توخينا في كتابنا هذا الإحاطة بتطور الأدب الروسي في القرن التاسع عشر بصورة عامة، والتوقف، بشكل خاص، عند أشهر الكتاب الروس والإلمام بالطريقة الفنية المميزة لكل منهم والمضامين التي عبروا عنها والإضافات التي أغنوا بها الأدب الروسي وخصوصية الحقبة التاريخية التي عملوا بها، انعكست بشكل أو بآخر، على نتاجاتهم الأدبية وحددت في الوقت ذاته سمات الأدب وملامحه العامة. وقد أشرنا إلى أن عدم حل التناقضات الاجتماعية في روسيا واستمرارها، وعلى رأسها قضية تحرير الأقنان من النظام العبودي، تركت بصماتها القوية على الأدب الروسي وطبعته بطابعها فلم يستطع أي أديب-على الرغم من انحدار كثير من الأدباء من طبقة النبلاء-أن يغض الطرف على المآسي الإنسانية المفجعة التي كانوا يلمسونها في مختلف مظاهر الحياة الاجتماعية.
ولدت حياة شرارة في عام 1935 بمدينة النجف وأكملت دراستها الثانوية في بغداد ثم سافرت بسبب الظروف السياسية في العراق في العقد الاخير من الخمسينيات الى سورية ومصر حيث التحقت بقسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة. وعادت الى العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 ، وفي عام 1961 جاءت الى موسكو. نشأت حياة في مدينة النجف المقدسة في بيت والدها محمد شرارة الاديب والشاعر الذي كان يرتاده الشعراء والكتاب والمثقفون وتدور فيه النقاشات حول قضايا الادب. لكن الاحداث السياسية العاصفة في العراق في اواخر الاربعينيات من القرن الماضي جعلت حياة تشاهد مآسي الشعب العراقي واعتقال والدها وفقدانه لعمله.وبعد اطلاق سراحه ادين من قبل المحكمة العسكرية وحكم عليه بالسجن عدة اشهر بسبب انتمائه لحركة " انصار السلام". ومن ثم غادر محمد شرارة العراق الى لبنان في عام 1954 للأقامة الدائمة هناك. اما حياة التي انتظمت آنذاك في صفوف الحركة اليسارية ، فسافرت هربا من ملاحقة السلطات الى سورية ومنها الى مصر حيث التحقت بجامعة القاهرة للدراسة في قسم اللغة الانجليزية. وعادت حياة الى بغداد مع والدها بعد ثورة 14 تموز/يوليو عام 1958 وسقوط الملكية. والتحقت بجامعة بغداد وتخرجت منها في عام 1960 لكي تسافر الى موسكو من اجل مواصلة الدراسة العالية في جامعة موسكو وبعد عودتها الى العراق عملت في جامعة بغداد فترة من الزمن حتى بدأت السلطات ملاحقتها بالرغم من محاولتها عدم الاعراب عن مواقفها من سياسة الحكومات آنذاك. وانصرفت الى التأليف والترجمة. فنشرت مقالات مثل "تأملات في الشعر الروسي" (1981) و" غريب في المدينة" ومسرحية " المفتش العام " لجوجول و"يسينين في الربوع العربية"(1989) و"ديوان الشعر الروسي"(1983) و"مذكرات صياد"(1984) و" رودين " و"عش النبلاء" لأيفان تورجينيف و" مسرحيات بوشكين "(1986) و"تولستوي فنانا". وتعتبر دراستها "صفحات من سيرة نازك الملائكة" الشاعرة المجددة التي عرفتها منذ الطفولة من البحوث المميزة عن نشأة حركة الشعر الحر في العراق. كما نشرت بعد وفاتها رواية " اذا الايام اغسقت" عن مصاعب الحياة الجامعية في بغداد. ولديها رواية لم تنشر بعنوان" وميض برق بعيد" ومجموعات قصصية. ونشرت في الصحف العراقية والعربية مقالات كثيرة حول الادب والشعر وفي اول أغسطس/آب 1997 وقع انفجار انبوبة الغاز في بيتها الذي ادى الى مصرعها مع ابنتها الكبرى مها، بينما اصيبت ابنتها الصغرى زينب. وفيما بعد قيل ان الحادث كان مدبرا من جهة ما. وهكذا انتهى درب الالام الذي مضت فيه هذه الاديبة العراقية المبدعة بشكل مأساوي
كتاب لا يمكن تجاوزه للقارئ العربي ليعرف بدايات الأدب الروسي في القرن التاسع عشر وأبرز وجوه هذا الأدب وما قدموه من تطوير وإدخال تقنيات جديدة على الكتابة، يسلط الكتاب الضوء على أبرز المؤثرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي ساهمت في تطوير الأدب الروسي، والآراء النقدية التي ساهمت في هذا التطور، كما ويعرض أبرز الأدباء وأدوارهم، وأطوار حياتهم وما لقوه من عمليات منع وأحياناً قتل وسجن وترهيب ونفي، كما هو الحال مع بوشكين وليرمنتوف الذين ماتا بتدبير من البلاط الروسي، أو النفي الذي تعرض له تورغينيف، أو السجن الذي تعرض له دوستويفسكي والناقد تشرنيفسكي. كذلك يقرأ أعظم ما فعله الأدباء الروس في الأدب العالمي وهو التحليل النفسي، والبحث عن بطل يغيّر الواقع الاجتماعي، وما قاموا بتقديمه من نقد للواقع والأفكار والرؤى التي تداخلت في المجتمع الروسي في القرن التاسع عشر، فبواكير التحليل النفسي بدأت مع بوشكين ولم تقف عند تشيخوف، بل امتدت آثارها على مجمل الأدب العالمي في القرن التاسع عشر وثم القرن العشرين، وتأثر كبار أدباء العالم بالإنتاج الأدبي الروسي، كذلك يقرأ الكتاب وهذا برأيي من مثالبه التغير الأدبي وطبيعة الأعمال والأبطال في الأعمال المكتوبة في ضوء الصراع الطبقي، ورغم كون هذه الفكرة صحيحة إذا ما تمت دراسة مجمل الأعمال إلا أنها لم تكن المحفز الوحيد لهذا الإنتاج، فالأدب الروسي بدأ بالتطور قبل بوشكين وبإقرار من الناقد العظيم بيلينسكي، فمنذ بواكير القرن الثامن عشر بدأ الأدباء الروس يدركون فداحة تقليد الأدب الأوروبي والاستمرار على خطى أدب القرون الوسطى، بل كان هناك رغبة ملحة في تصوير وتأريخ الواقع الروسي منذ تلك اللحظات التي ابتكر بها لومونوسوف قصائده عن حرب القوقاز، وتتالت هذه الأعمال والتطويرات على أيدي جوكوفسكي شاعر البلاط في حينه وكارمازين، حتى جاء بوشكين المتأثر بالفكر الأوروبي ليقلب الطاولة على الشعر الروسي ويخرج به من عباء الرومانسية ليدخله إلى الواقعية، فيلحق به ليرمنتوف، ويبدأ بعده غوغول تأسيس المدرسة الطبيعية في الأدب الروسي، وهي التي تسمى مرحلة الأدب الطبيعي الانتقادي ولا يراد بها ذات المدرسة الفرنسية، حيث يبدأ غوغول بتصوير الواقع الروسي من خلال السخرية، على أن الأعمال الأولى للأدب الروسي كانت أعمالاً ريفيةً متأثرةً بهذا الأمر بالأدب الفرنسي والمدرسة الواقعية الفرنسية والتي كانت فيها الرواية عملاً لا يتعلق بالمدينة، بل بحياة الريف حتى أتى دوستويفسكي ونقل العالم الروائي ليصير عملاً ميدينياً حيث تصبح العلاقات الاجتماعية أكثر تعقيداً، ولحقه كبار الكتاب في عصره مثل تورغينيف وتولستوي وتشيخوف من بعدهم، يظهر أن الأدباء الروس اهتموا بالصراعات النفسية لأبطالهم، وأسهموا في تطوير التحليل النفسي، وذلك لطبيعة العلاقات الاجتماعية وتشوهها الكارثي في ذلك المجتمع، مما أدّى إلى ضرورة دراسة الأثر النفسي لتلك العلاقات على طبيعة الإنسان سواءً الخاضع أم الثائر في العمل.
الكتب الممتعة هي الكتب التي تتحدث عن كتب أخرى إن كنت قرأتها فستعطيك نظرة أخرى عنها وإن لم تكن قرأتها فستثير فضولك لقرائتها. وهذا ماقدمه لي هذا المدخل
الأدب الروسي في ذاك القرن كان غزير بالكُتّاب ذوي الهموم الانسانية والاجتماعية لذلك نرى في انتاجاتهم الأدبية عمقا في التحليل والنقد والتقديم
بوشكين، ليرمنتوف، تولستوي، دوستويفسكي ، تشيخوف تورغنيف وغيرهم لكل منهم أسلوبه الخاص وبراعته التي تميزه عن غيره وهمومه التي حملها على عاتقه في سبيل أن يجلي شعبه منها
مع هذا المدخل البسيط ستتعلم كيف تنظر لمؤلفات هؤلاء وكيف تقرأها لكن بشكل مختلف عن قرائتك المعتادة لأي عمل في هذا المدخل سيذكر لنا الكتّاب السابق ذكرهم مع توضيح المواضيع التي يعالجونها في أشعارهم ورواياتهم وتسليط الضوء على أبطالهم
بعد هذا المدخل ستختلف نظرتك حتما عن كل رواية سبق لك قرائتها فتكتشف سطحية تحليلك وعمق فكرهم ..
سهل وجميل كمدخل، لكنه يحرق أحداث الروايات التي يتحدث عنها، ليت أن المؤلفين ركزا على الخطوط العامة دون ذكر بعض تفاصيل الروايات، أو أنه يصلح لمن قرأ الرواية وانتهى منها. من ميزات الكتاب أنه لا يشترط أن تبدأه من أوله إلى آخره فقط بإمكانك قراءة سير ةالأديب الذي تريد التعرف إليه.
أهم ما في الكتاب التسلسل الزمني والمضمون العميق حيث لم يذكر الشعراء المشاهير في تلك الحقبة فقط بل ذكر الجميع بما ذالك النقاد وكل من له علاقة متصلة بالادب والاحداث التي طرأت على روسيا
ستجد هنا كل من بوشكين ليرمنتوف غوغول النقاد الديمقراطيون غانتشيروف تورغينيف استروفسكي دوستوفيسكي نكراسوف شيدرين تولستوي تشيخوف
مدخل إلى الادب الروسي في القرن التاسع عشر /حياة شرارة ، محمد يونس /1978 .
على كل قارئ عربي متذوق للأدب الروسي بشكل خاص او عام الإطلاع على محتوى هذا الكتاب ، لكي تتعرف على الأسباب والحياة والمصاعب التي واجهت ابرز كتاب هذه الفترة وما عانوه خلال حياتهم وكيف انعكس هذا الشيء على مؤلفاتهم بشكل كبير والتي كانت تعبر عن اهم توجهاتهم وارائهم ان كانت سياسية اجتماعية دينية اقتصادية . فهو يبرز دور المجتمع وأثره في حياة أعظم ادباء روسيا والعالم ، واقفاً على اهم الأسباب التي أدت إلى النضوج الفكري لديهم ، ولعل ابرز أسباب واهم مورد ومنبع انتهل منه ادباء تلك الفترة هو رفضهم لنظام القنانة الذي كان سائداً في تلك الفترة والتي عبروا عنه في نتاجتهم الأدبية من خلال الاضطهاد والتعسف الذي عانوا منه من قبل النظام الاقطاعي بمباركة السلطة القيصرية والتي كانت الوجه الأخر لمعاناة فلاحي روسيا تجسد بالعنف والتعذيب والتنكيل ، ونال الأدباء الروس حصتهم من هذا الشيء بسبب انتقادهم لنظام السلطة وكثير منهم تم سجنه ونفيه واعدم بعضهم بطرق ملتوية . تطرق هذا الكتاب لابرز مؤلفي تكل الفترة ابتدءً من بوشكين وانتهاءً بتشيخوف بأسلوب بسيط فقد تناول حياة كل منهم وكيف ترعرع وما هي الأسباب والمؤثرات التي انضجت ادبه ، كذلك فكرة مبدئية عن اهم نتاجاتهم الروائية والشعرية وتحليل بعض من اهم أعمالهم ، ولم يقتصر الكتاب على المؤلفين فحسب بل تطرق إلى اهم النقاد في تلك الفترة وهم كل من بلينسكي ودوبرالوبوف وتشرينشفسكي .
كتاب عظيم و ممتع و هو مدخل بسيط إلى من أراد الإطلاع على التراث الأدبي الروسي على الرغم من قصره، تمنيت لو كان أطول و تطرق إلى عدد أكبر من الشخصيات، الأمر الوحيد الذي أثار إستيائي هو ذكره لأحداث بعض الروايات وسرد نهايتها مما يشكل على القارئ المتلهف لقرائتها.