منابت الريح هو العنوان الذي أختاره الفاخري للقصة التي أنجزها قبل أسبوع واحد من رحيله وهي منشورة بالفصل الثاني من هذا العمل. رأيت أن منابت الريح عنوان مناسب لهذا الكتاب الذي يتناول فصلة الأول سيرته الأدبية والفصل الثاني يضم أعماله التي لم تنشر أما الفصل الثالث فيحوي صورا متنوعة ومخطوطات لبعض رسائله وبعض أعماله.
دخلت مكتبة واشتريت مجموعة من الكتب من بينها رواية صغيرة زهيدة الثمن لكاتب ليبي، ورغم ثمنها البخس(3دينارات) كنت مترددا في أخذها لسوابق لي مع كتاب ليبيين آخرين جعلوني أعتقد أنه من غير إبراهيم الكوني ﻻ يوجد بينهم من يكتب روايات ممتعة وجيدة السبك-واستثني بعض العناوين التي نالت جوائز مؤخرا-إلى أن قرأت رواية الثلاثة دينارات والتي كان عنوانها الرائع "وشم على جدار العين" في 142 صفحة من السرد الحكائي اﻷصيل والممتع، وأرجو أن ينزلها أحد اﻷصدقاء الليبيين خصوصا من بنغازي مدينة المؤلف والتي إن فعلوا سأعطيها 3/5 إن استحضرت بعض المؤاخذات البسيطة أو 4/5 بكل رضا وتغاض أو 3.5/5 وهو أقرب التقييمات للعدل، وعجيب كيف تبز رواية 3 دينارات روايات 30 دينارا! لو شارك بها في مسابقات ﻻستحقت في رأيي الدخول ضمن قوائمها القصيرة أو الطويلة على اﻷقل..اﻵن أستطيع أن أقول أن الكتاب الليبيين مبخوس حقهم عربيا
"منابت الريح" من أهم ما قرأت في حياتي.. كنز أدبي استثنائي عرض فيه "محمد عقيلة العمامي" السيرةَ الأدبية للراحل "خليفة الفاخري"/ (جنقي).. كتب العمامي عن "جنقي" الإنسان.. "جنقي" ابن "سوق الحشيش" و"سيدي حسين".. "جنقي" الفنان الصوفي المتأمل الذي ينحت الحروف من القلب ويغمسها في الوجع.
ضم الكتاب نصوصا لم تُنشر في حياته منها "منابت الريح".. وضم مراسلاته مع "صادق النيهوم" و"عبد الوهاب البياتي" وأصدقائه.. وأنا أعتبر رسالة "النيهوم" من القاهرة إلى "الفاخري" سنة 1965 من أروع ما قرأت في أدب الترسّل..
في 6 يونيو 2001 أغمض "جنقي" الطيب جفنيه إلى الأبد.. رحل جنقي الذي تهكم على الفقر والوجع وعلى نفسه.. رحل جنقي الذي كان "يقتات على أخطاء الآخرين؛ لأنه - كما يقولُ - مصحح لُغوي".. رحل وترك رؤية ثاقبة عن السرد الحديث المغشوش بالشعر وخربشة بقلم أحمر على مظروف أصفر قبيل وفاته:
"الشمس هي الشمس حتى وإن كان نصيبك منها بضعة شعاعات.. مجرد خيوط مشبعة بذرات الغبار.. والريح هي الريح حتى وإن تسللت إليك عبر النافذة مثل سارق.. والليل هو الليل.. مجرد كائن مملوء بالأساطير والخرافات والذكريات، وبعض الأماني. إنك لا تملك سوى أن تكون ذاتك.. أن تكون أنت.. أما غير ذلك فباطل.. باطل وحق الله. ...... أريد قلما وحُزمة أوراق..."
مشاعر دافئة تربطني بهذا الكتاب .. لأسباب عدّة .. الحديث عن بنغازي وحده وقتئذ يُثير الشجون .. علاقته بأصدقائه جميلة, كنت أستمتع بها جداً بالّذات عندما يتمّ ذكر صادق النيهوم .. مشاعر الحبّ في رسائله جعلتني أبتسم كثيراً الفاخري هو كاتب محليّ ليبي, ربما لم ينل شهرة واسعة على النطاق العربيّ .. ولكنه معروف محلياً, وهو يكون صديق مقرب للمفكر صادق النيهوم هذه سيرته, سيرة برغم بساطتها رائعة .. وجدتُ نفسي في العديد من الأسطر, ودائماً ..الحديث عن بنغازي يُشعرني بالحنين!
يقول العمامي في "منابت الريح "عن رحيل الأديب خليفة الفاخري" اتصلت بكل أصدقائه فجاؤوا وظلّوا طوال ثلاثة أيام مع عشرات آخرين طوال الليل والنّهار أمام المستشفى إلى أن رحل عند ميقات صلاة مغرب يوم 6/6/ 2001 أحد العاملين بالمستشفى قال لي: أنا لم أر حشداً أمام هذا المستشفى من أجل مريض إلاّ هذا الشخص الذي لا أعرف عنّه إلاّ اسمه ..خليفة الفاخري ..ماذا يعمل ..؟! -يبيع الريح للمراكب .."أجابه الشاعر "خليفة فرج " الذي كان بجواري .." ...❤️ رحم الله الفاخري والنيّهوم .. وشكراً للعمامي على كتابه هذا شكراً لهذا التوثيق وهذه الروعة ...استعرته من صديقة افتراضيّة منذ سنة وبقى عندي فترة طويلة ..كان أجمل ما استعرت وتمنّيت أنّي لو أحصل على نسخة منّه لي.. ولكن يوماً ما .. خمس نجمات وأكثر بكثير ❤️