ليال تجلس إلى جانبي قريبة من زجاج نافذة الباص العريضة، تجمع ركبتيها بيديها وتنظر بعيداً إلى المروج الخضراء والمستطيلات المرتبة بعناية على جانب الطريق، فيما أقرأ اللافتات الخضراء المكتوبة ليستدل بها العابرون نحو مصائرهم كمن يتهجأ أبجدية أولى للجغرافيا الجديدة.
الصهد وما ادراك بالصهد في الكويت، الصهد الذي لفح العقول في الصحراء وجعل النفوس في اغلب الأحيان ضيقة! الظفيري يتكلم عن الكويتيين البدون في قصة حب وكبرياء لاثنين: علي بن شومان الذي ورث كرامة البدوي وأغلق قلبه عن كل شعور لعدم قدرته على ابتلاع إهانة وطنه له ولكيانه فلم يحب ليالٍ الحلوة المتفردة كما هي تستحق وكما هو يستحق! والأخرى ليالٍ الشجاعة الجسور التي سخرت من كل جروحها وفقدان ثقتها في الحب ومع هذا لم تحسب الأمور بعقلانية وأحبت علي بذكاء وقوة لكنها أحبت بغباء وطنها الذي لم يحبها في اي يوم من الأيام! ليالٍ بدون أيضاً لكنها من طيف اخر! وصف الظفيري في البداية الجيل الاول من البدون وأغرق في الأساطير ، خاصة أساطير الصحراء! المشاهد كانت جميلة لكنها طويلة في رأيي! ربما كان هناك نوع من التململ خاصة في وصف شخصية شومان وكأنها تحمل نوعا من الغيبيات الأسطورية! أيضاً وصف السيد الشيعي ومعجزاته على ظهر السفينة كان جميلا وغامضا وكان الكاتب يعدك لفهم شخصية ليالٍ وجمالها القادم ! احببت فترة الجيل الثاني اكثر خاصة فترة الثمانينات وما قبل الغزو! الجهراء تشكل المكان الرئيسى للأحداث لكننا نذهب معه الى ضواحي الكويت المختلفة ومقاهيها وفنادقها حيث يتواعد العشاق ويأخذنا الى أمريكا وكندا والسعودية وفلسطين والعراق! تكلم الكاتب كثيراً عن نقاط مشتركة كثيرة بين الفلسطينيين في الكويت ًو البدون ، وأبدى تعاطفا كبيرا معهم خاصة في مشاعر الحب منذ الصغر بين علي وريما قبل ان تتغير في كندا او ربما بعد ان سقط عنها القناع! كنت متحفظة جدا في هذا الموضوع بالذات لكوني عشت في الكويت واعرف جيدا ان الفلسطيني لا يقارن بالبدون من ناحية فقدان الهوية وانكسار النفس! اكثر إنسان ضائع هو البدون لانه يعيش مع وطن متبري منه، اما الفلسطيني فهو يشترك مع كل أفراد وطنه في نفس التشرد ويعرف ان لديه هوية! البدون في الغالبية جماعات متفرقة تحاول ان تخفي عارها الذي لم ترتكبه ! لا يوجد اي وجه للمقارنة في رأيي! جميل جدا وصف الكاتب لكويت السبعينيات والثمانينات لدرجة انني أشتممت رائحة بحر الشويخ ايام الجامعة وانا اقرأ سرده الجميل! جميل جدا تشريحه لشخصية ريما الفلسطينية الجميلة الرقيقة خاصة عندما ظهرت قسوتها عندما سقطت الكويت تحت الغزو ، القسوة التي لم يفهمها علي لانه لم ولن يكون الا كويتي الانتماء! عرض الكاتب بشكل عميق حجم الإهانات التي يتعرض لها الانسان في الكويت عندما يكون بدون جنسية ، وكنت أتمنى ان يصف أيضاً حجم الاهانة التي تتعرض لها هذه الفئة من قبل الجنسيات الاخرى أيضاً! جميل وصف قيس الذي ينتمي الى أصول عراقية وكيف ان والده شاكر وصل من العراق على جمل شومان وكيف ان شومان ظل بدون بينما تمتع قيس عكس علي بكل مزايا الجنسية! قيس مثال لقبح إنساني كبير موجود بكثرة في بلاد النفط والعنصرية! ورغم ان شريف الكويتي ابن الفضل هو الأغنى الا انه لم يهين علي كما أهانه قيس العراقي الأصل لانه بدون! للكاتب قدرة كبيرة على التشريح والوصول الى عمق الأشخاص في روايته في جميع المستويات! احببت سخريته المختفية وراء إمكانية ان ابن المليونير الفضل ربما لا يكون ابنه في الحقيقة وأعجبني اكثر إشارته الى إمكانية وجود خونة ضمن الكويتيين أيضاً قبل وإبان الغزو العراقي ليؤكد لنا واقع كل العالم انه ليس كل الشعب ملائكة كما يزعجنا الاعلام الكويتي على الفاضي والمليان. احببت مشاهد الحب بين علي وليال وفي رأيي انها كانت من اجمل المقاطع في الرواية. حتى السعودي بياع السجائر كان ذو حضور قوي وطاغ رغم قصر دوره! ورغم ان ليالٍ شخصية انفعالية لكني لا ازال غير مقتنعة انها ضحت بمستقبلها وحريتها من اجل وطن لا يستحقها! شخصية ليالٍ أذكى من هذا في اعتقادي! الرواية تسارعت بشكل رهيب في الجزء الثاني لدرجة انني كنت الهث من تسارع الأحداث والعاطفة! الرواية تموج بالواقعية القاسية في الجيل الثاني ومع هذا تشعر بدماء الشباب المتوقد فيها! شعرت بالغضب الشديد لان الرواية انتهت قبل الأوان وانا لم أكن مستعدة أبد! كنت أتمنى ان تستمر اكثر ! كنت أتمنى ان يلتقي علي بليال في النهاية ليقول لها احبك انت، لكن الكاتب اختار علي في وداع ابيه وهو يموت! اعتقد ان هذه اول رواية تتحدث عن المأساة الداخلية للإنسان البدون في الكويت وأتمنى ان تترجم حتى يتعرف العالم الغربي على معاناة هؤلاء البشر الغير محظوظين. الرواية ممكن ان تصنع فيلما سينمائيا لانها غنية بالأحداث والأشخاص والمكان والتاريخ . جميلة جدا هذه الرواية ! هي قطعة من ماض عشته في الكويت والغريب أني حملتها معي في أماكن كثيرة بعيدة تماماً عن الكويت. رواية للأسف لن تجد لها الكثير من الدعم لانها عن فئة مهمشة لايتحدث باسمها الا القليل! شكرًا ناصر الظفيري !
قرأت الصّهد في ثلاث ليال متتالية، كنت أقرأ وأتوقف قليلاً ومن ثم أعود للقراءة مجدداً. بداية الرواية كانت غامضة بشخوصها والأحداث الغريبة المتداخلة بها، لم تروقني.. ولكنها كانت كافية لأن تجعلني أودّ معرفة المزيد وسؤال يدور في ذهني : ماذا بعد كل هذا؟ ذلك بسبب نصيحة الكثير من الزملاء بقراءتها.
الأحداث تبدأ مع علي شومان شاب من فئة البدون تربطه علاقة حب مع ريما الفلسطينية ذات الشخصية الباردة ودون أدنى مبادرة منه، على عكس علاقته مع ليال، الفتاة التي كانت تحبه بدورها، وهي المتهورة الاستقلالية بشكل مفرط، والتي لم تقنعني جوانب عدة في تركيب شخصيتها!
تدور الأحداث بين الدراسة والمطالبة بالجنسية الكندية تتخللها فترة الغزو العراقي.
الجو العام للرواية كئيب.. وأنا عادةً يهمني الاحساس الذي تتركه الرواية في نفسي أثناء وبعد الانتهاء منها، وأحب الدهشة التي تملأ قلبي وأنا أدور بين الصفحات، في الصّهد لم أجد احساساً لطيفاً ولا دهشة.
أحببت شخصية شومان، وأثرت بي المشاهد التي جمعته بابنه علي في أواخر الرواية حينما فقد ذاكرته.
بعد روايته (أغرار) الصادرة عام 2008 تلقف القراء المهتمون بالأدب الجيد رواية (الصهد) لناصر الظفيري عن دار مسعى في معرض الكتاب، حتى أن الأديبة ليلى العثمان كعهدها في تشجيع الأدب المحلي كانت تهدي ضيوف المعرض من أصدقائها نسخا من تل كونته على طاولة منزلها. (الصهد)... رواية يكملها القارئ في يومين رغم عدد صفحاتها المقارب للأربعمئة، بدايتها كانت مؤهلة لأن تكون رواية تاريخية لولا منعطف الثلث الثاني من العمل. تمنيت كقارئة لو توقف الظفيري عند زمن (ابن فضل) و(شومان) ولم يتخلص من تلك الشخصيات الجذابة والمتدفقة روائيا لصالح (ليال) و(علي شومان) و(ريما) و غيرهم من الشخصيات التي لم تكن بقوة وبريق أبطال الثلث الأول. ليته أكمل رحلته الباعثة على الفضول مع سراب الصحراء والحائط الوهمي وسفن البحارة، وحكايات الجن وتل الفضيحة وكائن الخرافة، والحدود التي تعبرها الجمال والبضائع المهربة، بدلا من نقلنا لنيويورك وكندا والفروانية وبث الكثير من الشخصيات في فضاء النص المزدحم. جاءت الرواية لتتناول قضية البدون في الكويت بمحاولة تتبع أثرها تاريخيا والإحاطة بها، بدايات اكتشاف النفط، تحولات المدينة السريعة، عودة الكويتيين من المهاجرين للبصرة، استقرار القبائل التي نزحت من الصحراء للعمل في مجال الجيش والشرطة، الانتقائية في التجنيس، وغيرها، صاحب ذلك تعدد الشخصيات على امتداد جيلين مع الكثيرمن القفزات الزمنية. الرواية جاءت بصوت الراوي العليم، مستوى السرد بدا أشد تماسكا في الثلث الأول، شخصية (ليال) حملت العديد من التناقضات، كقارئة لم تقنعني، شخصية لامبالية ومستهترة جافة جدا مع والدتها بدا غريبا كيف تحمل ولاء والتزاما عاليا للوطن الذي لم يمنحها صك المواطنة بحيث تنخرط في المقاومة وتحمل السلاح. وكيف تعرضت للاغتصاب وفي نفس الوقت بدت شبقة ومتهافتة على رجل لم يحبها وهي المرأة المعتزة باستقلاليتها! أيضا لم أقتنع كقارئة بموقف (شريف) و(شاكر) الأول كويتي أصيل والآخر بالتجنس وكلاهما ثري بموقفهما أثناء الغزو، حيث تعاون كلاهما مع البعث والغزاة! وهو أمر لم يحدث على أرض الواقع. شخصية (ريما) الفلسطينية بدت سلبية وكئيبة كمارش جنائزي، بلا ملامح روائية مقنعة فهي المتفوقة دراسيا المتمردة لاحقا، عكس والدها (أبو ليلى) الذي حمل هم القضية الفلسطينية عبر صوته المتفرد في العمل، قصة هروب شقيقتها (مها) وجدتها مقحمة لم تخدم الخط الدرامي. على جانب آخر جاءت شخصية البطل (علي شومان) موازية لريما في السلبية و التقوقع على ذاته المحبطة، رجل مهزوم تحركه الأقدار وتعبث به. يصبح هدفا لحب غريب من امرأتين احدهما عكس الأخرى في كل شيء! لغة الرواية جاءت بسيطة ومباشرة، أجمل ما في العمل رصده حالات الغربة والتغلغل في شخصيات بدت منشطرة ومتماهية مع حزنها الخاص في عالم لا يلتفت لهم. عنصر التشويق كان حاضرا رغم الإطالة في أجزاء كثيرة من العمل خصوصا الصفحات التي تناولت هجرة البطل لكندا وما بعدها. المتابع لإنتاج الظفيري الروائي يلمح نقاط التقاء بين أبطال رواياته الثلاث الأخيرة، الرجل المستلب (علي شومان) والمرأة الجريئة (ليال) وجدا بشكل آخر في (سماء مقلوبة) و(أغرار) وبعض قصص ناصر القصيرة. (صهد) هي الرواية المحلية التي تتحدث عن مشكلة (البدون) بتركيز شديد كما تحدثت عنها رواية (سلالم النهار) لفوزية شويش مع أن كلايهما على طرفي نقيض في رؤيتهما للموضوع. ناصر الظفيري روائي مجتهد يعمل بصبر وأناة، أمضى عشر سنوات في كتابة (الصهد) التي يمسكها القارئ بسقف توقعات عال خاصة أنها لمؤلف (سماء مقلوبة) الرائعة الروائية التي من الصعب تجاوزها حتى من ناصر نفسه!
في الفصل الأول، بعنوان " تأربخ " كنت سأقيّم الرواية بأربع نجوم.. لكن خاب ظني في فصلها الثاني بعنوان " الرواية " .
شعرت في الفصل الثاني بتعديل أدوار الشخصيات و الأحداث الزمنية من أجل الوصول لنهاية كانت موضوعة مسبقا ، و لعيون هذه النهاية تأرجحت الأحداث بين الصدف و جرع زائدة من الخيال.
حملت بين يدي روايه لم افقه معناها ولكنها كانت توصية صديق لا يمكن الاستهانه برأيه ابداً .. العظيم عبدالله الفلاح !
مع بداية اول فصول الروايه التي كانت تحمل الطابع التاريخي لفترة من تاريخ الكويت لم تأخذ نصيبها في الاعلام والتداول .. شعرت بنوع من التعالي في اللغه المستخدمة واستعصت علي العديد من الكلمات ، ولكن رغم التعالي اللغوي كانت مصاغة باسلوب شيق يحفز الخيال فلم يكن من الصعب تخيل كرم وشجاعة وسمار شومان .. أو هيبة ابو الفضل ! تسلسل الاحداث وتقسيم فصول الروايه بذكاء وعبقرية ادبيه تجعل من الصعب ترك هذة الفتنه الادبيه بعيداً لفترة طويله .. ناقش الكاتب ناصر الظفيري تضادات نشأت في شخوص الروايه وشخوصنا ايضاً .. فكونك عربياً ينبطق عليك ما قالته الفلسطينية ريما .. “ انا مجموعة اوطان تتقاسم انساناً وتتجاذبه دون أن يكون له ادنى إراده أو رأي في اختيار مكانه ..” هي حوار الهوية والانتماء من وجهة نظر لم نفكر بها ابداً .. للأمانه لم اعطي أهمية لمعنى "الصّهد" حتى قبل لحظات من كتابة رأيي بها ! صَهَدَهُ الحرُّ ـ صَهَداً: اشتَدَّ عليهِ.( الصَّيْهَدُ ) أي الحرُّ الشديد..
تباينت أحداث الرواية ما بين الرضى والقبول بيد أن مفاتن البلاغة تظهر تارة وتختفي تارةفيصحبه عسر في هضم النص. تأثير الكتابة لبس ثوبا من سياقات منيف واسماعيل فهد ...حتى أن فكرة الطرح شعرت بأنها مستوحاة من هاتين المدرستين رواية الصهد رواية تستحق القراءة وتحمل في طياتها سياقا روائيا لا يخلو من الابداع
موجعه حد الأنين .. تبكي وطن لايبكيك و ان تبحث عن لهيب نارها عن دفئ الأنتماء فلا تجد الا السراب البداية و مقدمة سردت لنا حكايات اجددهم وؤكيف وصلوا لهذا البلد،.. الذي جندهم لحمايته ؛و اهمل حقهم بالأنتماء ابتداء بشومان الذي اختفاء بطفولته عن امة فضة لتربيةة الجن كما يقول ..ليعود لها فتيا .. لينقدة من سوؤى اوضاعه الجمل ام السيد بن فضل من البصرة الئ الجهراء سيد و مطاع و كل شيئ رهن اشارته ..فهل تنسئ من انقادة بجملة من الضياع في الصحاري الاستاذ ابو ليلئ كمال العسقلاني فلسطيني مولد و الهوية ..مصري الجنسية متشرد بين الاوطان يبحث عن الأمان فهل اعطته الكويت ما يتمنئ . في رواية افرغ الكاتب ما في جعبته من آهات و زفرات علئ الوطن .. و ما جرئ عليه .. يروي حكاية ليال تلك الزهرة التي قطفت قبل الآوان لتموت ذابلةة بعد فوات الآوان.
غادرت وطني ليس لأنني لا أنتمي الية ؛ وإنما غادرته لأنني لاأريد أن يغادرني .
بزفرة الم .. اطلقها علي بن شومان عن حرارة الوجع في قلبه .. قضيته شائكة التي مازال يعاني منها الاغلبية العظمئ، و ربما هو وصمة عار ان تولد في بلد مهما اعطيتهم من ماء مقلتيك و نزف دمائك .. تظل في اعينهم موطن دون وطن ..
معنى صهد في معجم المعاني الجامع -
صَهَدَ ( فعل ):
صهَدَ يَصهَد ، صَهْدًا وصَهَدًا وصَهَدانًا ، فهو صاهِد ،والمفعول مَصْهود صهَده الحَرُّ : اشتدَّ وحمي عليه ، أصابه وأحرقه
صَهَد ( اسم ):
اِشْتَدَّ الصَّهَدُ : الْحَرُّ الشَّدِيدُ مصدر صهَدَ
الرواية عبارة عن رصد إبداعي لتاريخ تشكل ما نسميهم بالبدون في الكويت، وهي عرض تاريخي لأحداث حصلت بشكل آخر في العالم الحقيقي، أسلوب الرواية شاعرية يتنقل بين مباشر وغير مباشر في صياغة المعاني، أحب أن أسميها ملحمة، لأنها تتناول حياة أكثر من جيل، وأعتبرها أحد الأعمال المهمة في الأدب الخليجي.
يكتب ناصر الظفيري روايةً عن الاحتراق الداخلي عن الإنسان الذي يعيش داخل وطنٍ لا يعترف به. يُقدّم من خلال شخصية شومان صورةً للبدون بوصفهم جماعة تحترق في الظلّ، ويحوّل حرّ الصحراء إلى استعارةٍ عن قهرٍ اجتماعي لا يبرد!
الصهد عندما ثأر علي ابن فضل لضيفه شومان في البصرة لم يكن هذا الثأر أكثر من إظهار إحكام سيطرته كإقطاعي أولاً.. ولاعتبار أن ما حصل انتقاص من قدره وشرفه شخصياً كصاحب سطوة اجتماعية ثانياً، وثالثاً لأنه خطط منذ البداية – بعقلية التاجر – لاستخدام شومان كحمار نقل لتهريب بضائعه من البصرة إلى الكويت، وهنا تحديداً يحتاج لمثل هذا السلوك الانتقامي العلني ليثبت مكانته السلطوية والاجتماعية لشومان. أما رد الجميل بالنسبة له ولأمثاله لا يتعدى الجانب المادي لا أكثر. وعندما انتهى وجود علي بن فضل في العراق كإقطاعي كبير هرب إلى الكويت بمساعدة شومان وجمله، هذا الجمل الذي حمل شاكر لاحقاً هارباً من نفس المصير إلى الكويت فيحصل على جنسيتها بواسطة علي بن فضل بعد سنوات قليلة جداً. وبالمقابل نجد أن شومان لم يثأر لضيفه ابن فضل عندما تعرض للإهانة بمجلسه مما عمق الحقد في نفس ابن فضل، وعندما آلت لابن فضل مصائر الناس في منع أو منح حق المواطنة تقاعس كثيراً عن قصد في منحها لشومان ولكثير من البدو (ص88 الصهد) سواء من قبيلة شومان أو المحسوبين عليها ممن كانوا يشتركون معها في تمترسات تاريخية قديمة شكلت في أغلبها نهاية الحقبة العثمانية وبداية تشكل حدود دول ما بعد اتفاقية سايكس بيكو. إن هذا الصراع الثأري الأزلي – إن جاز التعبير – الذي زُرِع قسراً في حياة الناس بين ما يسمى قبائل الشمال وقبائل الجنوب من جهة، والنظرة المتشككة والاستعلاء الطبقي المقصود الذي أراد أن يسبغه على نفسه التيار العنصري المتشدد جداً الذي نبذ حتى ابن فضل نفسه من المدينة أو المركز إلى الأطراف؛ فضلا عن تجاذبات وحسابات سياسية واجتماعية بدأت تتشكل – بوعي أو بدونه – في بداية انطلاق الحياة السياسية في البلد، فكان التهميش والإقصاء الورقة الحاسمة في تدافعات النفوذ والسطوة، فتحول الثأر من شومان الفرد، إلى شومان الجماعة. من جانب آخر نجد أن ثأر شقيق "ديمة" لشرفه وقتله لشقيقته والمهري معاً وانتهاء أدوارهم في الرواية كشخوص أبرز قيمة المكان ليكون متواجداً على الدوام كفضيحة في الوعي الشعبي الجمعي لأهل القرية من جهة؛ وفي وعي شريف، شريف المهري، شريف بن علي بن محمد بن فضل، فكان مشحوناً نفسياً على الدوام بثأر جمعي غير محدد الأبعاد تجاه أهل القرية نفسها. وعلى جانبٍ موازٍ نجد أن "ليال" التي اغتصبها زوج والدتها، تحمل في نفسها حقداً كبيراً على جنس الرجال عموماً (علي شومان كان استثناءها الوحيد) كانت تحمل حقداً لو توفرت لها ظروف الانتقام لما ترددت لحظة. وهنا نستعيد شخصيات روائية سابقة كـ "نجوى" في رواية "سماء مقلوبة" والدكتورة "ضحى" في رواية "أغرار". تعمَّق شعور "ليال" بالحقد والرغبة بالانتقام والثأر بعدما أهانها قيس بن شاكر المنتمي لحزب البعث قبل الغزو والذي كان يؤوي في بيته بالجهراء مجاميع استخباراتية بعثية أثناء فترة الاحتلال لتقويض عمل المقاومة الكويتية؛ فأتيحت لها الفرصة أثناء عملها مع المقاومة لتنتقم من قيس رغم التعليمات المتشددة من قائد المجموعة "بوعلي". ثأرت ليال من قيس، ولأن حقدها عليه ورغبتها الملحة في الانتقام كانا أكبر من أن تسيطر عليهما؛ أماطت اللثام عن وجهها لكي يعرفها قيس ولكي تدفعه لأن يرى موته في عينيها، ولم تنتبه أن شريف كان يطل من شباك البيت، فشهد ضدها بعد التحرير وكان الشاهد الوحيد بعد أن استشهد كل أفراد مجموعتها قبل التحرير بأيام قليلة. إن عدم وعي ليال وانجرارها وراء ثأرها الشخصي أدخلها في خلط بين ما هو خاص بما هو فعل وطني لا يقبل العبث تماماً كما توقع قائد مجموعتها "بوعلي" عندما حذرها قائلاً: "نحن هنا لا نغامر ولا نلهوا".
" لا أعلم كم من الوقت نحتاج لاستعادة إنسانيتنا التي فقدناها بصورة مباغتة "
تناولت الرواية إحدى القضايا المؤثرة بشكل كبير على سجل الكويت في حقوق الإنسان و هي قضية ( البدون ) ، بعضهم أصولهم بدو من بادية الكويت سكنوا شبه الجزيرة العربية منذ الألف السنين مثل ( علي ) بطل الرواية و أبيه .
المضحك المبكي أن اغلب البدون يخدمون في سلكي الجش و الشرطة ، و شاركوا في الدفاع عن الكويت في حرب الخليج و منهم من استشهد أو أسر .
( علي شومان) أدار للزمن ظهره فلم يكن مع او ضد اي موقف سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي ( لا أنتمي ) شعور مرافق له ( المنفى ) هو الحلم و المنفذ الوحيد لمتاهة ( الهوية ) بعد سلبه أغلب حقوقه و ابسطها !!
الوطن / الانتماء / المنفى / الغربة / الهوية كلها ��فاهيم تناولتها الصهد بأسلوب سردي دارمي حماسي و ذكي حيث تعرض ناصر الظفيري لقضية الوطن ليس فقط من منطقة مكانية واحدة ...الاحداث بدأت تقريباً من منتصف الاربعينات إلى 2001 فكم من الوقت نحتاج لاستعادة إنسانيتنا ??!!
توقعت الكثير وهذا ما حصلت عليه في النصف الأول من الكتاب " التأريخ" أما النصف الثاني بنظري بلا هدف فالاحداث تصف حياة شباب بلا دين ولا أخلاق وتشوه صورة الشباب المسلم.. لا مقاومة للشهوات ولا أسف ولا حتى الاحساس بالذنب .. يمر الحدث كشيء عادي كمشهد اباحي في فلم آجنبي، هذه ليست ثقافتنا وهذا ليس اسلامنا. الرجاء احترام القارئ ..
«وحمله بين يديه ضامًّا إياه إلى صدره بعنف محب، وعيناه تتقدان بأسهم من نار.»
«وكان بعد كل رحلة يعود بذات الدموع اليائسة التي تقف عند أطراف الهدب حين يكون أمام الملأ، وتبلل أطراف غترته حين يكون وحيدًا.»
«لكن لا أحد، حتى السيد نفسه، يعلم إلى أي مدى يمكن أن تبقى الروح النقية في نزاعها.»
«ونمت على فراشي أمام البيت، كما لو كنت أحرسه مما سيحل به غدًا.»
«يتهاوى كل شيء ليتساوى بالأرض، وكأن كل أيامي التي مضت قد شطبت فجأة وبقسوة لا تغتفر. أخبرت أمي بما حدث وكأنها هرست دمعة على خدها، لم أسمع صوتها تبكي طيلة حياتي، كانت قوية بصمت.»
« هل تبكي؟ أنت رجل. تركني ليدخل غرفته، كنت أعلم حزنه، عليّ أن أتماسك أمامه على الأقل، لم أنم تلك الليلة، فكرت فيما يمكن عمله ابتداء من الهجرة، وانتهاءً بالانتحار.»
«علي ألا أسأل نفسي، وماذا بعد، وليكن هذا الـ(بعد) كما سيكون، هكذا تعاملني الحياة، فلأتعامل معها هكذا.»
«-لماذا أنت محبط هكذا؟ -ولماذا لا أحبط، لم تبق عينان كريمتان أو حقيرتان لم أقبلهما بعيني كي أحصلَ على جواز سفري، لم يقل لي أحد كلمة واحدة سوى تعال غدًا.»
«أنا في هذا المكان ولكنني خارج زمنه، أنتظر اللحظة التي أوافق فيها زمني ومكاني، إن فشلت في هذه الحياة فليكن إيماني أنني سقطت في الأرض الخطأ في الزمن الخطأ. ليس إلا!»
«لو لم يكن لي من وطني إلا ليال لكفاني.»
«تغيّر شكله كثيرًا، ولكن طيبته البدوية لم تتغير، احتضنني بقوة كما يحتضن وطنا عاد إليه.»
«لم تفهم ريما بأنني غادرت وطني ليس لأنني لا أنتمي إليه، وإنما غادرته لأنني لا أريد له أن يغادرني.»
«أقسى الألم هو الذي لا تجد أحدًا تقتسمه معه، أو يقتسمه معك.»
«لم تكن لدي بقية من حزن. كنت أنا الحزن ذاته.»
«أبي -اترك يدي تركت يده وأنا أسل يدي من يده (أبي) كان جسده باردا كقلب يناير في أوتاوا.»
بكيت وأنا أقرأ هذا الكتاب، وفي إحدى الصفحات، كنت أنتفض حزنًا، وربما، غضبًا على بداوةٍ أشتاق إليها ولم يقدر لي بأن أعيشها كما ترغب روحي. الصهد رواية قوية جدًا، وجرح غائر في جبين «الإنسانيّة»
شكرًا، د. ناصر الظفيري، على عملٍ كهذا، وعلى ثلاثية الجهراء كاملة. واثقة بأن (كاليسكا) ستكون رحلة جميلة أيضا
قرأت كثيراً عن سيرة ناصر الظفيري رحمه الله، بحثت عن أعماله فتعثرت برواية الصهد، بدأت بقراءتها، وجدت بدايتها صعبة، تساءلت أين يريد بنا الكاتب أن يصل؟ ومع تتابع الأحداث أصبح من الصعوبة بمكان أن ألقي بالرواية بعيداً عني، حتى انتهيت منها. الرواية من كتابين أو بابين، أولهما أطلق عليه الكاتب اسم التأريخ، فيما الثاني أسماه الرواية. يشير في الكتاب الأول إلى مرحلة ما قبل النفط، وبداية تأسيس الدولة-دولة الكويت- وكيف أنها كانت ملاذاً آمناً لكثير من الناس من مختلف الأقطار المجاورة، يلوذون بها أرضاً طيبة ومأوى بعد أن ضاقت بهم السبل، منهم البدو والعراقيون والإيرانيون والفلسطينيون، كل يلوذ بها هرباً من آثار انقلابات عسكرية،سلبت العباد ممتلكاتهم وطاردتهم في أوطانهم، أو حروب صادرت منهم الأوطان والهوية. تنوعت أطياف من لاذ بالكويت ، لكنهم جميعاً وجدوا بها العمل والراحة ، ويتحدث الكاتب هنا عن بدايات التجنيس التي رافقت تأسيس الدولة، وكيف استأثر فيها أصحاب النفوذ فسهلوا تجنيس البعض، فيما أعاقوا ذلك لآخرين فنشأت فئة البدون. في الكتاب الثاني يبدأ الكاتب في التعرض للآثار الناجمة عن سياسة التجنيس من حرمان فئة البدون من كثير من الامتيازات مما سببت لهم الكثير من الضيق ، فصار الحصول على فرصة للتعليم مرهونة بتأييد أصحاب النفوذ. يعرض الكاتب للحياة الاجتماعية التي رافقت ذلك من خلال قصة علي بن شومان طالب الفيزياء وارتباطه بريما زميلته في الجامعة الفلسطينية ثم علاقته بليال الطالبة البدون من أم كويتية، وفي رحلته للبحث عن هوية وهجرة من وطن أحبه تمضي الحكاية، ولعل أفضل رسالة مررها الكاتب، أن الجنسية لا تصنع مواطناً حقيقياً مدافعاً عن وطنه، فقيس الذي حصل على الجنسية متعاون مع قوات الاحتلال لكن ليال البدون تنخرط في المقاومة، وفي نهاية المطاف يخطىء دون قصد منه علي فيدفن ليال في مقبرة طائفة مختلفة، ففي نهاية المطاف كلنا نقابل رباً واحداً مهما اختلفت معتقداتنا أو مذاهبنا، فهي الأرض التي تضمنا لا تعرف ما انتماؤنا ومذهبنا. رواية تستحق أن تعيش معها.
لا أعلم كيف ظل الكتاب لدي كل هذه السنوات دون أن أقراه. يالله .. كمية الحزن التي تقطر من هذه الرواية غير معقولة. هل كانت فعلا بهذا الحزن أم معرفتي بحال الكاتب رحمه الله ودفنه بين ثلوج غريبة هو ما زاد حزنها؟ لا أعلم.
بدأت الرواية بتألق أدبي ولغوي مذهل .. قبل أن تخف الاستعارات والتشبيهات ويحل محلها سرد سلس حزين مؤلم. استطاع الكاتب فيه بث الحزن بشخصياته حتى نقلت لنا هي الشجن بدورها.
رواية كهذه, ولدت من رحم معاناة حقيقية. وإلا لما خرجت بهذه الصورة.
عندما تقرأ عملا روائيا بُعيد نشره بفترة طويلة، فإنك تتحرر كثيرا في قراءته والكتابة عنه، متلمسا عوالم العمل ذاته لا أصداءه، ملغيا أي تأثير مسبق قد يخيم عليك، لتحقق معنى الاحتفاء به كاصدار جديد وجدير بالكتابة عنه.
الصهد، عنوان العمل الروائي الأخير للروائي الصديق ناصر الظفيري، الذي صدر عن الزميلة مسعى للنشر والتوزيع شتاء 2013، بعد أعمال روائية وقصصية عدة، قـدّم من خلالها الظفيري هويته السردية التي تتشابك في حبكتها مع التاريخ عبر المكان باعتباره الشاهد بمحركي صراعه (الثابت والمتحول) في رصد جانب ما من جوانب مجتمع ما، لتدور حولها مفردات الخطاب وتتشكل معها عوالم السرد. ولأن الرواية مشروع في الكتابة الملحمية- كما يذكر الظفيري في أحد لقاءاته- أو قراءة في تاريخ الكويت، توقعت أن تكون ملمة بجوانب كثيرة وأماكن مختلفة ترصد متغيرات عامة وتحولاته على مختلف الأصعدة كما في عدد من الروايات العربية كرباعية إسماعيل فهد إسماعيل أو ثلاثيته عن النيل أو أرض السواد ومدن الملح لعبدالرحمن منيف وثلاثية تركي الحمد. إلا أن الظفيري اكتفى في الصهد في تركيز عدسته على مدينته «الجهراء» كمكان متخيل عن الكويت عموما، وهو ما كان في روايته السابقة (سماء مقلوبة)، وهـو قد يصح للروائي من دون المـؤرخ على اعتبار أن العمل الروائي بمجمله متخـيل ولو قـام على أسس واقـعية، إلا أنني أردت الوقوف عند فكرة الملحمة والرواية التاريخية.
جاء العمل مقسما على فصلين/ كتابين، عُنون الأول بـ (تأريخ) وجاء سردا لتاريخ المكان/ الجهراء عبر شخصيتين أساسيتن:
- ابن فضل، التاجر القادم من الشمال، الباحث عن فرص جديدة.
- شومان البدوي، عاشق الفضاء الذي اعترك الصحراء بكل ما فيها.
إضافة إلى شخصيات ثانوية، تناسلت منها معالم السرد اللاحق في الفصل الثاني الذي عُنون بـ (الرواية) الذي يفترض أنه امتداد السرد والتخييل، ليفتتح السرد فيه عبر تكنيك الاسترجاع في قراءة علي بن شومان - الشخصية الأساسية هنا - لمخطوط ليال التي شكل معها وريما بقية السرد في الفصل الثاني الذي كانت الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينات القرن العشرين لوحته الزمنية في رسم المعالم السياسية والاجتماعية لبعض شخصيات العمل. لينتهي الزمن بُعيد تحرير الكويت من الغزو العراقي الغاشم فيتوقف زمن السرد عند من ابتدأ به أصلا «شومان» الذي اقتبس اسمه من الشؤم كما جاء في أول فصل (شؤمان) فتمثل الأول بموت أبيه وهو جنين ببطن والدته، والآخر عودته إلى الواقع بعدما تحول لخرافة. وكأن ثمة ثأرا قديما بين الشؤم وشومان، فاستمر معه بعد معرفته بابن فضل وموت أمه وتركه الصحراء/ الفضاء، انتهاء إلى ما وصل إليه من حال... كائن غريب في أرض مولده و محله وترحاله.
وكما كان السرد كثيفا/ متماسكا في الكتاب الأول وشيقا في الحفر والحكايا التي خبئت في ذاكرة المكان الذي كان شحيحا/ انتقائيا ليهب دفئه إلا لمن يملك فقط، برغم أنه بات موطن من هاجروا إليه بحثا عن حياة أخرى. تمنيت لو كان كذلك السرد في الثاني، خصوصا في الفصول الساردة عن جغرافيا جديدة في السرد الخليجي والكويتي حيث الغربة بين كندا ونيويورك، حيث اكتفى الروائي ببعض المشاهد التي برغم قلتها إلا أنها كانت الأكثر إثارة للفضول وحراكا للسرد الذي كان يسحب ياقتنا للتعرف أكثر على تلك الزوايا المنعطفة في رحلة الغربة إلى بلد آخر تجمعت فيه أيضا نفوس من مشارب مختلفة لتبني وطنا منوعا بالثقافات، ساكنا بالأمل، فيكونوا زاد الدفء في أرض مسكونة بالبرد. ولعلي هنا أسترجع ذات الملاحظة التي اشتركت فيها مع كثيرين حول رواية (ساق البامبو) للروائي سعود السنعوسي، حيث كان الجزء الخاص المتعمق بالفلبين الأكثر غنى وتشويقا من الآخر الخاص عن الكويت.
كذلك فإن تناوب السرد بين المكان الأول «الكويت»/ المكان الثاني «الغربة» في هذا الجزء من الصهد كان كفيلا لتشظي السرد بين علي/ ليال/ ريما، وإن كان علي هو سارده الطاغي بانفراد، النقطة التي تعطي الأفضلية لسرد الجزء الأول الذي جاء على لسان سارد خارجي كلي المعرفة، يركز بؤرة الحدث في ذات المكان/ الجهراء. إضافة إلى المرور الزمني السريع على فترة الغزو والاحتلال العراقي في فصل (ذات خميس من آب) فجاء زمن الحكاية قصيرا وخاضعا لزمن السرد العابر.
أختم المقال بأن الصهد كرواية تستحق الاحتفاء بها، برغم ما أثرناه هنا من باب محبتنا للصديق ناصر الظفيري الذي أتمنى أن يكون الصهد بداية استرجاع نَفَسِ المكان عبر أعمال روائية قادمة أراهن دائما عليها في حرفية كاتبها واشتغاله السردي الجاد والفكري المتميز.
الصهد الكتاب أصابني بالحيرة لأنه من الصعب الحديث عن الكتب الرائعة.. حتى الآن لا يوجد الكثير من الكتب عن البدون وأعتقد في وقت صدورها كانت فريدة من نوعها. يروي عن البدون، ومن عاش في الجهراء وعن معاناتهم ومأساتهم، فلا يدور في بالي سوى ما ذنبهم؟ هنا ألم الانتماء والهوية ليس فقط للبدون بل نراه أيضًا في الفلسطيني الذي يحمل انتماءه لبلده في روحه ليس فقط بما يحمله من جنسيه. أحببت النصف الأول والسرد التاريخي بلغة قوية وبلاغة واضحة وشخصيات جذابة أكثر من الجزء الثاني فكان مخيبًا للأمل قليلًا. كم هي عظيمة الكتب التي تشعرك بأنك معهم. رحمة الله على ناصر الظفيري ومتشوقة لقراءة أعماله الأخرى..
"قدرك في الصحراء أن ترتبط بأقدار الآخرين، أن تعيش في جماعة وتفكر في جماعة، أنت في الصحراء لست أنت، أنت عضو في الجماعة"
"لم أنم تلك الليلة، فكرت فينا يمكن عمله ابتداءً من الهجرة، وانتهاءً بالانتحار"
"لم أفكر فيما سيأتي، علي أن أسير بحياتي من مرحلة إلى أخرى دون تفكير أو تخطيط مسبق، علي ألا اسأل نفسي، وماذا بعد، وليكن هذا البعد كما سيكون، هكذا تعاملني الحياة، فلأتعامل معها هكذا"
منذ أن شرعت في قراءة هذة الرواية وجدت شعوري حيالها متذبذباً, فما أن أنهيت الفصل الثاني منها إلا وجدت نفسي كارهاً للقصة ولطريقة السرد وكل التفاصيل, مع ذلك أرغمت نفسي على متابعة قرائتها, فقد كنت أقول في داخلي من الإستحاله أن تكون كل الأراء الإيجابية التي تلقيتها وقراءتها حول الرواية من قراء أنهوا قرائتها وأشادو فيها أراء مصطنعه وغير حقيقة, وحسناً فعلت.. فما أن دخلت في الفصل الذي يحكي حكاية "تل الفضيحة" حتى وجدت نفسي منسجماً تماماً مع النص, ومقبلاً عليه بدون شروط أو تردد, فلقيتُني مهموماً بحكاية "كمال" ودخانّه, ومأسوراً بحكايا القرية, و"ابن فضل" و"شومان".. وعلاقتهم المثيرة, وحكاية قصر "ابن فضل" الذي عمّرهُ على خراب "تل الفضيحة", ثم جاءت الحكايا والمفاجأت تباعاً على شكل شخوص آخرين أضفوا على النص نوعاً آخر من التشويق, وطابعاً مختلفاً لأصل الحكاية, فطرق "علي بن شومان".. مع "ليال" و"ريما" طرائق في الحب والعشرة, وتركوا المجال واسعاً في تضارب مشاعرهم حيال بعضهم البعض, وكان "شاكر" و"قيس" و"شريف".. أطراف آخرين في لعبة الحياة التي يعيشها "علي", ويتمردغ في عذاباتها ليلة بعد أخرى.
ينطلق النص بشكل فعلي من قضية "الهوية", وتشعر بالشتات بالفعل بين "علي" و"ريما" و"ليال", فنشأتهم واحدة, إلا أن قضيتهم المشتركة تحمل خصائص مختلفة في كل منحى منها, فالنص يتحدث بطريقة لاذعة عن مشكلة الإنتماء والوطن والضياع في بلدان الشتات الصعبة, وكيف أن يكون ضميرك مضطرباً حيال كونك لا تحمل جوازاً أو أي ورقة رسمية تثبت إنتمائك للأرض التي خلقت عليها, أونشأت فيها منذ الأزل, وكأن ظروف النص جاءت لتطرق بوابة القضية التي تشغل الرأي الكويتي والعالمي منذ قيام الأرض.. وهي قضية "البدون", وحقيقة إنتمائهم وأحقيتهم في الإنتماء والحصول على حق الهوية الواضحة للعيان. مع ذلك يدور النص ايضاً في دوائر أخرى مختلفة, فيتعرض لقضايا سياسية أخرى, وقضايا في الشعور والمعشر, وقضية "زنا المحارم" التي تأخذ شكل آخر في حكاية "ليال".
ربما ما يعيب الرواية بنظريّ.. هو القفز الزماني, والتنقل العشوائي بين الشخوص والأحداث دون ترتيب مسبق وسلس. وكذلك هناك ثغرات كثيرة من ناحية واقعية النص, مثل أن الخمره تدور على السطح العام في المجتمع الكويتي, خصوصاً في المشهد الذي كان يدور في دار الموسيقى ويتناول فيه الحضور مشروبات روحيه بدون تحفظ أو على الأقل في الخفيه بل على العكس تماماً. كذلك الفصلين الأولين من الرواية.. أشعر أنهم مجرد حشو فارغ ومقدمة طويلة للقصة الحقيقة وهي قصة "علي" و"ليال" و"ريما", وهي العائق الذي حال دون إنسجامي مع النص في بدايته كما ذكرت مسبقاً, كذلك الفصل الأخير كان بمثابة ورطة ومشاهد مفتعله لقصة سجن "ليال" التي لم تكن منطقية بما يكفي لتقنعني بواقعيتها. مع ذلك كله يبقى النص في منظوره العام جميل ويحمل قصه لطيفة ومختلفة في طريقتها. وتبقى تجربة قراءة الرواية تجربة جيدة, ولا بأس بها.
رواية #الصهد ، للأديب الكويتي ناصر الظفيري ، تبدأ أحداث الرواية بالعثور على شاب غريبٍ عارٍ حاول مقاطعة خلوة نساء القبيلة ، تحتار القبيلة بأمرهِ ، إذ يروادهم الشك بأنه مصابٌ بالمس من الجن ، يحاولون سؤاله من أين جاء ولماذا جاء ، ولكنه لا يتحدث إلى أيٍّ منهم ، حتى تتعرف عليه إحدى نساء القرية من وشمه ، وتخبر أهالي القرية أنه ابنها "شومان" والذي اضاعته منذ أن كان صغيرًا .. حينما تبدأ بقراءة هذا الحدث تظن أن "شومان" هو بطل الرواية الأول ، ولكن في الحقيقة ، شومان ما هو إلا النافذة الأولى للمشهد النهائي للرواية . في الفصل الأول للرواية ، يحكي لك الراوي كيف إلتقى شومان بـ ابن فضل ، الرجل الذي وجده تائهًا في صحراء الكويت ، وساعده بالعودة للعراق ، حيث يتفاجأ بأنه من أغنى تجارها ، ويكافأه ابن فضل بجعله أحد معاونيه بنقل بضاعته من العراق للكويت والتي كان جهل شومان ماهيتها . تستمر الحكاية الممتعة برجوع ابن فضل للكويت على ظهر جمل شومان بعدما خسر هيبته بالعراق ، و يأسس امبرطوريته الغنية في الكويت التي احتضنته و جعلته أحد أرقى مواطنيها ، قبل أن يحدث الغزو الظالم للكويت .. تنتهي في الفصل الثاني سيادة ابن فضل و شومان للرواية ، و تنتقل لـ علي ابن شومان ، حيث يتلقى رسالة غامضة تطلب حضوره للسجن لإستلام أمانةٍ يكتشف فيما بعد أنها جثة ! .. سأترك لكم هنا أكتشاف صاحبة هذه الجثة ، وما علاقتها بـ علي ابن شومان ، و ماذا حدث لعلي الذي ظل منبوذًا من وطنه لا يملك أوراقًا تثبت انتماءه له .. الرواية رائعة جدًا ، لغةً و سردًا ، ذكاء رائع جدًا من الروائي ناصر الظفيري بالإسلوب الشيق والممتع في طرح أحداث روايته .. أظن أنها ستترشح يومًا ما لجائزة البوكر لأفضل رواية عربية ، كيف لا وهو قضى ١١ سنة في كتابة روايته الصهد !
حسناً ! لا أدري كيفَ أبدأ ومن أين ؟ وماذا سأكتب وكيف أنتهي ؟ يبدو أني لا أجيد المقدمات كما هي عادتي ! وبالذات حين يُنبشُ جرحٌ قديم ويُكتبُ عنه .. الصهد رواية تاريخية إنسانية تحمل هموم فوق عاتقها لم تستطع أن تحملها أنظمه .. أنها رواية تتحدث عن تاريخ الكويت وعن قضيتها الحساسة التي ما زالت عالقة منذُ خمسون عاماً وهي قضية البدون ، قضية الشعور باللاوطن وأنت في الوطن ! قضية إعتراف يأبى أحدٌ أن يصدق ولاء من يحملها !! ناصر الظفيري وفق بشكل كبير في هذه الرواية وأعجبتني " وهذا نادراً " الشخصيات واللغة السردية للكاتب والحبكة وكذلك فكرة الرواية في تبني تلك القضية الضخمة والمشكلة التي " طفح بها الكيل وسال السيل " ! لكن وفي حديثي دوماً لكن ! أعتقد أنه لم يعطي قضية البدون حقها جيداً وكانت لمحات أو لنقل أنها مرور سريع على الجروح التي تنزف ولم تتحول لندوبٍ ترحل للذكرى !! لكنه وفق في الرواية وأعجبتني شخصياً ولم أشعر بالملل وأنا أقرأها ! أنصح بها كما لأنها تسبق الجميع بقضية تماما كـ كـل شخصٍ بدون يسبقه الجميع " بإنسانية " !
روايه جميله مشوقه ذكرتنا بجودة "سماء مقلوبه" وغفرت لناصر الظفيري تخبطه برواية "أغرار". تجد بالروايه وبقوه تأثير إسلوب إسماعيل الفهد على الكاتب بالحبكه والسرد. فيستخدم التنصيص لسرد واقع الحال والتنقيط لجمل ناقصه ليتممها خيال القارئ. تأثر ناصر بإسماعيل بإهدائه الكتاب، ودعمه اسماعيل بالمعارض والندوات. ربما لوجود هاجس الهويه المشترك بينهما إلى حدٍ ما.
الروايه تاريخيه وسيره ذاتيه. لم استغرب لتلميح الكاتب الذي أختلف معه لشخصيات أهل الكويت بالقسوه والتعالي وللكنديين بالطيبه والرحمه فالروايه سيره ذاتيه مكتوبه بمرارة التجربه الشخصيه.