تتناول الرواية عالم القرية والتغيرات التي لحقت به من خلال قرية في دلتا مصر نتعرف على الصراع الذي يعيشه البطل بين الحفاظ على هوية المكان الريفية وصورة الريف المثالية في ذاكرة الطفولة وبين محاولات التحديث والتماهي مع المدينة وعاداتها وسكانها، بل وزائريها من الأطراف البعيدة الذين نزحوا إليها.
ومن خلال رحلة في الزمان والمكان يطرد الأب ابنه من عالمه وداره، فيبدأ البطل الشاب في رحلة تعلم طويلة يعود فيها إلى زمن الحنين والبدايات الأولى ويتشبث بعالم الجذور.
مصري مواليد 2002 محافظة المنوفية، يدرس العمارة والتخطيط. صدر له رواية " أول دروب العودة- آخر دروب الحنين" عن دار المرايا للثقافة و رواية "الموت عادة يومية " عن مؤسسة بيت الحكمة. وبعض القصص على موقع الكتابة وجريدة إمتداد
’’ فالبشر الضائعون في أزمنة أخرى لا يعودون لشيء سوى لأماكن الألفة، فوحدها تملك الجرعات الكافية من الحنين لدفع المرء للعودة. ’’
إن كانت تلك أول أعمال شكري سلامة؟ فماذا سيكون بعدها؟.. رواية من أقصى بقاع الريف المصري. من المنوفية حيث أشمون، ومنكم من يعرف او لا فهي من بلد النعناعية، التي علمت بوجودها الواقعي حقاً مؤخرا وإن كنت بها من الجاهلين، فكيف لشكري سلامة أن يحول تلك القرية، وكأنها رواية محفوظية في خمسينات القرن الماضي؟ لقد بُعث قلم خيري شلبي من جديد، وكتب عن الريف في صورة شكري سلامة..
❞ «جميعُنا من النهر نفسِه، نتبع التيارَ نفسَه، وحولنا الضفاف الخضراء واللبلاب المتسلق، جميعنا صورٌ ومصائرُ كُتِبت وشُبكت في شِباك الصيادين، وفي قاع المياه قُذفَت للمصير». ❝"
ومنكم من يعرف بأن ترعة النعناعية تحمل في جوفها الكثير من أبناء أشمون يوماً بعد يوم، فهي ملقبة بترعة الموت، ولأنها تحمل بداخلها الابناء والأباء، فهي أيضاً تحمل التراث والسيرة ولو كانت تحملهما في صورة الموت، لذلك قرر شكري سلامة الإستعارة الكاملة بتراث أشمون، حيث الغرق، حيث الفقد، حيث ترعة الضلال والموت.
وقد قيل أن نصف أهلها يلتقون ليلاً في جوفها والنصف الأخر يُبعث نهاراً حتى لقائها.
لم أكن اعرف تلك الرواية ابداً لكنه الرزق الأدبي الذي تحدثت عنه كثيراّ، أن تقرأ عبثا، رواية لكاتب بشكل عبثي ولم تكن تتصور أن تختار القراءة لهم من الأصل.. وجدت منذ شهرين تقريباً أن أبجد يرشح تلك الرواية بنبذة جيدة عنها، وطالما وجدنا ذلك من أبجد، لا أعلم لم اخترتها ولم بدأتها على الرغم من زحمة القراءة حينها وتخمة أختياراتي مؤخراً والتقدم السلحفائي في كل شيء..
لو أنا نسيت، البيت دا عمره ما هينسى يا ابني، البيوت هي الحارس لذكريات الناس بعد ربك سبحانه وتعالى»
وبدأت، ومنذ الفصل الأول أدركت إني في لقاء مع كاتب محترف عربي لا أعرفه، ثم وجدته مصرياّ شاباً من الريف ويكتب عن الريف وبدأت اشارك اقتباسات تلك الرواية باستمرار على أبجد، حتى وجدت شكري سلامة نفسه يتفق مع تلك الأبجديات، إذن هو بيننا الأن.
فأجلبوه لنا حياً يرزق، وأغلقوا عليه الأبواب خمسة أعوام، ليقرأ ويكتب فنحن على موعد مع كاتب واعد إن لم تقهره ظروف الحياة.
فقد كُتب عليهم أن يذوبوا مع النسيان. لكن ستبقى البيوت كما هي إلى الأبد، بجانب النعناعية، لتكون شاهدةً على أن هذا المكان احتوى ذاتَ زمانٍ على زمن آخَر.
انا أحب الحنين، أعيش به وبداخله، نوعي المفضل من الافلام تلك التي تحمل الحنين بين فواصلها، ونوعي المفضل من المسلسلات ما تحمل عودة الماضي بين حلقاتها، النوستالجيا هي ربما هدفي من الحياة، ولذلك قد أسعد قليلاّ وأحزن كثيراً، مرض الحنين إلى ما مضى، أسال الله العافية منه، ونوعي المفضل من الأغاني بلا شك منكم من يعرفني، هي كل ما تحمل في طياتها وفي موسيقاها وفي كلماتها شجنها وفراقها وحنينها..
فما الحياة غير هذا؟! سألته: - غير إيه؟ - أن نستميت في الحصول على ذكرى نستعيدها على كرسي الشيخوخة في غمرة الحنين ’’
وإن كنت دوماً أذكرني، ذاك الماضي الباحث عنه في حاضري الأن.. ألم يكن هنا من قبل ورفضته؟ ذاك الماضي الباحث عنه انا الم يكن بداخلي حيناً ودهراً وتركته؟ كيف تتحول ماهية الاشياء حولنا لمجرد أنها أصبحت جزء من الماضي..
كيف يصبح موت الماضي أفضل من موت الحاضر، وأيام زمان خيرً من هذا الأوان، وناس الأمس خير من ناس الغد.. حتى في الأمراض والمصائب نحن إلى ما مضى منها، فحروب الماضي خيراً من حروب الحاضر...
«أن العالَم حقَّاني جدًّا في موضوع الذكريات». فلا بد وأن تتذكر كلَّ الأشياء، تتذكرها كاملةً على الأقل مرةً واحدة، كأنك تعيش العمرَ مرتين، أو تعيش نصفَه صانعًا للذكرى ونصفَه الآخَر متذكِّرًا."
أذكر ذات يوم حديثاً لي مقرب مع صديق مثقف ولقد حدث بالفع، وقال بالحرف " الحرب زمان كانت احسن من حرب دلوقتي, انت متخيل الجنود كانت بتحارب ازاي بشجاعة بسيوفهم ودروعهم وادواتهم البدائية مقارنة بدلوقتي" فأخبرته إنها النوستالجيا ياصديقي.. أنه مرض الحنين بلا شك.
وتلك الرواية، أو دروب العودة وآخر دروب الحنين، تحمل في صفحاتها الكثير والكثير من الحنين، الكثير من الزمن المفقود.. الكثير من الماضي الغائب، تحمل في صفحاتها ما أشبعني حنيناً وشجناً حتى أتممتها، فهي بلا شك واحدة من نوعي المفضل من الحياة..
فالإنسان يستطيع أن يُمضي عمره مع امرأة لا يملك لها أيّ ذكرياتٍ، لكنه لن يستطيع العيش في مكان لم تتجذّر فيه ذكراه، مكانٍ بلا أركان مخبَّأ فيها حنينُ"
قد يجد البعض الملل في صفحاتها وفي تكرار خواطرها وشجنها واحداثها، لكنني لم أجد ذلك رغبة في الغوص في حنينها وفي حنين ابطالها، زين الدين وسلامة المفقود.
أعجبت بالرواية حقاً، وبكل ما فيها من شجناً وحباً وفراقاً، أعجبت بسلامة المفقود. وزين الدين الشهيد، وتلك النعناعية الشاهدة على الزمن كله، اوله واخره، وتلك الحيطان الشاهدة على اهلها، المتحدثة بقول الزمن، والحاكمة بآله العدل، والمصوبة لسهام الحق في عين الدجل..
نعم ينقصه بعض الاشياء شكري سلامة بلا شك، لكن الرواية كتجربة أولى، مكتملة الحنين، غارفة في النوستالجيا.. وقد أحن إليها من الأن.
ثلاثة أسباب على الأقل جعلت من هذه الرواية مفاجأة جميلة بالنسبة لي، ولعل أول وأبسط هذه الأسباب هي كونها الرواية الأولى لكاتبها الشاب "شكري سلامة" الذي أتعرف على قلمه لأول مرة في هذه الرواية، ويهدينا عالمه الروائي الخاص، الذي نشأ وتربى فيه، وهو ما يقودنا إلى السبب الثاني، وهو كون هذه الرواية تأتي من عالم طالما بنيت عليه الروايات ونسجت حوله الحكايات، عالم القرية الذي يبدو أن لدى كتابه الكثير ليضيفوه في عالم الرواية، ولا يزال هناك من يقدر على اكتشاف مواطن جديدة للجمال وسحر الحكاية فيه، وهو إذ يقدم ذلك لا يلجأ لحكاية تقليدية عابرة، وهو ما سنأتي إليه تفصيلاً، بل يقودنا إلى حكاية طويلة ومتشابكة تمزج الواقع بالأسطوري، وتدور بين الماضي والحاضر، وتمسك بالقارئ من السطر الأول إلى السطر الأخير ببساطة وذكاء، ولعل هذا هو السبب الثالث الذي يجعل من هذه الرواية مفاجأة استثنائية، وإليكم بيان ما فعله شكري سلامة بالتفصيل:
تبدأ الرواية بتحديد زمنين للحكاية، الزمن الأول والآخر، ويكتشف القارئ أن الرواية تدور كلها في ذلك "الزمن الآخر" مقسمة إلى فصول، تحكي حكاية أبطالها "زين الدين إبراهيم" و"زين الدين إسماعيل" و"مصطفى/درش" وغيرهم من سكان الحارة وأهلها الذين يتغيّر عليهم الزمان، ويتركون بيوتهم فجأة بعد حادثة محددة لا نتعرف عليها إلا في الفصل الأخير من الرواية، وبين الآباء وما تركوه من إرث ثقيل ومصير والأبناء ومحاولاتهم البحث عن الأصل والجذور تدور أحداث الرواية.
الماضي يطارد الحاضر ويقوضه
إلى أي مدى يفرض الماضي وجوده وسطوته على الحاضر وأفراده، وهل يمكن بالفعل التخلص من الذكريات غير المرغوب فيها؟! هل يمر الزمن وننسى ونتناسى، أم أن الماضي ـ كما يحدث كثيرًا ــ يعود، ربما بسطوة أكبر، ينتظر"زين الدين إبراهيم" عودة ابنه الغائب "سلامة" بعد أن أصبح شيخًا كبيرًا يحتاج إلى من يعتمد عليه في حركته، ونستعيد معه حكايته منذ طفولته وعلاقته بوالده حتى يتغير الزمن به ويكبر في السن ويتزوج من الفتاة "فاطمة" التي هي في عمر أولاده، وفي المقابل يبحث "زين الدين إسماعيل" عن معنى لحياته، بينما هو غارق في قراءة الكتب والحكايات، تأسره حكايات جدته "هانم"، ولكنها تتركه يواجه العالم بعد وفاتها بمفرده، يبحث عن علاقة حب مستحيلة عبر صديقته "هاجر" التي يتعرف عليها من خلال الإنترنت ويبادلها الحب، ولكنه يخشى مواجهتها، فيذهب في رحلة غريبة للبحث عن أصوله هناك في حارة "النعناعية"
((في غمرة التذكر والنسيان، والحزن والأسى فرد قدميه على السجاد، مستذكرًا كل اليوم الطويل، من أوديسيوس إلى زين الدين إبراهيم، وفي زحمة الصور والذكريات، سمع خبط المطر على الأرض، شعر به كأنه يطرق وترًا أخيرًا في قلبه كان لا يزال متماسكًا، رأى أوديسيوس يحمل مدينته بين يديه لكنها تذوب وتتساقط من بين أصابعه مثل الرمال، وشعر مع صورته بحرارة خفيفة في عينيه، حرارة متماسكة ودافئة كأنها متدفقة من قلبه، تخرج في بساطة، تنطلق في سهولة هذه المرة، أسهل من أي مرة، أسهل وأسرع من ترنيم المطر، أسهل ألف مرة من كل ذلك المطر)) . مقالي عنها في موقع الرواية
القصة كانت جميلة ممتعة وهادئة وأسلوب الكتابة جذاب وسلس، لكن الخاتمة التي ختمت فيه الحكاية لم تعجبني وهناك أجزاء لم أفهمها (مثل من هو سلامة ومن هو مصطفى الدرش ابن من؟)، كانت الأحداث تمشي إلى مسار جيد إلى أن أخذنا جميعا الصدمة، وكانت صدمة وفضيحة كبيرة.
لكن أما عن الحوارات والشخصيات، فشخصية الحاج زين الدين إبراهيم وتمسكه بالماضي وكأنه صورة أثرية وعقده التي عانى منها والأحداث الغامضة المتعلقة به وماضيه، ❞ وربما في حالته يمكن وصفُ النسيان بأنه أن تتذكر كلَّ شيء، كلَّ التفاصيل الصغيرة، لكنك لن تستطيع أبدًا أن تصِفها، ترى الصورة كاملةً، لكنك لا تملك حرفًا واحدًا تصفها به، وسرعان ما تتبخر الصور تاركةً فراغًا في ��أسك. ❝
أما عن زين الدين إسماعيل الذي واجهت قريبا مشاكل تشبه مشاكله، فلمست فيه نفسي وأعطاني بعض العزاء.
وهناك أيضا قصة أوديسيوس التي رافقتنا خلال القصة، كأنها أحيان نسقطها على زين الدين إبراهيم وعلى زين الدين إسماعيل وتطلعاته وحنينه لما هو مجهول، وللدرش مصطفى منصور الذي ساقته الأحلام إلى قدره المكتوب.
❞ شعر به كأنه يطرق وترًا أخيرًا في قلبه كان لا يزال متماسكًا، رأى أوديسيوس يحمل مدينته بين يديه لكنها تذوب وتتساقط من بين أصابعه مثل الرمال، وشعر مع صورته بحرارة خفيفة في عينيه، حرارة متماسكة ودافئة كأنها متدفقة من قلبه، ❝
طبعاً ولا أنسى محركة الخيوط والسراب الأسود والجسد الصغير أم حسين.
عموما نتخبط بين الحنين والعودة والأماكن القديمة والتغيير الذي يحدث حولنا بفعل الزمن وبفعل الأيام.
جدير بالذكر انه الرواية تنتقد الجهل الذي يحدث في الأرياف، وكيف تصدق السيدات الجاهلات ما يقال، لكن كان ممكن يعرضها على شخصية او شخصيتين مش يعمل فينا كلنا هذه الصدمة.
وهناك العديد من الأفكار في الكتاب وشخصيات اخرى لكن إلى هنا انتهي وانتهي مع الجملة التي كان يريد زين الدين إبراهيم أن يقولها لسلامة: ❞ البيت دا عمره ما هينسى يا ابني، البيوت هي الحارس لذكريات الناس بعد ربك سبحانه وتعالى ❝
❞ فهذه الجملة لا بد أن تبقى كما لا بد للبيت أن يبقى. ❝
أظن التقييم القليل بسبب النهاية غير ذلك كانت رواية جيدة.
#أول_دروب_العودة_-_آخر_دروب_الحنين
قصة جانبية حول قراءتي للكتاب: خلال تجولي العادي على تطبيق أبجد ضمن هدف وضعته لنفسي هو القراءة أكثر للكتاب العرب وتحسين علاقتي القرائية معهم، وقعت على هذه الرواية. والمفاجأة الشديدة عندما اكتشف انه الرواية تحدث في أشمون، لأول فترة قعدت معتقدة أنه هذا المكان أكيد في مكان آخر غير أشمون التي أعرفها، ولكن طلعت فعلا أشمون الوحيدة التي أعرفها. (الدنيا هذه قرية صغيرة) بعيدا عن سعادتي بالمكان لكن مع جهلي بمنطقة النعناعية التي لم اسمع بها من قبل، ثم سمعت عن القصص التي يتناقلها الناس، منها أنها تأخذ في كل عام شخص.
لم أتخيل قط أن أحدا يجعل من أشمون حكاية، لا نكره أشمون ولا نكره الريف، لكننا نكره الفقر والجهل، لا نكره الأحلام والآمال المعلقة لكننا سئمنا الانتظار، ثمة حلم لو تحقق سيغير مجرى الحياة في هذا البلد الكئيب. يُخيّل للبعض أنه خالٍ من الأحلام، وأن الحياة متوقفة، لكن ما باليد حيلة، فقط نحلم … في كل بيت على الأقل ثمة حلم لم يتحقق، وتتزايد بتتابع الأجيال حتى نصل لكومة من الأحلام المعلقة منتظرة قطار الأحلام لينقلها لوجهتها، لكنه قلما يأتي في موعده، دائمًا يأتي متأخرًا أو لا يأتي، وإن جاء دَهس أحلامنا تحت عجلاته . هذا البلد المسكين ذاق الذل شبابه، دُهست أحلامهم تحت عجلات القطار، منهم من دُهس-بنفسه- تحت عجلاته بحثا عن الحلم، شهيد في سبيل الحلم . ما بتستناش يا قطر اللي مجاش يا قطر ولا فيك مكان يركب حد ببلاش وأهو فات معاك العمر سِكّتنا خير أو شر أخرتها إيه أرجوك ما تقولناش لا تنس أن الزمن دائما أعمى دار يا دار يا دار يا دار قوليلي يا دار راحوا فين حبايب الدار؟ غطاهم نسيم الزمان والماضي .. لطالما عرفنا أن آفة المصريين النسيان أو البشر بشكل عام، ننسى في ظل سحلة الحياة والبحث عن الأحلام، ننسى لكن المكان لا ينسى، معلّلا بذلك سبب تذكرنا للحضارة المصرية العظيمة، لا لأننا لا ننسى، بل لأن جدران الأهرامات لا زالت شامخة، وجدران المعابد لا زالت تحكي لتخبرنا عن تاريخ أجدادنا، كذلك تبقى البيوت كما هي للأبد -إن لم تُهدم- شاهدة على أن هذا المكان احتوى أشخاصا ذوي ذكريات وأحلام- معظمها لم يتحقق- تحكيها للأجيال الأخرى. فالعالم مجرد حكاية يحكيها جدار ما في زمان ما لأشخاص منسيين .. عن المفقود عندما يعود بعد فوات الأوان وانقضاء الزمان، عن حنين العودة للوطن، وعن مقت الغربة، عن معاناة الحياة، ومقتها أحيانا، عن الجهل والاشمئزاز من الغارقين فيه، عن الأحلام المعلقة التي لم تتحقق أبدا، عن لهفة البدايات، وحرقة النهايات، عن الحب، عن الجفاف العاطفي السرمدي، عن ولَه أول لقاء ، عن قصص الحب التي لم تكتمل أبدا، عن ترعة النعناعية حيث الأصدقاء، من مات غرقا ومن مات منتحرا. أبحث في السماء عن حياة عن الحنين والذكريات عن ألطاف الله أو عن نور في المدى نفس الدمعة اللي في عيني نفس السكة اللي أنا بمشيها نفس الحنين سنين وياه نسيني زماني نسيني وأقول الآه وأروح لبعيد غريب في بلاد الله تسرق عمري الحياة غارق في نهر الحنين والذكريات وما لنا سواك يا الله سبحان من جدد الصبر والحنين في قلوبنا الحنين في قلوبنا منذ بداية الخلق، منذ أن خرج آدم من الجنة وهو توّاق إلى العودة للوطن "الجنة"، عن العودة للوطن أتحدث، تركته برغبتك أو رغما عنك، حين تشتاق لحنينه ودفء جدرانه فتعود، فتجد الضيوف أصبحوا أصحاب المكان، لن يهتم بك أحد، فقط ستسمع: عد من حيث جئت... فقط لَحْدك المكان الوحيد الذي سيرحب بك، سيحتضنك كاحتضان طفلة لعروستها. ---- طلعت فوق السطوح أنده على طيري... لقيت طيري بيشرب من إناء غيري زعقت بعزم ما بي، وقولت يا طيري!...قالي زمانك مضى دور على غيري ---- وما الحياة إلا بشر جياع يسدون جوعهم بالذكريات والحنين. الذكريات تارة وتارة، تارة نهرب منها بالواقع، وتارة نهرب من الواقع بها .. مر الزمان واشتعل الرأس شيبا ولا زال المفقود لم يهتد السبيل، والغائب لم يأت، الأحلام لم تتحقق، حتى الديار التي تشهد على أحداث الماضي منها الذي هُدم ومنها الذي تغيرت ملامحه وتجددت جدرانه ومُحِيَ معها الماضي، إذا من ذا الذي يتذكر؟ يتلاشى كل شيء، الناس والأحلام والآمال والأحزان، وتبقى الجدران محتفظة بالذكرى، تحلم باليوم الذي يمكنها فيه النطق- مثل حجر محمد- لتقول كان هناك حلم بين جدراني لم يتحقق يزول كل شيء وتبقى الجدران .. لكن السؤال... ماذا لو هُدمت الجدران؟ ستبقى الأنقاض .. أقصد الأحلام... لا أنكر أنني انتظرت حين قال بأن له رواية في طريقها للنشر، اسم الرواية "أول دروب العودة آخر دروب الحنين" العودة والحنين! لطالما ربطت بينهما في مخيلتي، أربط بينهما لأن -غالبا- الحنين يتبعه العودة. لاحظت تردده وخيفته قبل نشر الرواية، قال أنه يريد التراجع ! بالله إذا تراجعت فمن يتقدم يا سيد شكري! لم يحدث أننا تقابلنا، لكن كلانا من هذا البلد الكئيب، تجمعنا أشمون ومحطة القطار، يجمعنا نفس المكان، جميعُنا من النهر نفسِه، نتبع التيارَ نفسَه، وحولنا الضفاف الخضراء واللبلاب المتسلق، جميعنا صورٌ ومصائرُ كُتِبت وشُبكت في شِباك الصيادين، وفي قاع المياه قُذفَت للمصير. لم أشعر أبدا بأن هذا هو أول عمل أدبي له، لا أدري كيف أكتب عن جمال قلمه ومخيلته ودقة ذكره لأصغر التفاصيل، لن تشعر أنه من هذا الجيل... صدقني! لم أعتد يوما أن أجد في صديق موهبة خالصة، سواء في الرسم أو الغناء أو العزف أو الكتابة، توجد الموهبة لكنه يفتقد للحرفة، يفتقد للجودة، لكني وجدت الرفيق شكري يجمع بين الموهبة والحرفة والجودة .. هو لا يدرك قيمة قلمه الرفيق شكري سلامة شكري - أول دروب العودة آخر دروب الحنين
قبل أن اقرأ الرواية كانت تتملكني الشكوك لم تكن لدي كل الثقة في العمل المكتوب ولا بشكري نفسه، مع أول فصل في الرواية كان لدي شعور أنها التجربة الألف لشكري وحتي الان لا أصدق انها اول تجربة. مع أول دروب العودة.. اخر دروب الحنين ومع اول فصل قتلني الحنين الي الماضي وشعرت بروحي وسط الدروايش اهذي ، لم تكن مجرد قراءة اخذتني الكلمات معها الي شوارع اشمون اصبحت اشمون في عيني مكان عتيق أقدم من الكون ذاته ومن النعناعية بدأ كل شئ وإليها سينتهي.
هل الواقع هو الواقع فعلا ؟ ... يعني ذكرياتنا و رؤيتنا للأشياء هي فعلا اللي حصل و اللي بيحصل من حوالينا ؟ الآمال و الأحلام القديمة اللي ماتت... لم تختفِ ، انما في انتظار جنازة تليق بها ، و كلما طال الانتظار .... ازدادت مشاهد الجنازة ألماً .
المدن كمان بتموت زي البشر و احلامهم ، بتموت لما اهلها بيتخلوا عنها و عن ذكرياتهم فيها ، لكن بعض المدن تأبى الموت دون انتقام ... و النعناعية تعرف الانتقام .
و لكن حتى الذين عادوا.... للذكرى او للأوطان ، دائما في انتظارهم خيبة أمل و احباط عظيم يوازي مشقة الانتظار و العودة ، لسبب بسيط جدا ، لأن الواقع ليس الواقع... الواقع هو ما نتذكره عنه .
و اه معاك حق .... انا مقولتش ايه هي قصة الرواية و حكايتها ، مقولتلكش على شخصيات ولا احداث ، لانها حكاية مدينة... و المدن بتحب تحكي حكاياتها بنفسها و تحب اللي يسمعها .
في النهاية... حابب اقول ان الرواية دي جميلة بشكل مدهش ، و بما اني من محبين الميثولوجيا الاغريقية فا ربط سيرة المدينة ب قصة اوديسيوس كان بالنسبالي حاجة خطفتني من اول لحظة و كانت موفقة جدا جدا ، بالإضافة للغة بسيطة و ساحرة.... و حبكة متماسكة قدرت تديلنا رحلة ممتعة و مثيرة بين ديار النعناعية .
كل الشكر ل شكري سلامة الفنان ... انا من اكبر المعجبين من دلوقتي 🖤🖤🖤
النعناعية ليست إيثاكا ستقرأ نصا جميلا ملهما للتأمل ومثيرا للمشاعر ومحملا بكثافة أسلوبية يتضافر فيها الشعري والدرامي، وستقرأ معه بالتوازي والتقاطع والمغايرة أسطورة أدويسيوس العائد إلى مدينته يحل في شخصيتين الأولى تستغني عن العالم بالكلمات ولا تعرف حبيبا في زحام الميادين والشوارع فتكتفي من اللعبة بالإياب خاوية الوفاض، والثانية تطمح في الحصول من العالم على ما حرمها منه يدفعها أمل لا يستند إلى يقين، فتجرفها الرحلة إلى موطنها الذي لا يعرفها ولا تعرفه، وتنال منها الأكاديب، فتغوص غرقا في تيار ليلة عاصفة، الافتتاح والختام صنعا إطارا شعريا رائعا للسردية الدرامية، وروح القاص تمنحك قصصا قصيرة عالية الإيقاع داخل الخطاب الروائي، في النهاية تعجل المؤلف فترك حمولته سريعا كأنه ذاهب ليلحق بوداع الغريق الغريب، لو تمهل قليلا وحافظ على الإيقاع لكانت الخيوط الرابطة بين الأحداث أكثر وضوحا وتماسكا، لكنها بلاشك عمل رائع لايكتبه سوى موهوب وقارئه سيستمتع كثيرا، وسيحتفظ بأسماء زين الدين ومصطفى الدرش وهانم وفاطمة وأم حسين القديمة التي ترسم الخطا لنبوءات مخترعة، وتبقى فكرة محورية هي كلهم أبناؤهم وشقاؤهم عار على الجميع، فانظر إلى الكل ولا ينحصر فكرك في طريق تتوهمه، ربما كان الطريق الذي لا تتوقعه يحمل أثرك دون أن تدري، والعالم باتساعه محض فنجان قهوة في اتساعه وطعمه ومرارته وبقايا خطوط عالقة في عين مغلقة تسقط ما في نفسها وأمنياتها ورغباتها على من الآخر الذي مازال فنجانه بعيدا لم يمسه أحد، ولم ينطق بمشاعره أحد، ولم يعرف متى يتحقق أمله الأخير، ولن يعرف ماذا جرى بعد أن يسقط الفنجان شظايا في عتمات ركام الأطلال التي يحتضنها المكان ولا يستنطقها سوى الإبداع بكل ما فيه من حدس وخيال يأتنس بقليل من المعرفة وكثير من الوهم، لو التمسنا بنية بلاغية لقراءة الرواية سنجد التقديم والتأخير في ترتيب الأحداث سمة محورية، والتوازي في حكاية مسار الشخصيات ومصائرها، فلا يظن المتلقي أن الرواية ستمنحه ما فيها من حكايات بيسر إنما بالمتابعة والوقفات وإعادة البناء طوال فعل القراءة الذي سيزداد متعة بالتأمل الذهني مع الاسترسال في الاستجابة للخط التشويقي، كلاهما له ابن غريب، واحد غريب بين المحطات والأرصفة، والثاني غريب بين السطور، ومع أنهما يلتقيان في لحظة يجري بها قطار العمر، فلن يعرفا أبدا أن مصيرهما كان مرتبطا وأن ميراثهما أصبح واحدا، لتكون أسرة بلا سند متروكة بلا مال أو عقار، وروح معذبه بالفقد لا تدري أنها ورثت ما ليس لها
رواية تجذبك في بدايتها وتشعرِکُ بأنها عميقة وفلسفية لدرجة بعيدةٍ ، وتظلُّ تنهل منها لعلگ تصل إلى لبِّ الفكرة ، ولكنگ قرب نهايتها تجد الكثير من الألفاظ البشعة والكلمات المبتذلة وكل ما تأنف النفس السوية سماعه بالإضافة لسبِّ الدين ، كنت لوهلةٍ سأقول أنّ اللجوء للمقام مجرد وصفٍ من الكاتب لحال بعض الناس وطلب الشفاعة من الرسول كذلك لكن أن يتلفَّظَ بسبِّ الدين بشكلٍ مباشرٍ ووصف بعض الأحداثِ التي تخدش الحياءِ ، فهذا يجعلني أعطي الرواية نجمة واحدةً وأعتقد أنها لا تستحقُّها أيضًا ...