الفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبَيان وفروسية الرَّمْي والطعان. ولما كانَ أصْحاب النَّبِي ﷺ أكمل الخلق فِي الفروسيتين فتحُوا القُلُوب بِالحجَّةِ والبرهان والبلاد بالسَّيْفِ والسنان، وما النّاس إلّا هَؤُلاءِ الفَرِيقانِ ومن عداهما فَإن لم يكن رِدْءًا وعونا لَهما فَهُوَ كلٌّ على نوع الإنْسان! وقد أمر الله رَسُوله بجدال الكفّار والمُنافِقِينَ وجلاد أعدائه المشاقين والمحاربين فَعِلم الجِدال والجلاد من أهم العُلُوم وأنفعها للعباد فِي المعاش والمعاد ولا يعدل مداد العلماء إلّا دم الشُّهَداء والرفعة وعلو المنزلَة فِي الدّاريْنِ إنَّما هِيَ لهاتين الطّائِفَتَيْنِ وسائِر النّاس رعية لَهما منقادون لرؤسائهما.
-------------
في الكتاب مقدمة وخاتمة تأخذان بمجامع القلب الكتاب ممتلئ بتفاصيل جميلة آتية من زمن آخر .. وتفاصيل أخرى لا علاقة لنا بها :)
*** في منتصف الكتاب فصول غنية تتناول أبواب من علم مصطلح الحديث.
-------------
في الحديث: "من أعتق رَقَبَة مُؤمنَة أعتق الله بِكُل عُضْو مِنهُ عضوا مِنهُ من النّار ومن رمى بِسَهْم فِي سَبِيل الله وبلغ العَدو فَأصاب أو أخطَأ كانَ لَهُ عتق رَقَبَة"!!
وفي وصايا الحكماء: "عَلَيْكُم بِأهْل السخاء والشجاعة فَإنَّهُم أهل حسن الظَّن بِاللَّه والشجاعة جنَّة للرجل من المكاره والجبن إعانَة مِنهُ لعَدوه على نَفسه فَهُوَ جند وسلاح يُعْطِيهِ عدوه ليحاربه به" ! وكثير من النّاس تشتبه عَلَيْهِ الشجاعَة بِالقُوَّةِ وهما متغايران فَإن الشجاعَة هي ثبات القلب عِنْد النَّوازِل وإن كانَ ضَعِيف البَطْش. وكانَ الصّديق -رضي الله عنه- أشْجَع الأمة بعد رَسُول الله ﷺ وكانَ عمر وغَيره أقوى مِنهُ ولَكِن برز على الصَّحابَة كلهم بثبات قلبه فِي كل موطن من المواطن الَّتِي تزلزل الجبال وهُوَ فِي ذَلِك ثابت القلب ربيط الجاش يلوذ بِهِ شجعان الصَّحابَة وابطالهم فيثبتهم ويشجعهم. مراتب الشجعان كما رتبها ابن القيم: الهُمام .. المِقدام .. الباسل .. البطل .. وأعلاها الصنديد. ولابن القيم في معنى بطل وقفة جميلة.
وإذا اجْتمع فِي الرجل الرَّأْي والشجاعة فَهُوَ الَّذِي يصلح لتدبير الجيوش وسياسة أمر الحَرْب. والنّاس ثَلاثَة: رجل، ونصف رجل، ولا شَيْء! فالرجل من اجْتمع لَهُ أصالة الرَّأْي والشجاعة فَهَذا الرجل الكامِل. ونصف الرجل من انْفَرد بِأحد الوصفين دون الآخر. والَّذِي لا شَيْء من عري من الوصفين جَمِيعًا.
يا سلاام بس يا سلاام
غفر الله للإمام ابن القيم ورضي عنه ورفع في الجنة درجته.
قرأت الكتاب بنسخته pdf على موقع تراث وكانت تجربة الموقع جميلة.
مما وجدته مفيدا في هذا الكتاب التفريق بين ما هو قمار وما هو غير ذلك في أنواع المسابقات من مسابقة بالخيل أو بالإبل أو بالأرجل، وكذا السباحة والمصارعة وغيرها من الرياضات فقد أجاد المؤلف في هذا وأفاد. وكل هذا مبني على ما في القرآن والسنة وما جاء عن الصحابة وعلماء الدين. وختم الكتاب بالحديث عن مدح القوة والشجاعة وذم العجز والجبن مع ذكر مراتب الشجاعة. وبين هذا وذاك ذكر أحكاما كثيرة خاصة بالرمي والسباق دون إهمال آدابهما، مع ذكر آفات الرمي بالسهام وطريقة تصحيحها.
قرأت الكتاب لحبي الشديد لكل الأمرين، اسلوب ابن القيم وولعي الكبير في الفروسية، الرياضات بشكلٍ عام نعمة هذا الوجود.. تخفيف عن النفس، تفريغ، يومك مشغول بشيء مفيد، إلا إن الفروسية مبلغها ووقعها في نفسي عظيم. ولا يضاهي شعورها أي شعور أخر استمده من الرياضات الأخرى.
الفروسية تكشف لك نفسك حبّه حبّه.. قلبك خوّاف؟ جسمك يسمع الكلام؟ تقدر تنفذ أكثر من أمر في لحظة وحدة؟ عقلك لمّاح؟ سريع التنفيذ أو لا؟
تنتهي من أدائك مع الخيل مثقل بالأجوبة. أيضًا تنكشف لك مفاتيح الإاردة؛ تسقط تارة وتعود في الأخرى. تسقط أيضًا وتعود، أستطيع أو لا؟
ختامًا وهو مما يبجل موقف الفروسية في نفسي ما قاله ابن قيم الجوزية، الفروسية فروسيتان: فروسية العلم والبيانِ وفروسية الرَّمْي والطعان. ولما كانَ أصحاب النبي أكمل الخلق في الفروسيتين فتحُوا القلوب بِالحجَّةِ والبرهان والبلاد بالسَّيْفِ والسنان، وما النّاس إلا هَؤلاءِ الفريقانِ ومن عداهما فإن لم يكن رِدءًا وعونا لهما فَهوَ كلًّ على نوع الإنسان!
كتاب جميل يشعرك بالعزة و العزم اثناء قراءته. تخطيت قراءة بعض الأجزاء التي تتطرق لمسائل فقهية بين ما يجوز في السباق وما لا يجوز والفرق بين الرهان و القمار، وبعض المسائل الفنية في الرمي ولكن استمتعت بالقراءة الخفيفة و اتممته في يوم.
لم أقرأه كله لتوسعه في ذكر أدلة عدم اشتراط المحلل في الرهان وكذلك توسعه في ذكر الرمي بالقوس ،ولو كنت أمارس تلك الرياضة لفعلت ،عامة لا تغفل عن قراءة ما كتبه في الشجاعة بعد أبواب النضال
الكتاب فيه من الحث على الرياضة والصحة البدنية والقوة والشجاعة، ولكنه في كثير من محتوى يتسم بطابع تقني تفصيلي خاص بفنون الرماية أو شروط السباقات، وهو ما لم أجد فيه فائدة كبيرة