نبذة موقع النيل والفرات للكتب عنه : هذا كتاب جعله مؤلفه من ثلاثة أجزاء الأول منها: خصصها لترجمة الشيخ "محمد الطاهر ابن عاشور"، وبيان حركته الإصلاحية، والحديث عن مؤلفاته. والثاني ساير مقاصد الشريعة مضيفاً إليها جملة من البحوث الأصولية لما يوجد بينها من علاقة. وفصّل الحديث عن منهجه في جملة ما وقف عليه من تحاريرة العلمية. والثالث: هو كتاب مقاصد الشريعة المتميزة بمسائله وبحوثه، وهكذا تم تحقيق هذا الكتاب أي المقاصد ونشره بعد إقامة نصه، والتقديم له والتعليق عليه، طمعاً في أن يكون أمره ميسوراً على من يقف عليه من الطلاب والمراجعين والدارسين.
محمد الطاهر بن عاشور عالم وفقيه تونسي، أسرته منحدرة من الأندلس ترجع أصولها إلى أشراف المغرب الأدارسة، تعلم بجامع الزيتونة ثم أصبح من كبار أساتذته.
كان على موعد مع لقاء الإمام محمد عبده في تونس عندما زارها الأخير في رجب 1321 هـ الموافق 1903 م. سمي حاكما بالمجلس المختلط سنة 1909 ثم قاضيا مالكيا في سنة 1911. ارتقى إلى رتبة الإفتاء وفي سنة 1932 اختير لمنصب شيخ الإسلام المالكي، ولما حذفت النظارة العلمية أصبح أول شيخ لجامعة الزيتونة وأبعد عنها لأسباب سياسية ليعود إلى منصبه سنة 1945 وظل به إلى ما بعد استقلال البلاد التونسية سنة 1956. من أشهر أقرانه الذين رافقهم في جامعة الزيتونة: شيخ الأزهر الراحل محمد الخضر حسين، وابنه محمد الفاضل بن عاشور كان بدوره من علماء الدين البارزين في تونس.
كان أول من حاضر بالعربية بتونس في القرن العشرين، أما كتبه ومؤلفاته فقد وصلت إلى الأربعين هي غاية في الدقة العلمية. وتدل على تبحر الشيخ في شتى العلوم الشرعية والأدب. ومن أجلّها كتابه في التفسير "التحرير والتنوير". وكتابه الثمين والفريد من نوعه "مقاصد الشريعة الإسلامية"، وكتابه حاشية التنقيح للقرافي، و"أصول العلم الاجتماعي في الإسلام"، والوقف وآثاره في الإسلام، ونقد علمي لكتاب أصول الحكم، وكشف المعطر في أحاديث الموطأ، والتوضيح والتصحيح في أصول الفقه، وموجز البلاغة، وكتاب الإنشاء والخطابة، شرح ديوان بشار وديوان النابغة...إلخ. ولا تزال العديد من مؤلفات الشيخ مخطوطة منها: مجموع الفتاوى، وكتاب في السيرة، ورسائل فقهية كثيرة.
يصلح أن يقرأه ذو الخلفية الشرعية، القارئ في علوم الشريعة من قبل؛ لأن ولوج باب المقاصد دون عُدّة كافية هو مظنة الضلال لا الهداية!
وكم نرى هذه الأيام من دعاة الفساد من أهل الأهواء، المناوئين للدين من الأساس، الراغبين في تحريف أحكامه وتعطيل أوامره ونواهيه، والمتدثرين بثياب مقاصد الشريعة - وكذبوا -
ومقاصد الشريعة وأصول الفقه، من العلوم الجليلة، التي تبسط سلطان الشريعة على تفاصيل حياة البشر، فما أحراها بالطلب والتعلم
مرّ عليّ زمن طويل لم أقرأ فيه كتابا يشدّني إلى موضوعه مثل هذا الكتاب. ورغم أني لست ضليعا في علم أصول الفقه وأجد صعوبة في فهم بعض مصطلحاته، إلا أن أسلوب الكاتب، وهو الذي كان حجة في اللغة، إضافة لموضوع الكتاب، جعلا من قراءة هذا الكتاب متعة كبيرة ... وأرى أنه يحتاج إلى إعادة قراءة مرات ومرات ...
استهل الإمام ابن عاشور كتابه بإثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها وطرق إثباتها ومراتبها وبيان الخطر العارض من إهمال النظر إليها. وذكر اثنتي عشرة حالاً من أحوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) يصدر عنها قوله أو فعله، وهي: "التشريع والفتوى والقضاء والإمارة والهدي والصلح والإشارة على المستشير والنصيحة وتكميل النفوس وتعليم الحقائق العالية والتأديب والتجرد عن الإرشاد" وضرب أمثلة من السنة لكل حال من هذه الأحوال، وبيّن أنه لا ينبني على كل هذه الأحوال تشريع وأحكام، غير أن أشد هذه الأحوال اختصاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم هي حال التشريع لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته ... فلذلك يجب اعتبار ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادرا مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.
ثم قسم الإمام ابن عاشور المقاصد بحسب العموم والخصوص:
1- مقاصد التشريع العامة: «وهي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحِكَم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها». وذكر من بين هذه المقاصد العامة: حفظ النظام، وجلب المصالح ودرء المفاسد، وإقامة المساواة بين الناس، وجعل الأمة قوية مرهوبة الجانب.
2- مقاصد التشريع الخاصة: «وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة ... ويدخل في ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس، مثل قصد التوثق في عقد الرهن، وإقامة نظام المنـزل والعائلة في عقدة النكاح».
ويجمع هذين القسمين المقصد العام للتشريع وهو: «حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان»
ويرى الإمام ابن عاشور أن مقاصد الشريعة الإسلامية مبنية على وصف هذه الشريعة الأعظم الذي هو الفطرة النفسية والعقلية فقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" (التين) ليس المقصود منه أن الله عز وجل قوّم صورة البشر لأن هذه الصورة لم تتغير إلى أسفل. واستثناء الذين آمنوا من هذا التغيير يدلنا على أن المقصود تقويم العقل الذي هو مصدر العقائد الحقة والأعمال الصالحة وليس تقويم الصور.
أما أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها فهو السماحة ويعني بها السهولة المحمودة المتوسطة بين التضييق والتسهيل وهذا هو معنى الوسطية ويرى أن السماحة عائدة إلى كون الشريعة دين الفطرة، والفطرة تنفر من الشدة والإعنات.
والمقصد العام من التشريع عند الإمام ابن عاشور هو "حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه: صلاح عقله وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه". ويستدل على ذلك بآيات صريحة كلية تدل على أن مقصد الشريعة الإصلاح وإزالة الفساد، منها ما يحكيه كتاب الله عن شعيب: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" (هود) وقول موسى لهارون: "خلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" (الأعراف) وقوله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" (الأعراف).
وهذا المقصد العام يكون بتحصيل المصالح واجتناب المفاسد، وهو يقسم المصالح باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة إلى ضرورية وحاجية وتحسينية، وباعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعاتها أو أفرادها إلى كلية وجزئية، والكلية ما عادت عوداً متماثلاً على عموم الأمة أو جماعة عظيمة منها، فأما ما عاد على جميع الأمة فمثل حماية البيضة وحفظ الجماعة من التفرق وحفظ الدين من الزوال وحماية الحرمين وحفظ القرآن من انقضاء الحفاظ وتلف المصاحف وحفظ السنة من الموضوعات، وأما ما عاد على جماعة عظيمة من الأمة فمثل العهود بين أمراء المسلمين وملوك الأمم المخالفة وأما المصلحة الجزئية فهي مصلحة الفرد أو الأفراد القليلة وهي موضوع أحكام المعاملات.
وقسم المصلحة باعتبار تحقق الحاجة إلى جلبها أو دفع الفساد عن أن يحيق بها إلى قطعية دلت عليها نصوص لا تحتمل التأويل أو دل العقل على أن في تحصيلها صلاحاً عظيماً أو في ضدها ضرراً عظيماً، وأما الظنية فما كان دليلها ظنياً وأما الوهمية فهي التي يتخيل فيها الصلاح وفيها عند التأمل الضر.
ويقسم الإمام ابن عاشور المعاملات إلى مقاصد ووسائل، والوسائل هي الأحكام التي شرعت غير مقصودة لذاتها بل لتحصيل غيرها على الوجه الأكمل فالإشهاد في عقد النكاح وشهرته غير مقصودين لذاتهما وإنما شرعا لأنهما وسيلة لإبعاد صورة النكاح عن شوائب السفاح والمخادنة.
وقد استدرك الإمام ابن عاشور على علامة المقاصد الإمام الشاطبي ورد فيه أيضا على اقتراح الإمام القرافي بخصوص إدراج العرض ضمن الضروريات الخمس، مقترحا أن تضاف الحرية والمساواة إلى قائمة الضروريات.
كتاب ممتاز في بابه، مليء بالمباحث المفيدة القيمة المهمة، ولغته جزلة عالية، ومؤلفه عالم بارع.. إلا أنه لا يصلح للقراءة لكل أحد بل يلزمه خلفية فقهية وشرعية مسبقة، تعين قارئه على تفهمه، لأن معرفة مقاصد الشريعة نوع دقيق من العلم، فإذا تلقاه من لم يكن له حظ من علوم الشريعة، فهو بين أمرين: إما أن لا يفهمه، وإما أن يسيء فهم تلك المقاصد؛ فيحرّف الأحكام وفق هواه بحجة المقاصد؛ فيَضل ويُضلّ وهذا ما نبه عليه المؤلف رحمه الله في مطلع الكتاب
وعلم المقاصد وعلم أصول الفقه هما مفتاح هيمنة الشريعة وأحكامها على حياة البشر، على تجدد العصور والحوادث والنوازل، وعلى اختلاف البلاد
وفوق ذلك لا يخفى أن مسمى (مقاصد الشريعة) هو أحد البوابات الخطيرة التي يلج منها الحداثيون هذه الأيام، لتحريف الإسلام تحت ثوب شرعي.. فضبط هذا العلم وتحقيقه وتوضيحه، فرض مهم لتبيين غلط هؤلاء
قصد بن عاشور في كتابهِ خصوص البحث عن مقاصد الإسلام من التشريع في قوانين المعاملات و الآداب التي يرى جدارتها بأن تخصّ باسم الشريعة و التي هي مظهر ما راعاه الإسلام من تعاريف المصالح و المفاسد و ترجيحاتها، ممّا هو مظهر عظمة الشريعة الإسلاميّة بين بقيّـة الشرائع و القوانين و السياسات الاجتماعية لحفظ نظام العالم و إصلاح المجتمع.
و قد قسّـم بن عاشور كتابه لثلاثة أقسام: القسم الأول: في إثبات مقاصد الشريعة، و احتياج الفقيه إلى معرفتهاو طرق إثباتها و مراتبها. القسم الثاني: في المقاصد العامّة من التشريع القسم الثالث: في المقاصد الخاصة بأنواع المعاملات المعبّر عنها بأبواب فقه المعاملات.
و إنّ تصرّف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء: النحو الأول: فهم أقوالها النحو الثاني: البحث عمّا يُعارض الأدلة التي لاحت للمجتهد. النحو الثالث: قياسُ مالم يرد حكمه في أقوال الشارع. النحو الرابع: إعطاء حكمٍ لفعلٍ أو حادث حدث للناس لا يُعرف حكمه فيما لاح للمجتهدين من أدلة الشريعة و لا له نظيرٌ يُقاس عليه. النحو الخامس: تلقّي بعض أحكام الشريعة الثابتة عنده تلقّي من لم يعرف عِلل أحكامها و لا حكمة الشريعة في تشريعها.
و مراتب الشريعة مرتبتان: قطعيّة و ظنّية و على الباحث في مقاصد الشريعة أن يُطيل التأمّـل و يُجيد التثبّت في إثبات مقصد شرعي، و إيّاه و التساهل و التسرّع في ذٰلك، لأن تعيين مقصد شرعيّ - كلِّي أو جزئي - أمر تتفرّع عنه أدلّة و أحكام كثيرة في الاستنباط، ففي الخطأ فيه خطرٌ عظيم.
و عليكَ أن تعلم أن قوّة الجزم بكون الشيء مقصدًا شرعياً تتفاوت بمقدار فيض ينابيع الأدلّـة و نضوبها، و بمقدار وفرة العثور عليها و اختفائها. و ليست هذه الوفرة و ضدّها بعالة على مقدار استفراغ جهد الفقيه الناظر و استكمال نشاطه. بل إنّ الأدلّة على ذلك متفاوتةُ الكثرة و القلّة في أنواع التشريعات بحسبِ الزمان الذي عرض في وقت التشريع سعة و ضيقاً. و بحسب الأحوال التي عرضت للأمّة في وقت التشريع كثرة و قلّة.
و مقاصد التشريع العامّـة هي المعاني و الحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها؛ بحيث لا تختصّ ملاحظتها بالكون في نوع خاصّ من أحكام الشريعة، فيدخـل في هذا أوصاف الشريعة و غايتها العامّة و المعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معانٍ من الحِكم ليست ملحوظةً في سائر أنواع الأحكام، و لكنهه ملحوظة في أنواع كثيرةٍ منها.
و المقاصد الشرعية نوعان: معانٍ حقيقة و معانٍ عرفية عامّة، ويُشترط في جميعها أن يكون ثابتًا، ظاهراً، منضبطاً، مطرداً.
ماذا عن المصلحة؟ المصلحة اُشتقت لها صيغة المفعلة، الدالّة على اسم المكان الذي يكثر فيه ما منه اشتقاقه، و هو هنا مكانٌ مجازيّ. و المفسدة هي ما قابل المصلحة، و هو وصفٌ للفعل يحصل به الفساد أي الضّر، دائمًا أو غالباً. للجمهور أو للآحاد.
قد يستكن في معتقد كثيرٍ من العلماء قبل الفحص و الغوص في تصرفات التشريع أنّ الشريعة إنما جاءت لتغيير أحوال الناس، و التحقيق أن للتشريع مقامين: المقام الأول: تغيير الأحوال الفاسدة و إعلان فسادها. قوله تعالى: " الله وليُّ الذين آمنوا يُخرجهم من الظلمات إلى النُّور" المقام الثاني: تقرير أحوال صالحة قد اتبعها الناس، وهي الأحوال المعبّر عنها بالمعروف، في قوله تعالى: " يأمرهم بالمعروف".
[ نوط الأحكام الشرعيّة بمعانٍ و أوصاف لا بأسماء و أشكال ]
إيّاك أن تتوهم أن بعض الأحكام منوط بأسماء الأشياء أو بأشكالها الصورية غير المستوفية للمعاني الشرعية فتقع في أخطاء في الفقه، مثل: قول بعض الفقهاء في صنف من الحيتان - يُسميه بعض الناس خنزير البحر - إنه يُحرن أكله لأنه خنزير.
و كذلك لما ظهرت الحبوب اليمانيّة التي نُسميها قهوة، أفتى بعض العلماء أوّل القرن العاشر بحرمة منقوعها لأنهم سموها القهوة و هو اسم الخمر في اللغة العربية. مع أن تسمية تلك الحبوب قهوة اسم محرف من اسم غير عربي هو coffee .
و قد أنذر النبي صلى الله عليه و سلم إنذاراً بإنكار بناسٍ من أمته يشربون الخمر يُسمونها بغير اسمها. فكما كان تغيير الاسم غير مؤثر في تحليل الحرام كذلك لا يكون مؤثراً في تحرين الحلال. و بعبارةٍ أشمل، لا تكون التسمية مناط الأحكام، و لكنها تدل على مسمى ذي أوصاف، و تلك الأوصاف هي مناط الأحكام، فالمنظور إليه هو الأوصاف خاصّة.
[ أحكام الشريعة قابلة للقياس عليها باعتبار العلل و المقاصد القريبة و العالية ]
استقراء الشريعة في تصرفاتها قد أكسب فقهاء الأمة يقيناً بأنها ماسوّت في جنس حكم من الأحكام جزئيات متكاثرة إلا و لتلك الجزئيات اشتراك في وصف يتعيّن عندهم أن يكون هو موجب إعطائها حكاً متماثلاً. و من ثم استقام لهم من عهد الصحابة إلى هلمّ جرا أن يقيسوا بعض الأشياء على بعض فينوطوا بالمقاس نفس الأحكام الثابتة بالشرع للمقيس عليها في الأوصاف التي أُنبئوا أنها سبب نوط الحكم، و أنها مقصود الشارع من أحكامه، فإن كانت فرعيّة قريبة سميناها عللاً مثل الإسكار و إن كانت كليات سميناها مقاصد قريبة مثل حفظ العقل و إن كانت كليات عالية سميناها مقاصد عالية، و هي نوعان مصلحة و مفسدة.- تقدّم ذكره -
[ التحيّل على إظهار العمل في صورة مشروعة، مع سلبه الحكمة المقصودة للشريعة ]
اسم التحيل يُفيد معنى إبراز عمل ممنوع شرعاً في صورة عمل جائز، أو إبراز عمل غير معتد به شرعاً في صورة عمل معتـد به لقصد التفصّي من مؤاخذته، فالتحيل شرعاً هو ماكان المنع فيه شرعياً و المانع شارع. و لاشكّ أن التحيل باطل.
[ سـدّ الذرائع ] هذا المركب لقبٌ في اصطلاح الفقهاء لإبطال الأعمال التي تؤول إلى فساد معتبر، و هي في ذاتها لا مفسدة فيها. قال المازريّ في شرحهِ على التلقين لعبدالوهاب: " سد الذريعة منعُ مالايجوز لئلا يُتطرّق به إلى مالا يجوز " .
[ الرخصة: عامّـة و خاصّـة ]
قال الشاطبي: " إن الرخصة مستمدّة من قاعدة رفع الحرج، كما أن العزيمة راجعة إلى أصل التكليف و كلاهما أصل كلي ". و يُقال في تحقيق الكتاب أن هذا الكلام المنسوب للشاطبي غير دقيق بل ماقاله الشاطبي: " العزيمة راجعة إلى أصل كلي ابتدائي و الرخصة راجعة إلى جزئي مستثنى من ذلك الأصل الكلِّي ".
| الحرّية : معناها و مداها و مراتبها في نظر الشريعة |
استواء أفراد الأمة في تصرفهم في أنفسهم مقصدٌ أصلي من مقاصد الشريعة، و ذلك هو المراد بالحرية.
و أُبطل الاسترقاق في الدين الذي كان شرعاً للرومان و شريعة "سوون" في اليونان و أُبطل الاسترقاق في الفتن و الحروب الداخلية الواقعة بين المسلمين، و أُبطل استرقاق السائبة، كما استرقت السيارة يوسف إذ وجدوه.
[ مقاصد التشريع الخاصّة: بأنواع المعاملات بين الناس ] و المعاملات في توجه الأحكام التشريعية إليها مرتبتان: مقاصد و وسائل فالمقاصد هي المتضمنة للمصالح و المفاسد في أنفسها و الوسائل هي الطرق المُفضية إليها. و الوسيلة إلى أفضـل المقاصد هي أفضل الوسائـل.
و من مقاصد الشريعة: تعيين أنواع الحقوق لأنواع مستحقيها و هو أعظم أساس و أثبته للتشريع في معاملات الأمة بعضها مع بعض. و جِماع أصول تعيين الحقوق أحد أمرين: إما التكوين و إما الترجيح فالتكوين: أن يكون أصل الخلقة قد كوّن الحق مع تكوين صاحبه و قرَنَ بينهما، و هو أعظم حق في العالم. و الترجيح: هو إظهار أولويّة جانب على آخر في حق صالح لجانبين فأكثر. و طرق إثبات هذه الأولوية: إما حجّة العقل الشاهد بالرجحان و إما الحجة المقبلة بين الناس في الجملة.
المقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور: رواجها و وضوحها و حفظها و ثباتها و العدل فيها.
:
يطيب لي الإشادة بالمقدّمة و بالجزء الأوّل الذي يتكلم عن الشيخ محمد الطاهر بن عاشور و المشروع الذي لم يكتمل. و المقدمة تقع في ١٥٧ صفحة - تقريباً- .
كتاب من روائع كتب المقاصد مُبسّط و يُعتبر من المراجع في علم المقاصد.
كتاب قوي بكل تأكيد، مقسم إلى 3 أبواب الأول في التأصيل للاحتياج إلى علم المقاصد الثاني في المقاصد العامة للشريعة الإسلامية الثالث في مقاصد الشريعة في قضايا خاصة زي الزواج والبيوع والقضاء سهل نسبيا لكن محتاج معرفة أساسية بمصطلحات العلوم الشرعية
رضي الله عن العلّامة ابن عاشور ورحمه وتقبّل منه أحسن ما عمل ♥
كتابٌ فخم جدًا.. ويحتاجُ إلى قراءةٍ ثانية بعد "أن ينضج فكري" إن شاء الله، ربّما بعد سنواتٍ آتية
يبدأ الكتاب بمقدّمة تبيّن سبب قصده لتصنيف الكتاب، بعد أن وجد أن علم أصول الفقه لم يعد يفي بالتفصيل الكافي في المقاصد وأنه استغرق في مباحث أخرى ألصق بعلم الأدلة والدلالات. فالمقاصد الشرعية بعد كلّ شيءٍ هي من الأدوات الأساسية للفقيه ومن قبله للأصوليّ لفهم نصوص الوحي واستنباط الأحكام. وهذه المقاصد تُثبت بطريقين: إمّا باستقراء الأحكام الفرعية أو الاستنباط من النصوص الكلية. وفي الجزء الأكبر من الكتاب، شرح ابن عاشور لمسائل كثيرة بتأصيل مدهش وأخّاذ عن الأحكام التعبدية، علاقة المقاصد بدين الفطرة وسماحة الشّريعة، مراعاة المصالح والمفاسد وأقسامهما ومراتبهما، ومسألة سدّ الذّرائع. وحتّى التّفصيل اللّاحق كان مؤصّلا عن أحكام الأسرة -وكأنّه اشتمّ رائحة تمرّد في تونس في هذا الموضوع تحديدًا!- والتعاملات المالية والقضاء والعقوبات.. -- أعترف أنني فوّتت مواضع كثيرة في الكتاب لم أتمكن من تذوقها وفهمها كما ينبغي.. وآمل أن يليق هذا بقراءةٍ أولى مستعجلة ضمن التزامات العمل ومواعيد التّسليم، على أمل موعدٍ ثانٍ يوما ما..
أحسن "ابن عاشور" رحمه الله في الباب الذي أعاد فتحه، وفيما نفض التراب عنه من علمٍ لا أشكّ بأنه يفرض تحدّيًا كبيرًا على "علماء الدين" في كل زمان، فيريحون رؤوسهم منه بتجاهله وتجاوزه. المقاصد باب من يُعظّم الدين ومُنزله، وباب من يرى الحكمة لا من ينشغل بالوسيلة. ولكنّها عبء على العقل المرتاح في الوسائل وفقه المسائل المستقرّة، وعبء على فقيه لا يريد أن يخسر جهده في "فروعه". لكنّي والحقّ يقال، لم أجد في الكتاب جمال الطرح، ولا توسّع الأمثلة. فجاء أسلوبه على غير ما كنت أنتظر. فقد كنت آمل بإيجاز وتكثيفٍ في الجانب النظري، وتنويع في الأمثلة. لكنّه جاء مطوّلاً في الشرح الذي يكاد عنوان الفصل يكفيه شرحًا، وعجولاً مكرّرًا في أمثلته. كما أنّه كان عليه أن يجعل القرآن مثالًا على الأصل والفرع، وعلى المقصد والغاية، لكنّه آثر السلامة في قصر التعامل مع الحديث وأقوال الفقهاء. على أية حال، ففقه المقاصد لمن أراده لا يتسم بالجمود، ولا يتسقرّ على الأقوال الجاهزة، ولا يقف على إحصاءٍ منتهٍ مستقرّ. وهذا مكمن عظمته وخطورته في آن. وقد خطر لي أن أقرأ في المقاصد للمحدثين والمعاصرين، والله المستعان
يا حبذا المزيد المزيد من النجمات ... هذا الكتاب كتاب عدل وحق وحرية إن أهم ما يميز الكتاب ويمثل القيمة الإضافية العظمى هو تناوله لقضية المقاصد بشكل يختلف عن سابقيه ممن كتبوا في هذا العلم، انه كسر للمألوف واضافة إبداعية لا مثيل لها. ومن الطرح الإبداعي أيضًا أنه قال مدارك الفقه النظر هي في مقاصد الشريعة وليست في أصول الفقه واحالة مهمة الأخيرة إلى تركيب الأدلة الفقهية أما المقاصد فاعتبرها مبادئ لهذا العلم الجليل. ويبدو أن هذا تلميحًا للصورة التي ينبغي علينا أن نعتمدها في مناهجنا. استخدم لفظ التشريع يقصد به قانون الأمة ومما سنفهمه من المقاصد العامة للتشريع أن الحاجة تولدت إليها بما ارتبطت به من صلاح البشر في العاجل والآجل (والله لا يحب الفساد). وسنرى أن إطار الفهم الذي وضعه ابن عاشور لا يخرج عن دعوة ماسة لنبذ التعصب ومخالفة الهوى وترك العمل بدعوى مذهب الظاهرية. التيسير هو مقصد التشريع المستند على دليل قطعي، فمن خلال استقراء النصوص سنجد أن كل النصوص تؤكد ذلك من خلال تكرارها في القران والسنة. في حين مقصد منع الظلم في " لا ضرر ولا ضرار" مقصد قطعي اعتمد على دليل ظني وهو خبر الآحاد. ومن المقاصد: حفظ الفطرة في كونها فطرة عقلية فكل ما في الإسلام من عقائد وتشريعات جارية وفق ما يدركه العقل وما يشهد به. ومنها أيضًا: السماحة وسط بين الافراط والتفريط وهي عنوان الاعتدال والعدل. ومقصد آخر من الأهمية بمكان: حفظ نظام الأمة واستخدامه صلاحه بصلاح المهيمن عليه. وعلى ذلك كانت القاعدة درء المفاسد خير من جلب المصالح. فالأصل إزالة الفساد. الشارع متشوف للحرية مقصد شرعي يسن حرية الاعتقاد والفكر والعلم والعمل وآخرها التأكيد على مقصد حفظ قوة الأمة وأن تبقى مرهوبة الجانب مطمئنة البال. واختتم الكتاب الحديث عن مقاصد المعاملات كالزواج والمعاملات المالية وغيرها
والله كل ما الواحد يقرأ في مقاصد التشريع والفقه وتفاصيل الشريعة الإسلامية كل ما يزداد شفقة على المساكين الجهلة للى بينادوا بنقد الموروث وبعدم تطبيق الشريعة .. مساكين والله لا يعرفوا إلاالقشور ، فقه المعاملات المالية وحده ومقاصده في الإسلام كفيلة لأى شخص منصف ان يقر ان هذه الشريعة حتما من عند رب العالمين وحتما لا يصلح الناس والمجتمع إلا شريعة الإسلام ويجد نفسه يقول رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياا ، مستشعرا معنى الرضي والحب بكل تفاصيل هذا الدين وجماله كيف لا وهو تشريع رب العالمين القائل جل علاه "وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ"
هو فتح عظيم وإحياء جديد لكتاب الشاطبي الذي لم يلق العناية اللائقة كثيرا في مطلع الأمر.. لكن أظن في بعض المواضع الشيخ الطاهر انتقد الشاطبي بشكل غير دقيق، وأسس مفاهيم مقاصدية ربما هي محل نظر.. والله أعلم.
كتاب المقاصد لمفتي تونس الطاهر بن عاشور هو فعلا إضافة كبيرة لهذا العلم الذي ظهر مع الشاطبي رحمه الله الكتاب في عمومه مفيد لكن لغته صعبة الفهم ومرهقة لمن لم يحتك بدراسة الشرعيات أو علم المصطلحات الفقهية و الأصولية فيبدوا أنهم موجه للخواص لا للعوام
هذا مدخلٌ حسن لبابٍ واسع ما زال أمر الناس يدور حوله منذ أن عرفوا الإسلام. أتفهم كيف أن هذا الكتاب أحدث ثورة ويشهد الكثير -بمن فيهم مؤلف الكتاب نفسه- أنه من أول وأوضح الكتب التي فصلت في هذا الموضوع ووضعت الحدود والتقسيمات لبحرٍ شاسع من الأحكام التشريعية -فالأحكام التعبدية ليست من اهتمام المؤلف في هذا الكتاب- .. لكن لكن!
أرى أن الكتاب وخاصة في النصف الأول منه افتقد لإيراد الأمثلة التي تعين على توضيح مقصود كل فقرة أو مبحث .. فالكاتب كثيراً ما يطرح مفاهيم عامة يعرفها الجميع بداهةً وإن غفلوها كعدم انطباق المفاهيم الثقافية والحضارية للأمة العربية على الأمم الأخرى وكيف أن لمفهوم سد الذريعة حدوداً يجب أن لا يتعداها، لكن هذه المفاهيم هي ما تزال عامة وما يزال اختلافنا فيها بل وكل الاختلاف هو في تطبيقاتها وإنزالاتها على واقع الأمة. وكان من المهم بالنسبة لي أن يجلب المؤلف بعضاً من تطبيقات هذه المفاهيم في سياق المقارنة -مثلا- بين الماضي والحاضر وأوجه الإختلاف بينهما.. لكن لم أجد إلا القليل منها في النص الثاني وأكثرها تفصيلاً كان عن المعاملات المالية.
وكون المؤلف معاصراً نسبياً فقد كان المجال رحباً أمامه ليجري مقارناته بين ما يشاهده من أحوال الشعب العربي وما يعتقدُ أنه مخالف/ موافق لمقاصد الشريعة من هذه الأحوال.
مرة أخرى هذا زمانٌ تجتمع فيه الأضداد تحت عنوان واحد وربما أفتى بعضهم بحكم والآخرون بنقيضه تماماً لكن يدعي جميعهم أنهم ينطلقون من منطلق جلب المصلحة مثلاً أو درء المفسدة!
وقد شدد المؤلف رحمه الله على أن يكون الخائض في هذا الباب متبصراً وفذاً ومتنبهاً لدقائق الأمور وخفاياها وليته أعاننا قليلاً على ذلك ببعض التوضيحات 🙈
:( لم تكن قراءته يسيرة بالنسبة لي تعسر عليّا فهم الكثير فهذه أول مرة أقرأ كتابا في الفقه وقد جاء في مطلعه أنه موجه للفقهاء ربما أعود إليه يوما ما عندما أكتسب المهارات اللازمة لفهم مثل هاته المؤلفات و لكن ما خرجت به بعد قراءتي و فهمي البسيط أن ديننا هو دين الفطرةلذلك يقبله العقل و القلب كما أنه دين يسر و لم يأتي ليعسر على الناس ومقاصد شريعتنا كثيرة فالشريعة لم توضع هكذا بلامقصد ولامعنى و لكن لكل حكم مقصد معين ينظم أحوال الناس دنيويا فنجد أحكاما للبيع و الشراء و للأسرة و للقضاء و هكذا
:( لم تكن قراءته يسيرة بالنسبة لي تعسر عليّا فهم الكثير فهذه أول مرة أقرأ كتابا في الفقه وقد جاء في مطلعه أنه موجه للفقهاء ربما أعود إليه يوما ما عندما أكتسب المهارات اللازمة لفهم مثل هاته المؤلفات و لكن ما خرجت به بعد قراءتي و فهمي البسيط أن ديننا هو دين الفطرةلذلك يقبله العقل و القلب كما أنه دين يسر و لم يأتي ليعسر على الناس ومقاصد شريعتنا كثيرة فالشريعة لم توضع هكذا بلامقصد ولامعنى و لكن لكل حكم مقصد معين ينظم أحوال الناس دنيويا فنجد أحكاما للبيع و الشراء و للأسرة و للقضاء و هكذا