يتفهم هذا النص بجدية طبيعة الفن الروائئ. فالحبكة الورائية - وان كانت تقوم علي حادثة هشة اختراق سفينة سياحية لشباك الصيادين - غير ان الحادثة تأخذ - بتقدم السرد - بعدا رمزيا, يشير الي هشاشة الحياة البعيدة المنعزلة للقرية، فيمكن ليد السلطة ان تطولها في اي وقت. ويستخدم الكاتب هذه الحادثة لينطلق في تصوير الشخصيات بتقنية شديدة التحقيق، الحساسية، جاعلا من الرسمي تكئة لكي يحكي معاناة شخصياته وامانيها وهزائمها.
روائي وباحث أدبي، حاصل على درجة الدكتوراة في الأدب ويرأس قسم الثقافة بجريدة "اليوم السابع". صدر له: "موسم الكبك" 2013 الرواية الحاصلة على جائزة ساويرس "الخطاب الشعري عند نجيب سرور" 2016 "طريق الحلفا" 2019 "زغرودة تليق بجنازة" 2023
رواية رائعة وأعتقد أن قراءة واحدة لا تكفيها.. الحدث البسيط الذي لم يستغرق دقائق معدودة كيف أثر في حياة قرية بأكملها، كيف أمكنه سرد قصة حياة أكثر من 5 أشخاص مثلاً من خلال هذا الحادث؟ هذه الحيوات المتعددة المتنوعة جدًا والثرية جدًا والتي تجعل كل شخصية تصلح رواية مستقلة. أما عن الهوامش فهي قصة وحدها.. اكثر من 100 هامش هو عبارة عن قطعة فنية وليس مجرد هامش يمكنك تخطيه. الرواية رائعة وتحتاج تركيز شديد، وممتعة للغاية ومشوقة جدًا.
قرأت رواية موسم الكبك في مدة تزيد عن الأربعة أشهر، رغم أنها رواية متوسطة الحجم، (183ص) لكنني أردت أن أستمتع بكل كلمة فيها، حتى أنني كنت أقرأ صفحتين منها وأتوقف لالتقاط الأنفاس، أو تأمل ما قرأت. أعمال قليلة هي التي تترك فينا هذا الأثر، من أجل ذلك أعد هذه الرواية من أفضل الأعمال الأدبية المعاصرة التي قرأتها مؤخرًا. عند الحديث عن فنياتها علينا أن نتوقف كثيرًا عند اللغة أولًا؛ لأن هذا العمل رحيمٌ باللغةِ ولا يقسو عليها، ورغم أن الراوي يقول لنا في هامش النص "حين تقسو الحياة نقسو على اللغة ونلجأ إلا الإيماءات"، وسارد هذا النص يمتلك القوة الكافية التي تجبره على أن يكون رحيمًا باللغة، فيكتبها بخصوصية شديدة لهذا العالم الروائي، عالم الأبطال الذين يعيشون في هامش النص لولا حادثة المركبة السياحية، ومقتل أحد السياح، الذين يجبرهم على الظهور في المتن، فيصلحون كأبطال لعمل روائي. لغة العمل هنا تحمل مفردات هذا العالم، وثقافة الأبطال المهمشين، وهي لغة رحيمة بالقارئ أيضًا إذ تعيد تعريف الأشياء في هامش النص، هذا الشرح لا يتجلى في هيئة مرادفات فقط (شرح مفردات صعيدية أو مفردات لها دلالات ثقافية) بل يتجاوز ذلك ليشرح أشياء بديهية مثل (في منتصف الليل)، فيكون منتصف الليل في هذا النص يختلف كثيرًا عن منتصف الليل في نص آخر. اللغة هنا تستوعب ثقافة هذا المكان، وتورط القارئ في النص من خلال الرغبة في اكتشاف عالم مغاير، وهي في رأيي أفضل فضيلة لأي نص أدبي، اكتشاف عالم مغاير، اكتشاف منظومة ثقافية أخرى مرتبطة ببعضها وفقًا لرموزها الخاصة. لا يعتمد العمل على اللغة فقط، باعتبارها بطل من أبطال العمل، (وباعتبارها مخزون ثقافي) بل يلعب الكاتب هنا بتقنيات السرد، فالحكاية مروية من خلال راو مشارك، وهو الراوي الأنا، ونحن في حقيقة الأمر لا نكتشف هذا إلا بعدما نتجاوز أكثر من نصف العمل، فهذا الراوي (المشارك) يحكي لنا بصيغة الراوي العليم (عن الآخرين) حتى يفاجئنا بسؤال هام، وهو من أنا؟ وكيف أعرف كل هذا؟ ويبدأ في سرد حكايته التي تتشابك مع كل هؤلاء الأبطال، ومن ثم يعود ليحكي لنا حكاية بقيتهم مرة أخرى، فنقابل هذه المرة الراوي المخاطب، وهو في حقيقة الأمر الراوي المشارك الذي يحادث أحد أبطال هذا العمل. لا يتوقف اللعب عند هذه النقطة، بل إن تقطيع العمل بهذا الشكل، حكايات قصيرة لأبطال يتورطون في حدث ما، يفجر حكايتهم، الحدث الرئيسي هنا، ونقطة الزمن التي يحكي لنا منها الراوي العمل، هي حادثة المركبة السياحية، وهي حادثة لا تبدو بأهمية حكايات الأبطال، حتى أنها تُنسى من خلال الحكايات الفرعية حتى نتذكرها مرة أخرى لما تنتهي حكايتهم عند هذه النقطة. موسم الكبك واحدة من الروايات المرهقة، والتي يعرف كاتبها كيف يجعل من اللغة كائن حي يستوعب ثقافة المكان، ومن الممكن أن نعدها من الروايات التي تحمل الأرض داخلها، لأننا سنشم فيها رائحة الطين والزيتون وشجر السنط، وبالتأكيد السمك. أسئلة كثيرة يطرحها أحمد إبراهيم الشريف حول العلاقة بين الهامش والمتن، من الذي يصلح لأن يكون بطلا؟ إذا كان المهمشون هم من يصلحون لهذا الدور الفني، فلماذا تهمشهم الحياة؟ تتركهم في الركن المنسي وتتجاوزهم، وربما تدهسهم بقدميها، ولماذا يكون العالم قاسيًا على بشر يمتلكون من الحكايات الجميلة ما يجعلهم يستحقون حياة أفضل؟ هنا تنتصر الرواية للمهمشين رغم أنف العالم، وتنتصر لمنظور الكاتب للأعمال الأدبية، كأنها تسائل الأعمال الأخرى، بمفتتحها الذي يقول "أنى لى بحكى يشبه رائحة اليوسفى الأخضر وليمون القطن"، كأن أي حكاية لا تحمل رائحة المكان، أو رائحة الأبطال، أو تمسك برائحة قديمة، أو تترك خلفها رائحة ما - كل حكاية لا تفعل ذلك لا يعول عليها.
موسم الكبك والكبك هو موسم صيد ليلي يبدأ قبل غروب الشمس ولا ينتهي ما دام الليل قائمًا. أعجبني أسلوب السرد في الرواية اللغة كذلك رقيقة تعجبت من كونها العمل الأول للمؤلف! فهو وصَّاف بارع لقد أشعرني بالعجز في الطريقة التي آلف بها بين جمله لغته أقرب للشعر منها إلى الرواية
ببعض الأحيان أشعرني الوصف بالملل لكن الرواية أعجبتني جدًا خصوصًا توظيف الخرافات وسرد ماضي القرية والاعتماد على الخيال
كذلك الرمزية في حكاية "حياة" أعجبتني أعجبني كذلك الحديث عن الجنس كجزء من الحياة عندما قال أحد الأشخاص على "العورة" إنها ليست عورة بل هُنا تكمن الملائكة
من الاسم نعرف أننا أمام رواية غير عادية، الكبك هو الشبك الذي يمده الصيادون في موسم صيد ليلي يبدأ قبل غروب الشمس ولا ينتهي ما دام الليل قائماً، كما نعرف خلال الرواية، والحادث الأساسي في الرواية هو حادث يبدو فرعياً، اختراق سفينة سياحية لشباك الصيادين مما يتسبب في غضبهم وإطلاق النار مما يتسبب في مقتل سائح أجنبي، الأحداث تدور في زمن يلي حادث الأقصر الإرهابي في التسعينيات، فلنا أن ننتخيل حرج الموقف بالذات على حياة مهمشين في قرية صغيرة، لا يستغرب أحد إن هم تلاشوا فجأة في ظلام السجون. أنّى لي بحكيّ يشبه رائحة اليوسفي الأخضر وليمون القطن؟ بالضبط هذا ما سنشمه أثناء القراءة، حكي بكر ولغة عذبة ومنعشة، وانتقال سلس بين الراوي الأنا والعليم والمخاطب. لنعرف قصص هؤلاء الأشخاص الذين يبدون من بعيد وكأنهم لا شيء، بنت حياة التي تعيش بوصمة أمها المدفونة أسفل الثلاث نخلات، الفتى والشيخ والغريب والصياد والملعون والعاشق، وبلد تنسى جرائمها التي شاركت فيها لكنها لا تنسى جرائمها التي لم تشارك فيها سوى بالسكوت. وكأن القرية ابتلت بجريمتها المسكوت عنها فنزل بهم العقاب على هيئة سفينة سياحية تخترق الشباك وتنهي كل شيء. لا يحكي المتهمون عن الحادث قدر ما يحكون عن أنفسهم، عن حياتهم التي كانت تسير وفي لحظة تتوقف وتنتهي، تمر الحكايات بأحداث كثيرة ومهمة فى حياة الوطن مثل مستعمرة الكوليرا وشق قناة السويس والإصلاح الزاعي والنكسة وجنازة عبد الناصر، لكنه يمر عليها بشكل عابر، الأحداث كبيرة في الأخبار والجرائد لكنها من وجهة نظر المهمشين عابرة، قد تتسبب في انحراف ما لحياتهم لكنهم لا يتوقفون عنها كثيراً، الكاميرا هذه المرة ترصد الحياة من منظورهم، والغريب أن منظورهم يبدو أعمق وأكثر أهمية لأن تغيّر الحياة بالنسبة لهم يغيّر العالم، رغم أنهم في نفس الوقت يبدون وكأنهم يسيرون بلا توقف أو مبالاة، يكملون الحياة وكأنهم لا يشعرون بها، يستمرون لأن هذا ما وجدوا أنفسهم عليه، حتى المرارة والحزن والقسوة والتعذيب يتلقونها وكأنها شيئاً عادياً، يتأقلمون رغم أنهم أبطال هذه الحياة، لكنهم في ذات الوقت مجرد هوامش. يقول الكاتب في هامش من الهوامش الكثيرة التي تضمنتها الرواية : "حين تقسو الحياة نقسو على اللغة ونلجأ إلا الإيماءات"، وهو يفعل ذلك ببراعة، لأن الرواية ليست فقط في صفحاتها، لكنها أيضاً في هوامشها، الوامش هنا ليست مجرد تعريف جاف لكلمة أو مصطلح، بل هي أيضاً فرصة ليتحدث الكاتب عما يريد، ليشرح شيئاً إضافياً، أو يوّصل فكرة أو لمجرد أن يأخذ مساحة أكبر للاستطراد والحكي، وفي كل هامش، عندما تتوقف عند رقم يعلو كلمة، فتهرع لإلقاء نظرة على شرحه في نهاية الرواية، تأخذ بضعة دقائق، دقائق كفيلة بمنحك الشعور بالزمن المتباطىء، الوقت الذي يستغرقه الحدث في الحياة، الثقل في كل تفصيل، والارتباط بين كل ما كُتب في الهوامش وبين أبطال الرواية الذين هم أيضاً مجرد هامش لحادث هو أيضاً هامش. هذه الرواية تنتصر للهامش، وتخبرنا أن لا نتعجل الأخذ بالمتن، ربما علنا إلقاء نظرة على كل ما هو خارجه، لأن كما يقول الكاتب: “الذين يملكون إجابات كاملة أدعى للشك فيهم.” .
تجربة غير سعيدة بالمرة عند قراءة هذه الرواية... في البداية تصدمك الهوامش الكثيرة جدا جدا 'و المبالغ بها.. اعتقدت انها قد تكون أجمل لو كان الكاتب قد ضمها ضمن النص ذاته دون أن يفصلها.. ولكنه لم يفعل.. وتركنا لعذاب مستمر من التنقل بين الأحداث و بين الهوامش حتى تفقد اي ارتباط بسير الأحداث و تتوه بين الشخصيات.. مضمون الرواية ذاته يصبح مشوها.. ان كان لها مضمون قوي في نفس الكاتب.. فهي مبنية على حادثة غير ذات قيمة.. وان ظهرت بعض محاولات لإضافة أحداث جانبية لرفع قيمة الحدث الرئيسي.. وان باء معظمها بالفشل.. أتساءل لماذا تصل هذه الرواية للترشيح لنيل جائزة؟ وهل هذا لسوء فهمي لها!!
" تمشى الأرض تحت أقدامنا ونحن نائمون، هذا ما لا ندركه حتى يأتى الزمن، فى هيئة عجوز تقرأ الكف، فننتبه متأخرين أن الأرض أهلكها السير تقريباً، و أن أعمارنا أكلتها الحكايات، و أن جلوسنا نجتر الذكريات بهذه الطريقة البشعة يعنى أننا لا نبصر الآن جيداً بسبب تلك الغباوة التى تسكن فى تجاويفنا... أجدنى على عتبة البوابة الحجرية بعد أن أكلتها الأرض, وجهى معفر فى ترابها و هناك من يضغط على رأسى كل يظل أسفل... أنى لى بحكى يشبه رائحة اليوسفى الأخضر وليمون القطن ؟" أحمد إبراهيم الشريف فى روايته ( موسم الكبك ) والتى فازت بالمركز الثانى مناصفة لرواية الشباب فى جوائز ساويرس الثقافية فى دورتها الحادية عشر عام 2016. وهذه الرواية – من وجهة نظرى- إبداع يحتاج إلى المزيد من العمل . الكاتب روائى موهوب ولغته كثيفة ومعبرة ، وقد نجح فى استخدام لغة ومفردات نقلتنا إلى جو الريف و القرية الحقيقية حتى كدنا نرى و نسمع ونشعر بأشياء لا يفهمها إلا الفلاحين والصيادين ، فنتعرف على : " المساطيح" " البويغ " الحيب" وهناك مفردات لمهنة الصيد مثل "التفريد" و " المدرة " . بل يجعلك ترى مشاهد كاملة بلون ورائحة الأرض : " كنتم تركبون الغيط من أوله بعد الفجر، وبينما الذى يتطاير على وجوحكم كنتم تحزمون أنفسكم بحبل من الليف أو بشال قديم، وتبدأون فى الغناء مع أول لوزة تمسكون بها اللوزة فين آدى هيه و الثانية فين آدى هيه و الثالثة فين آدى هيه والرابعة فين آدى هيه وكبـــــــوش الزين يملــــــــــــــى العبين ويغيـــــــــــــظ الخايبة أم صـــــــــــرمين وكنت الوحيد الذى يعمل قدميه فى الجنى 1 اقتطاف اللون الأبيض من الحطام المحيط.. و الملمس الناعم الوحيد الذى تحس به طوال اليوم.. وثنائية الورد و الشوك.. و النقاوة والغبارة.. كل ذلك فى لوزة القطن الفاتحة نفسها لشمس الصباح " استخدم الروائى ما يسمى الهامش وهو يضع أرقام على بعض الكلمات لنجد مرجعها فى الهامش إما على شكل تأمل فلسفى، أو شرح لإحدى الشخصيات المذكورة أو القاء الضوء على إحدى جوانب الحكاية حتى يستكمل الحكى أو التعليق على بعض الأحداث. وقد أفادت هذه التقنية فى بعض الأوقات ولكنها – ومن وجهة نظرى أيضاً – قد تشتت القارئ لبعض الوقت . وكما سبق وذكرنا أن لغته هى لغة شعرية كثيفة : " الذين يملكون إجابات كاملة أدعى للشك فيهم " .. وفى الهامش : " الصادقون لا تكتمل إجاباتهم..لأنهم لا يجيدون ملئ الثغرات بالتفاصيل المملة.. ولا حبون الجمل الرخوة.. ولا المفردات المستهلكة.. وبالتالى هم لا ينتبهون إلى حدى الوقت الأدنى والأعلى لذا يدفعون ثمل صدقهم " و بالرغم من أن الرواية غارفة فى الواقعية وقد ضمنها الروائى تواريخ و أحداث تاريخية هامة فى حياة الوطن الخديوى ( التبليط، مستعمرة الكوليرا، شق الترعة الكبرى فى السويس ) 52 وقوانين الإصلاح الزراعى تاريخ هزيمة 67 جنازة عبد الناصر إلا أنه افتقر لرسم ملامح شخصياته بالرغم من شدة صدقها :- " من كان يصلى معك؟" ليست كل الأسئلة قادرة على سحب الإجابات من داخلنا.. فما الذى سيقوله الشيخ أبو زيد !! فكل الناس تصلى وفى نفس الوقت لا أحد يصلى..سؤال لا يمكن الإجابة عنه بسهولة.. " لا أحد يصلى سوى الأطفال " وفى النهاية أقول أن هناك روايات تخرج من دائرة الإبداع، و لا داعى للحديث عنها , و أخرى تحتاج للحديث عنها وتشجيعها حتى نحصد المزيد من الإبداع، و أخرى تحتاج فقط لنشر عبيرها حتى تعيننا بما تحمله من جمال على تحمل القبح.