لا يقتصر "مدار الحكاية" على قصد المؤلف ولا على المعاني التي يقدمها النقاد والعلماء والوعاظ.. أو كل الذين يحللون ويحتكرون المعنى، بل يهتم بمبادرات القارئ وفرضياته بكل فعالياتها، فالأساس الذي يستند إليه هذا العمل هو أن معارف القارئ وخبراته تشكل العنصر الأساس في تكوين المعنى، وأن مبادراته وتأويلاته هي أفضل طريق لتكوين المعنى، وبهذا يربط القارئ بين ما يقرؤه، وبين ما يعرفه بالفعل.
للمؤلف كتاب آخر (في مختبر الكتابة) عبارة عن مجموعة مقالات مختلفة تبحث في فرضيات المؤلف المُسبقة، بينما في هذا الكتاب يتجه من المؤلف إلى القارئ. يحاول الشدوي في هذا الكتاب تقديم نظرية المدار وعلاقته بالتأويل من خلال تطبيقه على عدد من حكايا ألف ليلة وليلة. رغم الصعوبة التي تكتنف تعريف نظرية المدار، لكن يمكن القول باختصار مخل بأن النظرية تعني بأن القارئ يأتي إلى النص بحمولته المعرفية ( أو موسوعة القارئ كما تُسمى ) أي قراءاته السابقة وتجاربه في الحياة، ويحاول من خلال هذه الموسوعة ربط عدة عناصر مختلفة في النص لتكوين المعنى، هذا الربط بين العناصر هو المقصود بالمدار. نلاحظ هنا بأن المعنى ليس شيئًا ناجزًا، أي أنه في من نتاج المؤلف، أو أنه مختبئ هناك في بطن النص، بل القارئ هو من يولده وينتجه. كتاب جميل وبسيط.
يقدّم لنا الأستاذ علي الشدوي في هذا الكتاب مفهوم " المدار " الإجراء" الذي يُستخدم في توليد المعنى .. و هو مجموعة من الفرضيات و الآراء التي يقدّمها القاريء أثناء قراءة النصّ .. و يتقدّم بها لتكوين المعنى .. فالمعنى يُبنى ، يُكوَّن ، و لا يُكتشف ..
اضافة الى كونه يعتمد بالدرجة الأولى على " موسوعة القاريء " التي تضمّ في صفحاتها معلوماته ، معارفه ، افكاره ، و تجاربه الخاصة .. التي يشغلّها و يستدعيها اثناء القراءة ..
لذا .. تختلف كل قراءة في معانيها عن الاخرى .. و تتنوع القراءات بحسب المدارات المستخدمة ..
و بذلك .. يستعيد القاريء حقّه في تكوين معناه الخاص .. و افكاره الخاصة .. فيما يتعلق بالقراءة و الحياة معاً .