شهدت إيران وشعبها في فبراير 1979 ثورتها ذات الأثر الواسع في مجريات الأمور داخل إيران وفي محيطها الإقليمي والدولي، ومع ثورات الربيع العربي تطرح إمكانية المقارنة مع الحالة الإيرانية بأوجه الشبه والاختلاف، وكذلك الاستفادة من تجربة الثورة الإيرانية من حيث أوجه الإخفاق من جهة وطبيعة النجاحات من جهة ثانية ومدى التحديات والفرص من جهة ثالثة. ويتناول كتاب (إيران الثورة.. شخصيات وراء الأحداث) لمؤلفه د. وليد محمود عبدالناصر وهو دبلوماسي مصري خمس شخصيات لم تنل حظها من التناول والمعالجة، خاصة في وقتنا الراهن، بالرغم من أدوارها المؤثرة فكريا وسياسياً في مسيرة الثورة الإيرانية، سواء في مرحلة إرهاصاتها أو انطلاق شرارتها أو مسيرتها أو مرحلة بناء الدولة الجديدة ومؤسساتها.
خمس شخصيات اغلتها الثورة الايرانية و تذكرها الكاتب هي من اضافت الكثير الي الثورة يتناول المؤلف الشخصية الأولى ، وهو المهندس محمد مهدي بازرجان، قائلاً: لا تكمن أهمية المهندس بازرجان فقط في أنه أول رئيس للحكومة بعد انتصار الثورة الإيرانية في العاشر من فبراير 1979، ولكن أهمية المهندس بازرجان تكمن قبل ذلك في أنه كان أحد مؤسسي «حركة تحرير إيران» التي تأسست في خضم الصراع السياسي الذي شهدته إيران في مطلع عقد الستينيات من القرن العشرين على خلفية حزمة السياسات التي أطلقها شاه إيران الأخير محمد رضا بهلوي وأطلق عليها تعبير «الثورة البيضاء». ومن الجدير بالذكر هنا أنه خلال الفترة القصيرة السابقة على سقوط نظام الشاه بشكل نهائي ورحيل الشاه محمد رضا بهلوي وأسرته لآخر مرة عن أرض إيران، فإن الشاه حاول إنقاذ نظامه عبر تشكيل حكومة ترأسها شخصية وطنية تتمتع بالاحترام والمصداقية لدى القطاع العريض من الشعب الإيراني، ولجأ الشاه للعديد من الشخصيات لإقناعها بقبول مثل هذه المهمة الصعبة في ذلك التوقيت الحرج للغاية، ولكن بازرجان تدخل ووظف ما لديه من علاقات تاريخية مع هذه الشخصيات ومارس ما يملكه من نفوذ وضغوط عليها لإقناعها برفض مثل تلك المهمة وعدم منح طوق النجاة لنظام الشاه الذي كان يراه بازرجان بحلول ذلك الوقت فاقداً لأي نوع أو أي شكل من المشروعية ويعتبره سبب معاناة الشعب الإيراني في مختلف المجالات. ولذلك لم يكن من المستغرب أو من قبيل المفاجأة أن يقع اختيار آية الله الخميني على المهندس محمد مهدي بازرجان ليشكل أول حكومة بعد عودة الخميني إلى الوطن زعيماً وانتصار الثورة الإيرانية. فقد حمل هذا الاختيار أكثر من دلالة، منها هذه الدلالات فاختياره كان يمثل في ذلك الوقت رسالة تطمين مطلوبة من الخميني لجميع القوي الفكرية والسياسية التي ساهمت في انتصار الثورة. ويضيف المؤلف: وحتى بعد خروجه من الحكم مستقيلاً احتجاجاً على اعتبار اقتحام مقر السفارة الأمريكية في طهران واحتجاز الرهائن به تخريباً متعمداً من قوى داخل النظام الإيراني لجهود من جانبه كان يراها وشيكة النجاح؛ لرأب الصدع مع واشنطن وتلبيتها لشروط ومتطلبات طهران التي كان تتصف بالمعقولية، وحتى وفاته منذ سنوات عديدة احتفظ بازرجان باحترام النخبة الحاكمة وقوى المعارضة على حد سواء داخل إيران. الفكر الاسلامي التقدمي وعن الشخصية الثانية التي تضمنها هذا الكتاب، يطرح المؤلف سؤالاً: من هو علي شريعتي؟ وما هي الأفكار التي بشر بها وسعى لنشرها والترويج لها في إطار فكره الذي يطلق عليه عادة «الفكر الإسلامي التقدمي»؟ كان والد علي شريعتي رحمه الله رجل دين شيعي إيراني بارزا واسمه «محمد تقي شريعتي» وباعتباره ابناً لرجل دين، فكان من الطبيعي أن يتلقى علي شريعتي تعليماً دينياً منذ الصغر، ولكن بوجهة وتفاسير ذات طابع مستنير، كما جمع بين التعليم المدني والديني، وجمع بين العمل كمدرس بإحدى المدارس الثانوية واستكمال دراسته الجامعية بكلية المعلمين بمدينة مشهد، حيث تخصص في علم الاجتماع، ولا حقا في أحد فروعه المتخصصة، وهو علم الاجتماع السياسي، وهو نفس التخصص الذي سافر من أجله لاستكمال دراسته في فرنسا وخلال وجوده في باريس لمدة خمس سنوات، تأثر علي شريعتي بأشياء كثيرة ومدخلات متعددة. فقد انضم شريعتي في باريس فور وصوله إلى فرع «حركة تحرير إيران» وعلى صعيد أوسع كان لشريعتي دورً فاعل في فرنسا بخصوص العديد من القضايا التي تخص العرب والمسلمين وليس فقط الإيرانيين. ويذكر المؤلف أن وفاة «شريعتي» في حد ذاتها الشرارة التي فجرت الإرهاصات الأولى للثورة الشعبية الإسلامية في إيران، حيث سارت المظاهرات الضخمة بـعد «اغتيال» شريعتي ومحتجة على استشهاده ومحيية لذاكره ثم لإحياء أربعينيته في سلسلة احتجاجات لم تنته فعلياً إلا بإسقاط النظام الشاهنشاهي البهلوي في إيران في العاشر من فبراير من عام .1979 الحركة الوطنية وعن الشخصية الثالثة في هذا الكتاب، يقول المؤلف: لم يكن آية الله سيد محمود طالقاني رجل ديني عاديا منذ البداية، فقد كان أحد هؤلاء رجال الدين الذين انغمسوا مبكراً ليس فقط في العمل السياسي في إيران، بل أيضاً في الحركة الوطنية الإيرانية من دون أي حساسيات تجاه القيادات المدنية القادمة من خارج صفوف المؤسسة الدينية التي تولت قيادة الحركة الوطنية الإيرانية في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين. وكان «طالقاني» على اتصال وثيق بنواب صفوي مؤسس وزعيم منظمة «فدائيان إسلام» (فدائي الإسلام) النشيطة في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بل إن «صفوي» لجأ إلى منزل طالقاني للاختباء فيه هرباً من «السافاك». وكان آية الله طالقاني قد أيد الدكتور محمد مصدق في قرار تأميم صناعة نفط الإيراني، كما حاول التوسط لتسوية الخلافات التي نشبت بين مصدق وآية الله كاشاني، ولم يتوقف نشاط طالقاني في العمل الوطني بانقلاب 1953 العسكري، بل إنه في عام 1957، أسس آية الله طالقاني «نهضة مقاومات مللي» (حركة المقاومة الإيرانية) مما أدى إلي تعرضه للسجن في سجون نظام الشاه السابق مدة زادت على العام. وفي ضوء كل ما تقدم، كان من الطبيعي أن يكون آية الله طالقاني أحد أهم الشخصيات التي بدأت معها الشرارات الأولى للثورة الإيرانية لعام .1979 وكان آية الله سيد محمود طالقاني هو أول من ظهر من قيادات الثورة ورموزها وشخصياتها البارزة على شاشة التليفزيون الرسمي الإيراني بعد استيلاء الثوار على مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بالعاصمة الإيرانية طهران. صعود نجم بني صدر أما عن الشخصية الرابعة، يقول المؤلف: كان الدكتور أبو الحسن بني صدر، أول رئيس جمهورية لإيران بعد سقوط النظام الشاهنشاهي الوراثي وحكم أسرة بهلوي، والأكثر من ذلك أنه لن يكون رئيساً لجمهورية عادية، بل للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي ستهز الكثير من المعادلات وتخل العديد من التوازنات ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط والخليج بل على مستوى العالم بأسره. ولكن البداية السياسية لصعود نجم بني صدر كانت بلا شك لقاؤه بآية الله الخميني بعد خروجه من النجف الأشرف بالعراق إلى فرنسا في عام 1978، ويعتبر الكثير من المحللين أن بني صدر هو من صاغ ما سمي ببرنامج النقاط الثماني الذي أصدره الخميني من فرنسا في نهايات عام 1978 عندما بات مؤكداً أن النظام البهلوي يعيش أيامه الأخيرة، والذي هدف من إصداره إلى تجميع جميع القوى المناهضة لنظام الشاه حوله وتفويت أي فرصة على الشاه للتوصل لحل وسط ينقذ به بقاءه عبر صفقة مع بعض القوى السياسية وخاصة الوطنية والليبرالية ويضيف المؤلف: وبينما بدأت الحكومة تبني مؤسساتها وتملأها بكوادر الحزب الجمهوري الإسلامي، ومن أهمها في المجالات الأمنية والعسكرية وشبه العسكرية مثل الـ (سافاس) الذي ورث مهام السافاك والحرس الثوري (الباسداران)، وغيرها، كان بني صدر يراهن على إصلاح مؤسسات قائمة بالفعل وكسب دعم عناصرها مثل الجيش الإيراني الذي كان ينظر إليه رجال الدين بعدم الثقة نظراً للاقتناع بأنه مازال مملوءاً بالموالين للشاه السابق وبالتالي يسعون لإضعافه على المدى الطويل، وعلى المدى القصير لموازنته عبر إنشاء الحرس الثوري ومتطوعي المستضعفين وغيرها من مؤسسات جديدة موازية للجيش. مجاهد الشعب ويتناول المؤلف الشخصية الخامسة «مجاهد الشعب»، قائلاً: ولد مسعود رجوي في عام 1948، وبالتالي كان من الجيل الذي بدأ وعيه السياسي في التبلور في عقد الستينيات من القرن المنصرم، وقد خلص وعدد من أقرانه في مرحلة مبكرة من الشباب أن الأحزاب السياسية التقليدية في الساحة الإيرانية لم تستطع تحقيق الآمال المعقودة عليها من الشعب الإيراني. واهتم مسعود ورفاقه من الشباب في ذلك الوقت بشكل خاص بمسألة عدم نجاح الأحزاب والقوى السياسية التقليدية في إيران في تحقيق الوعود البراقة الخاصة بإنجاز العدالة الاجتماعية، وتزامن ذلك كله مع استمرار، بل تصاعد، حالة التغريب الثقافي الذي كان يعانيها المجتمع الإيراني. ويضيف المؤلف: كوّن مسعود رجوي منظمة «مجاهدي خلق إيران»، التي شملت عدة تطورات نذكر بعضها هنا، كانت بدايتها تشكيل المجلس الوطني للمقاومة مع قوى سياسية أخرى، خاصة الحزب الديمقراطي الكردستاني والجبهة الوطنية الديمقراطية بزعامة «هدايت مقين ذفتري» حفيد الدكتور محمد مصدق وبني صدر نفسه ومنظمة «فدائيين خلق إيران» الأصلية في باريس، بهدف إقامة الجمهورية الإيرانية الإسلامية الديمقراطية. وفي الخاتمة، يرى المؤلف أن اختيار الشخصيات الواردة في هذا الكتاب قد لا يتفق بالضرورة مع توقعات البعض من جمهور القراء، ولكن الواقع أن يكمن السبب في اختيار الشخصيات الواردة في الكتاب إلى أنها بالرغم من الدور الذي لعبته في الإعداد للثورة، لم تحظ بما أزعم أنها تستحقه من اهتمام، ولم تلق الاهتمام إعلاميا وصحفياً الذي لقيته شخصيات أخرى في مسيرة الثورة الإيرانية.