في كتابه “المفاهيمية في الفن التشكيلي السعودي”، الفائز بالجائزة الثالثة في مسابقة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي للدورة الرابعة، يتناول المؤلف تجارب فنانين سعوديين ظهرت على السطح في السنوات العشر الأخيرة، وشكلت نوعاً من التمرّد على المألوف. وجاءت هذه التجارب نتيجة لكثير من محاولات البحث الجاد عن الجديد، سواء على مستوى الأفكار، أو تنوّع الأساليب والخامات، والتي سعى من خلالها الفنانين إلى بثّ روحهم في شرايين النصوص البصرية، لإظهار عالم مغاير يتصل بحقيقته المغيَّبة. وذكر الناقد جريدي في مقدمة الكتاب أنَّ مزاد “كريستز” في دبي شهد عام 2011، نقلة مهمة لفهم المسيرة التشكيلية السعودية في رسم الخطاب البصري الحديث، عندما بيع العمل التركيبي “رسالة” للفنان عبدالناصر غارم، بمبلغ 800 ألف دولار (ثلاثة ملايين ريال)، معتبراً ذلك دلالة واضحة على أنَّ الفنان السعودي بدأ يأخذ موقعه تشكيلياً على خارطة الفن الحديث، بعد فترة غياب طويلة، لم يعرف الفن السعودي، خلالها، سوى بعض المشاركات البسيطة هنا وهناك، لفنانين متواضعين في الأداء والفكرة. ويضيف المؤلف “وكذلك الأمر في المعارض والأعمال الفنية التي حققها بعض الفنانين السعوديين، وبخاصة على مستوى الفكرة، أمثال: أحمد ماطر، ومهدي جريبي، وأيمن يسري، وصديق واصل، وبكر شيخون، وعبدالناصر غارم، وحمدان محارب، وعبدالله إدريس، وآخرين، والتي تؤكد على مدى تقبّل الآخر في الخارج النصوص البصرية السعودية ذات المضامين الجديدة، والتي تتضح دلالتها في الخطاب المفاهيمي، وبمستويات مختلفة ترتبط بغاية كل فنان”. وأكد جريدي أنَّ الفهم الحقيقي للفن المفاهيمي لدى الفنان العربي عامة، والسعودي خاصة، لا يزال موضعاً قلقاً لرسم الخطاب، وهو أمر لا يقتصر خطابه على فهم الزمن الفني بقدر ما هو قلق مصيري. وكشف جريدي أنَّ الخطاب عادة يمثل سلطة من نوع معين، والفنان المعاصر يحاول بطرق مختلفة الهروب من الأسر؛ أي أن لا تأسره السلطات، والمدارس الفنية، والاتجاهات المعرفية، بشتى أنواعها، الأمر الذي جعله يقوم بطمس وإلغاء هذا الخطاب عمداً وقهراً، ليجعله بعيداً عن التوقعات.