ولد حسين مؤنس في مدينة السويس، ونشأ في أسرة كريمة، وتعهده أبوه بالتربية والتعليم، فشب محبًا للعلم، مفطورًا على التفوق والصدارة، حتى إذا نال الشهادة الثانوية في التاسعة عشرة من عمره جذبته إليها كلية الآداب بمن كان فيها من أعلام النهضة الأدبية والفكرية، والتحق بقسم التاريخ، ولفت بجده ودأبه في البحث أساتذته، وتخرج سنة (1352هـ= 1934م) متفوقًا على أقرانه وزملائه، ولم يعين حسين مؤنس بعد تخرجه في الكلية؛ لأنها لم تكن قد أخذت بعد بنظام المعيدين، فعمل مترجمًا عن الفرنسية ببنك التسليف، واشترك في هذه الفترة مع جماعة من زملائه في تأليف لجنة أطلقوا عليها "لجنة الجامعيين لنشر العلم" وعزمت اللجنة على نشر بعض ذخائر الفكر الإنساني، فترجمت كتاب " تراث الإسلام" الذي وضعه مجموعة من المستشرقين، وكان نصيب حسين مؤنس ترجمة الفصل الخاص بإسبانيا والبرتغال، ونشر في هذه الفترة أول مؤلفاته التاريخية وهو كتاب "الشرق الإسلامي في العصر الحديث" عرض فيه لتاريخ العالم الإسلامي من القرن السابع عشر الميلادي إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى، ثم حصل على درجة الماجستير برسالة عنوانها "فتح العرب للمغرب" سنة (1355هـ= 1937م).
عين حسين مؤنس بعد حصوله على الماجستير في الجامعة، ثم لم يلبث أن ابتعث إلى فرنسا لاستكمال دراسته العليا، فالتحق بجامعة باريس، وحصل منها سنة (1356هـ= 1938م) على دبلوم دراسات العصور الوسطى، وفي السنة التالية، حصل على دبلوم في الدراسات التاريخية من مدرسة الدراسات العليا، ثم حيل بينه وبين إكمال دراسته نشوب الحرب العالمية الثانية، فغادر فرنسا إلى سويسرا، وأكمل دراسته في جامعة زيوريخ، ونجح في الحصول على درجة الدكتوراه في التاريخ سنة (1361هـ= 1943م) وعين مدرسًا بها في معهد الأبحاث الخارجية الذي كان يتبع الجامعة.
لما انتهت الحرب العالمية الثانية ووضعت أوزارها عاد إلى مصر سنة (1364هـ= 1945م) وعين مدرسًا بقسم التاريخ بكلية الآداب، وأخذ يرقى في وظائفه العلمية حتى عين أستاذًا للتاريخ الإسلامي في سنة (1373هـ= 1954م).
إلى جانب عمله بالجامعة انتدبته وزارة التربية والتعليم سنة (1374هـ= 1955م)؛ ليتولى إدارة الثقافة بها، وكانت إدارة كبيرة تتبعها إدارات مختلفة للنشر والترجمة والتعاون العربي، والعلاقات الثقافية الخارجية، فنهض بهذه الإدارة، وبث فيها حركة ونشاطًا، وشرع في إنشاء مشروع ثقافي، عرف بمشروع "الألف كتاب"، ليزود طلاب المعرفة بما ينفعهم ويجعلهم يواكبون الحضارة، وكانت الكتب التي تنشر بعضها مترجم عن لغات أجنبية، وبعضها الآخر مؤلف وتباع بأسعار زهيدة.
مقالات اجتماعية خصيبة، وكان يكفي كثيرًا قراءة مقالة واحدة في القراءة الواحدة، بسبب شعور الامتلاء الذي يأتي عقب كل مقالة، وقد قمت حقًا بإغراء أحد زملائي في العمل على قراءة مقال منه، وفعل ثم لم يستطع – مع اندماجه البالغ في سطور المقال الذي قرأه حتى أنهاه – أن يجاوزه لغيره من المقالات، وكان لسان حاله يقول وهو يرجع لي الكتاب: لقد أُتخمت من هذه الوجبة الدسمة فعذرًا!
وهي مقالات اجتماعية في المجتمع المصري، اختارتها ابنته من مقالاته في مجلة أكتوبر، من الفترة بين 1986 إلى 1992، ويصعب حصر مواضيعها، ولكن هذا الكتاب كصندوق الكبريت السحري في يدي الساحر، إنْ فتحه شخص سلبي الأفكار فسيجد بها غايته من ذمّ للدولة والنظام والناس، وإن فتحه شخص إيجابي الأفكار فسيجد بها غايته من إطراء بالغ الثناء على شخص الرئيس، وشكر في بعض الوزراء وعذر البعض الآخر، وسيجد كلامًا كثيرًا جميلاً عن الشخصية المصرية وطموحها وإصرارها ونجاحها.
ثم إن سمعَ السلبي رأي الإيجابي فلن يصدّق أذنيه، وسيعاود قراءة الكتاب، وسيطمئن عندما يجد التشاؤم والظروف السيئة ملء الكتاب، كما هي، والشتم للمسؤولين والموظفين اللصوص الجشعين وراء المكاتب، وسيبتسم قريرًا، وستجعل هذه الابتسامة الشخص الإيجابي يتشكّك في نفسه من الكتاب الذي كان يقرأه، فيعاود هو تناوله ويقرأه ثانية، فيجد التفاؤل ملء الصفحات، كما هو، والقصص الناجحة تطلّ ما بين كل صفحة وأخرى، والمصانع والمستشفيات المصرية ذات الأداء العالمي المشرف مبثوثة في كل ناحية، ويجد نفس الرأي الحميد المتكرر في شخصية الرئيس والصفات الطيبة فيه وفي عصره .. فلا يفهم لماذا أعجب الشخص السلبي بهذا الكتاب بهذا الشكل الغريب! .. في حين أن السلبي في تلك اللحظة كان لا يفهم أيضًا لماذا أعجب الإيجابي به؟!
ولكن هذا هو الوضع الصحيح، التوسّط، وهذا ما كان عليه د. حسين مؤنس - ودون أن يناقض نفسه قط- نقد أليم وتفاؤل عظيم يقوم على أساس استقصائي ثابت لما هو موجود بالفعل، لا في علم الغيب، ومَن لا ينصف خصمه لا ينصف نفسه، وهذا الشخص الذي يعارض طوال الوقت ولا يرى إلا السلبيات في كل ناحية تحيط به، ومن المحال في نفسه أن يشكر ولو لمرة واحدة -–عن حق -–تصرّف سليم من مسؤول في الدولة، وإن اضطرّ لذلك فهو يبرطم ويغمغم ويدفن ثناءه وسط أكوام من الانتقادات السابقة التي يراها أنها لم تُحلّ، أو يقلّل من هذا التصرّف السليم .. هو شخص سلبيّ بالطبع والتطبّع، ولا يُرجى معه علاج، ومثله، أو أسوأ منه، هذا الشخص الذي يتزلّف دائمًا للدولة وقراراتها، وقبل أن يتم سماع أو قراءة قرارها الجديد يكون قد أعدّ التمجيد له أو العذر لأجله في باله، وكأن واقع حاله هو الدفاع عن واقع الحال والسلام، فهذا شخص معطل لملكة تفكيره، على أن كلا الشخصين غير أسوياء.
مقالات إجتماعية تشرح المجتمع المصري وتصف طبقاته وتقف على المساوئ وتفرض حلولا، وجب أن يسمع ويؤخذ بوصايا رائد علم الإجتماع في مصر الدكتور حسين مؤنس العظيم.