يضم هذا الكتابُ مجموعةً من المحاورات والمناظرات التي تصور ما كان يصطرع في الجو الأدبي والاجتماعي في النصف الأول من القرن العشرينَ من آراءٍ وأهواءٍ، وأحلامٍ وأوهامٍ، وحقائقَ وأباطيلَ، وفيها نقدٌ وتشريحٌ لآراءِ طائفةٍ من العلماء والأدباء.
ولد زكي مبارك في قرية سنتريس بمحافظة المنوفية في عام 1892، التحق بالأزهر عام 1908 وحصل على شهادة الأهلية منه عام 1916، وليسانس الآداب من الجامعة المصرية عام 1921، الدكتوراه في الآداب من الجامعة ذاتها عام 1924 ثم دبلوم الدراسات العليا في الآداب من مدرسة اللغات الشرقية، في باريس عام 1931 ثم الدكتوراه في الآداب من جامعة السوربون عام1937" زكي مبارك مجموعة من الدكاترة اجتمعت في شخص واحد ... إنه كشكول حي مبعثر بل مسرحية مختلطة ، فيها مشاهد شتى ، من مأساة وملهاة ومهزلة ، أو لكأنه برج بابل ، ملتقى النظائر والأضداد ...فهو أديب عربي قح ، ومفكر عروبي محض ، يملكه الإيمان بالعربية والغيرة على العروبة ، على الرغم من تحليقه في أفاق أخرى من الثقافة والتفكير ... ولعل زكي مبارك يباين الذين انصرفوا إلى اللغات الأجنبية ودراساتها في أنه لم يطلب بها علما وأدبا وإن اكتسب ما تيسر له من مناهج البحث وطرق التدريس ، فكأنما كان مبعوثا إلى فرنسا لأداء مهمة والاضطلاع بخدمة ، هي التعبير عن اعتزازه بأدب العروبة وحضارتها، وإقناع المستشرقين بطول الباع والقدرة على التخريج والإبداع ... والبحوث التي توفر عليها زكي مبارك متوج أهمها بشهادة الأعلام الجامعيين في مصر وفي فرنسا أولئك الذين أناله اعترافهم أعلى الإجازات الجامعية قدرا ... وشعر زكي مبارك يتميز باثنتين : فصاحة ودماثة ، فهو لين اللفظ والأسلوب متين النسج والقافية ، وفي معانيه العاطفية طراوة وعذوبة ، وليس يعوزه الطابع الموسيقي على الإيقاع العربي المتوارث ... وأحاديث زكي مبارك تكشف عن موهبة فيه هي موهبة المسامرة والمناقلة ...فأنت متنقل في حديثه الذي تقرؤه له بين نقدات ومعابثات ونوادر ، في غضونها استدراك فلسفي أو استطراد عاطفي أو تعليق نحوي أو شكوى شخصية وكأنك تستمع إلى مذياع يتنقل مفتاحه من تلقاء نفسه بين محطات الإرسال في شرق وغرب ... وأما مشاجراته القلمية فقد كان فيها مطواعا لفطرته منساقا معه الشيمة البدوية أو الريفية في إيثار الصراحة العارية ، فهو إذا رأى شيئا ينكره انبرى ينقده ويشهر به غير آبه بما تواضع الناس عليه من الكياسة والحصافة والتزمت وتجنب الاحتكاك والهجوم ... ولا يعوز القارئ أن يلتمس صفاء نفس زكي مبارك في كثير مما كتب إذ يصادف في تعليقاته تحية لرجل كانت بينهما علاقة في درس أو مجلس وذكرى لراحل كان أستاذه أو كانت بينهما مشاركة في عمل ...ولعل أصدق وصف لزكي أنه طفل كبير ، احتفظ بما للطفولة من سرعة النسيان للإساءة ، وترك الاحتمال للحقد ، وخلوص الضمير من كوامن الضغن ، فإنك لترى الطفل غضوبا على رفيقه في شئ من الأشياء و لا تلبث أن تراه ملاعبا له ، ناسيا ما كان بينهما من مغاضبة وشحناء ، بل لعل ذلك كان منه سبيلا إلى توطيد صداقة وتمكين إخاء سلام على زكي مبارك .. كان مثلا للجد والدأب في التكوين والتحصيل وكان شعلة في التأليف والتدبيج ، وكان شخصية بارزة في مجتمعنا الأدبي ، أحس وجودها من هو لها ومن هو عليها ..والرجل العظيم لا تخلو حياته من صديق وخصيم .".
كلمة من طه حسين أخرجته من الجامعة إلى الشارع بلا وظيفة وبلا مرتب، بالرغم من حصوله علي الدكتوراة ثلاث مرات وتأليفه أكثر من أربعين كتابا، وقد أتيح له أن يعمل في الجامعة المصرية، وعمل في الجامعة الأمريكية وعين مفتشاً للمدارس الأجنبية في مصر ولكنه لم يستقر في هذه الوظيفة واخرج منها بعد أن جاء النقراشي وزيرا للمعارف والدكتور السنهوري وكيلا للوزارة.
وعمل في الصحافة أعواما طويلة ويحدثنا انه كتب لجريدة البلاغ وغيرها من الصحف نحو ألف مقال في موضوعات متنوعة. وانتدب في عام 1937م للعراق للعمل في دار المعلمين العالية، وقد سعد في العراق بمعرفة وصداقة كثير من أعلامه، وعلي الرغم مما لقي في العراق من تكريم إلا انه ظل يحس بالظلم في مصر وهو يعبر عن ظلمه اصدق تعبير بقوله " إن راتبي في وزارة المعارف ضئيل، وأنا أكمله بالمكافأة التي آخذها من البلاغ أجرا علي مقالات لا يكتب مثلها كاتب ولو غمس يديه في الحبر الأسود… إن بني آدم خائنون تؤلف خمسة وأربعين كتاباً منها اثنان بالفرنسية وتنشر ألف مقالة في البلاغ وتصير دكاترة ومع هذا تبقي مفتشاً بوزارة المعارف" وفاته
في 22 يناير 1952 أغمي عليه في شارع عماد الدين وأصيب في رأسه فنقل إلى المستشفى حيث بقي غائبا عن الوعي حتى وافته المنية في 23 يناير 1952
يضم الكتاب مقالات تعنى ببعض المحاورات والآراء والقضايا التي تخص عهد الدكاترة .. وأهمها قضية إحياء الأدب العربي ..ومن جملة ما كتب نفيه عن نفسه صفة الغرور أو الثناء على أدبه ومعرفته وثقافته .. وهو حقيقة يستحق الثناء .. فقد خدم الأدب بوفرة مؤلفاته .. هي شيقة .. ماتعة .. وممتعة .. ولا يقل الأسمار والأحاديث جمالاً وحيوية يمنحها للقاريء .. المحب .. بل قل العاشق للغة العربية وآدابها ..
• كثير من الناس يعجبون بآثار الكتّاب والشعراء من غير أن يبحثوا عن مصدر ذلك الإعجاب وفي رأيي أن المطالعة لا تُِثمر إلا إن تبين للقارئ جيدا ما هو السر في جمال ما يقرأ من النثر الجيد والشعر البليغ.وقد يكون السبب في اختلاف النقاد على الأثرالأدبي الواحد أنهم لا يتنبهون إلى تحديد الأصل الذي يبنون عليه حكمهم بقوة الأثرالذي يختلفون فيه أو ضعفه، ولو قد فعلوا لذهب كثير من أسباب الخلاف.!
• قال: هذا يناقض ما تَروضنَا عليه من النظام وفي هذا دعوة إلى الثورة على طمأنينة التقاليد.! ِّ فأجبت: أنا أروضكم على النظام على شرط أن يكون من صنع أيديكم، وأن تكون لكم إرادة في إقراره والدعوة إليه، ولست أدعوكم إلى الثورة على طمأنينة التقاليد، وإنما أحارب «بلادة» التقاليد؛ لأن هذه اللفظة تتضمن معنى القرار والسكون، والرضا بما كان، والزهد في تعديل ما سيكون، والرضا والبلادة كلمتان متقاربتان؛ لأن الحياة في طبيعتها ثورة على القبح، وشوق إلى الحسن. وكل راض ً بحظه ميت نوعا من الموت؛ٌ لأن الرضا سلب والحياة إيجاب، وكل شيء في الدنيا يمثل الحرب القائمة بين الحركة والسكون، والعدم والوجود، فتخيروا لأنفسكم ما تشاءون، ولا تنسوا أن الحركة بشير الحياة، وأن الجمود نذير الفناء.
الكاتب زكي مبارك هو اديب وشاعر وناقد وصحفي مصري حاصل على 3 شهادات دكتوراة ، وهو مفكر بارز ومبادر في تغيير فكر الروايات والقصص الحديثة . هذا الكتاب يصور للقترىء ماحدث في الجو الأدبي والإجتماعي في النصف الأول من القرن العشرين من آراء وأحلام واوهام وحقائق وأكاذيب ، وتشريحا لآراء مجموعة من العلماء والكتاب. وذكر الكاتب العديد من القصائد التي دارت في المجالس منها : مجلس عزاء الملك غازي في بغداد ومجالس الأدباء في مصر ومجالس الأدباء في باريس وفي مؤتمر اللغات الحية ايضا في باريس .
يزعم زكي مبارك أنه مبتكر فنّ أدبي لم يجاره فيه أحد، يسميه "الأسمار"، وهو فنّ يقوم على مجلس أو ندوة أو سهرة أو مؤتمر يحضره زكي مبارك ويلخص وقائعه بأسلوبه السهل الضاحك، ثم يضيف إلى تلك الوقائع من طريف المختلقات شيئاً كثيراً يشبه الكذب، وأنا لا أسلّم لزكي مبارك دعواه باختراع هذا الفن، فضلاً عن التسليم له بالتبريز فيه!
هناك مقالات وأحاديث لم أفهم كيف حُشي بها هذا الكتاب؟ كالكلام عن الشريف الرضي والكلام عن بعض الملامح اللغوية واللفتات الأدبية وعن بعض الشعراء.
ينبغي أن يكون في الكتاب متعة وأنس وضحك، لكن الحقّ أن زكي مبارك لا يعرف كيف يسخر، ظلّ يحوم حول اتهام الناس له بكثرة الزهو بمؤلفاته، وبالأحرى هو ثقيل دم غليظ عظم.
هذا كتاب لم يعجبني، وساءني أنه لزكي مبارك، وساءني أكثر أن هذه أول قراءة لكتبه، لكن "عوافي" خيرها في غيرها كما يقال.