كان ذلك الكتاب أول كتاب اقتنيته وقرأته فى حياتى. قبل 40 عاما - العام 1981 - كنت بالصف الثالث الإعدادى. وذات يوم وبينما أتصفح جريدة الأخبار قرأت إعلانا عن كتاب من سلسلة كتاب اليوم التى تصدرها " أخبار اليوم ". كان هذا هو الكتاب. شدتنى بقوة عبارة ضمن الإعلان : هل ترى على النيل إلا مصر واحدة. كان ثمن الكتاب 40 قرشا وذلك يعنى مصروف 8 أيام حيث كنت أتقاضى مصروفا يوميا خمسة قروش لا غير " أى 5% من الجنيه حاليا ". عزمت الأمر وصرت أدخر مصروفى ، لا آكل شيئا فى المدرسة أو من محلات " المحطة" فى الطريق من وإلى المدرسة حتى استطعت بفضل الله تعالى ادخار المبلغ المطلوب فى مدة يسيرة. تأتى معضلة أخرى وهى كيف الحصول على الكتاب وليس هناك منافذ للبيع إلا فى مدينة المركز البعيدة نسبيا عنا بلدتنا ، والسفر إليها فى هذه السن الصغيرة غير مرحب به من الأهل أبدا. لكن جاءت الفرصة التى لا تعوض، حيث كنا على وشك كتابة استمارة التقديم لامتحانات الشهادة الإعدادية آنذاك ، فذهبت إلى المدينة بصحبة بنات الجيران الذين كانوا يدرسون فى المدرسة الثانوية وقتها. ركبنا القطار .. كانت ربما أول مرة ،وحصلت على الكتاب من مكتب الأهرام لتوزيع الصحف. قرأته ربما فى يوميْن اثنين. واستفدت منه كثيرا فى دراستى الجامعية بعد ذلك. حديث الكتاب عن النيل وصفات الشخصية المصرية مما يأسُرنى. للأسف فُقد منى مع غيره . ولو تحاول أخبار اليوم إعادة طبعه فى هذه المرحلة الآنية من تاريخ مصر .. بورقه الأصفر القديم ، بالطريقة البدائية فى الطباعة ، بعيدا عن ترصيص الكمبيوتر الذى يشعرك أن الكتاب أصبح مجرد مذكرة دراسية للمذاكرة والحفظ منها.. ورقه الأصفر القديم الذى يحوى داخله عبق التاريخ ورائحة الماضى الجميل.
قراءة في عدد من الكتب والدراسات التي وضعت عن مصر؛ فضلها ومكانتها من قديم الأزل وحتى اليوم، وعن المصريين؛ صفاتهم وعاداتهم وطبائعهم من عهد المصريين القدماء وحتى اليوم. القراءات تنوعت ما بين الكتب والدراسات الموغلة في القدم مثل كتاب هيرودت يتحدث عن مصر، الذي يحكي فيه هيردوت مشاهداته أثناء زيارته لمصر قبل الميلاد بنحو خمسة قرون، وكتاب فضائل مصر لابن الكندي الذي يذكر فيه أخبار مصر وما خصها الله تعالى به من الفضل والبركات والخيرات على أكثر البلدان، وحتى الكتب والدراسات التي وضعت في العصر الحديث مثل: تكوين مصر لمحمد شفيق غربال ومستقبل الثقافة في مصر لطه حسين وشخصية مصر لجمال حمدان وغيرها. الكاتب أحسن في عرض الدراسات وترتيبها ترتيبا زمنيا وموضوعيا، وأحسن في تعليقه عليها واختياره الفقرات المعبرة بشكل أكبر عن مضمون كل دراسة، كما أحسن في عرض الرأي والرأي الآخر المتعلق بالصفات السلبية المعروفة عن المصريين، وكذا الدراسات التي تطرفت في نظرتها لمصر سواء سلبا أو إيجابا.
رأي شخصي: هذا الكتاب ظاهره الحديث عن مصر وتاريخها وشعبها ولكن باطنه الحقيقي دعايا سياسية غير مباشرة لخدمة النظام المصري في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كانت مصر معزولة ومقاطَعة من معظم الدول العربية والإسلامية بسبب توقيعها لمعاهدة السلام مع الكيان الصهيوني المسمى بـ "إسرائيل".