد نص لعمل وثائقي تلفزيوني لم ير النور للأسف لأسباب تمويلية.. التقيت أسرته، إخوته وزوجته، وأمضيت مع وأصدقائه الأربعة، صادق وعدي ورسمي وزيدان أمسية كان تيسير معنا في تلك الليلة، كما زودني الصحفي الشاب آنذاك تيسير النجار بمراجعه التي يشتغل عليها للتحضير لكتابة ... تيسير صديقي الذي لم ألتق به عليك السلام ،
عمل أدبي مختلف برمزية عالية وحس نقدي ساخر.. لم يحتمل السبول انكسارات العرب وهزائمهم التي تتالت، فآثر الانسحاب تاركاً هذا النص ومجموعة شعرية أخرى تستحق القراءة..
"طاف رجل معظم بلاد العالم، و رأى كثيراً من الكوارث، إلا أنه لم ير شعباً بأكمله يغرق في الحزن مثل شعبي. هكذا قال."
"وقال عربي أنه يكره جدًا أن يذهب ليرى الشعراء الذين يضربون الأرض بأرجلهم، فالاستعمار في الحقيقة ليس تحت أرجلهم."
.منذ اختيار اسم عربي ذلك الانسان الذي عاصر الخيبات و الانكسارات و هو يجسد واقع الانسان العربي تزامنا مع هزيمة 67 . الرواية اليتيمة لسبول و اول ماقراته من كتابته ,ساخرة بقدر مرارة ما عاشه عربي مليئة بالرموز والتصوير احتاج لفهمها مرة اخرى عسى ان لا تغدو يتيمة
ثاني قراءة لتيسير السبول بعد أحزان صحراوية( الذي جاء أقل من التوقعات)، لتأتي أنت منذ اليوم وتتخطى المتوقع. رواية مؤثرة،وقصيرة، ومكثفة. ذكرتني بالمتشائل لإميل حبيبي، وصمت البحر لفيركور، لا بد أن "عربي" هو نفسه تيسير السبول، أعتقد أن أي قارئ لهذا العمل سيعرف لماذا انتحر كاتبه.