لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يحيا بين الصحابة مربيًا لنفـوسهـم ومطهـرًا لقلوبهم وتصوراتهـم ومشاعرهم. فطهـر بـيوتهم وأعراضهم وصِلاتهم. وطهر حياتهم ومجتمعهم وأنظمتهم. وهذه التربية النفسية كانت من خلال ما يتلوه عليهم - صلى الله عليه وسلم - من القرآن الكريم وما كان يوجههم به من توجيهات مباشرة سواء أكانت تعليقًا على تصرفاتهم أم إجابة لتساؤلاتهم فضلًا عن تصرفاته بينهم في المواقف المختلفة؛ حيث كانوا يتخذونه قدوة وأسوة حسنة يتأسـون بـه في جميـع حركاتـه وسكناتـه . وقد كـان النبـي - صلى الله عليه وسلم - يتعهد أصحابه بهذه التربية من خلال منهج متكامل ومتوازن، ويقدم هذا الكتاب مساهمة في تجلية بعض جوانب هذا المنهج في صورة ميسرة وعصرية، ليستفيد منها المربون والمرشدون النفسيون في عالمنا العربي والإسلامي.
على قدر ما قرأتُ في سيرة نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، وعلى قدر ما شاهدت وسمعت عن حياته العطرة، ومنهجه العظيم، إلا أنني لم أجد مثل هذه الدراسة جدةً وعمقًا وحسن وعي وبصيرة، منهج السنة النبوية في التربية النفسية، أثبت فيها الباحث وبحق كيف كان النبي الأكرم خير معلم، وأعظم مُربٍ، النبي الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، الذي كان خلقه القرآن، وكان قرآنًا يمشي على الأرض، عرض الباحث في رسالته لنيل درجة الدكتوراه طرائق النبي في التعامل مع أحوال النفس في الرضا والغضب، في كيفية تعاطي الإنسان مع غرائزه، وكيفية تهذيب جماح نفسه، بل وكذلك أخطاء التفكير والتحليل والحكم، دراسة مختلفة لهدي الرسول المعلم الهادي البشير النذير، لكن ما يصيبني بالألم والحسرة أن تبقى تلك الدرر التي كشف عنها الباحث حبيسة صفحات الرسالة، فلا تجد السبيل إلى مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، لا تجد السبيل إلى عقول وأفهام المعلمين والمتعلمين، إلى بصائر كل من يتصدون للدعوة، والفتوى. اللهم إني أشهدك أن هذا علمٌ نافع فاجزِ صاحبه عنه خير الجزاء، ويسّر له أمر ذيوعه، وشأن تطبيقه. اللهم آمين.