نبذة النيل والفرات: جاء القرآن الكريم حاوياً لأحكام الشريعة الإسلامية مبيناً لها أحسن ما يكون التبيين، وقد تلقفه الصحابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفهم والحفظ، فعملوا بأوامره وانتهوا عمّا نها عنه وكانوا يعودون إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ليبين لهم ما أشكل عليهم أو ما تعسر عليهم فهمه ، فكانت السنة المطهرة مؤكدة ومبنية وموضحة لكل ما ورد في القرآن من أحكام.
وما أن بعدت المسافة بين الناس وبين الصحابة وتابعيهم وتابعي التابعين، ومع دخول الأعاجم في الإسلام واتساع الدولة الإسلامية وشيوع الضعف في لغة العرب بما خالطها من لغات العجم ولهجاتهم، حتى شق الكثيرين من أبناء العروبة والإسلام أن يفهموا مقاصد الشرع ومعاني السور والآيات وأبح أمر إيضاح معاني القرآن وتفسيره ملقى على عاتق العلماء والفقهاء الذين حياهم الله من فضله ما جعلهم ورثة للأنبياء بحق فتصدوا لهذه المهمة بصدق وبهمة، فجاءت كتبهم مفسرة لكتاب الله العزيز مبينة لأحكامه.
وقد حفلت بعض هذه التفسيرات بالكثير من الإسرائيليات التي أقحمت على الإسلام وأخذها البعض على أنها حقيقة مسلمة لاجدال فيها. وقد عمد العلامة الشيخ محمد رشيد رضا إلى جمع ما تناثر هنا وهناك من دروس أستاذه الشيخ الإمام محمد عبده في التفسير فجمعها في التفسير المسمى بتفسير المنار وهو تفسير شامل جامع لصحيح المأثور وصريح المعقول، وازن مبين ما عليه المسلمون اليوم وبين متطلبات التشريع العظيمة التي جاء بها الكتاب المبين وقد راعى المؤلف في تفسيره هذا سهولة العبارة وطلاوتها ولم يثقل على القارئ بذكر المصطلحات والعبارات التي لا يدرك مععناها إلا المشتغلون بهذا الفن، وقد جعله في إثني عشر كتاباً بتفسير فاتحة القرآن الكريم مبيناً وجوه الإعجاز في آيات الله من حيث الأسلوب والبلاغة وبما فيه من علم الغيب، وسلامته من الإختلاف، موضحاً وجه دلالة القرآن على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد تولى السيد مصطفى رباب التعليق والتصحيح والإستدراك في بعض المواضيع، إكمالاً للفائدة وتحقيقاًللمطلوب.
محمد رشيد بن علي رضا ولد 27 جمادى الأولى 1282 هـ/23 سبتمبر 1865 في قرية "القلمون (لبنان)"، وهي قرية تقع على شاطئ البحر المتوسط من جبل لبنان وتبعد عن طرابلس الشام بنحو ثلاثة أميال، وتوفي بمصر في 23 جمادى الأولى 1354 هـ/22 أغسطس 1935م. من العلماء المسلمين البارزين وكانت حياته العريضة هذه مليئة بالأعمال في شتى المجالات وهو شخصيا له مكان في عدة بلدان فهو بغدادي الأصل ولكنه مولود في بلدة قرب طرابلس الشام وتعلم في طرابلس وكان في صباه متنسكا وكاتبا في بعض الصحف وناظما للشعر. وفي سنة 1897م رحل إلى القاهرة وهناك لقي الأستاذ محمد عبده فلزمه وتتلمذ على يديه وكان قد لقيه قبل ذلك في بيروت.
ولقد كان تأثير محمد عبده على محمد رشيد رضا كبيرا إذ تبع هذا الأخير المبادئ التي كان ينادي بها أستاذه وجمال الدين الأفغاني من قبله وهي تحكيم العقل في كثير من الأمور واعتبر رشيد رضا في فترة من الفترات امتدادا لهذين الرجلين اللذين حركا الأذهان بدعوتهما إلى التجديد واتباع سبل الحضارة التي سبقنا إليها الآخرون. كانت مجلة العروة الوثقى التي أصدرها الرجلان زاداً لصاحبنا، وظل في باله هذا العمل الثقافي المهم حتى إذا جاءت سنة 1898م أنشأ مجلة المنار. ومنذ ذلك الوقت صار يُسَمَّى صاحب المنار لأنها كانت توزع في أماكن عديدة من العالم الإسلامي حتى لقد كان لها مشتركون في الكويت يتابعون قراءتها، ثم تنتقل من يد إلى أخرى لكي يقرأها أكبر عدد ممكن من الناس.
أمضى محمد رشيد رضا حياته في مناصرة الإسلام وأهله، وفي نشر الوعي بين المسلمين، والتنبيه إلى المشكلات التي إن لم يقوموا بحلها فإنها سوف تتفاقم وتؤدي إلى اسوأ مما هم عليه في عصره. وكان يدعو إلى إنشاء جمعية إسلامية مركزها مكة المكرمة، يجرى من خلالها توحيد كلمة المسلمين، حتى يتمكنوا من الوقوف في وجوه أعدائهم، له من المؤلفات ما يقرب من الثلاثين كتابا أهمها سوى مجلة المنار، تفسير القرآن الكريم، والوحي المحمدي، وقد ألف عنه الأمير شكيب أرسلان كتابا تناول فيه سيرته وسماه: السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة وهو مطبوع ولكن الحصول عليه اليوم في غاية الصعوبة. ولم يكن من المستغرب أن تسبقه شهرته إلى الكويت بعد أن انتشر عنه ما يقوم به من أعمال لصالح الإسلام والمسلمين، وبعدما صارت مجلته (المنار) تصل إلى المشتركين فيها من الكويتيين فيعرفون عنه وعن وجهاده وتوجهاته الشيء الكثير.