لم تشهد سوى قلة من الدول، تلك الطفرة التنموية المذهلة التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة خلال عقد من الزمن. فكيف أثرت تلك التطورات الهائلة في البنية الاجتماعية لسكان الدولة؟ يسعى هذا الكتاب المميز، مستنداً إلى بحوث مستفيضة، إلى رسم صورة لنمط الحياة الذي ساد الإمارات المتصالحة السبع قبل أن يحولها ظهور الثروة النفطية إلى إحدى أكثر الدول الاتحادية استقراراً في العالم العربي، ويفتح آفاقاً جديد بالكامل أمامها. ومايعزز من قيمة ومصداقية هذا الكتاب، أن مؤلفته عاشت في أبوظبي من دون انقطاع منذ عام ١٩٦٧، ومايضعها في موقع مثالي يتيح لها استقراء خلفيات الكثير من التطورات الحديثة والراهنة في دولة الامارات العربية المتحدة، من الماضي غير البعيد الذى عاصرته.
الكتاب يقدم نظرة معمقة وشيقة على مرحلة مفصلية في تاريخ المنطقة. أنصح بشدة أي شخص مهتم بتاريخ الإمارات قبل الاتحاد، خصوصًا ما يتعلق بالجوانب الاقتصادية والسياسية التي قادت إلى دمج الإمارات المتصالحة في اتحاد واحد.
من أبرز الأفكار التي تناولها الكتاب كانت توضيح دور بريطانيا في الخليج وتأثيرها على الإمارات المتصالحة. القبيلة البحرية القواسم كانت تسيطر على جزء كبير من تجارة الخليج في القرن الثامن عشر، لكن نفوذها تقلص نتيجة النزاعات مع العمانيين. في محاولاتهم لتعويض خسائرهم، لجأوا إلى مهاجمة السفن التجارية، بما في ذلك تلك التي تحمل الأعلام البريطانية، مما استدعى تدخلاً عسكريًا من بريطانيا في حملتها بين عامي 1819-1820. أدى ذلك إلى توقيع اتفاقيات تهدف إلى إنهاء الهجمات البحرية، والتي اعتبرتها بريطانيا أعمال قرصنة، وضمان استقرار التجارة في المنطقة.
البريطانيون، في سعيهم لحماية مصالحهم التجارية في الهند، وقعوا اتفاقيات تعاون مع سلطنة مسقط وعمان. ولكن مع بداية القرن العشرين، تبنت بريطانيا سياسة عدم التدخل المباشر في الشؤون الداخلية للدول العربية، معتبرةً أن وجودًا عسكريًا دائمًا في الخليج مكلف وغير مرغوب فيه.
في فترة الخمسينيات، لعبت بريطانيا دورًا كبيرًا في تنظيم العلاقات الخارجية للإمارات المتصالحة، خاصة في فترة البحث عن النفط. وعلى الرغم من إعلانها عن نيتها سحب قواتها من الخليج بحلول عام 1971، كانت بريطانيا حريصة على ترك المنطقة بنظام حكم مستقر لمنع الفراغ السياسي الذي قد يؤدي إلى تدخلات خارجية من دول مثل إيران والسعودية.
الكتاب يوضح كذلك أن بريطانيا كانت ترى في تشكيل اتحاد بين الإمارات وسيلة للحفاظ على نفوذها في المنطقة بعد انسحابها العسكري، خاصة أن الخليج كان ولا يزال منطقة حيوية لأسباب اقتصادية واستراتيجية، تتعلق بحماية طرق التجارة الدولية وإمدادات النفط.
في المجمل، الكتاب يعرض كيف شكلت المصالح السياسية والاقتصادية لبريطانيا، والمخاوف من التدخلات الخارجية، دورًا محوريًا في تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة.