بفطنة الشاعر المهووس بالتفاصيل الدقيقة، يقتفي أمجد ناصر يوميات غربته، تلك التي تنبعث من لغة مرصوصة بعناية من اليومي، شفيفة واضحة، جميلة النبرة، غير مثقلة بالتفاصيل المفرطة، وإن اهتمت بتناظرها وتضاداتها، وهذا ليس بغريب عن شاعر مأسور بفتنة العشق لاصطياد اللقطة الذكية، واللحظة المحتدمة بالتقابل المحرك غير الساكن. عذاباته لا يصبها في كؤوس تفيض هذرا، بل بشعر مهموس، معاتب. وهكذا، ففي قصيدته رعاة العزلة، كما في كثير من ديوانه الذي يحمل العنوان نفسه، تمازج واندماج متواصل بين وجود الشعار الجسدي وهو يستفز وقاحة الوقت التي طرزت غربته، وبين معالم الذكريات البعيدة القريبة؛ ويتم هذا التمازج والاندماج بطريقة تحافظ على انخراطهما من أول القصيدة إلى آخرها
أمجد ناصر (1955) هو يحيى النميري النعيمات المعروف بأمجد ناصر ولد في قرية الطرة، شمال الأردن عام 1955. أديب وشاعر أردني مقيم بلندن, مدير تحرير صحيفة القدس العربي. يعتبر من رواد الحداثة الشعرية وقصيدة النثر. ويشرف على القسم الثقافي في صحيفة "القدس العربـي" منـذ اصدارهـا فـي لندن عام 1989.
كيف أكتب قصديتي وأنا لا أملك إلا حطام الوصف؟ كيف أهيئ مديحاً غامراً لوجه الأميرة الغائم في سكينة البياض؟ كيف أقتفي أثر الغزالة المرمية بالشواظ الذهبي؟
.......
ذهبت إلى النهر فلم أجد سوى الحصى ووصايا الجفاف.. ذهبت إلى عاشقين فلم أجد سوى حبر الرسائل.. وخريف القرنفل ذهبت إلى البراري فلم أجد إلا عزلة الذئب ووحشة الأفعوان ذهبت إلى الحكمة فلم أجد إلا فتات الموعظة ذهبت إلى الشعر فلم أجد إلا حطام الوصف !
* * * * * * * * *
أريد أن أنظف الأوراق من هراء القصيدة وعبث التداعيات.. لم أعد أرغب في الأدوار الرمادية والتعرض لأشعة الإنسجام الطيفي أريد فقط أن أسمع إرتجاجات الكون تضرب جدران قلبي وأرى.. الضوء ينحل في مياه العين الراكدة أريد أن أمشي وحيداً.. وأغلق باب الحظيرة ورائي!