جاذبية صدقى ( 1920 – 2001 ) روائية وصحفية مصرية، قدمت الرواية والقصة والدراسات المسرحية والترجمة وكتب الأطفال. كانت عضوة في نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب وجمعية المؤلفين والملحنين وجمعية الأدباء والمجلس الأعلى للفنون والآداب. حصلت على جائزة مجمع اللغة العربية عام 1954.
من مؤلفاتها
"البلدى يؤكل" "مملكة الله" "الحب" "بوابة المتولى" "لمحات من المسرح العالمى" " القلب الذهبى" "ابن الفيل" "بين الأدغال" "نظرة عينيه تلك" "أهل السيدة"
تأخذنا السيدة جاذبية صدقي في نزهة قصيرة بين العروض التي سنحت لها الفرصة بأن تشهدها و لا تقف عند فحوى العروض بل و مراقبتها للجماهير و ما استشعرته في نفوسهم. شعرت في بعض الأجزاء أن الكتب له نكهة أدب رحلات حيث انها تروي لنا زياراتها لدور المسرح حول العالم و كيف كانت توجه ميزانيتها خلال سفرها بغية الفن و الفن فقط لم أشعر بالاكتفاء أو الشبع من الكتاب و كأن تجربة هذا الكتاب غير كافية بالمرة لتسد نهمي و هي حال طبيعية جدا نظرا لحجم الكتيب الضئيل، و لكنه و بلا شك سيكون لهذا الكتيب أثر القصور الذاتي على ما سأختار من قراءات قادمة. كل الحب للاستاذة الرقيقة جاذبية صدقي.
وهذا الكتاب كعنوانه، أي: "لمحات من المسرح العالمي"، وإن كان هذا العنوان لم يكن بطبيعة الحال هو سبب الشروع في قراءته، بل اسم مؤلفته: جاذبية صدقي، فقصصها جميلة، حتى وإن لم تعجبنا شخصيات قصصها (ولا سيما الشخصيات النسائية !) إلا أن قلمها متدفق بالمشاعر الدافئة ويحمل جزءًا ملحوظًا للغاية من روحها المنطلقة – رحمها الله
ولكن هذا الكتاب ليس بقصص، وإنما هو مراجعات كتبتها لبعض المسرحيات التي شاهدت تمثيلها في الخارج، على مسرح الأكروبول والإبيدوراس في اليونان، أو مسرح شكسبير في مسقط رأسه بسترادفورد، أو في مسارح العاصمة لندن، والكتاب ميّت لو كان قد اكتفى بتلخيصها (الجميل) لأحداث هذه المسرحيات، ولكنها تستطرد في وصف أداء الممثلين وحركات أوجههم وتصويرهم للانفعالات المناسبة للدور وحتّى وصف لحظة تلقيهم لتحية الجمهور عقب انتهاء المسرحية، وهذا جانب حيّ!، وهذه ثاني مرة – أنا أيضًا!! - أقرأ وصفًا جميلاً لحركة يد أحدهم، كانت المرة الأولى خلال وصف برنارد شو ليد أحد الموسيقيين وهو يقود الفرقة الموسيقية!، وقلت لنفسي حينها إنه وصف يستخفّ حتى الأصم!، فمع أن القراءة كانت من خلال نَص مكتوب، إلا أن الوصف وحده ولا سيما وصف حركات اليد نقل الأوركسترا بأكلمها من الورق إلى الأذن، والمرة الثانية هنا!، خلال وصف جاذبية صدقي المختصَر لأداء يد الممثل: لورنس أوليفييه، في دوره بمسرحية "الخال فانيا” لتشيكوف، وهي حتى تبتدأ هذا الفصل بذكر يده هذه، ومباشرة، فتقول منذ البداية: مرتان في هذه الدنيا بهرتني يدا رجل: "شوبان" و"لورنس أوليفييه"
إلى أن تقول عن الأخير بعد حديثها عن يدي شوبان: فأنا بقدر ما شاهدت "لورنس أوليفييه" في أفلام سينمائية لم ألتفت فيها إلى يديه، بقدر ما بهرتني يداه هاتان في مسرحية "الخال فانيا"، إنه على المسرح غيره على الشاشة، إنه يستخدم يديه – لا يلوح بهما في سوقية، لكنه قد يجعلهما تقولان بتمثيلهما الصامت شطرًا من جملة على حين يكمل هو بالنطق الشطرَ الآخر!، كيف؟ هكذا: يقول مثلا بصوت مسموع: - يا لها من امرأة، إنها .. ويمسك، وتتماوج أنامله في انسيابية وبلاغة، كأنما هي تعزف على بيانو غير مرئي، ثم تهوي أنملة منها في كفة تتبعها أنملة أخرى في بطء .. وبمغزى .. وهو يتأملها طول الوقت كأنها عرائس يرقصها بخيوط .. على حين تلتقى أنملة ثالثة بإبهامة في تعبير قوي كأنه الكلمات الصريحة الواضحة! هذ كله وذراعه صامدة لا تتحرك كأنها عمود يحمل مسرح كفّه المبسوطة التي يرتع فوقها ممثلون راسخو القدم!
إلى أن تقول أيضًا: إن "لورنس أوليفييه" ضنين جدًا بحركات يديه – مرتين أو ثلاثًا وحسب طوال المسرحية، لذلك عندما ترتفع له يد أو تتحرك من جواره، تسرق الموقف المسرحي منه .. ومن زميلته الحسناء التي تكون معه في ذلك المشهد! فإن يده كائن حي قائم بذاته، له كيانه .. وشخصيته .. وفنه – وإن التصقتْ ببدنه!
وبالتأكيد وبعد هذا الإعجاب، فقد سعت المؤلفة للقاءه ولو لثانية، في الكواليس وبعد انتهاء المسرحية (الذي هو مخرجها أيضًا)، ولم تتح لها اللحظة سوى أن تقول له بحماسها المعهود: أنت رائع!
فأجابها متواضعًا: أبدًا!، ما أنا إلا إنسان مكافح ينقصني بعدُ الكثير من العلم!
وأنا بدوري، أودّ لو أقول لجاذبية صدقي بعد هذا الشوط الذي قطعته في قراءة أعمالها، ذات ما قالته هي له: - أنتِ رائعة!
ولكنني أدري تمامًا ما الذي ستجيبني عليّ، ستقول ما قالته في فصل آخر من فصول هذا الكتاب:
أنا؟! إن بي عيوبًا جمة، ولكن لعل الحسنة الوحيدة التي أمتلكها هي شعوري الصادق المخلص المتغلغل، إنني .. محدودة الثقافة!، شعور لا مرارة فيه بل حيوية لهفى دافعة، فأين أنا من المثقفين حقًا في دنيانا والذين تشعر وأنت تحدثهم أنك إنما تعيش بين ضلفتي سجلّ رائع؟، سجلّ تكمن روعته في أنه حيّ .. يعقل ... ويعي .. وينفعل فيهضم الثقافة والعلم اللذين بين جنبيه ويمزجهما بكيانه .. بذاته، ثم يخرجهما للناس شهدًا عذبًا حلالاً للسامعين؟
أنا؟! إنني أجلس إلى كُتّاب الدنيا من الجنسين في كل بلد أزوره ولا أفتح فمي .. أنا؟! .. أفتح فمي؟، ماذا عندي بالله عليكم أقوله؟، إن ما سأقوله أعرفه، فلا داعي له، أستطيع أن أناقش فيه نفسي وحدنا!، أما ما عندهم من آراء .. ونظريات .. ومعلومات .. وتجارب فنية .. ومناقشات أدبية، فليس عندي!، ولا علم لي به!، وربما لا تجود الأيام بفرصة أخرى ألقاهم فيها!، ومن هنا سكوتي وجلوسي بين أيديهم كالتلميذة!
أنا؟! يا أهل بلدي أينما كنتم، وكيفما كنتم، بالله عليكم: كثيرًا جدًا من البشر وقليلاً جدًا من .. الآلهة