من كان ذلك الذي ينتعل لهفة العانس على عتبة البحر، ثمرة اكتافه ملأى بالكؤوس مسافراً في الاثر، يعد فخاخ الاحلام؟ آه ما اوطأ تلك التلال في ارتفاعها، ما اوطئ القرى و هي بشموسها تناديك! ايها المخلص ما أشد انخفاض الامل.
لا أنكر جمالية بعض القصائد ،ولكن في رأيي ما قيل وما كُتب عن قصائده أمر في منتهى المبالغة والتضخيم وكأنك بذلك ستتعرف على شاعر ذو طراز فريد وأفكار متجددة وشئ مدوي يعني.. مجرد شاعر آخر متسامي يريد أن يجدد عن طريق السجع والكلمات الصارخة والعبارات الرنانة ليشعرك أنه ذو ثقافة عالية وفكر متجدد..
ليس من أجمل الدواوين التي قرأتها، لكنه مدخلٌ مهمٌ للشعر الحديث، وللشعر العراقي بالذات، لا يحكي عقيل علي في قصائده عن تجاربه الشخصية والذاتية، فالذاتية عنده هي في المجموع، في كل المحيطين به، فكل نص من نصوص المجموعة تظهر عدة أصواتٍ تبدو للوهلة الأولى وكأنها عقيل علي وحده، بينما هو خليطٌ من الأصوات، خليطٌ من الهموم اليومية والوجودية. يجمع عقيل في هذا الكتاب بين ثيمة الموت والتسليم له، التسليم الذي يأتي على شكل مراثي للنفس، على شكل احتجاجات للنهاية التي لا يستطيع دفعها، والمصير اليومي الذي لا يمكن تغييره، نظرته السوداوية تجاه العالم تغلّف القصائد كما لو كانت الأيام تطارده كظلٍ يحاول اقتناصه ولا يستطيع الهرب منه، إنه عقيل علي الهارب في كل قصيدةٍ من قصائد الديوان، عقيل علي الصعلوك الذي يخشى على صعلكته ولا يستسلم لحياةٍ أخرى، كما لو كان حلمه الأول قد تم تفجيره بالديناميت أمام عينيه وفقد أسباب الحياة.
هذا هو الخبّاز العراقي إذا، الذي كان مع خَبزه يعجن القصيدة التي تتلوى بنار التنّور، هذا هو الفقير الذي لا ينقصه من الكلمات شيئا وهو في غنى عن المجاز إنه عقيل علي، وهكذا يكتب قصيدته في الشوارع التي تكون خالية إلا منه وبالمفردة التي هي ويحدة دونه، هكذا يضرب بمطرقة الشعر مسامير وجوده كانت القصائد مدهشة في جنائن آدم وجدا، حتى خفت لمعان عقيل قليلا فقط في طائر آخر يتوارى ليعود بألم أكثر في بقية القصائد غير المنشورة له وتنشرها لأول مرة الجمل . أحببت هذا العقيل ومقدمة كاظم جهاد عنه هنا .
عقيل شاعر الكلمة القوية، والمعنى الدقيق، وأسماء الغرق. أول ما شدني في هذه المجموعة أنها أعماله الكاملة، لم يكتب عقيل سوى مجموعتين وأُرفق في نهاية هذا الكتاب بقايا كتاباته التي لم تنشر، والقارئ بتسلسل سيجد الفروقات الهائلة والتحولات العميقة في إنتاجه الشعريّ.. فهاتان المجموعتان كتبهما في أواخر السبعينات، لكن آثاره الأخيرة كتبت في أواخر التسعينات، والإبداع لديه مدهش (وبصراحة أعجبتني قصائده الأخيرة أكثر.. كانت كثيفة وثقيلة وقوية)
شعره حداثيّ وجريء، نالت إعجابي مقطعات وقصائد ناضجة وممتعة وجمل بديعة سرقت فؤادي، شعره جيد جداً وأكثر ما يميزهُ محاولاته في ابتكار المعاني وتنسيق الفكرة.
وختاماً أقول: عقيل ظاهرة شعرية تستدعي الانتباه.. وصوت رائع لابُد لمحبي الشعر الحداثيّ أن يسمعوه.
يقول: "على مدى طريقي جراحاتي تنزع عظامها من لغز قناعتها أنت يا من أنت من أظلافك يندلقُ الليلُ مُعرّى ويهدرُ الجرح ليُدلي بشهادتهِ دونَ قسم"
من النادر أن اقرأ المقدمة التي تخص حياة الكاتب (لأني مع الفن أكثر من الفنان) وماذا يحدث له وهذا حصل حين قرأت لرياض الصالح الحسين وتأثرت بحياته والآن عاد ذات الشعور والتأثُر حين بدأت بقراءة المقدمة عن عقيل علي.. يبدو أنّ الشعر يتطلب معاناة خاصة ليولد بهذا المقدار من الجمال.
هذه قرائتي الأولى لهذا الديوان ولكنها لن تكون الأخيرة، سأعود ذات يوم برغبة أخرى لأجد ما لم أستطع فهمه.
١- "هذا هو صباح اليوم، كما هو صباح الأمس كما هو صباح الغد ملايين الأبواق تزعق فيّ ملايين الأبواق."
٢- "كنت تحبهم بكل يأسك هم الذين يقفون الآن مثل جدار أمامك، إنهم لا يريدون فكاكًا من حقيقة أنهم قد امتلكوك إلى الابد."
عندما تعرف نهاية بطل الحروف قد مات مشرداً في شوارع بغداد، سيختلج قلبك اعتصار موجع ودموع منهمرة سلاماً لحروفك الكبيرة عقيل علي العزيز سلاماً وامناً ومحبة