هذا الكتاب من أهم الكتب حول نظريات الاتصال يحيل مفهوم الاتصال على دلالات عديدة، وهو ليس بالأمر الجديد. إلا أن تكاثر التكنولوجيات الحديثة واتساع دائرة الممارسات الإعلامية واكتسابها شرعية لم يعد يجادل فيها الكثيرون، قد ألحق بالمفهوم أبعاداً جديدة أضيفت إلى ما هو موجود من رؤى، حيث جعلت من الاتصال قيمة محورية لمجتمعاتنا، خاصة ونحن في بداية الألفية الثالثة. ويعتبر الاتصال من العلوم القليلة التي تتكثف وتتقاطع فيها مجموعة من العلوم، إذ يعتبر علماً، ملتقى للكثير من التخصصات العلمية. فقد أثارت سيرورات الاتصال اهتمام الكثير من العلوم المتنوعة، ابتداء بالفلسفة، والتاريخ، والجغرافيا وعلم النفس، والسوسيولوجيا والإثنولوجيا، والاقتصاد، مروراً بالعلوم السياسية وعلم الأحياء، وصولاً إلى السيبرنيطيقا (علم التوجيه والتحكم الآلي) والعلوم الإدراكية. وقد شكل هذا الحضور للتخصصات الأخرى، داخل الاتصال، وهو يؤسس لحقله المعرفي الخاص داخل فضاء العلوم الاجتماعية، أحد المداخل الأساسية للتساؤل عن شرعية العلمية، كعلم قائم بذاته، وهو ما جعله يبحث عن نماذج تضفي عليه الطابع العلمي، حيث تبنى رؤى علوم الطبيعة، وقام بتكييفها مع خصوصية الأكاديمية.
وفي هذا الإطار يأتي كتاب "تاريخ نظريات الاتصال" الذي يسعى إلى تعريف القارئ بالتعددية والانشطارات/التوزع التي يعرفها هذا الحقل المعرفي، الذي يتموقع، تاريخياً، بين الشبكات المادية وغير المادية، بين البيولوجي والاجتماعي، بين الطبيعة والثقافة، بين الدراسات الشاملة والمحدودة بين القرية والكرة الأرضية، بين الفاعل الاجتماعي والنسق الاجتماعي، بين الفرد والمجتمع، بين حرية الاختيار والحتميات الاجتماعية.
في هذا الكتاب يعتبر ماتلار أن المعرفة في الحقل الاجتماعي أصبحت متداخلة، بل عابرة للتخصصات، وأي اقتراب من موضوع نظريات الاتصال يجب أن ترفده حملة من الكفاءات في مجال السياسة، والسوسيوولجيا (علم الاجتماع)، والأنثروبولوجيا (علم الإناسة)، والسيميائية، وعلم النفس، واللسانيات، والفلسفة، والاقتصاد، السيبرنيطقيا (علم التوجيه والتحكم الآلي)، إلخ.. إن موضوع نظريات الاتصال يفرض على كل من يتناوله بالدراسة أن يستحضر البعد التاريخي. لكن أرمان ماتلار لم يتعامل مع التاريخ باعتباره رواية أو سرداً؛ بل تعاطى معه باعتباره مبصراً في حقل التأويل.
فبعد أن عرض أهم ما جاءت به مختلف نظريات الاتصال في هذا الكتاب، حاول إلقاء المزيد من الضوء على بروز بعض النظريات وتطورها من خلال سياقاتها التاريخية والاجتماعية والثقافية، وسعى إلى الكشف عن مرجعياتها وتجلياتها الفلسفية والفكرية، مدركاً أن كل نظرية تنبع من نموذج نظري جامع (Paradjgm) يلخص تصوراً فكرياً معيناً لمسألة الاتصال وصيروراتها خلال مرحلة تاريخية بعينها.
فهذا الكتاب يؤكد أن تواصل بعض نظريات الاتصال، وترابطها، نابعان من كونها قد خرجت من رحم فكري واحد، وأن الاختلاف بين بعض النظريات يعود إلى تباين النماذج النظرية التي استلهمتها والإشكاليات التي تسعى لمعالجتها.
يشير د.عبدالرحمن العزي في كتابه (دراسات في نظرية الاتصال) بأن أرضيةالإعلام ، أو خلفيته العلمية هي سيسولوجية، وهذا الكتاب يقدم بالضبط هذه الخلفية,,
هذا الكتاب تخصصي بحت، ويصلح لمتخصصين في المستوى المتوسط أو المتقدم، حيث إن دارسي الإعلام اعتادوا دراسة النظريات بشكل مقتطع من سياقه ، وهذا الكتاب يقدم السياق كاملاً، ويفترض أنك تعرف أصلاً ماهية هذه النظريات,, و أعتقد أنه من المهم أن يقرأه الطالب في المستويات المتوسطة والمتقدمة,, ..
الكتاب مقسم تقريباً بحسب البردايمات/ المدارس الإعلامية و إرتباطها بالنظرية الاجتماعية، والتي تتلخص في التالي: النظريات الإعلامية المرتبطة بنظريات البناء الاجتماعي، النظريات الإمبريقية، نظريات المعلومات، نظريات الصناعة الثقافية، نظريات الاقتصادي السياسي، و نظريات (الحياة اليومية)، ونظريات الشبكة وهيمنة الاتصال. في كل مدرسة يشرح المؤلف كيف نشأت، ومن أين استمدت مفاهيمها، و من هم أبرز علمائها و مفكريها، وما هي مؤلفاتهم، و الانتقادات التي وجهت لهم، وكيف أثرت على نشوء المدرسة التي تليها,, وهذا ما لاتجده في كتب الإعلام الأخرى، وهو ما يجعل هذا الكتاب مميزاً بحق! .. نجمة ناقصة ربما لصعوبة الكتاب، أو لثقله، و لعدم شرحه بشكل مبسط للنظريات الاجتماعية(هناك شيء ما مزعج فيه) ، مع أن الكتاب للطلاب كما يشير المؤلف في المقدمة,,