يَعرضُ مصطفى عبد الرازق في هذه الدراسة لأحد أئمة النهضة الشعرية . في العصرين الفاطمي والأيُّوبي؛ وهو «البهاء زهير»، صاحب الحِسِّ المُرهَف، والأسلوب المصري الخالص في كتابة الشعر وانتقاء الموضوعات. ويُطوِّف بنا الكاتب بين نماذج شعرية فريدة في موضوعاتها وأسلوبها، تشعر في ألفاظها باللهجة المصرية من غير إخلال بقواعد اللغة العربية. كما يعرض لأهم عوامل النهوض في شعر زهير؛ وهي: الأسلوب الفريد، والأوزان الخفيفة، والموضوعات المتعددة التي أبحرت في كل نواحي الحياة المصرية. وقد وثَّقَت الدراسة اتصال البهاء زهير بكلٍّ من الأمير «مجد الدين اللَّمَطي» أثناء توليه إمارة قوص، والملك «الصالح نجم الدين أيوب» بعد انتقاله للقاهرة. ومثل هذه الدراسات التي تتناول سِيَر أعلام الشعر العربي تُخرج لنا ما يحويه تاريخنا الأدبي من كنوز لها مذاقها الفني الخاص.
الشيخ مصطفى حسن عبد الرازق (حوالي 1304 هـ / 1885م - 24 ربيع الأول 1366 هـ / 15 فبراير 1947م) مفكر وأديب مصري، وعالم بأصول الدين والفقه الإسلامي شغل منصب شيخ الجامع الأزهر الشريف، ويعتبر مجدد للفلسفة الإسلامية في العصر الحديث، وصاحب أول تاريخ لها بالعربية، ومؤسس «المدرسة الفلسفية العربية». تولى الشيخ مصطفى عبد الرازق وزارة الأوقاف ثماني مرات، وكان أول أزهري يتولاها، واختير شيخا للأزهر في ديسمبر 1945م / محرم 1365 هـ.
ولد مصطفى عبد الرازق في أسرة وطنية ثرية في قرية أبو جرج بمحافظة المنيا؛ فكان والده حسن عبد الرازق من مؤسسي جريدة «الجريدة» التي دعت إلى الحكم الدستوري والإصلاح الاجتماعي والتعليم، وكذلك كان والده من مؤسسي «حزب الأمة». حفظ القرآن الكريم، ثم التحق بالأزهر، حيث التقى بالشيخ الإمام محمد عبده، وهناك حصل على شهادة العالمية سنة (1326 هـ / 1908م). ودرّس القضاء الشرعي في الأزهر. ثم استقال.
أشعر كثيرًا بالحسرة على اندثار النثر الحر في آدابنا المعاصرة في الألفية الجديدة. لماذا لا نعيد تقديم الشعراء أو الحكماء أو القادة في نثر حر غير مقيد بالفن القصصي، لماذا انحصر نثرنا كله في القصة!
للبهاء زهير شعر سلس عذب، سهل ممتنع، غريب على عصره، وأجمل شعره ما خلا من المدح والهجاء، فلديه من الغزل ما يضعه في قمة الشعراء الغزليين، وإن كان التاريخ قد ظلم اسمه قليلا.. مقدم الديوان مصطفى عبد الرازق الشيخ الأزهري الفيلسوف أخو الشيخ علي عبد الرازق صاحب كتاب الإسلام وأصول الحكم الذي أثار جدلا كبيرا.. هذه ليست نسخة الأعمال الكاملة للبهاء زهير، وإنما مقتطفات من قصائده، وقد أغفل المقدم الكثير من القصائد الجميلة، فلم يورد من أجمل وأعذب قصائده بالنسبة لي "أنت الحبيب وما لي عنك سلوان" سوى أربعة أبيات، ولم يذكر قصيدة "دعوا الوشاة وما قالوا وما نقلوا" بتاتا، ...إلخ للبهاء زهير العديد من الأبيات التي ذهبت أمثالا، مثل: "عرف الحبيب مكانه فتدللا" و "وإن كان ولا بد من العتبى فبالحسنى" و"إني على ذلك الغضبان غضبان" وغيرها.. ولديه الموشح الشهير الذي يغنى في التراث العربي وهو "يا من لعب به شَمولٌ.. ما ألطف هذه الشمائل.." وأحب أن أستمع إليه بصوت مارسيل خليفة.. لو على البهاء زهير لوضعت خمس نجوم، ولكن الديوان ناقص وغير مرتب، وإن كان به من النقد شيء خفيف وفي محله..