أهداني الدكتور أمين السباعي (دكتور في التاريخ الإسلامي) في إحدى اللقاءات مجلة الأزهر التي أرفقت بهذا الكتيب الذي يقع في 50 صفحة من القطع الصغير، وهو من تأليف د. عبد العالي أحمد عطوة 1953 وتقديم الدكتور محمد عمارة في نسخته هذه 2013 ، في الحقيقة قرأت هذا الكتيب بعد أن انتهيت من الفصل الأول من كتاب د. برهان غليون "نقد السياسة: الدين والدولة" لإعجابي الشديد به، وذلك من أجل قراءة دينية لموضوع السياسة. إلا أنه للأسف لم يكن هذا الكتيب هو المطلوب فلم أجد فيه ما يفيدني، فهو ديني أكثر منه سياسي، وحتى دينيا كأني لم أر فيه التعمق أو الإفادة الجديدة . اقتصرت ملاحظاتي على الآتي: عند الصفحة 13 وما قبلها بدى لي أن الأفضل برأيي أن تكون السياسة الشرعية هنا ترك الحرية كمبدأ أو اللجوء إلى ردة فعل أو تنظيم ردة الفعل. أما تحديد السياسة الشرعية بالتفصيل المسبق فهو غير صحيح عملياً ومستحيل حتى نظرياً، وأأسف أن أشعر أنه عقّد الدين وحرم العصر من الاجتهاد، مع أن هدفها كما يقول د.محمد عمارة هنا: مسايرة التطورات الاجتماعية باستنباط الأحكام لما يجدّ من الحوادث والوقائع التي لا نجد لحكمها نصاً ولا إجماعاً.... وأتسائل بيني وبين نفسي هل الدين معقد وواسع إلى درجة أن يجهله كثير من رجال الدين (المشايخ) قبل العموم. ويصبح البحث عند المتدين عما هو حلال يمكنه فعله، بدلاً من العمل بمبدأ أن كل الأمور حلال إلا ما ثبت حرمانه وليس فرض التورع الذي لا بدّ وأن يجد شخصاً ما يجد في ذلك الفعل شبهة، هذا إن لم يلعب بالأمر الأهواء والسلطة والسياسة نفسها ! ثم فإن الكتاب بحد ذاته وفكرة السياسة الشرعية هي سياسة شرعية!
في الصفحة 58 وما تلاها تميز بين الفقه والسياسة الشرعية، فمن الممكن اعتبار السياسة الشرعية جزءاً من الفقه إن كان لم يعتمد على الأدلة الأربعة القطعية (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) وإنما على استنباط الأحكام عن طريق آخر مثل المصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستحسان والتي من المفترض أنها معتمدة بالأخير على تلك الأدلة الأربعة التفصيلية، فإن لم تكن كذلك وإنما هي إمارات وقواعد عامة مستقلة وضعها الشارع لإثبات الأحكام فيما لا نص فيه كانت الأحكام الثابتة بها غير راجعة إلى الفقه أي خارج الفقه. ولو أن الكتاب رجح أنها تعود إلى تلك الأدلة الأربعة. ويعترف الكتاب أن كتب الفقه التي ألفها الفقهاء القدامى اشتملت على الأحكام الفقهية والأحكام السياسية بدون تمييز بينها، وتمنى أن يتوفق الفقهاء المعاصرين لجمع تلك المسائل وتمييزها. في الصفحة 73 يتحدث الكتاب كيف أن عمر رضي الله عنه مارس السياسة الشرعية، حيث حرم المؤلفة قلوبهم سهمهم من الزكاة، أشعر بأن هناك تكلف في محاولة شرح أسباب بأن عمر لم يتجاوز حدوده عندما خالف النص. مع أخذ عين الإعتبار أن الحنابلة خالفوا الأئمة الثلاثة باعتبار أن عمر أوقف هذا الإعطاء ولم يبطله... لا أعرف إن كان تعبيري يتجاوز حدوداً، لكن يمكن أن أعبّر عن ثقتي بعمر لكن ولأنني لم أعرف لم اتجه هذا الاتجاه، فإنني ببساطة أعتبره أخطأ ما لم يكن هناك سبب لم أتوصل إليه، بل ولم لا يخطئ سيدنا عمر بكل حال؟! واعتماداً على هذا ببساطة لا أعمل بذلك الإبطال، وإلا فإن ذلك يعني تقديس عمر واعتبار أنه لن يكون في أي وقت شخص مثله وأفضل منه ! أما من جهة ثانية فيمكنني أن أفسر احتمالا لصحة موقفه (أتكلم ببساطة من لم يتعمق بالعلوم الدينية إنما اعتمد على فطرة حرية الدين وواسع مغفرة الله) فلعلّ عمرا رأى أن قصد هذا السهم في تأليف القلوب بطل عملياً لأمور نفسية عند هؤلاء، أي أن السهم لم يظل يعمل في تأليف تلك القلوب بل ربما اعتمدوا على الطمع وصاروا أغنياء ليسوا بحاجة وهذه العلة الغائبة التي قد أقرأها..... وكذلك المخالفة في فعل عثمان – رضي الله عنه – بإمساك الإبل وتعريفها خلافاً في الظاهر لقول النبي، حيث اعتبر الكاتب أن عثمان فعل ذلك حين رأى أن الحال قد تبدلت من أمان عام إلى تواجد سرقات لذا فإن المنع من الإمساك كان للمصلحة والأمر بالإمساك كان أيضاَ للمصلحة، وهنا أتسائل هل هذا يفتح باب التلاعب بالدين بحجة المصلحة، وهل سبب فعل عثمان هو حقاً كذلك أم هو مجرد تخمين وافتراض من أخرين لإيجاد العذر لعثمان! وبكل الأحوال فهذه السياسة إن صح حدوثها فإني أخالفها لأنني أفضل أن يبقى الأصل على حاله وأن يُعتبر من يأخذها بحكم السارق. ففكرة الاعتماد على النظام الخارجي أو استبدال جهاد النفس أو الأخلاق الداخلية أي الوازع الضميري والديني مستقبلاً بالوازع القانوني السلطوي هو أمرٌ ليس من مقاصد الشريعة.... مع الانتباه أنه من الناحية الأخرى، المال السايب يعلّم الحرام..... تشرح الصفحة 79 وما تلاها الاعتدال في استخدام السياسة الشرعية أي تتوسط بين الإفراط والتفريط، أما بقية الكتاب فيبدو أنه ليس لي تعليق مميز فيه بل حتى تعليقاتي للتو كانت خارج الموضوع الأصل......
150 صفحة موجزة توفر لغير المتخصص في العلم الشرعي إطلالة فقهية معقولة على موضوع "السياسة الشرعية"؛ تتناول باختصار- وإن اعتراها بعض التكرار في مواطن، والإسهاب الذي كان يمكن اختصاره أكثر- تعريف "السياسة الشريعة"، وشروط العمل بها، وطرق استنباطها، وحجية العمل بها، والأسس التي تقوم عليها، وتشرح ببساطة معنى: المصالح المرسلة، سد الذرائع، العرف،الاستحسان، وتستشهد بنماذج فقهية مشوقة. لكن يبقى الواقع المعاصر أكثر تعقيدًا مما حوته الكتب؛ ما يتطلب جهدًا أكبر لا يمكن لأفراد القيام به، بل مجامع كبيرة تشمل تخصصات متعددة.