تعد "ثورة أهل الجحيم"ملحمة شعرية وفلسفية,فقد جمعت بين فنية النص الشعري وبين المضمون الفلسفي الذي يوسع أمام القارئ مجالات الخيال والإبداع,بحيث نجد الزهاوي ينقلنا بملحمته إلى العالم الآخر بتفاصيله وصورة الحياة في الآخرة,تلك الصورة التي تخيف الإنسان العادي أو لنقل يحاول تجنبها دائما,نجد الزهاوي يرسم لنا هذا العالم ودقائقه بفنية عالية ويقسم قاطنيه ما بين "ملحدين" مثواهم جهنم,"ومؤمنين"مثواهم الجنة,لكن قاطني جهنم يتمردون على واقعهم ما يدفعهم للثورة على قاطني الجنة,بحجة أنهم هم خيرة العباد في الأرض ,لأن الزهاوي في تقسيمه لأهل النار وأهل الجنة نجده قصر جهنم على الخاصة من الفلاسفة والأدباء والفنانين والشعراء وأصحاب الفكر الحر,في حين لم يُشر إلى أن الجنة قد حوت أيا من الشخصيات المعروفة,بل كان أهلها من بسطاء الناس وعوامه.
ثورة أهل الجحيم ,ملهاة حوارية شعرية خيالية فلسفية واجتماعية ألفها الزهاوي وهو في بداية عقده السابع عام (1929) ليقاوم بعنفوانه ملامح الشيخوخة التي داهمته والمرض وتباشير العجز. بالمزيد من المرح وروح الفكاهة والمجون ,يعرض فيها رؤاه الفلسفية ونظرته للحياة وأدبها والناس على طريقة المعري في (رسالة الغفران) ودانتي في (الكوميديا الإلهية).
جميل صدقي الزهاوي درس على أبيه وعلى علماء عصره، وعين مدرسا في مدرسة السليمانية ببغداد عام 1885 وهو شاب ثم عين عضوا في مجلس المعارف عام 1887 ثم مديرا لمطبعة الولاية ومحررا لجريدة الزوراء عام 1890، وبعدها عين عضوا في محكمة استئناف بغداد عام 1892، وسافر إلى إستانبول عام 1896، فأعجب برجالها ومفكريها وتأثر بالأفكار الغربية، وبعد الدستور عام 1908 عين استاذا للفلسفة الإسلامية في دار الفنون بإستانبول ثم عاد لبغداد، وعين استاذا في مدرسة الحقوق، وانضم إلى حزب الاتحاديين، وأنتخب عضوا في (مجلس المبعوثان) مرتين، وعند تأسيس الحكومة العراقية عين عضوا في مجلس الأعيان. ونظم الشعر بالعربية والفارسية منذ نعومة أضفاره فأجاد واشتهر به.
ملحمة رائعة كيف يمكن ان يكون مصير اينشتاين وداروين وشكسبير وفولتير وسبينوزا وابن رشد والمعري واديسون وغراهام بل والرازي وابن سينا وليلى العامريّة--كيف يمكن ان يكون مصيرهم النار بينما يتمتع الارهابيون في الجنات والنعيم؟
ثورة كما ينبغي للثورات ان تكون: ثورة العلم (سقراط يتوصّل لمعرفة كنه النّار واصلها) ثورة الفكر (هم فوق/نحن تحت) ثورة العقل (نحن قدمنا العلم والمعرفة ولن نكون حطب السّعير)