ص14 أما الخمور فقد عرفها العرب وافتنّوا بها - في الجاهلية والإسلام - وذكر صاحب نهاية الأرب أن أنس بن مالك قال: "حرمت الخمر ولم يكن للعرب عيش أعجب منها وما حرم عليهم شئ أشد من الخمر" ولما أنزل التحريم امتنع العرب عن شربها. وكان شاربها يتستر في أمره، فإن ظهر حد، وبقي الأمر كذلك حتى جاءت الدولة الأموية فشربها بعض خلفائها، واشتهر بشربها الوليد ويزيد.. ولكن امرهم في شربها بقي يروح بين التستر والظهور ويحمل - دوما - على محمل الغرابة والاستهجان، حتى جاء الدور العباسي.
ص71 فصححي يا أسطورة هذا الموضع من الكتاب. فتقول الأسطورة: ولكنه أمتع ما في الكتاب.. فامض يا تاريخ لوجهتك وسامضي أنا، وسترى أينا الأقوى. إن حقائقك تعيش في أذهان بعض الناس. أما أوهامي ففي أذهان كل الناس. ولئن كان حكايتك في أذهان هذه الفئة من أصحابك عرضة للشك، ومظنة الارتياب، إن أوهامي في أذهان أصحابي فوق الشك وفوق كل ارتياب.
ص80 يا أهل مصر لقد غبتم بأجمعكم .. لما حوى قصب السبق المساميح أموالكم جمة والبخل عارضها .. والنيل مع جوده فيه التماسيح
ص113 فأبو نواس يشعر بنقصه في مجال الفخر بالعصبيات، ومركب النقص يجيز له إلى أبعد الحدود أن يتعالى على هذه العصبيات. ليس الأعاريب عند الله من أحد وما شرفتني كنية عربية.
ص116 يسهل على المنقب في شعر أي شاعر - مهما صلحت عقيدته واشتهر بتقواه - أن يقع له على أبيات تغمزه في عقيدته وتقواه. ويسهل على المنقب أيضا في شعر أي شاعر اشتهر بإلحاده أن يعثر له على أبيات تلحقه بذوي الكرامات. وأي شاعر اشتهر بالتقوى من العتاهي؟ وأي شاعر اشتهر بالإلحاد في العربية شهرة من أبي العلاء؟ ومرد ذلك - على ما أعتقد - هو أن الشاعر يترجم عن عواطفه أولا، وهذه العواطف تسكن وتثور، وترضى وتغضب، فتجئ بحالاتها هذه التي تيرجمها الشاعر شعرا، بما يحمل على الإيمان، وما يحمل على الجحود، وفي الشئ ونقيضه. وقد يكون الشاعر لم يقصد هذا كله، أو قصده في لحظة ولم يقصده في كل اللحظات. ويجي مؤرخو الأدب فيقول أحدهم آمن الرجل، ويقول غيره بل أغرق في الإلحاد، وكلهم يدلل على قولته بحديث لحظة ن تلكم اللحظات التي مرت بحياة ذلك الشاعر. وليس هذا هو الحق والصواب، وإنما الحق والصواب أن تمزج هذه اللحظات التي تكون حياة الشاعر، ثم يمزج معها حالة مزاجه، ويستخرج من هذا كله حديث الإيمان والجحود.
ص120 وحالة النواسي النفسية لم تكن لتساعده على زندقة مغرقة وكفر، ولكنها تساعده - أتم المساعدة - على التظرف بالاستهانة بألفاظ الدين.
ص121 وقد كان النواسي لا يشك في نفسه ولا ينكر منها إيمانها. وقد كان لا يحسب نفسه حتى من الخطاة. ونخن نصدق هذا - لا لأن النواسي يقوله، فقد يقوله على سبيل التقية ونفي الريبة - كما يزعم الجاحظ - بل لأنه يجري وفق طبعه ومزاجه.
ص124 وعاشقين التف خدهما .. فيجمعنا وإياها السير ولعل البيت الثاني للتصوير لا للحقيقة. فالحج والتوبة وشرب الخمر والفجور أشياء قريبة من طبيعة هذا الشاعر الذي تتحكم فيه العاطفة.
ص128 أما السجن فهو عقوبة إدارية كما نقول بلسان اليوم، أوقعها الخليفتان بهذا الشاعر بسبب السياسة. ومن أسباب السياسة ما لايجوز إطلاع الناس عليه. فلابد من انتحال أعذار، وخلق أسباب لتسويغ الموقف. وهكذا كان الشأن مع شاعرنا. فقد أخذ بالخمر والمجون والزندقة حتى ذاعت هذه الأسباب، وكادت تغطي على السبب الحقيقي.
أحد شعراء الدولة العباسية بالأخص عهد الرشيد والأمين له شعر في الخمريات واتُهم بالزندقه والمجون وحب الغلاميات كما كان شائع في عصره شعره في الخمر شديد المجون ولا يستحي منه فكان صادق فيما يرويه فلايستحي منه يقول الشافعى رحمه الله عليه "دخلت علي أبي نواس فقلت له ماأعددت لهذا اليوم ؟" فقال : تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك اعظما ويقال بانه صاحب الابيات الشهيره التي لولاها لما صلوا عليه يوم وفاته بسبب مجونه وابياته وزندقته : مولاي ان عظمت ذنوبي كثرة. فقد علمت بأن عفوك أعطم ان كان لايرجوك الا محسن. فبمن يلوذ ويستجير المجرم أدعوك ربي كما أمرت تضرعا فاذا رددت يدي من ذا يرحم مالي اليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم إني مسلم
رغم صغر حجم الكتاب وعدد صفحاته القليل الا أني أظنه عمل رائع جدا مال الكاتب الي الانجاز كثيرا أثناء عرضه لحياة أحد فحول الشعر والأدب في العصر العباسي لكن مجملا فالكتاب رائع جدا والسرد فيه الذي يقترب الي الأسلوب الروائي أحيانا كثيرة جميل.
ما يؤخذ علي الكتاب كثير بذل المؤلف جهداً بعاطفة تجاه شعر النواسي لالتماس الأعذار له في مجونه وزندقته ومما يؤخذ عليه ايمانه بأن ما ورد في كتب الادب علي تناقضه الجلي صحيحاً و هو سخف صارخ حيث ورد في الأغاني ما يناقض غيره من كتب الادب و اختلفت الرواية عن هذا وذاك ومما قد يؤخذ علي الكاتب عثرة لا اقدر علي غفرانها وهي اعتبار نهي العتاهي للنــؤاسي عن قول الشعر في الزهد ضرب من تقسيم ابواب الشعر بينهم و تناسي ان هذا قد يكون نوعاً من الحكمة عند العتاهي فقد كان يكره ان يقول النواسي في الزهد ما لا يفعل فيقول العامة عن الزاهدين يقولون ما لا يفعلون و قد كان في نفس ابي نواس تبجيلاً للعتاهي لا لشئ ربما الا لأنه كا يعرف انه لا يقدر علي مجاراة ابي العتاهية وهو الحاضر البديهة سريعة الرد فمعظم ما خط في وريقات الكتاب محاولات لالتماس الأعذار للنواسي وقد قالت العرب قبلاً آمن الشاعر و كفر شعره
كتاب صغير يروي سيرة أبي نواس بشكل يعمد إلى الاختصار كثيرًا، ويميل إلى الوصف الروائي أحيانًا، وأعجبني فيه حديثه عن "تعجّم" أو "عجمة" أبي نواس، لما نفى عنه تهمة سب العرب والتنقص من عاداتهم، والميل إلى العجم وتفضيلهم على العرب، وفيه انتهى المؤلف إلى أنا أبا نواس لم يقصد بذلك ولم يرده وشعره ينطق بعكس ذلك، وإنما كان القصد المقارنة بين الحضارة الحديثة في هذا العصر - بعامة - وبين البداوة، أو حتى بين العرب والأعراب، أو بين شاعر حضاري مجدد كأبي العتاهية وبين مَن لا يزال يرسف في أغلال أساليب وصياغة العصر الجاهلي