«يناقش الكتاب، باستفاضة، مشاريع "تطوير" وتوسعة الحرم المكي الشريف، في إطارٍ أوسع من التأريخ المعماري والعمراني للمدينة الإسلامية عمومًا ومدن الخليج العربي في نُسخها المعاصرة خصوصًا، مع اهتمام خاص بالتاريخ المعماري والعمراني لمدينة مكة المكرمة، وبيان منزلتها لدى المسلمين، ثم توجيه النقد البنَّاء لمشاريع التطوير والتوسعة تلك، وإيضاح مثالبها، وإيجاد بديل ٍلها، يُسهم في تيسير الحجِّ على عموم المسلمين، ويحفظ قدسية المدينة، وينقذها مما سمَّاه المؤلِّف تغوُّل الرأسمالية المادية الباردة على بنيتها الحديثة. هذا الكتاب -إذن- محاولة في فهم هذا النمط الجديد من العمران، في جدليته مع بيئته الطبيعية والإنسانية، ومحاولة قياس مدى توافق هذا النمط مع تلك البيئة التي وُضِعَ فيها، من حيث مدى قبولها أو رفضها له، خاصة في سياق مدينة عريقة مقدسة كمكة المكرمة.»
من مكة إلى لاس فيجاس .. أطروحة نقدية في العمارة والقداسة.
إقتباس رقم 1 :
" وهي مدينة كبيرة متصلة البنيان مستطيلة، في بطن واد تحفّ به الجبال، فلا يراها قاصدها حتى يصل إليها، وتلك الجبال المطلة عليها ليست بمفرطة الشموخ. و من عجائب صنع الله أنّه طبع القلوب على النزوع إلى هذه المشاهد المنيفة، والشوق إلى المثول بمعاهدها الشريفة، وجعل حبّها متمكنا في القلوب، فلا يحلها أحد إلا أخذت بمجاميع قلبه، ولا يفارقها إلا أسفا لفراقها، متولها لبعاده عنها، شديد الحنان إليها، ناويا لتكرار الوفادة عليها، فأرضها المباركة نصب الأعين، و محبّتها حشو القلوب، حكمة من الله بالغة، وتصديقا لدعوة خليله عليه السلام ."
- ابن بطوطة .. تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار.
ملاحظات :
- لم يسبق لي وأن زرت مكة من قبل وهو حلم عظيم مثل أي مسلم أن أتشرف بزيارة أطهر بقاع الأرض. - لست مهندسا معماريا عارفا وخبيرا في هذا المجال، لذلك رغم محاولة الكاتب إخراج الموضوع في صورة بسيطة حتى يستطيع القارئ إستيعابه إلا أنّ هناك أمورا محددة لم أفهمها. - الشكر للأخ أحمد على ترشيحه هذا الكتاب. - الشكر للأخوة الذين أفادوني كثيرا وصبروا على أسئلتي بخصوص هذا الموضوع ورؤيتهم له ووجهة نظرهم حوله.
I- الجـــزء الأول : الإتجاه المعاكس .. الرأي والرأي الآخر
إقتباس رقم 2 :
" ما وراء الشرق المعروف لدى الأوربيين، هناك بعيدا في قلب الجزيرة العربية، في غموض الصحاري العميقة وأسرارها المحيطة بها توجد المدينة الإسلامية المقدسة : مكة، حيث تختفي في قاع واد برّي مطوق بسلسلتين من جبال حادة وقاحلة، كما لو شاءت الطبيعة أن تتواطأ مع الإيمان الإسلامي، لتخفي عن أنظار المؤمنين أسرارا محفوظة بعناية. "
- رحلة إلى مكة .. جول جريفيه كورتيلمون.
- هل أثّرت المشروعات العملاقة والتوسعات المجحفة داخل مكة على التجربة الروحانية والمقدسة للحج ؟ - هل تحولت أراضي مكة الطاهرة إلى سباق تجاري اقتصادي رأسمالي جرف معه كل ارتباط روحاني الخاص بتجربة الحجّ والعمرة ؟ - هل فقدت مكة شخصيتها وسماتها ومميزاتها وعبقها ورائحتها من خلال هذه التوسيعات والتحديثات المبالغة فيها ؟ - كيف يشعر الحاج أو المعتمر وهو يرى أن الكعبة قد تقزم شكلها وتضاءل مقارنة بالعملقة الشكلية لمحيطها من أبراج ومباني وفنادق ؟ - هل حان الوقت لأن تكون المشاريع القادمة مربوطة ومرتبطة بمحاولة للحفاظ على القيمة الروحانية والتاريخية لمكة هذا إن كان لهذه القيمة بقية ؟ - مقارنة بباقي الأماكن المقدسة في العالم، هل خسرت مكة شيئا من قداستها أثناء تطورها على عكس الأماكن الأخرى كالفاتيكان ومعابد البوذيين والهندوس ؟ - هل تعتبر التطويرات والمشاريع في مكة بيئة غريبة وغير مهضومة مقارنة بالبيئة الحقيقة والتاريخية لهذا المكان المقدس ؟ - ما هو الإنطباع العام الذي ينغرس في نفسية الحاج عندما يجد نفسه محاطا بناطحات سحاب وأسماء أعجمية للفنادق والأماكن داخل أعز مكان إلى قلبه ألا وهو مكة ؟ - هل أثرت سيمات مكة الحديثة كمدينة متعوملة على أبرز مظاهر الحج كالمساواة وازالة الفواصل الطبقية إلى الشعور بالدنيوية والفوارق المالية ؟ - إلى أي مدى يمكن القول بأنّ هوية مكة قد ضاعت تحت هذا الزحف الإسمنتي الذي صنع تشتتا ذهنيا كبيرا ؟ - هل مكة الآن ضحية طمع اقتصادي ومرجعي ومذهبي وأد ملامحها الحقيقية واستبدلها بأخرى هجينة لا تمت لطبيعة المنطقة بصلة ؟
ولكن من جهة أخرى ..
- كيف يمكن استقبال العدد الهائل من الحجاج والمعتمرين على طول السنة دون تطويرات وتحديثات للبنية المعمارية ؟ - أولم تجند الدولة السعودية كافة الإمكانات للسهر على راحة الحجاج والمعتمرين وتلبية مطالبهم واحتياجاتهم ؟ - ألا يحق للدولة السعودية أن تستثمر هذا الحج وتحقق من خلاله أرباحا شرعية بمقاييس تجارية، أوفر المتطلبات للحجاج وأتلقى ثمنا على ذلك بمعنى حج وبيع مسابح كما يقولون ؟ - أوليست هذه التطويرات هي لمواكبة التغييرات فالحجاج يتوافدون من كل بقاع الأرض والراحة هي ما ينشدون وهذا ما أصبحت عليه مكة في وقتنا الحالي ؟ - ومن ثم هناك المواطن المكي الذي كان يعاني من ضغوطات رهيبة أثناء مواسم الإزدحام مما شكل له عائقا لممارسته حياته اليومية بشكل طبيعي، فجاءت هذه المشاريع من أجل تسهيل ذلك والحرص على راحته ؟ - أوليست الضرورات تبيح المحظورات .. وفي مكة ضرورة توفير الراحة للحجاج أباحت ممارسات الهدم والتوسعة ؟ - خدمة الحرم المكي شرف للدولة السعودية والتي صرفت الملايير من أجل تحسين عملية الحج وزيارة مكة مجندة كافة الإمكانيات البشرية والمادية في سبيل ذلك فكيف تتهم هذه الدولة بمحاولة مسخ مكة وطابعها المقدس ؟ - أوليست مطالبة السعودية بإلغاء المشاريع والتحديثات والعودة إلى النمط التاريخي الأول يقابله منطقيا مطالبة الحجاج بترك الطائرات والإعتماد على الجمال كوسائل للسفر ؟
هذه أسئلة وأخرى نطرحها أو أطرحها علي أنا في محاولة لفهم هذا الموضوع والتطرق إليه من كافة الزوايا الممكنة.
A- لمحــة تاريخيـــية بسيطة حول التوسيعات والمشاريع في مكة :
للإجابة على الأسئلة المطروحة أعلاه، وجب علينا التطرق لموضوع تاريخ التوسيعات في مكة وخاصة الحرم المكي، فعلى مر العصور ومنذ عهد الخلفاء الراشدين وحتى يومنا هذا سعى الخلفاء والملوك والأمراء إلى العناية ببيت الله الحرام و زوار هذا البيت لذا عندما نلقى نظره على بيت الله الحرام منذ نشأته الاولى وحتى يومنا هذا سنجد أنه تغير كثيرا نظرا للتوسعات والتطويرات التى يتم أدخالها عليه حتى يتسع لزواره من المسلمين والذين تزداد اعدادهم يوما بعد يوم . وما يهمنا نحن هو التوسيعات في تاريخنا الإسلامي منذ عهد الصحابة رضوان الله عليهم إلى عهد الدولة السعودية بملوكها وأمرائها :
1- في عصر الخلفاء الراشدين :
- وبدأت أولى عمليات التوسعة في عهد الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب، وتحديدا في عام 17 هـ، حيث قام الخليفة بتوسعة مساحة المسجد لتبلغ 260 مترا مربعا، بعدما اشترى بعض البيوت القريبة من الحرم، فيما تبرع آخرون بالبعض الآخر ثمّ هدمها، وأحاط المسجد بجدار قصير.
- فيما توسعت مساحة المسجد أكثر، إلى ما يقرب من 4390 مترا مربعا، في عهد الخليفة الراشدي الثالث عثمان بن عفان الذي عكف إلى ما عكف إليه عمر في السابق حيث اشترى البيوت التي ظلت قريبة من الحرم وهدمها، وأدخل الأعمدة الرخامية إلى المسجد، وذلك عام 26 هـ.
2- في عصر الدولة الأموية :
- أما الدولة الأموية فقد شهدت توسيع الحرم على مرحلتين ، أولهما على يد الصحابي عبدالله بن الزبير عام 60 هـ إذ أعاد بناء الكعبة إثر حريق شب في ثوب الكعبة وخشبه أثناء حصار جيش يزيد بن معاوية لمكة وضربها بالمنجانيق.
- بينما كانت التوسعة الثانية في عهد الأمويين والرابعة في التاريخ الإسلامي على يد الوليد بن عبدالملك عام 91 هـ، مستغلا تسبب سيل جارف في زيادة مساحة المسجد، كما زاد من الأعمدة التي جلبها من مصر وسوريا، وشيد شرفات يستظل بها المصلون.
3- في عصر الدولة العباسية :
- التوسعة التي قام بها أبو جعفر المنصور واستمرت ثلاث سنوات، بدأت من 137 إلى 140 هـ، وقد زيد فيها مساحة الركن الشمالي للحرم، فضلا عن تغطية فوهة بئر زمزم، وإعادة تصميم حجر إسماعيل بالرخام.
- التوسعة التي قام بها المعتضد بالله والتي استغرقت ثلاث سنوات أيضا، من عام 281 إلى 284 هـ، لينشئ عددا من الأبواب داخل وخارج الحرم المكي كما زاد الأعمدة.
- التوسعة التي قام بها المقتدر بالله حيث أنشأ "باب إبراهيم" ليزيد من مساحة المسجد عام 306 للهجرة.
4- في عصر الدولة السعودية :
- بدأها الملك عبدالعزيز الذي شهد عهده صيانة المسجد وإصلاحه بالكامل عام 1344 هـ، ثم ترميم الأسقف وطلاء الجدران والأعمدة عام 1334 للهجرة. وتم تجديد مصابيح الإنارة وزيادتها إلى الألف مصباح عام 1347 هـ، وإنارة المسجد الحرام بالكهرباء وتنصيب المراوح الكهربائية عام 1373
- وفي الوقت الذي وصلت فيه مساحة المسجد إلى 28 ألف متر مربع، جاء الملك سعود بن عبدالعزيز ليستمر في أعمال التوسعة التي بدأت عام 1375 هـ، واستمرت نحو 10 سنوات، وشملت فتح شارع خلف الصفا، وإعادة تصميم أرض المسعى، وبناء طابقين للمسعى، وبناء سقيا زمزم.
- وفي عهد الملك فهد بن عبدالعزيز، تم وضع حجر الأساس لمشروع "أكبر توسعة للمسجد الحرام منذ 14 قرنا" الذي بدأ عام 1409 هـ، وشمل إضافة مساحة جديدة إلى الناحية الغربية للمسجد، وإضافة مبنى جديد إلى الحرم لاستقبال الزيادات في الحج ومواسم العمرة. وتضمنت أعمال التوسعة تجهيز الساحات الخارجية لاستيعاب المصلين، ووصلت مساحة المسجد حينها 356 ألف متر مربع.
- وقد دشن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، أخيرا، التوسعة الثالثة للمسجد الحرام التي تقدر تكلفتها بمليارات الدولارات، وتتألف من خمسة مشروعات تشمل مبنى التوسعة والساحات والأنفاق ومبنى الخدمات، والطريق الدائري الأول.
إقتباس رقم 3 :
" إن مكة هي أحب بلاد الله إلى الله "
- الرسول عليه أفضل الصلاة والتسليم.
B- ثنائية العمارة والقداسة :
إن أي مكان يتعامل معه الإنسان يجب أن يخاطب عقل من يستخدمه ووجدانه وروحه ومشاعره، ويساعده على الإنغماس في تجربة روحية ثرية متعددة المستويات، هذه هي القيمة الحقيقة للعمارة كما يقول الكاتب، ولا تحصر القداسة أو بالأحرى صفة القداسة في الأماكن الدينية فقط. فالمباني المقدسة ليست هي المباني الدينية أو لنقل أنها لاتنحصر في هذا الصنف من المباني بل هي شاملة لجميع الأنواع الأخرى، من أصغر بناء إلى أكبره، تقريبا كل الأماكن التي استقر فيها الإنسان ومارس حياته فيها. لذلك تصبح العلاقة بين هذه الثنائية العمارة والقداسة متسعة ومعرفة بالقدرة على تحقيق تكامل روحاني جمالي ووظيفي.
C- ثنائية مكة ولاس فيغاس :
شتان بين مكة المدينة المقدسة الطاهرة ولاس فيجاس مدينة الخطايا والرزايا والآثام .. لا مقارنة طبعا. ولكن حاول الكتاب البحث عن أوجه التشابه بين المشاريع في مكة ولاس فيجاس، حيث تبرز على السطح سمات مشتركة بين هتين المدي��تين، فالمخططات متشابهة والسايسة المستعملة في التخطيط والدراسة متطابقة. فكلتا المنطقتين تبلغ فيهما القيمة العقارية مستويات خيالية وخاصة من حيث متوسط أسعار الأراضي والتي تعد الأعلى في العالم، كما لاحظ الكاتب أن الإستراتيجية المتبعة في مكة والتي اسميها " سياسة البيلدوزر " أي الهدم المتكرر لبناء الجديد المبهر، حيث تصرف الملايير سنويا تتبعها الملايير للوصول إلى نموذج العملقة والضخامة وإبهار الغير دون مراعات للميزات الثقافية والخصائص التراثية. كما بات واضحا أن الأسلوب المعتمد في مكة " لاسفيجاسية مكة " هو الإهتمام بالحاج الغني وتوفير الظروف المناسبة له، من أبراج مطلة على الحرم مدعومة بفتوى جواز الصلاة فيها، بالإضافة إلى الفنادق ذات النجوم السبع وأماكن التسوق، وهذا على حساب مظاهر الحج الأسمى وهي المساواة بين الناس. في النهاية لقد تحولت مكة من محمية روحانية عقدية إلى لاس فيجاس الشرق وشتان بين المنطقتين طبعا.
إقتباس رقم 4 :
وقائلة والدمع ســـكـــــــبٌ مبادر ***** وقد شرقت بالدمع منها المحاجرُ كأن لم يكن بالحجون إلى الصفا ***** أنيسٌ ولم يســمر بمكّة ســـــــامرُ ولم يتربع واســطاً فـــــــجــنوبه ***** إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضرُ فقلت لها والقلب منّي كـــــــأنّما ***** يُلجــلجــــه بين الجـــناحين طائر بلى نحن كنا أهـــــلها فأبادنا ***** صروف الليالي والجدود العــــواثر وكنا ولاة البيت من بعد نابتٍ ***** بعزٍّ فما يحظى لدينا المكاثر
- الجرهمي.
الجرائم في حق المدينة المقدسة .. الرأي الأول :
مكة تحتاج إلى الإنقاذ، إن مكة بتاريخها وقداساتها تئن وتتوجع، نتيجة حملات التغريب والتطوير والإستغلال والتهديم والإسمنت والتحويل والمحو والطمس والطمع والجشع والجهل والتدليس والإنتهاك والتوحش والتبديل والعشوائية .. وغيرها الكثير. وقد تعددت الجرائم بحق هذه المدينة وعلى مرأى من الدول العربية والدول المسلمة التي آثر أغلبها السكوت وعلى مرأى من العلماء ولجان هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومن أبرز مظاهر هذه الجرائم :
1- جرائم بحق التراث والآثار :
* التخلص الكامل من المقابر التتي تتضمن رفات عدد هام من الشخصيات الإسلامية المؤثرة في تاريخ الدين والمدينة * تدمير القبة أعلى المسكن الذي ولد فيه النبي وتحول المكان إلى سوق للماشية ومن ثم إلى مكتبة * تدمير قلعة أجياد القريبة من حافة المسجد الحرام * هدم المساجد القديمة مثل مسجد بلال. * هدم أضرحة عدد من الصحابة. * إزالة منزل السيدة خديجة رضي الله عنها * القضاء الشبه التام على كل أثر تاريخي يربط مكة بامتداداتها الطبيعية التاريخية. * إنشاء فندق الهيلتون في مكان بيت أبي بكر الصديق رضي الله عنه. * القضاء على أي تواجد عثماني في مكة عبر التخلص من الآثار.
2- جرائم التشويه العمراني :
لقد تحولت مكة إلى مدينة زجاجية، حديثة، فأصبحت مسخا مقارنة بالجو الطبيعي المحاط بها، فمن الأبنية الشاهقة إلى الفنادق ذات السبع نجوم مرورا ببرج الساعة الذي قزّم كل بناء تحته، تحولت مكة إلى لاس فيجاس الشرق، مكتسبة خاصيات لا تمت لها بصلة وبعيدة عنها كل البعد. حيث استخدم القائمون على هذه المشاريع سياسة الإبهار والمقاييس الضخمة في العمارة والعمران، معتمدين على عملية الهدم والإستبدال ثم الهدم والإستبدال دون تخطيط مستقبل ودون دراسة لطبيعة العمران المكي وخصائصه، حيث سيطرت سطوة المال والجشع والضخامة على جميع المشاريع.
3- جرائم في حق الفريضة الخامسة :
كان لمحو التاريخ المكي أثر هائل على الحج نفسه، كلمة الحج، تعني "الجهد"، هذا الجهد يعني عناء الذهاب إلى مكة، والمشي من موقع إلى آخر، وإيجاد المسلمين من أصحاب الثقافات الأخرى والتواصل معهم، والتمرغ في تاريخ الإسلام، وبهذا يعود الحجاج بفائدة دنيوية ضخمة كما الإشباع الروحي، لكن الآن، الحج هو رحلة سياحية متكاملة! عندما تتحرك، تتحرك ضمن مجموعة، من فندق إلى آخر، ونادرًا ما تصادف أشخاصًا من ثقافات وأعراق مختلفة، استُنزف التاريخ والثقافة والتعدد، ولم يعد الحج تجربة روحية لا تتكرر، بل أصبح ممارسة اعتيادية - سنوية للكثيرين - يختلط فيها التسوق بممارسة الطقوس. مكة هي صورة مصغرة من العالم الإسلامي، ما يحدث فيها له تأثير عميق على المسلمين في كل مكان، إنها القلب الروحي للإسلام، وهي الآن تغرق في الحداثة، لا يتم التسامح فيها مع الاختلاف، وأُفرغت من تاريخها، وأصبح الاستهلاك هو الهدف الأسمى من زيارتها. ومن مظاهر هذا الجرم تغييب كامل للمساواة بين الأغنياء والفقراء في مكة، حيث كانت المساوة أبرز مظاهر الحج، فانتشرت الأبراج المطلة على الحرم والتي تبلغ تكلتفتها عشرات ألاف الدولارات، بالإضافة إلى الغرف المترفة والأجنحة الفارهة والفاخرة.
4- جرائم في حق القداسة :
ما معنى أن تكون في صحن الحرم مرتديا قماشا أبيضا متجردا من كل أمر دنيوي متضرعا لله متوجها إليه ومنصرفا عن كل شيء ولكن حولك أبراج وبنايات شاهقة وعالية، تصدك عن استحضار هذا الجو وتمنعك من الدخول فيه ؟ لقد غلبت التجارة الروحانية، ودفن الجشع القداسة، فأصبح همهم المزيد والمزيد من الأموال، ومزيدا من الإستعراض لهذه الأموال عبر الفنادق ذات النجمات السبع. إنه التناقض بين التجرد والإمتلاك، بين الدنوية والروحانية، بين المساواة والطبقية الصارخة.
إقتباس رقم 5 :
" إعلم انه لا وصول إلى الله سبحانه وتعالى إلا بالتجرد والإنفراد لخدمته، وقد كان الرهبان ينفردون في الجبال طلبا للأنس بالله، فجعل الحج رهبانية لهذه الأمة. "
- ابن قدامة المقدسي .. مختصر منهاج الصادقين.
التطوير والتوسيع ضرورة وليس دعاية .. الرأي الآخر :
لقد حاولت الدولة السعودية استغلال كافة الإمكانيات والموارد لتوفير خدمات عظيمة للحجاج وتنظيم عملية الحج بسلاسة ودقة، وطبعا هذا لا يتأتى إلا إذا تم تطوير البنية التحتية لمكة، وفق استراتيجيات مدروسة وخطط واضحة، كما أن الحكومة تحاول جاهدة توفير المناخ الضروري والمناسب لسكان مكة أيضا وتسهيل الحياة عليهم أكثر فأكثر.
1- التطوير كضرورة :
إن التطور الذي يعرفه عصرنا الحالي وخاصة في مجال المواصلات ووسائل النقل، ساهم بازدياد هائل وكبير لطلبات الحج والعمرة، فعرفت مكة تدفقات بشرية هائلة ومن جميع مناطق العالم، وعليه فإن توسعة الحرم المكي وتطوير البنى التحتية في هذه المدينة وتحويل المنشآت القديمة إلى أخرى جديدة بات ضرورة ملحة حيث تصدت له الحكومة السعودية عبر توفير كل الموارد الممكنة. وقد قامت الحكومة السعودية منذ نشأتها بالعمل على التطوير التدريجي لمكة، وفق خطط ومعايير ثابتة هدفها الأول تسهيل عملية الحج وتوفير الجو الملائم للحاج حتى يتفرغ للعبادة وحدها دون الإلتفات لباقي المشاكل كالمبيت، والطعام والصحة وبالتالي الوصول لتوفير أقصى وسائل الراحة لضيوف الرحمن.
2- التطوير كحل :
تحرص المملكة العربية السعودية على رفاهية مواطنيها في مكة، لذلك تم إنشاء هيئات متخصصة لرسم سياسات وخطط التطوير والتنمية المستدامة في هذا المكان الطاهر، حيث حرصت الحكومة وسعت جاهدة على الحفاظ على ثنائية : راحة الحجاج ورفايتهم وراحة المواطنين ورفايتهم، وهي عملية ومعادلة صعبة جدا نظرا للعدد الكبير للحجاج. وهذا عبر التخلص التدريجي من كل مظاهر العشوائيات كالأحياء والمباني والطرقات وإستضافة الحجاج، رغم وجود العديد من العقبات وأبرزها مشكلة التعويضات الهائلة فيما يخص نزع الملكيات.
3- التطوير كواجب :
إن سعي الحكومة المتواصل لتحويل مكة إلى مدينة ذكية نابع من إيمان عميق بأن هذا التحويل أصبح واجبا وهدفا حقيقيا، فالمشاكل التي تعرفها مكة في كل عام، مثل ظاهرة الهروب والإختباء عند الأقارب بعد انتهاء موسم الحج، وكذلك مشاكل النظافة والإزدحام والفقدان والتكدس والفوضى وغيرها من الأمور الأخرى التي لن تعالج إلا بعملية تطوير شاملة وتحويل كامل لهذه المدينة. ويتابع صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس الهيئة مشاريع التطوير بشكل مباشر وبصفة مستمرة من خلال عقد الاجتماعات للجان على المستويات المختلفة (اللجنة التنفيذية للهيئة، واللجنة التنفيذية للعشوائيات واللجنة الوزارية) . وقد أعلن سموه الكريم بأنه يريد أن يرى مكة المكرمة أذكى المدن الذكية في العالم بحيث تستخدم فيها أحدث وسائل التقنية العالمية في العمران والطرق والخدمات ومنظومة متكاملة للنقل العام كشبكات المترو والحافلات والقطارات الحضرية وغيرها وستنفذ هذه المشاريع وفق الأولويات (الطرق الدائرية والإشعاعية وشبكات المترو (الدائرية والإشعاعية) ومحطات وسائط النقل والمواقف) .
لقد خضعت مكة إلى عملية جراحية حولت قلبها الطبيعي إلى آخر اصطناعي هدفه ضخ الأموال والعائدات، إنها لعنة التجارة والجشع، لعنة الرأسمالية حيث المال هو السيد. لقد فقدت مكة تقريبا كل ارتباط تاريخي وجردت من كل علاقة ربطتها بذلك الماضي الآثر، حيث عرف ترابها الطاهر وتشرف بسيد الخلائق أجمعين وآل بيته الطاهرين وصحابته الميامين. لقد سحقت الكعبة وسط الأبراج العملاقة، ذهبت الروحانية وسط الفنادق، وتكاد تتلاش القداسة وسط الأسماء الغريبة والزحف الإسمنتي. إن التطوير أمر حتمي وضروري ولكن المبالغة فيه هي المشكل، حتى بات الأمر استعراضا للعضلات .. أكبر ساعة .. أطول برج .. أسرع بناء .. وغيرها من الشكليات التي أضاعت وجه مكة الحقيقي وقوبلتها وألبستها رداء غير ردائها وثوبا غير ثوبها.
لماذا ؟
حاليا، تتم قولبة المدينة وفقا لرؤية سعودية خاصة تعزز حكم عائلة آل سعود الملكية، وتصقلها قوتان. واحدة رأسمالية خام، مدعومة بالبترودولار. فمخططو مكة يؤمّنون إلى حد كبير حاجات الحجاج الأغنى، عبر التركيز على بناء فنادق خمسة نجوم حول الكعبة. وعلى مقربة، يمكن الحجاج التسوق في سلاسل متاجر دولية... القوة الأخرى هي "الوهابية"، التفسير المتزمت للإسلام، والتي جعلها آل سعود المذهب الرسمي للبلاد، في وقت يدعم رجال الدين الوهابيون النظام الملكي بقوة، ومن مدة طويلة، جعل النظام الوعظ في الكعبة حكرا عليهم. في مكة، من الصعوبة ايجاد موقع يرتبط ببقايا النبي محمد. العديد من المواقع دمرت في عمليات توسعية سابقة للمسجد الحرام في الثمانينات والتسعينيات. والتطوير الجديد ينجز على معظم ما تبقى منها. على سبيل المثال�� هُدِم منزل بيت أبي بكر، خليفة النبي محمد، العام 2008، للافساح في المجال امام الـ"هيلتون". وقد ابدى أكبر مسؤول ديني في البلاد المفتي العام عبد العزيز آل الشيخ دعمه لعمليات الهدم العام الماضي. "إزالة مثل تلك المواقع ضمن التوسعة امر ضروري". كما قال الأمين العام للجماعة السلفية، أحمد يوسف: "نحن لا نقدس الأماكن أو الأشخاص، فالمسلم يطلق ما ورد في القرآن والسنة. ولا وجود لمكان أقدس من الكعبة، لذا، إن قرر السعوديون توسعة المسجد، فذلك لأنهم يهتمون بالإسلام والمسلمين أكثر من الآثار."
إقتباس رقم 7 :
" غابت الكعبة عن المركز، لم تعد مُلْتَقى للأعين، ولا محورًا للاهتمام، منذ صارت مجرد بناء - لا يتجاوز ارتفاعه 15 متراً - على أطراف كتلٍ صلبة، وخرسانية عملاقة خاوية بلا هوية ولا معنى. "
- من تصريحات أحد الحجاج.
كيف ؟
لقد تحول الحج من رحلة روحانية إلى عملية سياحية مثالية فاليوم في عالمنا الذي تضبط العولمة أذواقه ومعاييره، لم يعد عند الكثيرين من الضروري فهم كل المعاني وراء مناسك الحج، بل يمكن إعادة تعريف الحج والعمرة وفق مصطلحات العصر على أنهما سياحة دينية يمكن أن توفر المتعة والرياضة الروحية لروادهما، كما أنها تشكل أحد مصادر الدخل الرئيسية للمملكة. فأصبحت الشعائر لدى الكثير من الحجاج طقوسا آلية. فمن يقوم بزيارة مكة اليوم سيجد في الطواف حول الكعبة العديد من الحجاج الذين ينقلون طوافهم عبر تقنية البث المباشر على الفيسبوك ليشاركوا تجربتهم مع الآخرين.
إقتباس رقم 9 :
" سئلت: ما أكثر ما أحببت في الحج ؟ فقلت الأخوّة، فالناس من كل الأعراق والألوان من كافة أنحاء العالم يتجمعون ويصبحون واحدا أمام قدرة الله العلي القدير. "
هل ضاعت مكة وتاريخها وارتباطها وقداستها وروحانيتها إلى الأبد وسط الأطنان الإسمنتية والألواح الزجاجية ؟ أم إن الوقت لازال مبكرا على ذلك ؟
لا أريد الإطالة أكثر، رغم أن الموضوع يحتاج إلى دراسات ومقالات طويلة، وهذه المراجعة كان هدفها فقط تسليط الضوء على هذا الموضوع، ولمن أراد التعمق فيه فعليه أن ينظر إليه من كافة الزوايا الممكنة، سياسيا، دينيا، إقتصاديا، اجتماعيا، وتاريخيا.
شدّة القرب حجابٌ كما قيل، و كأحد سكّان مكّة، بل و أحد المتضرّرين من أعمال الهدم و الإزالة، أقف مشدوهًا أمام الجرأة النقديّة في الكتاب، و التي شكّلت صفعة مدويّة للوعي المكّي النائم عند عتبات المدينة الحالمة، التي تُبنى على ذاكرة مكة القديمة، مكّة الرسول.
لعلّي أجزم - و أنا أحد سكّان مكة - : أن الخطاب النقدي في الكتاب أتّى موقّعًا على التفاعيل و الأوزان الشعورية لدى أهل مكّة، بل مضى لأبعد من ذلك، استشرافًا لمستقبل العمران الأعمى الذي يسيلُ على شعاب مكّة طامسًا لأقدس ما تحتويه، و طامسًا دراية أهل مكّة بشعابها، تلك الدراية التي طالما افتخر بها المكّيون، و لو على سبيل الحكاية!
الخمسون صفحةً الأولى من الكتاب تكرارٌ و تبريرٌ لأهمّية مكّة، و أهمّية البحث الذي يقدّمه المؤلف ضمنًا، إذ رتّب المؤلف لهذا التبرير كثيرًا من المقدّمات التاريخيّة، و العقليّة، و الوجدانيّة التي تمهّد للنقد الجريء بعدها.
ثم، يناقش المؤلف بكثير من الوثائق و الأدلة اتّجاه العمران في مكّة، واصفًا مظاهر الفصل بين القدسيّة المأثورة للمكان و التوسّع الطاغي للمرافق الخرسانيّة تحت غطاء "سلطوي/ ديني" بحجّة عقديّة ، حيث إن الآثار المكيّة ذريعة للشرك ، من ناحية. و بحجّة " خدمة الحرمين الشريفين" و صنع التسهيلات لحجاج بيت الله الحرام، من ناحية أخرى.
ثم يعقد فصلًا لتحليل النموذج اللاسفيجاسي ، و النموذج المكّي الحديث، يقصد به الأبراج و مشاريع التوسعة حول الحرم، مشيرًا إلى التطابق الفلسفي في دوافع العمران بين النموذجين.
أخيرًا ، يعقد المؤلف فصلًا في المقارنة بين أقدس المدن العالميّة لدى المتديّنين ، مكة، و الفاتيكان، و القدس.. و في هذا الفصل مفاجآت لطيفة.. و نتائج لم تكن في الخاطر.
الكتاب مهمّ، و توزيعه ضروريّ.. شكرًا خالد صيّام على هذا الإهداء، شكرًا من القلب.
١/ أن تكون عالماً بالشيء الذي تكتب عنه، أو على الأقل لديك خبرة لا بأس بها عنه.
٢/ أن تتخلي عن التحيزات، وكل ما يعارض الموضوعية، والاعتدال.
٣/ أن تكون صادقاً في نقدك، ولا تنقد لمجرد النقد.
٤/ أن تطّلع على وجهة نظر الآخر بما فيه الكفاية، حتى تقيم موقفك بناءً على حقيقة موقفه.
٥/ أن لا تكرر الأقوال لتضخم المحتوى، وتزيد من حجمه، يكفي أن تشرح ما يحتاج شرحه، وتفصل ما يحتاج تفصيله.
٦/ أن لا تقحم العاطفة، وإذا كانت دينية، فأن تكون مبررة بما يدعم قوتها وصدقها.
____________
في الحقيقة لا أستطيع رفض ما كتبه قلم "علي رءوف" كاملاً، وإن كان لدي تحفظات في يخص العاطفة، والحياد، والواقعية.
أولاً: أخفق في إسم العنوان، ومثل هذا الربط الجريء والصادم بين مدينتي النور والظلام، جعلها بداية مجحفة، وإن كانت ملفتة، وسيئة، وإن كانت تدلل على أهمية الأمر.
ثانياً: أفقد النقد رصانته حينما كرر عبارة الحكومة الوهابية، أو الأسرة الوهابية، رغم أنه يحاول أن لا يظهر عاطفة ما ضد الشخوص، ولكن هذا النمط من الجمل وإن كان على صحة في المقصد، فهو يدل على أن الكاتب يرمز إلى أن ما يقوم خلف هذا اللقب، يحمل توجهات معينة، وتحيزات ما .. تفرق أهلها عن باقي الأمة.
ثالثاً: التناول المجرد في المقارنة بين المدينتين، يجعلك تشعر بالاشمئزاز !، فحجم التغيير مهما كانت قوته، لا يجعل لها كل هذا التقارب مع مدينة الفجور تلك. فتشابه بعض الأساليب العمرانية، لا يعني اندماج النتائج أو ارتباطها بها ارتباطاً حتمي.
رابعاً: التكرار، أكثر من تكرار بعض النقاط الواضحة.
خامساً: نظام العمرة والحج، وزيارة البلد الكريم تتطلب تغيرات هائلة، تخدم الأعداد الهائلة من الزوار، فالحفاظ على نفس المظهر والمساحة مع هذا العدد العظيم ودمج ذلك بالخدمات العصرية التي توائم ذلك الضغط من الاستحالة بمحل.
سادساً: من الطبيعي أن يكون هناك فوارق مادية، تلك التي تغزو كل مكان، ومكة في الأساس ليست معزولة عن واقع الأمة وحاضرها ونظامها المالي عموماً. فهي ليست معبداً معزولاً عن أيام الناس. بل ما فوق أرضها صورة مختصرة لما يحصل في كل الأقطار الإسلامية. هناك فوارق، أزمات مالية، فئة متوحشة، فئة مسيطرة، فئة مظلومة ..... أن يجتمع غني وفقير في نفس المكان ويرتاح هذا ويشقى ذاك، لا يفقد المكان روحانيته، فالروحانية صفاءها من الصدق. «ومكة ما كان لها أن تكذب!، وما كذبت قط!».
فيما يخص الإيجابيات :
•هذا النقد العمراني فريد من نوعه، وجميل هذا الالتفات للتفصيلات المعمارية.
•أؤيد الكاتب بأن بعض المعالم طُمست، وما ينبغي لها ذلك، ومن حق التوسع والتطوير أن يفعل ما عليه ولكن بعيداً عن دفن أيّ من المقدسات.
•حقاً!، أرى أن هذا التطوير الحديث لم يكن بلغتنا العربية، ولا صوتنا الإسلامي الفريد. لم تخرج التصميمات تشبهنا قريب الشبه، لم تحاكي صورتنا ولا لوننا المميز. جاءت مبتورة من هويتنا، وثقافتنا، وتاريخنا.
عند زيارتي الأولي لمكة كان عندي امنيات كبيرة امنيات حملتها منذ طفولتي لم أعلم شئ عن امكانية تحققها يوماٌ ما اليوم هذا الكتاب اعطاني الاجابة عن لماذا لم أجد امنيتي عندما زرت مكة والمدينة للمدينة الاولي الموضوع مرعب لحد بعيد وهي جريمة كاملة الاركان لكن لماذا نصمت عنها ؟
مكة التي تمنيت رؤيتها لو أن لدينا حساٌ ذوقياٌ إنسانياٌ وحضارياٌ وتقدير للتاريخ الاسلامي , كنتَ سأدخل مكة أو المدينة فأسير في طرقات إحداهما كأنني في العصر النبوي، فتمتلئ نفسي بالهيبة للمكان ويزداد الشوق لساكنيه ولقاء الأحبة الذين ما رأيتهم لكن حكايا أمي عنهم كانت كافية تماماٌ . مكة أو المدينة التي تمنيتها فيها لافتات تخبرك أنك تجتاز حي بني سلمة، وأنك مارٌ بمزرعة أبي بكر في العوالي، وأن مكان الخندق الشهير أمامك، وأن علي يسارك الأن مر الصحابي الذي ارسله الله ليخبره اخبار العدو ، وأنك الآن في بيت الأرقم بن أبي الأرقم ، وأن قرار معركة أُحد اتخذ هنا، وأن المزرعة التي أمامك هي مزرعة اليهودي الذي حثا التراب على الجيش وهو في طريقه إلى أحد وأن هذه هي الحظيرة التي جمع فيها النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار عندما وجدوا عليه موجدة وأن هذا هو البئر الذي سقط فيه خاتم النبي , وهذا هو المكان الذي عفي الرسول صلي الله وسلم فيه عن المشركين بعد الفتح . تمنيت صوراٌ أخري لمكة والمدينة , صور عباقة التاريخ وروحانية المشاعر المقدسة , العبق الخاص بالتاريخ , العبق الذي ما زالت تحتفظ به مدينة القدس رغم كل ما يحاك ضدها , فى الأحياء العربية تحتفظ القدس بعبقها يحتفظ المسجد الأقصي بروحانيته وعبقه ومعالمه تحكي قصة طويلة جداٌ , المعالم الاسلامية فى المدينة رغم كل ما حيك بها ما زالت شاهدة علي عصور طويلة من التاريخ لماذا يهدم كل هذا التاريخ ويضيع كل هذا من أجل بناء قنادق عالية وشاهقة الخمسة نجوم وتحاط ساحات الحرم بمختلف أنواع المطاعم والمولات فى خير تعبير عن الحضارة الاستهلاكية , أصوات رافعات وتكسير فى كل مكان فهناك أعمال بناء وتشييد علي مدار السنة لا يمكن ان تشعر بالخشوع والسكينة والطمأنينة حتي وأنت فى ساحة الحرم . لماذا لا تدخل الي مكة والمدينة فيكون أمام ناظريك العصر الزاهي والأوجهُ النيّرة و فتشتعر التضحيات الجسام التي قدمت من أجل ان ينتشر الدين ويخرج من ربوع مكة الي كل العالم فتزداد لمن قام بذلك حباٌ، وبها تعلقاٌ ، حتى كأنك تحس الوحي يتنزل فى ربوع تلك الاماكن كما نزل يوماٌ ما فى المرة الأولي علي سيد الانام صلي الله عليه وسلم. كنت أود ان تكون نظرتي الأولي علي ساحة الكعبة تذهب مباشرة للمكان الذي يجذب الانظار هناك وليس بشكل تلقائي للبناء الأخر برج الساعة الأكثر لفتاٌ للانتباه والذي يثير اليه كل انتباه , لن تجد عند خروجك من ساحة الحرم أسواق ومولات تنتشر فى كل مكان , تجد الفنادق الشاهقة الارتفاع التي تحجب عنك رؤية أي عمود من العواميد حتي المتعلقة بساحة الحرم , لماذا يجب ان يكون هناك مطاعم كي. أف. سي. ومكدونالدز وفندق التوحيد البالغ من عرضه وطوله والذي لابد ان عينك ستنجذب اليه , لعله الأول هو وبرج الساعة أبرز معالم مكة . أصبحا أبرز معالم مكة التي لم أتمني رؤيتها يوماٌ ما , مكة ذلك المكان الروحاني المقدس الذي يستحق ان نخلف عباءات التكنولوجيا والطبيعة الاستهلاكية ونقضي أوقات قرب وخشوع من الاماكن التي تحمل عبق الاسلام وتحتوي أول بيت وضع للناس الذي يجب ان تشد اليه الرحال , لا أن تشعر أنك قد شددت الرحال الي لاس فيغاس مدينة القمار الشهيرة التي يتشابه المعمار وثقافة البناء والهدم فيهما . كانسان أرغب فى الابقاء علي الحيز المقدس الروحاني لدي فى الاماكن المقدسة للعقيدة التي أمنت بها , ان تكون هناك سياسة معمار فى مكة والمدينة مغايرة لسياسة عمارة الرفوف والاستثمار البحت المربح لا أن يتحول الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي الي سياحة دينية يستفيد منها من يمتلك الفنادق والمطاعم والأرض التي يبلغ فيها سعر المتر الأعلي فى جميع مدن العالم . مكة التي أريدها , لا أريد فيها ان اقرأ أعلاناٌ يدعوني الي قضاء شهر العسل فى فندق مطل علي ساحة الحرم وتظهر فيه الكعبة من شرفتها , أريد المزيد من الاحترام لعبق التاريخ وقدسية وروحانية الاماكن المقدسة ومشاعر المسلمين هذه هي مكة التي تمنيتها والتي لم أجد منها سوي بناء من أربعة أركان يطوف الناس حوله يتوسط كل شئ وحوله كل ما يجذب ويشد انتباهك عنه .
فى النهاية يجب أن أقول أيضاٌ وجود الدولة الوهابية السعودية لم يعد سوي خطراٌ محدقاٌ يحيق بكل أمة الإسلام
في ناس بتُحجِم عن قراءة كتاب "من مكة إلى لاس فيجاس؛ أطروحات نقدية في العمارة والقداسة" لاعتقادها إنه كتاب "متخصص" في العمارة وبالتالي غير مفيد لعموم الناس.
في كذا نقطة هنا بيختلط فيها عندي الشخصي بالعام..
أولاً: الكتاب مش "متخصص" ودي نقطة راعاها جدًا المؤلف د. علي عبد الرءوف عشان الكتاب والمشكلة اللي بيناقشها توصل لأكبر عدد ممكن من الناس.
ثانيًا: العمارة بالنسبة لي شخصيًا موضوع في غاية الأهمية، العمارة هي الجانب الأكثر تأثيرًا في البشر في كل جوانب الهندسة لأنها ببساطة اللي بتشكل الحيز البصري بتاعهم.. هي الجانب اللي بيتم فيه توظيف المعايير الرياضية لخدمة أهداف إنسانية وجمالية مش العكس، وبالنسبة لنا في مدارات الموضوع جزء من اهتمامنا بالتاريخ الاجتماعي وإن شاء الله عندنا كتب بعد كده عن طبيعة العلاقة بين العمارة والسلطة والعمارة والأدب والعمارة الكولونيالية في مصر وفلسطين ومواضيع أخرى.
ثالثًا: الكتاب بيحاول يقدم مفهوم مختلف لفكرة "العمارة المقدسة"، وهي ليست فقط العمارة الدينية، أي عمارة المساجد والمعابد والكنائس وبيناقش اختلافها عن العمارة من منظور الرأسمالية.
رابعًا: الكتاب بيناقش قضية مغفلة أظن إنها المفروض تكون محل إهتمام عموم المسلمين لقداسة وخصوصية مكة المكرمة والقضية إشكالية لأنها بتكشف عدد من المشاكل في بنية التفكير المسيطر على من يقوم "بتطوير" الحرم المكي الشريف.
- مشكلة الفقيه الذي لا ينظر سوى تحت قدميه، إذا لم يكن أساسًا يعمل ترزيًا للفتاوى لدى السلطة.
- مشكلة الرأسمالية الطفيلية في بلادنا القائمة داخل مجتمعات ريعية غير منتجة وبتجد بيئتها الملائمة للتمدد في النفوس الشرهة المتشوفة للاستهلاك، من خلال نموذج دبي ثم المدن الخليجية الجديدة.
- مشكلة السلطة المتحكمة بشكل كامل في عملية "تطوير" الحرم دون قبول أي رأي أخر رغم ان الحرم ليس ملكًا للسلطات السعودية، والسلطة دي بتتدخل فيها شوية مركبات فساد على غباوة على سوء نظر شرعي على ديكتاتورية اتخاذ قرار على تزاوج مال وسلطة على رغبة حقيقية في تقديم خدمات أفضل للحجاج وهكذا.. لازم نفصل العناصر دي كلها عن بعضها ونقيس وزنها النسبي في اتخاذ القرار بان "تطوير" مكة يتخذ المسار ده.
- وده الأهم من وجهة نظري ان الكتاب بيوضح نقطة مهمة جدًا متعلقة بضبط العلاقة بين الجزئيات والكليات في النظر الفقهي، وبيحط تساؤلات حول طبيعة الجزئيات اللي قد تكون صحيحة أو حلال شرعًا في ذاتها لكن لما بتتحط مع جزئيات تانية قد تكون صحيحة برده في ذاتها في سياق أوسع بتنتج نتيجة غير منضبطة شرعًا، يعني إيه المشكلة شرعًا في برج الساعة في مكة؟
مظنش إنه ذاته فيه مشكلة، لكن لما أبص ألاقي برج الساعة بارتفاع رهيب بيقتل قدسية الحرم، وبرج الساعة مع أبراج البيت وفنادق أخرى أسعار البيات فيهم نسبة لبقية فنادق فقراء المسلمين بتفرق ما بين المسلمين على أساس المال أو النفوذ وده ضد مقاصد الحج الأساسية.. لما نبص نلاقي إنه عشان تبني فندق جديد لازم تهدم معلم آثري من معالم مكة، بالتأكيد هو أقرب لتاريخ الإسلام من الفندق التابع لسلسلة فنادق عالمية ما والنماذج كثيرة. وهكذا.. لما تخرج من الحرم تلاقي كنتاكي وفروع مطاعم أمريكانا ف وشك.. تخرج من الحرم تلاقي المولات وفروع للماركات العالمية باهظة الثمن ودعوة وإلحاح فظيع على التسوق.. تحويل الحج لاستثمار هنا تبدأ الأسئلة حوالين طبيعة اللي بيحصل. هو أنا جاي هنا عشان أتسوق ولا عشان أرجع خالي من الذنوب كيوم ولدتني أمي.. هل يمكن الجمع بين زهد الحج وبساطة الملبس وحسن اجتماع المسلمين وشهوة التسوق وما يتبعها؟ هل يمكن الجمع بين عالمين مختلفين تمامًا بالطريقة دي؟ اجتماع الجزئيات دي كلها مع بعض في صورة واحدة كلية هو اللي بيخلينا نقول أه.. دلوقتي في مشكلة.
كل دي مشاكل بيناقشها الكتاب، وأظن إنه بيطور كتير نظرتنا لفهم العلاقة بين الفقه والواقع من خلال نموذج مكة الرأسمالية.
أحسنت دار مدارات عندما نشرت هذا الكتاب, ليس فقط لأنه يناقش وضع مكة المكرمة في ظل التوسيعات المتتالية للحرم مع ما يواكبها من تغيير كامل في شكل المدينة بهذا الكم من الأبراج التي لا تناسب بينها و بين بيت الله الحرام, و لكن أيضاً لأنه فرصة للكثير من القراء الذين ليس لهم خلفية معمارية أو هندسية لأن يطلعوا على مفاهيم العمارة بكل ما تحمله من فن و من ترجمة لمفاهيم في شكل بناء يستخدمه البشر فينقل لهم الرسالة المطلوبة. و يعرض الكتاب كيف أن الحيز البصري لزائر بيت الله يصطدم بأبنية مقحمة على البيئة المكية, و تنسف روح العمارة المقدسة, و بدلاً من أن تكون الكعبة هي مركز الرؤية و الإهتمام, فإن الأبراج و من بينها برج الساعة تقتحم عليك المشهد و تشعرك رغماً عنك بالإنزعاج...و لا يتوقف الأمر عند التأثير البصري السلبي, فهناك سلبية تحول المدينة المقدسة إلى وكر رأسمالي يكرس للطبقية في مكانٍ غرضه الأساسي أن يجتمع عباد الله في صعيدٍ واحد بدون تفرقة بينهم! الكتا يستعرض المظاهر السلبية و يهيب بالمعماريين من بني الأمة أن يسعوا للتفكير في حلول بديلة توازن بين مسألة السعي في توفير الخدمات لزوار بيت الله الذين يتزايد عددهم عاماً بعد عام, و في الوقت نفسه الحفاظ على روح و قدسية المدينة ظاهراً و باطناً. كتاب يستحق القراءة
الكتاب نقد للتوسعات اللى حصلت في الفترة الأخيرة في الحرم والمباني العملاقة اللى بقت محيطة بيه الاحساس المسيطر عليا وانا بقرأ كان القرف من غباء كل اللى شاركوا في التوسعات وفي اللي أفتوا لهم بكده يعنى ايه تهدم بيوت صحابة ومكان ولادة الرسول بحجة ان ده بيشجع على الوثنية! من امتى والأماكن التراثية بتشجع على الوثنية هل انتم شايفين الناس بتعبد اي حاجه من محتوى المتاحف او بتروح تتمسح في الأماكن اللي كانوا عايشين فيها وحتى لو البيوت اللى هدموها خاصة بناس لهم مكانة عظيمة في نفوس المسلمين فهل ده معناه انهم هيستعملوها في اى حاجه فيها وثنية لو انت خايف من الوثنية والشرك وعي الناس لان كده كده الجهل بيخليهم للآن مؤمنين بحاجات عجيبة وبيطلبوا المدد من البشر في الأضرحة والقبور مشكلة كل سلطات العرب انها بتشوف كل حاجه حل للمشاكل ما عدا التعليم والثقافة في حين ان دول هما الحاجات الوحيدة اللى هتحل كل المشاكل اما عن الهدم بحجة التوسعة وانهم يبنوا مباني جديدة عملاقة فلو افترضنا ان الحرم مكانش يستوعب غير مثلا 200 ألف وانت هتوسعه تخليه يستوعب مليون مثلا بس هتغير معالم المكان وتقضي على كل الروحانيات اللى بيتسبب فيها فانت كده خليت مليون شخص يحجوا ويحسوا بلا شئ في حين ان قبل كده كنت بتخلي 200 ألف يحجوا ويطلعوا من الحج بتجربة روحانية مينسوهاش طول عمرهم اللى عملتوه ده أفسد الحج وده ذنب عظيم، وحتى لو افتوا لكم بده شوية شيوخ فمعرفش ازاى الناس دي بيتسمع كلامهم وهو منافي للعقل تماما هدم اي شئ أثري لاي سبب جريمة، ومهما كان اللي عايزين توصلوا له من التوسعات بتحسين الخدمة للحجاج فده ممكن توصلوا له لو كلفتوا مهندسين دماغهم نضيفة بالتوسعات دي ومن غير هدم ولا حاجه. ازي؟ دي بقى شغلانة المهندسين عندهم مشكلة وعايزين يحلوها بدون هدم وبدون ما يغيروا من روح المكان وانطباع الناس عنه لكن شغل هات يا عم البلدوزر وشيل ويلا نطلع أبراج ده شغل ناس مبتفكرش
عيب الكتاب هو التكرار غير المبرر كان ممكن يختصر في أقل من نصف عدد صفحاته والفصول كل واحد المفروض بيتكلم عن حاجه وله عنوان مختلف لكن كنت بحس ان محتوى الفصل نفسه ميفرقش كتير عن اللى قبله فضلًا عن اني توقعت نقد أكثر تعمقا وفى تفاصيل معمارية أكثر بما ان الكاتب دكتور في العمارة لكن حسيت ان النقد ده ممكن يكتبه شخص مدرسش عمارة الكتاب بوجه عام حلو جدًا ومهم بسبب موضوعه لكن عيبه التكرار زي ما قلت وده اللى خلاني اقلل التقييم من 4 إلى 3 نجوم. أتمنى لو قرأت ثاني لعلي عبد الرؤف يكون في تفاصيل معمارية اكثر.
لله در مدارات! ما أجمل إصداراتها. الكتاب حقيقة جديد في مضمونه وموضوعه ويمثل اطروحة نقدية متماسكة مخلصة لدين الله وحريصة على مقدساته من تدنيس الطراز العملاق من المعمار الذي ينتزع أي قداسة من هذا المكان، حتى أن من يزور الحرم بات لا يشعر بالاطمئنان لأنه ما يلتفت يمينًا ولا يسارًا إلى ورأى صرح عملاق! إن مكة المكرمة ضاعت ملامحها القديمة التي تحفظ لها هيبتها وقداستها واستبدلتها السلطات السعودية (الخادمة للحرمين - زعمت!) بأبراج كلها فنادق على أعلى مستوى ومحلات وأسواق تجارية ومطاعم لا تناسب مثل هذا المكان المقدس، وإني لأسأل نفسي وأسأل كل من يذهب للحج والعمرة: كيف تشعر وأنت تترك الكنتاكي والمكدونالدز لتجد الكنتاكي والمكدونالدز هناك؟ذ تترك التوكيلات العالمية في بلدك لتذهب وتجدها هناك؟! هل ذهبت لترك الدنيا ولتذكر الآخرة أم تركت الدنيا إلى دنيا أخرى؟! سبحانك هذا بهتان عظيم. إن آل سعود يتاجرون حقًا بزعمهم خدمة بيت الحرام ليستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير! إنهم يشيدون المباني العالية ويتطاولون في البنيان حرصًا على الأموال لا خدمة زوار بيت الله، اللهم نبرأ إليك مما فعل هؤلاء ولا حول ولا قوة إلا بك.
حتى بعد أن قرأت الكتاب, لايزال أكثر ما يعجبني فيه-وهو ما دفعني لقراءته منذ البداية- عنوانه الصادم, فما الذي يمكن أن يجمع مدينة الروحانية بمدينة الخطايا؟ من مكة إلى لاس فيجاس, يسرد الكاتب الطريق الذي سلكته العمارة منذ تولي آل سعود للحكم إلى الآن, و كيف تم تحويل مكة شيئاُ فشيئاً إلى نسخة مشوهة عن المدن العالمية, و إلى مشروع ربح مشين يتناقض تماماً مع أهداف الحج إلى بيت الله. ينتقد الكتاب تحويل النظام السعودي-بغطاء ديني يوفره الشيوخ الموالون- للحرم المكي إلى مشروع استهلاك رأسمالي يوسع و يظهر الفروق الطبقية بين الحجاج, حيث يسكن فاحشو الثراء في ناطحات السحاب المطلة على البيت بينما يتم الدفع بجموع فقراء المسلمين إلى أطراف المدينة, فعوض أن يكون الحج رحلة للتحرر من الدنيا يصبح مسابقة ورحلة سياحية استهلاكية. رغم أن أطروحة الكتاب لايكاد يختلف عليها إلا أن لدي مآخد عدة عليها, أولها أن الكتاب مملوء بالحشو و التكرار و كان يمكن أن يسقط نصفه دون أن يؤثر ذلك عليه في شيء, كما أن التعامل مع موضوع توسعة الحرم و تهيئة مكة يجب أن يتم بمهنية تليق بأستاذ يتناول موضوعاً في تخصصه بعيداً عن الخلاف السياسي مع النظام السعودي, فلا أحد يعجبه ما آلت إليه الفريضة الخامسة لكن تحدي عدد الحجاج الضخم-و الذي يتهم الكاتب النظام باستخدامه عذراً لتبرير تشويه مكة-هو تحدي حقيقي كنت آمل أن يطرح الكاتب حلاً له بصفته أستاذ عمارة لكنه لم يفعل.
من مكّة إلى لاس فيغاس، يا إلهي! ما هذا العنوان العجيب والذي يجعلك بشكلٍ أو آخر في حالة استفزاز.
من منّا لم يسمع بلاس فيغاس الأمريكيّة أو مدينة الخطايا كما يطلق عليه الكثيرون، تلك المدينة التي تنتشر فيها الأضواء والأبراج والفنادق الفاخرة، بل والمحرّمات أيضًا، إنّها بمثابة مسقط رأس الرأسمالية الجارفة، يرى الباحث الفطن (علي عبدالرءوف) أن مكّة في طريقها أن تسلك درب تلك المدينة، مبررًا ذلك بالأبراج الشاهقة التي بُنيت مؤخرًا حول الكعبة ولعل من أهمّها (برج الساعة) والذي يأتي في الترتيب الرابع من حيث الأبراج الأكثر طولًا حول العالم،
يشير أيضًا إلى الفنادق الفارهة المصفوفة مؤخرًا حول الحرم، يرى أن هذا ليس عدلًا، كيف نلبس الرداء الأبيض كي نكون سواسية ومن ثمّ نسلّم ويذهب بعضنا إلى مساكن راقية تقرب من الحرم وآخرون إلى مساكن اقتصادية بعيدة! لا أدري بأي منطقٍ يتحدث ولا بأي لهجة معمارية يلقي إلينا هذه الفكرة، أعتقد من الأفضل أن نهدم كل البنايات وأن نصنع خيامًا بيضاء تتشابه جملةً وتفصيلًا حتى يكون الجميع في مسكن متشابه؟ بما أنّه يقول في نهاية بحثه حرفيًّا (الحل في الهدم لا البناء)
من جهة أخرى ينقد الباحث ارتفاع هذه الأبنية لأنها (أخذت النورة من الكعبة) إن صح التعبير، وأصبح الجميع يرفع إليها بصره فينبهر ولا تبهره الكعبة التي يصل ارتفاعها إلى 19 مترًا تقريبًا، وجدت في هذه الجزئيّة شيئًا من صحّة التعبير، خصوصًا فيما له عَلاقة بالأماكن التاريخيّة التي هدمت من أجل تشييد أبنية وفنادق (منزل أبوبكر الصديق تحوّل إلى فندق هيلتون). ولكن هذا لا يعني أن الوضع كارثي، وأن المدينة فقدت روحانياتها، وإلّا كيف نفسّر توفير خدمات لملايين الزائرين سنويًّا من إقامة وإيواء وصحة بشكلٍ سنوي؟
رغم استفزازي أساسًا بمقارنة مكة بلاس فيغاس، ختم الباحث كتابه بأننا لا يجب علينا أن نلوم إسرائيل! على الأقل هي لا تشوّه روحانيات الأقصى كما نفعل نحن في المسجد الحرام، وأن جميع تجاوزات الإسرائليين من حفر أنفاق وهدم أبواب هي افتراءات لم تثبت صحّتها.. ما علاقة هذه الجزئية بالبحث، لا أعلم!
كتاب مستفز، يشير إلى أشياء بعضها صحيح، لكنّه يحوي الكثير من المبالغة.
الحج لا يوجد ديانة فى العالم أعرفها الا ويوجد بها فكرة الحج وزيارة الاماكن المقدسة,فالحج هى الرحلة الاطول والاصعب فى كل الديانات والحدث الرئيسى فى حياتهم الروحية,حيث هى رحلة تطهيرية للنفس والروح ويكون العبد أقرب الى ربه فيها ,ولكل ديانة مدينة مقدسة مزارات ومدن وأماكن مقدسة يزورها النا سويهتم بها ويقوم على رعايتها أصحاب الديانات.
*صور من الاماكن المقدسة فى الديانات الاخرى
السيخ
الهندوس
البوذية
الفاتيكان (كاثوليك)
البابية
الواضح من عمارة هذه الاماكن ان هناك مركز للمكان وهو البناء المقدس الرئيسى ,وهو مركز الصورة وأوضح شىء فيها ,والبناء المسيطر باطلالته على المكان,ومن حاوله مساحات فارغة كبيرة جدا ,مع وجود عناصر طبيعية (مياه,جبال,حدائق,.....) مع مبانى بسيطة وصغيرة لايطغى منظرها على البناء الرئيسى
الصوفية (مسلمين)
فى صورة مزار لصوفية بوادى حميثرة الى بيفد اليه كثير منهم فى ايام الحج لزيارة قبر ابو الحسن الشاذلى وبيقفوا على جباله يوم وقف الحجاج على جبل عرفة ورغم ان ده شرعا بدعة شديدة الا انه من الملاحظ الطبيعة الجبلية المحيطة بالوادى وده جغرافيا قريب من جبال وتضاريس مكة المكرمة.
صور قديمة شوية لعمران مكة
صور احدث قبل التوسعات الاخيرة
صور بعد التوسعات توضح وجهة نظر الكاتب
ملاحظات عامة *الكتاب لاينكر الجهود المبذولة فى توسيع منطقة الحرمين وزيادة قدرتها الاستيعابية والتسهيل على الحجاج وده شىء واضح لاينكر *كنت سامع معلومة مش متأكد منها ايام الملكية فى مصر كان ممنوع بناء امام شاطىء اسكندرية أكثر من دورين وبالتالى كل الناس هتشوف البحر , من الخمسينيات لحد دلوقتى انت بتقف على الكورنيش ومبتشوفش البحر اصلا بسبب المشاريع السياحية الى على الشاطىء مباشرة أوالابراج العملاقة الى بتطل عليه ,هل وصل بينا الحال لتسليع مكة واحتساب زيارتها على انها زيارة سياحية ,والتفريق بين الناس عن طريق قدرتهم المادية وفيه الى هيسكن فى برج مطل على الحرم مباشرة وهيستمتع بالمنظر بل صلاته كمان فى الغرفة محسوب بصلاة فى الحرم مقابل انه دافع ملايين,ودى نقطة مهم�� جدا فى مكان ابعد مايكون عن التفرقة بين الناس واثارت احقاد وضغائن مادية *الضرر البالغ الواقع على مجاورى الحرم الشريف الى خلاص هيمشوا ويتعوضوا ويروحوا اماكن تانية *هدم الاثار من زمن النبى والصحابة والتابعين حتى اثار الدولة العثمانية ,وانا متفهم المنطلق الفقهى لعلماء السعودية من منع تبرك الناس بالبيوت والاماكن ولكن ده مردود عليه بان السلطة مانعة التبرك بقبر النبى واصحابه مثلا,وبالتالى اقدر اخلى المنطقة دى بانوراما لتاريخ مكان كان مهد الاسلام وظهر فيه احداث الدعوة الاولى ونزول الوحى,مثال على كده لو نزلت شارع المعز او القاهرة القديمة هتحس انك عايش فى عصر المماليك.
صورة لقلعة اجياد المذكورة فى الكتاب
صور لشارع المعز
*طبعا العمارة الاسلامية وفن الزخرفة الاسلامية مشتميز فيها المسلمين من المئات السنين,فمش محتاج نمط معمارى اوروبى اوامريكى يخنق الروح ويخفى الرؤية على الناس ويبقى مجرد غابات اسمنتية
*صعب جدا ابقى فى مكان مكقدس ولاقى حولى الماركات العالمية والشركات العابرة للقرات ومكدونالز وكنتاكى وغيرها .....الخ الخ ,وان الفنادق تبقى الهيلتون والشيرتون والفيرمونت ....الخ,وبقينى بنشوف سيلفى مع برج الساعة ويشعر بالخشوع فى الحرم ...الخ
*الكتاب مشكلة انه مختصر جدا عايز توسع اكبر من كده وعايز كمان يقدم حلول معمارية وأغفل جوانب كتير فى رحلة الحج
على هامش كتاب من مكة إلى لاس فيجاس -------- ربما لو لم أكن قد زرت مكة والمدينة مرارا ولله الحمد ، وربما لو لم أكن أفكر في أشياء كثيرة وفي هموم كثيرة يوحي بها اسم الكتاب ما قررت اقتناءه فور سماعي به ، وما أقتنيته فورا عندما رأيته. أنهيت الكتاب في سويعات معدودة ، لأخرج منه برغبة عارمة في الكتابة تحت عدة عناوين. ---- الأول: الحج السياحي... الفاخر فكل رحلات الحج غير التابعة لقرعة الحكومة في مصر تسمى حجا سياحيا .. ولكنها درجات متفاوتة للغاية ، لو سلمت لقلمي في هذه النقطة فلن أنتهي وليس هذا مقامه ، فأنا شاهد على هذا الحج من الداخل إذ رزقني الله الحج والحمد لله منذ عامين ، والأمثلة والنقاط عندي عديدة ومتنوعة ومتشعبة ، ولكني فقط أريد أن أشير إلى الجانب الذي قد يكون متعلقا بالكتاب وهو مسألة مدى تناسب الرفاهية مع نسك الحج وأهدافه الشرعية ، إنني أريد أن أفرق بين التماس شيء من الراحة والسلاسة في أداء المناسك وبين الإفراط فيها إلى حد التجاوز ، أو بصيغة أخرى ، فالتماس روح الحج وثوابه لا يعني الضرورة تكلف المشقة وتعمدها ، وأحسب أن الحرص على التماس قدر من الراحة في أمور قد تشغل المشقة الحاج فيها بشكل كبير عن نسكه قد يكون مندوبا إن أحسن الحاج فيه النية ، وهذه النوع لن يتعدى الاهتمام بأن تكون الشركة مهتمة بالنظام ودقة المواعيد وتوفير حفظ الحقائب الثقيلة أثناء فترة الابتعاد عن مكة حتى لا تطحن عاتق الحاج في كل انتقالاته دون داع ، وتوفير الطعام (أي طعام) ودورات المياه (المعقولة) في المخيمات لتخفيف العبء النفسي والجسدي على الحاج في هذه الأساسيات بشكل يجعله أكثر تركيزا وتأملا في مناسكه... فقط لكن بالطبع هذه الأشياء ليست هي المعنية عادة بالحج السياحي .. الفاخر ، وقدرا وأنا اقرأ الكتاب وقع أمامي إعلانا مرئيا لشركة حج كبرى ، لم يكن مفاجئا لي ما عرض به من وسائل الراحة والرفاهية والطعام الشهي فأنا كنت في نفس مخيمهم (نفس المطوف) وإن كانت تكلفة شركتي تقريبا قد تقترب من نصف تكلفتهم ، وكون المطوف واحدا يجعل الفرق في الراحة مقصورا داخل الخيم المعدة للنوم في كماليات الطعام وما شابه ولكن سائر الخدمات المشتركة متقاربة جدا أو واحدة تقريبا كدورات المياه وشمسيات مخيم عرفة وكراسيه المريحة .. باستفزاز .. لم يفاجئني ما وجد في الإعلان من حيث كونه موجودا ولكن فاجأني من حيث كونه مطروحا في الإعلان كأحد أهم عناصر الجذب للرحلة ، شيخ مشهور يعظ ويبكي ثم مشاهد البوفيه المفتوح ، شيخ آخر يعظ ويبكي ثم مشاهد الحلوى والكماليات ، وهكذا ، ومنذ فترة وقع أمامي أيضا إعلان عمرة لشركة كبرى أيضا علمت منه لأول مرة أن هناك فرق كبير في السعر ليس بين الغرفة المطلة على الحرم وغير المطلة وحسب ، بل بين الحجرة المطلة على الحرم والغرفة المطلة على الكعبة ، فليست كل غرفة مطلة على الحرم ترى الكعبة ، سعرهما مختلف عن بعضهما وبالطبع عن تلك التي لا تطل على الحرم، وغير ذلك ، فالكلام على هذه النقطة نحتاج دوما أن يكون بحرص ، فإن كانت البلوى عامة في كون الحج السياحي الفاخر لا يخاطب تلك الاحتياجات والراحة المستحبة التي ذكرتها ، ولكن تعميم الرفض لأي تفكير في وسائل التيسير قد لا يكون جيدا أيضا ، وربما يكون فيه شيء من التكلف والتشديد ، قابلت بعض أهله. ورغم ما فات فاعلم أن أخطر ما في الحج السياحي الفاخر ليس كل تلك المظاهر الترفيهية المبالغ فيها التي تحول الحج لرحلة سياحية ترفيهية محضة إلى الحد أنه عندما يضطر بعض الحجاج لأسباب خارجة عن الشركة (الزحام وإغلاق الشوارع .. إلخ) أن يسيروا على أقدامهم ولو نصف كيلو - وهو رقم تافه جدا في رحلة كرحلة الحج - وبدون حقائب يلعنون الشركة ومسئوليها ويذكرونهم أنهم (دافعين فلوس) ، إنما أخطر ما في الحج السياحي الفاخر هو الفتاوى السياحية الفاخرة ، اهتم الكاتب بالفتاوى التي تساعد على تدمير تراث مكة - وهذا سأناقشه لاحقا - فتذكرت تلك الفتاوى التي هي في الحقيقة المقابل الحقيقي للثمن المدفوع ، فالحج به حد أدنى من المشقة لن تلغيها كل مظاهر الترفيه ، ولكن الفتاوى وحدها هي القادرة على خفض مستوى هذا الحد الأدنى إلى أدنى المستويات ، وهي منتشرة جدا في الشركات السياحية الكبرى ، ولا تظن أنها مقصورة على الشيوخ المعروفين بالتساهل ، بل حتى من تعرف عنهم الصرامة والالتزام الشديد بالسنة ، تجدهم هناك أناسا آخرين ، فصاحب الفتوى الحقيقي هو صاحب المال والذي دعا هذا الشيخ دعوة مجانية لهذا الحج الفاخر ، كمجرد اسم جاذب للحجاج ، ولا ينبغي على الشيخ أن ينسى أو يتجاوز هذا الدور ، إلا ما رحم ربي، ولا داعي لذكر أسماء ، فأحد الخدمات المقابلة للمبلغ السخي هو ثلة من الرخص في غير موضعها مختومة بالموافقة الشفهية للشيخ المشهور ، الذي أحيانا يبيح الرخصة للفوج دون أداء دوره في مساعدة العوام لتمييز أحوالهم من يستحق الرخصة ومن لا يستحق ، ثم ينفرد عنهم بالأخذ بالعزيمة.. هيهات ---- الثاني: هل تعلمين يا أمي؟ لو خدروني في مول أبراج مكة أو مول أبراج البيت أو مول سيتي ستارز أو مول سان ستيفانو أو أي مول آخر في العالم العربي - وربما الغربي لأني لم أشهده - ثم استيقظت في مول آخر ، لن أنتبه أنني قد نقلت من مكاني فضلا عن أن أكون نقلت من المول فضلا عن أن أكون نقلت من البلد. عبارة قلتها كثيرا لوالدتي وغيرها في العمرة وفي مصر ، وهذا ما أفرد له الكاتب الكثير والكثير ، وهو ما يستحق الملاحظة والغضب ، لا أعلم لاس فيجاس ولا أفهم في العمارة ولا أعلم تاريخ مكة العمراني وآثارها ، لكنني لا أحتاج كل هذا لأدرك منذ الزيارة الأولى هذه الغربة التي تنتابك فور الخروج من الحرم عندما تدخل مولا من المولات لتشتري طعاما أو حاجية من الحاجيات لتنسى تقريبا أين أنت ولماذا جئت ، ولولا محلات التمور وبعض المحرمين لربما نسيت تماما، إن الأنس الذي تشعر به وأنت تدخل مكة متأملا في بيوتها البسيطة ذات الدور الواحد والدورين يختفي في الدائرة المحيطة بالحرم ، ليبقى الشعور بالتغرب ويبقى سؤالا آخر ، لماذا لا يطال العمران والخدمات الرائعة أهل مكة البعيدين عن الحرم ، إن انتقل هذا العمران الفاخر بعيدا عن الحرم وظل محيط الحرم بسيطا متواضعا فهو جميل منطقي ، وإن عم هذا العمران الفاخر مكة كلها البعيد منها والقريب فهو منطقي كمدينة في بلد ثري وإن اختلفنا معه في الحفاظ على هوية مكة الإسلامية والعربية ، أما اختصاص محيط الحرم وإهمال سائر مكة فهو للأسف يؤيد الكثير من كلام الكاتب في كون الأمر تجاريا رأسماليا من الدرجة الأولى.. ---- الثالث: كان لي منشور لا رغبة عندي في إعادته عن فتنة انتشار التصوير في الحرمين أثناء المناسك وتعارضها مع روح الحج والعمرة والعبادة، ولكن أقول لا يقف الزائر ظهره للكعبة وعينه على الساعة وهو يلتقط الصور وحسب ، بل أصبحت نسبة كبيرة من الصور تلتقط مع الساعة نفسها والأبراج والتوسعات لا الحرمين وإن إحتاج المصور للنوم على الأرض كي تدرك عدسته الساعة الشاهقة. ---- الرابع: أسئلة لا أجابة لها ورغم أن كل ما فات يبدي أنني مؤيد للكاتب مطلقا ، ولكن أظن أنني لا أستطيع الوصول لهذه الدرجة بعد. عندما أفكر في قضية كالتي يناقشها الكتاب أحب أن أخرج من الواقع الذي أدرك أبعاده لحد كبير وأدرك نوايا القائمين على تشكيله أيضا إلى حد كبير إن لم يكن إلى حد اليقين من وفرة الدلائل والشواهد ، لأنظر نظرة مجردة عبر طرح أسئلة مثالية.. إن الكاتب يقول أن زيادة الطاقة الاستيعابية للحرمين ومحيطهما حجة من حجج آل سعود وكبار المستثمرين (كمجموعة بن لادن) لتمرير المشاريع الرأسمالية المربحة ليس أكثر ، وهذا واضح من الأسلوب الذي يتم التعامل به مع قضية التوسعات وبناء الأبراج ، بل ومن خلال العبارات الصريحة المذكورة في كتيباتهم الدعائية و التي استشهد الكاتب بها مرارا بشكل لا يدع مجالا للشك أن زيادة الطاقة الاستيعابية على حساب قداسة وهوية المدينة أهدافه استثمارية محضة وليس خدمة للحجاج والمعتمرين ويوصي الكاتب في نهاية الكتاب بهدم تلك الاعتداءات لننقذ شيئا من هوية المدينة الآخذ في الاختفاء ، هذا أفهمه بشدة في شأن الأبراج والفنادق التي ستزيد الطاقة الاستيعابية للأثرياء دون غيرهم وليس لزوار بيت الله الحرام في المجمل ، لكن ماذا لو أردنا التوسع في بناء مساكن متواضعة عادية لاستيعاب عدد أكبر من الحجاج والمعتمرين من الفقراء والبسطاء ، وماذا عن الاحتياج لتوسعة المصلى ، وماذا عن الاحتياج لتيسير انتقال الحافلات ووسائل المواصلات المختلفة الكثيرة جدا وقت الحج خاصة ، كيف سيتم ذلك أيضا دون احتياج للتوسع في البنا�� وتسوية شيء من الجبال والتلال وحفر الأنفاق وهي أشياء عدها الكاتب كلها من وسائل طمس هوية مكة وتدميرها وليس فقط بناء الأبراج وهدم المنشآت الأثرية ، التي لا أدري أيضا هل من الممكن - إذا ضاقت السبل- أن نضحي بتوسعة ضرورية لا رأسمالية إذا كان الثمن هو هدم مبنى او مبنيين من آثار الخلافة العثمانية أو غيرها ؟ هل علينا رغم الزيادة المطردة في أعداد المسلمين في العالم أن نبقي الحد الأقصى للحجاج ثابتا مع مرور العقود والقرون من أجل الحفاظ على كل شيء حتى الجبال والهضاب وقلعة ومبان لم تكن هي نفسها موجودة قبل خمسة قرون من أصل أربعة عشر قرنا؟ سؤال أسأله بصدق وتجرد، ولا أستطيع إجابته لبعدي عن التخصصين .. العمارة والفقه. إن إجابة هذه الأسئلة - إن كانت موجودة - لا يكفي أن تبقى محصورة في نقاشات وكتابات المعماريين والفقهاء المتخصصة ، بل ينبغي نشرها لتكون رأيا عاما ووعيا عند الجماهير، لا يكفي أن نستمر في الصراخ (انقذوا مكة انقذوا مكة) ، فحجة زيادة الطاقة الاستيعابية التي يطلقها النظام السعودي قوية عند العوام الذين يتمنون أن تصل سعة الحرم إلى نصف مليار حاج ليحجوا إليه عاما بعد عام إن استطاعوا ، وهؤلاء لا يكفيهم وربما لا يعنيهم ما هي أهداف آل سعود في من زيادة الطاقة الاستيعابية طالما أنها في النهاية .. ستزيد.. إذن فهناك فرق بين نقد أسلوب التوسعة ، وبين نقد فكرة التوسعة ، هذا الفارق يذوب عند الناس عندما لا توجد بدائل واضحة مفهومة للأسلوب المتبع حاليا يستوعبها غير المتخصصين ويكتشفون باستيعابهم لها زيف ما يطرح عليهم. ---- الخامس: عن الفتاوى ضربت بنفسي مثالا عاليا في مسألة خدمة الفتوى لرأس المال ، وإن كان الشيخ المشهور يقبل للأسف أن يخدم بفتواه صاحب رأس مال ضئيل نسبيا كصاحب شركة سياحة فما بالنا بأصحاب هذه التريليونات التي تطرح في مشروعات التوسعة والأبراج ، لا سيما مع كونها ظاهرا خادمة للحرمين. ولكن .. لا ينبغي أن يتم التسوية بين كل الفتاوى وإن كان مآلها واحد وهو تمرير المشروعات الحالية، ويمكن تمييز ذلك بسهولة من خلال الحيثيات ومن خلال التناقضات ، فمثلا لا يمكن أن يتم التسوية بين فتوى بأعمال هدم تمت في العشرينات من منطلق شرعي - تتفق أو تختلف معه ليست هذه القضية الآن - وبين فتوى بأعمال هدم الآن ، حتى لو أردت مهاجمة كلا الفتوتين فلا يمكن أن يتم ذلك في سياق واحد وبحيثيات واحدة ، وأنا هنا لا أخاطب الكاتب بالضرورة ولكن الجميع وأنا منهم ، فالكتاب ذكرني بالمسألة ليس أكثر ، وكذلك التعليقات عليه على موقع الـ goodreads، إن كانت الفتوى شرعية فعلا ولو في مذهب صاحبها فالتعامل معها يختلف عن الفتوى المفصلة بشكل كامل لأصحاب المصلحة ، وتبيين خطأها والتحريض ضد فكرتها لا يصح أن يستعمل فيه موضوع (لاس فيجاسية مكة) في كل الأحوال ، أما إن كان - عبر دلائل وكشف تناقضات موحية - الأمر مصلحي بحت فحينها مفهوم جدا أن يستعمل هذا الأمر في الرد والتبيين ، فلا ينبغي خلط الحابل بالنابل والفتوى ذات الأصل الشرعي المعتبر والمحترم بالفتوى المفصلة على المقاس، فلا يمكن التسوية بين فتاوى جاءت في توقيت ربما بلغ فيه تعظيم الأحجار والقبور حد الشرك فعلا ، وبين فتاوى انتقائية تستند لنفس المسألة في واقع مغاير. ---- السادس: القداسة وعصبية الجاهلية إن كان العنصر الرئيسي جدا الذي يدور حوله الكتاب ويدور حوله أي طرح يناقش نفس الموضوع هو قداسة مكة في الإسلام ، وتسبب تلك التوسعات الرأسمالية في اختفاء الذوبان والمساواة بين المسلمين على اختلاف أجناسهم وبلدانهم ومستوياتهم المادية والتعليمية والتي هي من أهداف الحج الظاهرة، فإن العمل في هذا الإطار ينبغي أن يكون أمميا لا "وطنيا" ، لا أن تعتني تركيا بالآثار العثمانية في مكة باعتبار أنها من تراث تركيا ، وهو المثال المذكور في الكتاب ، ثم تعتني أي دولة أخرى لها آثار تمثل فترة من فترات تاريخها في مكة دون أن تهتم تركيا حينها مثلا وما إلى ذلك ، إن كان هناك شيء في مكة لا تستشعر الأمة كلها أو جلها أنه ملك لها جميعا وجزء من تراث الإسلام لا مجرد جزء من تراث عرق مسلم تولى السلطة في وقت ما فإنه لا ينبغي أن يعامل "بشكل مطلق" كجزء من قداسة مكة ومكانتها الإسلامية ، لقد لمحت تلك النقطة في بداية الحديث عن هدم قلعة أجياد التي للأسف لم أسمع بها من قبل فقد كانت زيارة مكة الأولى بعد هدمها بنحو عشر سنوات ، وأحزنتني صورتها الجميلة وتمنيت لو رأيتها ودخلتها ، لمحت تلك النقطة في البداية ثم استبشعت الأمر جدا عندما وصف وزير خارجية تركيا المحتج هدم القلعة بأنه كهدم أصنام بوذا على أيدي طالبان!! إذا كانت تلك القلعة أو ذاك الأثر لا يهم سوى فئة واحدة من المسلمين هم الأتراك ، ثم أنها تمثل عند ممثلهم تماثيل بوذا التاريخية للعرق الأفغاني فإنه لا يمكن التعامل معها كالتعامل مع المسجد الحرام أو بئر زمزم أو حتى بيت السيدة خديجة أو موضع ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن يدري ، هل رأى أهل مكة منذ خمسة قرون أن بناء قلعة أجياد على التل المجاور للحرم اعتداء على الحرم مثلا وتغييرا لهويته؟ أقصد نحتاج لميزان الذهب حتى نفصل بين المقدس الحقيقي والأمر المتغير الذي قام في زمن ما للقيام بدور ما ، نحتاج ميزان الذهب لنزن هل مصلحة المسلمين الأكبر في استمراره أم استبداله ، في حالتنا الحالية تم استبداله بشيء فظيع اتفق مع الكاتب في كل ما قاله عنه تقريبا ، ولكن كما قلت سابقا ماذا لو أحتاج المعماري المسلم الحصيف الذي يعمل على الجمع بين مصلحة الحجيج وبين حفظ قداسة المكان إلى إزالة شيء كهذا؟ وهل يدخل في موازناته كون هذا الشيء يهم المسلمين عامة أو بعضهم خاصة؟ يمكن إضافة هذا السؤال للأسئلة التي لا أعرف إجاباتها عاليا . ---- السابع: الكتاب رائع ومفيد على المستوى العام (التثقيف المعماري لغير المتخصصين) ، ومفيد في موضوعه الذي يستحق الإثارة والاهتمام جدا ، ينبغي - بشكل عام - إخراج البيت الحرام من كونه تابعا للنظام الحاكم أيا كان عثمانيا أو سعوديا (ربما لو حكم الأتراك ثانيا هدموا تراث آل سعود وشهدنا جدلا عكسيا) ، بل أنا أؤمن أن الإمامة والخطابة فيه ينبغي ألا تحكم بالجنسية السعودية ، ولكن بالطبع هذا أقرب للأحلام ، ولكن عموما ينبغي أن نعمل من أجل هذه الأممية ، وهذا الكتاب مفيد جدا في هذا الباب ، ويعطي للمسلمين في بقاع الأرض طرف خيط هام جدا للاهتمام ببقاعهم المقدسة والحرص عليها والاهتمام لا بأخبارها ولكن بتفاصيل أخبارها والتعبد إلى الله بحمل همها وحفظها من الغزو الفكري والثقافي قبل الغزو العسكري، وفي رأيي أن هذه المعركة يجب أن تشمل الحديث عن عمارة كل بلاد المسلمين وليس مكة والمدينة فقط ، ينبغي ان نخوض معركة الهوية في كل البلاد المسلمة فحفاظ الدول المسلمة على هويتها في كل شيء بما فيها العمارة بمثابة حصون تقف أمام انتهاك هوية الأراضي المقدسة ، أما أن يعيش المسلمين الاغتراب في كل بلدانهم ويتعايشوا معه فهذا يسهل - بل سهل فعليا - اقتحام الاغتراب لآخر حصن من حصون هويتهم ..وهو مكة ذاتها. جزا الله الكاتب خيرا ووفقه وتقبل منه.
من مكة إلى لاس فيجاس: أطروحات نقدية في العمارة والقداسة
لا تملك إلا الاتفاق مع بعض النقاط التي يثيرها الكتاب، فلا شيء يعدل المحافظة على الآثار والأماكن التاريخية والتي تمثل جزء مهم من تاريخ وهوية أي أمة، ومن المؤلم مشاهدة تاريخ كامل يزال ويجرف لتقوم مكانه ناطحات سحاب بليونية، كما لا يجب أن يعلو شيء على البيت الحرام، لا ناطحات سحاب ولا مولات أو محلات، وأن تتم المحافظة على روحانية المكان وعظمته، قرأت الكتاب وأنا أتوقع الكثير ولكني خرجت بلا إجابة على الأسئلة التي يجب أن تثار إن أبعدنا جانباً ناطحات السحاب والمقاهي، كيف يمكن لك في مساحة صغيرة أن تحافظ على إقامة الشعائر وتقديم الخدمات لملايين الحجاج والمعتمرين!! لا أجد في رأيي إلا حلاً وحيداً وهو جعل منطقة الحرام خالية من السكن وربطها بقطارات سريعة تنقل الناس ذهاباً وإياباً لأطراف الحرم، هل هذا الحل عملي؟ هل يمكن أن يغطي حاجات الحجاج والمعتمرين؟ لا أدري!! لا ننسى أن المنطقة صغيرة والحركة فيها عالية، والزحام لا يطاق في بعض المواسم رغم كل الجهود الجبارة التي بذلت وتبذل لتسهيل الحركة، كيف يمكن المحافظة على شكل الحرم القديم بكل العوائق التي كانت موجودة في المطاف حينها؟ لابد من حلول عملية تراعي تسهيل الشعيرة والحفاظ على الموقع، وعند صعوبة الجمع بينهما أظن الخيار كان دائماً تسهيل الشعيرة والتنازل عن المكان.
مؤلم هذا الكتاب مؤلم بحجم الدمار الذي تسببه البلدوزرات والجرافات في أرض أقدس البقاع... جارفة عشرات القرون من التاريخ والتراث... وماحية لأي أثر يدل على هوية المكان وملامحه وذاكرته فبدل أن يرجع الحاج أو المعتمر من زيارته لمكة بذاكرة مثقلة بملامح ومنازل وآثار هذا المكان الذي هو مهبط الوحي وأقدس ديار الإسلام وشاهد على تاريخه... يرجع وهو يحمل ذكريات السكن في الموفنبيك أو فيرمونت والغداء في الإنتركونتننتال أو المريديان والعشاء في جراند كورال أو الماكدونالدز حتى وإن لم يكن من المقتدرين على الإقامة في هذه الأماكن... فإن التلوث البصري الذي تسببه لا ريب ستشتت انتباهه عن مقصده في زيارة بيت الله ينبغي أن يكتب على الغلاف: كتاب لكل مسلم... بل لكل أحد وهو على خلاف ما قد يتبادر لذهن من يطالع العنوان... ليس كتابا متخصصا... بل مكتوب بأسلوب بسيط وقريب لفهم القارئ العادي غير المتخصص ولا يعيبه سوى بعض التكرار وشيء من الاضطراب في ترتيب المواضيع
هذا كتاب في غاية الأهمية والخطورة.. وحين قرأته، استحقرت كل ما يتم في مكة وبه ننبهر.. الأمر فعلًا مرعب، ولم أتخيل خطورته إلا عندما قرأت هذا الكتاب.. المشكلة أن تلك المشاريع القائمة على قدم وساق في مكة المكرمة تنفذ على أنها خدمة للحرمين الشريفين، وما هي إلا مشاريع ربحية تدر الأموال على ملوك السعودية وأمرائها! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
يقول إيتالو كالفينو في كتابه المدن الخفية: "المدن مثل الأحلام مصنوعة من الرغبات والمخاوف، حتى لو كان خيط خطابهم الحاكم سرياً، قواعدها منافية للعقل، رسائلها البصرية المخادعة، وكل شيء يخفي شيئاً اخر"!
يحدثنا علي عبدالرؤوف في كتابه "من مكة الى لاس فيجاس: أطروحات نقدية في العمارة والقداسة" عن هذا التلوث البصري والتشوه الروحي الذي اجتاح مكة المكرمة مؤخراً بوصف عنيف يقارن فيه أطهر مكان على وجه الأرض بأخبث الأماكن في صرخة علّها تجد صدى لدينا نحن المسلمين في شتى بقاع الأرض بعد أن عاثت الرأسمالية القبيحة فساداً في مسقط رأس حبيبنا صلى الله عليه وسلم.
وهذه الدراسة تلفت نظرنا الى أنه على الرغم من الحملة الدعائية التي قام بها المسؤولون عن مشروع توسعة الحرم المكي بهدف خدمة الحجيج والتيسير عليهم وزيادة القدرة الاستيعابية للحرم لملايين الحجيج سنوياً، وعلى الرغم من الجهود المشكورة من أجل القيام بهذا العبء، لم تم إختيار تطبيق مفهوم المدن العالمية والتي اجتاحت معظم دول الخليج في العشرين عام الفائتين كأساس لعملية التوسعة. ان الناظر الى مدينة القدس والحرم القدسي وحتى الفاتيكان كمركز روحي مقدس لملايين المؤمنيين يرى البون الشاسع في التعامل مع المقدس ورمزيته في مكة المكرمة. بل إن القائمين على المشروع ذهبوا الى تسوية الكثير من البيوت القديمة والتي تمثل شاهداً على تاريخ حياة نيبنا محمد صلى الله عليه وسلم بالأرض ناهيك عن الجبال والقلاع التاريخية المحيطة بالحرم كقلعة أجياد العثمانية والتي بنيت من أجل حماية قوافل الحجيج الى مكة! بل وصل الأمر الى بناء ساعة مماثلة لساعة بيج بين في لندن ووضع الهلال فوقها في عملية محاكاة سخيفة تسطح مفهوم الإسلامي ورمزيته الى هلال موضوع على رأس برج.
وإن كنت أثناء قراءة الكتاب لا أفتأ أن أذكر ما علمنا أياه كل من علي عزت بيجوفيتش ومالك بن نبي عن الفرق الهائل بين الثقافة والحضارة. فثقافة أي مجتمع من المجتمعات يعكس الموروث الإنساني والأخلاقي الذي يميز مجتمع عن أخر. هو تراثنا الجمعي وذاكرتنا الحية التي تعكس تصوراتنا كأفراد عن ديننا وفننا وتراثنا وأخلاقنا في علاقة توجه دائم نحو المقدس فينا. هي عملية بحث دائم عن الله تعكس ديناميكية العلاقة الروحانية الدائمة بين العبد وربه.
بينما تعكس الحضارة ميكانيكية العلاقة بين المجتمعات والتقدم والتكنولوجيا بحالة تجرد صارخ عن الانسانيات والروحانيات وتعلق مستمر بالماديات التي تمايز بين مجتمع واخر. وإن كانت هذه الحضارة تعبر عن معيار مهم في التمايز بين مجتمع وأخر، ونحن لا ننكر هنا أهمية الحضارة كمعيار ووسيلة للإرتقاء بالمجتمعات، إلا أن استغلالها الهدام في سياق الحالة المعمارية لأقدس مقدسات المسلمين يعتبر تعدي صارخ على إرث أكثر من مليار مسلم يتوجهون خمس مرات في اليوم الى قبلتهم يسلمون فيها رقابهم الى الله سبحانه وتعالى.
يقول بيجوفيتش: "لثقافة هى تأثير الدين على الانسان وتأثير الانسان على الانســـان، بينما الحضارة هى تأثير العقل على الطبيعة ... تعنى الثقافة الفن الذى يكون به الانسان انساناً أما الحضارة فهى فن يتعلق بالوظيفة والسيطرة وصناعة الأشياء، تامة الكمال .. الحضارة هى استمرارية التقدم التقنى وليس الروحى .. كما ان التطور الدارونى هو استمرارية للتقدم البيولوجى وليس التقدم الانسانى. الثقافة شعور دائم الحضور بالاختيار وتعبير عن الحرية الانسانية، وخلافاً لما تذهب اليه الحكمة الاسلامية بضرورة كبح الشهوات، يحكم الحضارة منطق آخر جعلها ترفع شعاراً مضاداً: (اخلق شهوات جديدة دائماً وأبداً). الحضارة تُعلّم أما الثقافة فتُنوّر، تحتاج الأولى الى تعليم والثانية الى تأمل".
إن رحلة الحج التي تعكس عملية تذلل وتجرد وتساوي بين جميع المسلمين المتوجهين نحو مكة المكرمة أصبحت مثال صارخ على طبقية المسلمين حتى في أقدس أماكن عبادتهم. ففي هذه الأطروحة، يبين لنا عبدالرؤوف البون الشاسع في الانفاق على الأبراج والفنادق التي أصبحت تخنق مكة المكرمة من كل مكان، والتي ارتفعت فيها أسعار الأراضي والمبيت الى أسعار خيالية تمثل أكثر أراضي العالم ارتفاعاً في الأسعار بالنسبة الى المتر المربع الواحد بطريقة جنونية لا تعكس سوى توظيف المقدس لخدمة رأس المال! وإن كنا لا ننكر أيضاً أن اسهامات المسلمين في التطور العمراني والمميز للعمارة الإسلامية عبر العصور قد انحصرت وكادت تندثر منذ قرون، الا أن إعادة عملية الإسهام لهذه الحركة المعمارية لا يتم بأخذ الحالة المعمارية لحضارة وتراث آخر واسقاط بعض القشورالاسلامية عليها لنسبتها للتراث الإسلامي!
أحياناً، تمضي بنا الدنيا بشكل واعٍ أو غير واعٍ في اتجاهات رسمت لنا نختارها عقلاً أو عادةً لا يهم ما دمنا نواصل المسير! لكن أحياناً نحتاج الى ذلك الصوت الذي يقطع سكون ليلنا ليعيد توجيه بوصلة حياتنا الى ما يهم، الى علاقتنا بربنا، ديننا، وواجبنا تجاه موروثنا الثقافي والحضاري. وربما كانت هذه الدراسات محاولة من هذا النوع!
يقول مالكوم إكس "سُئلتُ: ما أكثر ما أحببت في الحج؟ فقلت الأخوة، فالناس من كل الأعراق والألوان من كافة أنحاء العالم يتجمعون ويصبحون واحداً أمام قدرة الله العلي القدير"
"فَاعْتَبِرُوا يَا أُوْلِي الأَبْصَار". صدق الله العظيم
عنوان الأطروحة والغلاف كانا السبب في اقتنائي للكتاب.
يقدم الكتاب دراسة نقديّة لتطاول العمران في مكّة؛ المدينة الإسلاميّة المقدّسة، وجهة قلوب المسلمين لتطهير أرواحهم من دنيا المادّة، بأدائهم لفريضة الحج في تجربة روحانيّة دينيّة، تجردهم من كل اختلاف ليقفوا بين يديّ خالقهم في محاولة للعودة إلى فطرتهم الإنسانيّة السليمة؛ هذا هو المنظور الذي أغلبنا يرى به أمّ القرى.
في هذه الدراسة يسلط الضوء على جريمة بشعة بحق موروثنا التاريخي؛ فتُُبنى مدن الزجاج و الأبراج على أنقاض ذاكرتنا الإسلاميّة، تُفرغ مكّة من القداسة والروحانية، فتفقد جمالها الطبيعي الذي كسبته من عبق تاريخها؛ تاريخ الدعوة.
كيف لمكان تُزال فيه الفوارق بين الغني والفقير أن يُجَسّد ويُكَثّف من هذه الفوارق بحيث تُبنى الأبراج والمطاعم والمُجمعات السياحية للأثرياء، أن تتم أعمال التوسعة في الحرم على حساب آخرين تُهدم منازلهم، وتتعدى ذلك بإزالة شواهد تاريخية هي حق لكلّ مسلم بحجة خدمة زوار بيت الله.
بدأ الفصل الأول من الكتاب تمهيداً لأطروحته؛ مؤكداً على أهمية مكة التاريخيّة والدينيّة، قدسيّة المدينة ومكانتها الروحانيّة،إطارها الجغرافي، فيخاطب بهذا وجدان المسلم وعقله.
ينتقل إلى الحديث عن مفاهيم العمارة المقدسة، ويوضح الفرق بين العمارة المقدسة والعمارة الدينية، يتعرض للأزمة الإبداعية في العمران الإسلامي المعاصر؛ في هذا الفصل الكثير من الجمال والإبداع، بسيط ومفهوم لغير المتخصصين.
ثم، يناقش ظاهرة عولمة المدن الخليجية، ويأخذ مكّة المكرمة حالة خاصة لتفردها بالقداسة والروحانية، ويبحث في المخططات المستقبليّّة لأعمال التطوير والتوسعة معتمداً في ذلك إلى الوثائق والأدلة وفتاوى تغطي حقيقة هذه المشاريع الربحية بغطاء ديني فكل ما يقف في طريق امتداد العمران من آثار وشواهد مكيّة يبعث على الشرك، أو بحجّة خدمة زوار بيت الله، فيبحث صراع المادّي والروحي.
في الفصل اللاحق، يتخذ مدينة لاس فيجاس نموذجاً يقارن به مكة المكرمة فيرصد التحولات العمرانية للمدينة ودور رأس المال البترولي فيها، ليعقد مقاربة في منهج التطور الحاصل في كلتا المدينتين والدوافع وراء العمران في النموذجين.من ثم يقارن الحاصل في مكة بمدينتين مقدستين هما القدس والفاتيكان.
لا أنسى ابدا ، حين كنت امشي عند الحرم واقتربت قليلا من مدخل خلفي لاحد الفنادق - الذي لم اكن اعرف انه فندق فـ ساحاته الارضيه كلها محال تجاريه - ومنعني الحارس من الدخول بحجة انه للساكنين هنا . ولا انسى ابدا حجم الضيق و - كبت النفس - الذي رافقني منذ اول دخول لـي الى الحرم ، حتى الخروج منه ، والحوائط اللامعه تحاصرني ، والابراج الشاهقة تُشعرني بأني لا شيء ، وحُلمي بالوصول الى حالة الطُهر قرب الكعبة تلاشى كالرياح . لهذا بمجرد ما عرفت عن هذا الكتاب سارعت لاقتنائه ، وكان د. علي موفقا جدا في طرحه الجريء ، أقول الجريء لأننا اعتدنا على تقديس السلطه وسلطة المُقدس ، فـأصبح انتقادك لفعل تمارسة السلطة السعوديه كأنه انتقاد لجهودهم في خدمة الحجاج - وهذا فرض عليهم لا منحه - او ان الانتقاد يعني الاساءة الى قيمة مكة الدينيه ، واعتقد انه واضح جدا من يسيء لقيمة مكة . هؤلاء الذين يسمون خداما للحرم ، تعمدوا تطبيق سياستهم العقديه المتشدده ، ونسوا ان هذا بيت لكل المسلمين بمختلف طوائفهم ، تحجج اصحاب الفكر الوهابي بان كل المباني التراثيه المحيطه بالكعبه ، مثل قلعة اجياد العثمانيه ، وقبر السيدة حواء ، وقبر السيدة خديجه ، ومنزل ابو بكر الصديق ، والمكان الذي يُزعم انه مكان مولد المصطفى - والذي تقع فيه مكتبة البيت النبوي الان - كلها تشجع على الشرك والوثنيه ولهذا لا بد من هدمها نهدم هذا التراث العظيم لنفسح المجال لـ شرك اخر ووثينة اخرى ، هي عبادة الرأسمالية ومنطق لا سواسية امام المال ، ولهذا فان الابراج العالية وابرزها برج الساعة عمُق حجم الهوة الطبقية بين المسلمين ، الطريف ان شد الرحال الى مكة هدفه الغاء هذه الطبقيه .. طريف جدا ! كيف تتصور ان تجد انسانا مؤمنا لم يكفر بعد وهو يرى حجم العمران الهائل حول الكعبه ثم يعود لمنزله الطيني المهدم في حواري مكة الفقيره ، هذا ان استمر بالسكن هنا ، فعمليات التوسعه اخرجت الالاف من بيوتهم - قسرا - مؤسف ومبكي و ومثيرر للحنق ما فعله الطمع باقدس تجمع للمسلمين ، ومقرف جدا ان يتم تغليف كل هذه الجريمة بطابع الدين وخدمة الحجاج ..انها خدمة جيوب لا اكثر ..حسبي الله
“التبرير الدائم الذي تسوقه السلطات السعودية لعملية الهدم والإحلال المستمرة، هو الرغبة في استيعاب الأعداد المتزايدة من الراغبين في أداء مناسك الحج. الأكيد أن هذا التبرير يتوافق مع لقب الملك وهو خادم الحرمين الشريفين، وهو اللقب الذي يعطي الإيحاء الكامل بأن الملك وكل سلطاته تتفرغ لخدمة الحرمين الشريفين، ومن ثم تسهيل مهمة المسلمين القادمين إليها. وأما ما لا يمكن إعلانه هو أن الدافع وراء كل هذه العمليات هو دافع مالي استثماري بحت! إنها الرغبة في تعظيم الربح من أكثر مناطق الاستثمار العقاري في العالم قيمة. لقد تم تفسير خدمة الإسلام والحجيج تفسيراً يمكن من تعظيم الدورة المالية والربحية والاستثمارية للنطاقات العقارية حول الحرم، مع تغليفها الدائم بالغلاف الذي يثير العواطف ويدغدغ المشاعر: خدمة زوار بيت الله.” يوضح الكاتب علاقة العمارة والقداسة بأن صفة القداسة عند استخدامها مرتبطة بالعمارة والعمران , أن المتوقع فى المبانى الدينية أن المتعبد يتطلع الى تجربة تتم من خلال طقوس والصلاة والتأمل , تساعده على الانتقال الى ما وراء المادى والحسى واستشراف العوالم الروحانية السماوية . وهذا ما يفسر ان العديد من مبانى العبادة بنيت فى اماكن بها طاقة روحانية كامنة ونباعة من احداث فارقة فى عقائد واديان بعينها مثل قصة الاسراء والمعراج وقبة الصخرة . وكذلك حالة دير سانت كاترين فى شبة جزيرة سيناء الذى بنى على سفح جبل سيناء حيث كلم الله الى النبي موسي. واليوم إذ تعلو الأبراج وتُطاوِل عنان السماء، وما يُرافق ذلك من انتباه الحاج أو المعتمر لها على حساب الكعبة، إذ تبدو صغيرة ومتواضعة أمام هذه الأبراج العملاقة، فإن الإنسان المسلم يستسلم للقيمة الدنيوية ورأس المال البشري المُتعملق، على حساب القيمة الأخروية اللانهائية التي تمثلها الكعبة المشرفة وتحملها بين طياتها، عبر تفجير الصاعق الإيماني لدى الحاج أو المعتمر (لا سيما ساعة دخول الحرم المكي ومعاينة الكعبة المشرفة وجهاً لوجه)؛ تحديداً بين مخياله الإيماني واندفاعه الحماسي ناحية البقعة المُقدسة التي يتقرب بها زلفى إلى الله.
عندما كانت الكعبة بؤرة الاهتمام
كيف تتحقق المساواة بين المسلمين والتيقن من أنه لا فرق بين عربي أو أعجمي إلا بالتقوى وأنا أنظر عاليًا فأرى من يطل علي وعلى الكعبة من نافذة المبنى الأسطوري وهو يرتشف العصير الطازج وبجواره زوجته تبتسم على نعمة الغنى والثراء والقدرة على شراء حجرة في أبراج البيت التي يتراوح سعر الغرفة الواحدة بها من 650000، إلى المليون دولار أمريكي؟» ما معنى كل هذا وأنا في بيت الله؟ ما معنى كل هذا وأنا في أقصى لحظات ضعفي وقلة حيلتي لا يسترني من العراء إلا قطعة قماش بيضاء يلبسها الغني والفقير على السواء؟
“الأكثر خطورة هي التبريرات الدينية والفتاوى المغرضة التي سهلت عملية "لاس فيجاسية" مكة، فقد أفتى البعض بجواز اعتبار صلاتك وحدك في غرفتك المطلة على الحرم كصلاة جماعة، وبالتالي لا تضطر للنزول إلى ساحة المسجد الحرام وتكبد مشقة الاحتكاك مع جموع المسلمين. بينما الواقع أن فلسفة الحج هي تحقيق هذا البعد الجماعي والتواصل بين أبناء الأمة الإسلامية في نطاق جغرافي مقدس واحد. وعندما نكتفي بتأمل الكعبة من أعلى فتظهر لك كياناً ضعيفاً فلا يمكن أن يحمل أو يرسل أية دلالات روحانية أو إيمانية. بل وصلت الأزمة الأخلاقية لتنمية عمران المسجد الحرام إلى أقصاها بالدعوة من عدة فنادق محيطة بالحرم لحديثي الزواج بقضاء ليالي شهر العسل اللذيذة الممتعة في جناحك المشرف على المنظر الجميل لبيت الله الحرام؛ كعبة المسلمين..”
الصدمة الثالثة بحسب المؤلف"كانت في زيارتي لدولة الفاتيكان، والمقرّ البابوي وكنيسة سان بيتر الشهيرة، حيث يكتنف المحيط كله جو روحاني فريد. كما تتضاءل كل السياقات المحيطة لتصبح الكنيسة وملحقاتها وساحاتها الأمامية الكبرى هي العلامات الفارقة في المحيط البصري للمكان". أما الصدمة الرابعة "المنبّهة اللافتة حين ذهبت إلى مدينة لاس فيغاس الشهيرة بولاية نيفادا، إحدى ولايات الجنوب الأمريكي، لحضور مؤتمر يناقش قضايا دولية في مجالات العمارة والعمران. وفي أثناء تحركي واستكشافي للمدينة، وجدت نفسي أكثر من مرّة متورطاً بصرياً وعاطفياً وذهنياً ونقدياً، في عقد مقارنات بين المدينتين: مكة المكرمة المقدسة مهد الدين الإسلامي ومولد الرسول الكريم وقبلة المصلين والحجّاج، ولاس فيغاس المدينة المدنسة قبلة المقامرين، أو مدينة الخطيئة كما يحلو لمرتاديها أن يلقبوها".
أتذكر أني شعرت بعدم الأرتياح حين رأيتها للمرة الأولى منذ سنوات،فقد بدت الكعبة لي كقزم تافه في مجابهة مارد عملاق،وتشبيه أبراج البيت بالمارد لا ينبع من مجرد ضخامة البناء لكن سببه كذلك مخالفة منظره للمحيط كون تصميمه بدى شديد العصرية بشكل يناقض جوهر الأصالة المفترضة في أجواء المدينة المقدسة(وهو ما لم يؤثر فيه لفظ الجلالة والهلال الذهبيين في قمته)،أذكر أن أحدهم حكى لي بعد عودته من البقاع الطاهرة أنه حين كان في الحرم وجد أن الناس تلتقط الصور(العادية والسيلفي)لأبراج البيت أكثر من البيت نفسه...أين هي مكة في الصورة؟!!
في البدء كان العنوان:وعنوان الكتاب مميز وصادم كونه يجمع "المدينة المقدسة"ب"مدينة الرذيلة"،لكن ذلك ليس من نوعية ذلك التضاد اللذي يبرز المعنى ويوضحه ويقويه...بل هو (كما بين الكتاب في الفصل الرابع والأخير)من باب الترادف اللذي يسحق كل المعاني والقيم الروحية تحت وطئة المال والثقافة الأستهلاكية الفجة.
تحدث الكتاب في فصله الأول عن فلسفة الحج وعلاقته بمفاهيم المساواة والتجرد من الدنيا و توجيه النظر للخالق وحده ومعاني التعب والكفاح،ثم يتبعه بفصل تمهيدي أخر عن فلسفة العمارة ،ثم ينتقل في الفصل الثالث لقلب الموضوع بدراسة مشروعات تطوير مكة خلال العقدين الأخيرين،والحديث هنا يتضمن منظورين: 1\المنظور التاريخي بأستعراض كمية المواقع التاريخية والأثرية التي سويت بالأرض لتقف مكانها تلك المشاريع التجارية ..وكان أبرز الأمثلة هي قلعة أجياد التي تنتمي لنهاية القرن الثامن عشر والتي أزيلت لتحل محلها أبراج الحرم.
2\الشق المعماري...وهو يتناول المباني التي أنشئت ومدى تلائمها مع الطبيعة الخاصة والروحانية لأجواء مكة سواء من حيث الأحجام والأرتفاعات أو من حيث التصميم.وهنا نستطيع أن نستغني عن الكلام ببضعة صور لأماكن مقدس ومقارنتها بالصورة أعلاه.
معبد هرمندير صاحب-الهند-السيخية
كنيسة الفاتيكان-المسيحية
ولنختم بمشهد لبة الصخرة وهو الواقع تحت الأحتلال ويعتير المحتلون موقعه مقدس في دينهم ......... والأن:أي الصور هو الأقل روحانيةً على الأطلاق؟!
أما الفصل الأخير فقد عقد مقارنة بين مكة وبين لاس فيجاس من وجهة نظر معمارية،مظهراً كيف أن تصميمات مشروعات التطوير الحالي في مكة جعلتها تتشبه بالمدينة الأمريكية الشهيرة لكن مع فارق هام:فيجاس مدينة حديثة تتعمد أنشاء نماذج للأثار الشهيرة لأستيراد أصالة زائة وسط الجو الصاخب بينما مكة مدينة أصيلة يتم تمزيقك ردائها العتيق لأستبداله بأخر متبرج وخليع وصاخب. ....... على الهامش:لم أستطع الحصول على الكتاب فأكتفيت بقراءة ملخصه(في 16 صفحة)بيد الكاتب نفسه...ولذا ركزت على الموضوع أكثر من الكتاب.
كتاب قيّم يطرح موضوعًا حسّاسًا قِلّة هم من تعرضوا لهكذا موضوعات في ظل غياب ثقافة النقد من الداخل لدى العرب عمومًا والخليج خصوصًا يمر الكاتب على شكل العمارة لمكة المكرمة وما حول الكعبة من مباني عبر التاريخ ويبين طريقة التعامل مع الإرث المعماري الثقافي عبر الحقب والعصور الإسلامية المختلفة، واختلاف الطريقة في العقود الأخيرة حيث تحت مسميات "التوسعة" و"زيادة الاستيعاب للحجاج الجدد" يتم تدمير إرث عريق من الحضارة والثقافة الإسلامية ويتم محو أماكن تاريخية شاهدة على نشأة الإسلام وسعي الصحابة الكرام غلبة الأطماع ورأس المال البترولي على الأصوات المنادية بإحترام قدسية المكان، جعلت من مكة مدينة تجاري التطور العمراني السريع كما حصل في لاسفيجاس، حيث المباني الضخمة بالطراز الغربي، في ظل غياب واضح للطراز الإسلامي المعماري حول مكة ويتطرق الكتاب للتغييب التدريجي لبروز الكعبة في المكان، حيث الفنادق الفخمة بجوارها والتي تطاولها في البنيان بشكل كبير جدا، والفتاوى التي تبيح لقاطني الفنادق الصلاة في الفندق وعدم النزول الى المسجد الحرام تحت حجة التساوي في الأجر والثواب وكذلك يعلق الكاتب على نماذج أخرى مثل الفاتيكان والكنيسة ه��اك، حيث احترام التاريخ وعدم غمره وسط ناطحات السحاب والمباني الشاهقة كما حصل في مكة المكرمة
مآخذي على الكتاب كانت في عدم تطرق الكاتب إلى المدينة المنورة وما جرى حول المسجد النبوي من تغييرات مماثلة، فالسلطة القائمة نفسها، وهي توأم مكة المكرمة في رحلات الحج والعمرة. وكذلك من مآخذي على الكاتب أنه عندما تطرق للقدس وما حولها من البنيان، تحدث عن مزاعم حفر الأنفاق تحت الأقصى التي لم يثبت منها شيء!!!! وأي شيءٍ أكثر إثباتًا مما رأيناه (كفلسطينيين رأيناه بنفسنا) وقام بالتقليل من خطورة التهويد الذي يقوم به الصهاينة، وقال بأن اليهود يحترمون قدسية المكان ويعرفون أبعاده التاريخية!! ولا يعلم كاتبنا العزيز أن اليهود ما حافظوا على سطوة المكان التاريخية إلا ليبنوا هيكلهم المزعوم وكذلك لم يبلغ كاتبنا خبر بناء كنيس الخراب الذي يجاور الأقصى والذي يحاولون جعل أضواءه تطمس وميض الأقصى وكذلك الفنادق اليهودية التي تبنى هناك بارتفاع يفوق ارتفاع المسجد الأقصى وكذلك من المآخذ التي يلحظها قارئ الكتاب هي تكرار الأفكار فيه بشكل ممل أحيانًا
أولًا: عنوان الكتاب أراه مبالغ، لا مقارنة بين أطهر بلد، وعكس ذلك.
أسلوب المؤلف بين المنطقية والإجحاف أحيانًا بحق جهود الحكومة السعودية، وما تتشرّف به من خدمة للزائرين والمعتمرين. ثم يصفها بالوهابية.
نعم، أوافق الكاتب في كل التغيرات التي ذكرها. لامستُ ذلك عندما حجزت مرّة في موڤنبيك. كنت حينها قريبة للحرم، الجوار الذي لا يُشترى بأموال الدنيا كلها، وشعوراً، كأني لستُ في مكة التي أعرفها قديماً.
كنت أحلم بشراء الكتاب منذ فترة طويلة ،،كنت أتمني ان اري في الكتاب أطروحات نقدية فعلا عن انحسار العمارة الاسلامية في محيط مكة ويا ريت ينسحب الكتاب لنقد تدهور العمارة عامة وانحسار الإسلامي الي النموذج التقليدي للمدن الاوروبية او الامريكية ،،، كنت أتمني ان يعبر عن ما بداخلي من حنق ويكسبني أبعاد اخري للموضوع ،،، لكن !!! اكتشفت اني اقرأ مقال عادي ،،يمكن ان يكتبه مهتم في مجلة ثقافية مثلاً ،، ليس فيه جهد بحثي او فكري ،،مجرد رأي للكاتب مدعم بتطور تاريخي ضعيف الحضور ،،، الكتاب مدعم بالصور ،،وهذا ما خرجت به بالإضافة انه اول كتاب طبعة نضيفة امسكة لدار مدارات
"المثير أننا في خضم نشوتنا بهذه الإنجازات الضخمة حول الكعبة لم نسأل أنفسنا السؤال الأكثر صدقا: ما معنى كل هذا وأنا في بيت الله؟ ما معنى هذا وأنا في أقضى لحظات ضعفي وقلة حيلتي لا يسترني من العراء إلا قطعة قماش بيضاء يلبسها الغني والفقير على السواء. لقد توارت المآذن في خجل بعدما أصبحت الفنادق الفاخرة شاهقة الارتفاع هي الأكثر تأثيرا في تشكيل صورة المدينة المقدسة، وهو ما خلق تناقضا جوهريا مع الطبيعة الروحانية للمدينة." لا تعليق. ما أنتم خير من أبرهة.
مكة المكرمة في مشهدها العمراني .. بين ما كانت وما هي الآن وما يجب أن تكون يقف الكاتب الجسور علي عبدالرؤوف وقفة استنكار وشجب لكل هذه المباني العملاقة المحيطة بالمسجد الحرام. الفتني الكتاب الى امر هام وهو ان الكعبة المشرفة هي بالاصل تكوين معماري .. فلهذا يجب ان نولي اهتماما كبيرا بالشأن العمراني لمكة المكرمة وبالذات حول الكعبة
الفتنا الكاتب الى ابراج البيت وهي الابراج الشاهقة الملتصقة بالكعبة ويتوسطها برج الساعة العملاق وهو خامس اطول مبنى في العالم بطول 600 متر .. هذا المبنى يشاهد من الحرم كنصب عملاق عندما نقارنه بالكعبة نجدها صغيرة جدا بارتفاع 14 متر .. فعلا عندما نرى مشهد الكعبة بالطائفين فقط نراها شيئا مهيبا يحيط بالجميع ويعلو عليهم ان بساطة المشهد وطرازه القديم له اثره فعلا .. حاول ان تقارن بين صورة للكعبة وحدها وصورة للكعبة وتلك المباني تطلع من كل ناحية لتحاصرها
تلك هي نظرة الكاتب علي عبدالرؤوف الذي لا يكتفي بذلك فحسب .. بل يخرج بنا الى خارج المسجد الحرام ليفتح موضوع حساس جدا حيث الاثار المكية من بيت السيدة خديجة ومكان مولد الرسول الى الاحياء الاثرية والشوارع والبيوت والقلاع وغيرها التي تم محو اثرها وبناء بنية تحتية جديدة واحياء عصرية تقوم عليها فنادق عالمية مثل فيرمونت وانتركونتننتال وهنا يظهر التساؤل اذا كانت كثير من الفتاوى تحرم على غير المسلم دخول مكة فهل من المعقول ان تستملك شركات الفنادق الغربية هذه الحصص من الاراضي والعقارات حول الحرم
الكاتب لم يستخدم لغة دبلوماسية في موضوع حرج كهذا الموضوع ، فقد وضع ما يعتبرها اخطاء على الطاولة وقد يعتبر البعض الكتاب يحتوي على اساءة للمملكة لأننا لم نعتد على النقد، استحضر الكاتب مدينة لاس فيغاس وقدم بحثا معماريا نقديا على طريقة روبرت فنتوري وعلى طريقة النقد المعماري والفني النظري الذي يسرح في التأويل والتأمل وكل هذا جيد جدا، ولكنه اشبه بحديث ترفي على شعوبنا العربية
كان الكاتب يحلم بمدينة مكة ان تكون كالماضي ولكن بقدرة استيعابية على متطلبات الحاضر، يريد ان تكون الجبال والاحياء والبيوت القديمة كما هي وفي نفس الوقت ان يكون هناك متسع لمساكن مليونية تساوي بين الفقير والغني
كان ينقص الكتاب فصلان مهمان الاول يتحدث فيها عن البديل الاقتصادي .. فكيف يمكن ان نوفر مساكن قريبة ومريحة لملايين الحجاج والمعتمرين ان لم يتم ازالة هذه الازقة القديمة وعمل بنية تحتية جديدة كليا ؟ ان اسعار هذه الغرف الفندقية يعتمد على العرض والطلب .. فلو قل العرض فان الطلب لا يزال موجودا وسوف ترتفع الاسعار لا محالة، لذلك تبدو الفنادق ذات الطوابق العالية مبررة بشرط ابتعادها قليلا عن الحرم وعدم ارتفاعها الى علو برج الساعة الشاهق، وقد تبدو المساواة بين الفقير والغني فكرة اساسية في الحج والعمرة وطبيعة المسجد الحرام ، ولكن كلنا نعرف اننا ما ان نخرج من الحرم فنحن لسنا متساوين، وليت شعري من الملام في ذلك يا ترى ، المهم انه نظام قائم وبالتالي فسترتفع البنايات الفارهة وبعيدا هناك سترتفع البنايات الرخيصة لمحدودي الدخل..
والفصل الثاني الذي كان على الكاتب ان يكتبه هو كيف ننقذ مايمكن انقاذه وماهو تصوره المستقبلي لمكة المكرمة، في نظري ان الاثار المهمة يمكن بناءها مجددا وفي مكانها، وهناك الكثير مما لا يمكن بناءه يفترض علينا جميعا احياءه ثقافيا والتنويه به في المتاحف والشوارع وكل مكان، بل وحتى بناؤه في اماكن شتى وعلى احجام مختلفة، فقلعة اجياد يمكن ان يحتفل بها كذكرى وممكن ان تبنى مجددا بعيدا عن مكانها الاصلي ،،ويمكن جمع المؤرخين المكيين وعمل ابحاث حول بيوت مكة القديمة وعمل مصغرات سياحية لها بعيدا عن منطقة الحرم، نطمح ان يتم انشاء مدينة تراثية لمكة القديمة وكذلك للمدينة المنورة في نظري ان لا يأس ولا قنوط ، وان كل شيء يمكن ان يتم اصلاحه، فقط نحتاج الى ان نستمع الى النصح وان نملك شجاعة الاعتذار اذا اخطئنا وان نصحح ما يمكن تصحيحه ..
بحث قيم يحتوي على معلومات مفيدة جدا ، انصح بقراءته
ينتقد المهندس المعماري علي عبد الرؤوف مشاريع "تطوير وتوسعة الحرم" التي قام ويقوم بها آل سعود على حساب البعد الروحاني للحرم، إذ تمت من منطلق رأسمالي بحت يهدف إلى زيادة القدرة الاستيعابية وبالتالي زيادة أرباح الحج والعمرة، وإضفاء صورة من التطور والعولمة على مكة المكرمة عن طريق المباني الشاهقة العملاقة دون مراعاة لقدسية المكان، مما أدى إلى طغيان المعمار الرأسمالي ما بعد الحداثي على مكة، ناهيك عن تخريب المعالم الأثرية والتاريخية والجبال المحيطة بمكة المكرمة وإزالتها لتفسح المجال للتوسعة والفنادق الفاخرة، ولم يسلم من ذلك بيت النبي صلى الله عليه وبيوت صحابته، إذ هدم بيت أبي بكر رضي الله عنه لبناء فندق الهيلتون، وبني مكان بيت خديجة رضي الله عنها مغاسل عامة.
كتاب مهم يتطرق إلى موضوع لا يناقش كثيرا رغم خطورته، هو موضوع فقدان مكة لطابعها المقدس والروحاني، فقد أفقدت مشاريع آل سعود الحج معناه بعد أن كان شعيرة تذكر بالمساواة بين البشر والتجرد من الماديات، تم تدنيسه بالطبقية ومادية واللامساواة. فللأغنياء والنافذين حج vip بفنادقه ذات السبع نجوم المملوكة لكبار رأسماليي العالم (أغلبهم إن لم يكن كلهم صهاينة) ومنصة خاصة في عرفة يقفون بها حتى لا يختلطوا مع الرعاع، ولباقي المسلمين التدافع وموت تحت الاقدام بسبب الزحام. بل والأدهى أن هذه الفنادق العالمية الفاخرة تنشر إعلانات لقضاء شهر العسل في غرفة مطلة على الكعبة.
هكذا انقلب المكان الذي جاء فيه النبي صلى الله عليه وسلم برسالة المساواة والعدل والتجرد من الماديات، إلى مكان يكرس المادية والطبقية وكبْر، فحين يرفع الحاج أو المعتمر بصره إلى أبراج البيت الشاهقة يرى الغني يطل عليه من غرفة مكيفة يرتشف العصائر الباردة ويأكل أشهى أطباق المطاعم العالمية. متسلحا بفتوى علماء آل سعود التي تقضي بأن الصلاة في غرفة فندق فيرمونت المطلة على الحرم من أعلى تعادل الصلاة في صحن الكعبة وأجرها نفس أجر صلاة الجماعة.
إذا لم تكن هذه هي علامة قيام الساعة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "...وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان." فلا أدري ما هي.
اللهم خلص أرضك المقدسة من آل سعود فقد أفسدو�� في الأرض وآذوا البشر والشجر والحجر وبيتك الحرام وشعائرك.