قدم العالم وتسلسل الحوادث بين شيخ الإسلام ابن تيمية والفلاسفة مع بيان من أخطأ في المسألة من السابقين والمعاصرين.
راجعه وقدم له فضيلة الشيخ الدكتور سفر الحوالي، وطبع في دار أسامة في الأردن.
والكتاب يحتوي على مسألة بالغة في الأهمية وهي من أخطر مسائل الاعتقاد حيث اشتبهت والتبست على أكابر النظار في جميع الأعصار، فجاء شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ووضحا المسألة وبينّا ظلال المخالفين للرسل وللأئمة المسلمين.
قال الإمام ابن القيم في نونيته:
هذي نهايات لإقدام الورى *** في ذا المقام الضيق الأعطان فمن الذي يأتي بفتح بيـــن *** ينجي الورى من غمرة الحيرانِ فالله يجزيه الذي هو أهــله *** من جنــة المأوى مع الرضـوان
كاملة بنت محمد بن جاسم بن علي آل جهام الكواري درست المراحل التعليمة في مدارس قطر، وتخرجت في كلية الشريعة تعمل باحثة شرعية في وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية
اختارت من طرق الحياة النافعة بعد حفظ كتاب الله عز وجل طريق العلم الشرعي، وذلك لما للعلم من مقام عظيم عند الله تعالى، فأهل العلم هم ورثة الأنبياء، وفضل العالم على العابد كما بين السماء والأرض.
أذكر مرةً أني قرأت في مقال للشيخ ابن عقيل الظاهري الله يمتعه بالصحة والعافية، يتحدث عن القدم والحدوث وأمور أخرى حولها، فذكر في ثنايا مثاله أن لابن تيمية قولٌ مشكل حول تسلسل الحوادث إلى مالا نهاية، ولم يعالج القول أن يفصل فيه بسبب الطابع الإجمالي للكتابة المقالية التي لا تحتمل التدقيق والتحقيق في كل قول، وقرأت كذلك قولٌ لبعض نقّاد ابن تيمية أو بالأحرى المشنعين عليه الذين جعلوا من هذه المقولة باباً يلجون منه إلى الطعن في عقيدة شيخ الإسلام.
جاء الكتاب متناولاً هذه المقولة وجاعلاً إياها مركز بحثه لتثبت الباحثة من خلال تقصيها واستيعابها الحسن لفكر ابن تيمية أن نقاده أصلاً لم يفهموا هذه المقولة، وأن ابن تيمية لم يكن يقول بقدم هذا العالم كما كان بعض الفلاسفة ولم يطلق الحدوث كما فعل المتكلمون، بل زاد في ذلك بأن قسّم القدم إلى نوعين: قدم نوعي وقدم عيني، فهو يثبت الأول وينفي الثاني .. وحجته في ذلك أن الله عز وجل جاز أن يحدث هذه الحوادث قبل اللحظة التي حدثت فيها إلى وقت سابق غير معلوم يشاءه وهو لا يقول بالإمتناع كما فعل الجهمية والأشاعرة، فما دام جاز ذاك عنده فالحوادث عندئذٍ تكون قديمةٌ بنوعها حادثةٌ بعينها.
ما عاب على الكتاب ضعف التحرير فيه، حيث اختلطت بعض المقولات بالمنقولات فصعب التمييز، لكن إذا نظرنا أنه كان يوزع مجاناً فنلتمس بذلك العذر لمؤلفته جزاها الله عنّا خيراً. والحقيقة أن القارئ يلمس استيعاباً كبيراً للمؤلفة لموضوع بحثها من خلال ايرادها للحجج والبراهين بلغة سلسة وسهلة لا تشبه بها غثاثة لغة المتكلمين.
عندما جاء ابن تيمية لمسألة الخلق كصفة لله فكان موقفه بأن الله يخلق وكان يخلق منذ القدم وأن جنس المخلوقات أزلي ولكن الأفراد من المخلوقات مثلي و مثلك ومثل هذه الكلمات حادث جديد في وقته . وكان يعتقد بقوله هذا ردا ونافيا لقول الأشاعرة بأن المخلوقات جنسها ونوعها حادث لأنه يرى في هذا تعطيلا لصفة الخلق ولا يجوز تعطيل شيء من صفات الله . عارض بقوله هذا كثيرا من علماء أهل الكلام وكان القول هذا غريبا حتى لكثير من أتباعه لاحقا من السلفيين حيث أنه يرى بأن المخلوقات لا أول لها وليس أول ما خلق الله القلم كما ذكر في الحديث . تتناول الدكتورة كاملة الكواري في هذا البحث هذه المسألة وتدافع عن قول ابن تيمية وتقارن بينه وبين أقوال الفرق المعارضة وتشرح فيها موقفه بالحجج المنطقية مظهرة لبراعة ابن تيمية في المنطق وعلم الكلام
الكتاب جيد جدا لفهم مسالة بداية الخلق وأولية صفات الله. يصعب على العقل البشري تصور اللا نهائية او التسلسل في الزمن الماضي ولكن الكتاب يقرب المسألة جدا.