لما تكتب المرأة...وشوشاتها...بقلم أحمر علينا أن نسمعها بأرواحنا
رائدة زقوت بلغتها الشعريّة وصورها الفنيّة المكثفة تقدم لنا ثمان وعشرون وشوشةً، ترتكز فيها على وجع المرأة وهمومها...بعناوين لا تقل جمالا ودلالات عن عنوان المجموعة...وغلاف يشي بتلك الوشوشات التي حركت القلم الأحمر...وحكايات تتماهى بين الغموض الذي لا بد من فكّ دلالاته، والوضوح الذي يعرّي ما تعانيه المرأة العربية في مجتمعاتنا الشرقيّة...والسخرية من واقع يحكم على المرأة بناء على تصورات مسبقة متحجرة في عقول أصحابها
"مسافة سفر" ...رحلة محكوم عليها بأن تكون باتجاه نقطة البداية...لأن المرأة هي الطرف الأضعف في معادلة العشق..."وأي قرار سيكون كصك إعدام ممهور برسم التنفيذ الفوري"
رأس العصفورة"0" هو ما يرضي البعض من المرأة...فلا يريد لرأسها أن يمتلئ إلا بالفراغ وهوامش الحياة حتى يراها الأجمل...قصة تسخر من واقع البعض في التعامل مع ثقافة المرأة ومعرفتها وقدرتها على مواجهة خطوب الحياة والتعامل معها دون الحاجة للاستناد على حائط يحميها..."رأس العصفورة" هو الأجمل في مجتمع يحتفي بدونيّة المرأة وتبعيتها للرجل...والأم هنا هي التي تضع المعايير...فقراءة الكتاب أعاد رأسها لطبيعته ومع ذلك ولولت الأم: "لقد ضاعت البنت مرّة أخرى"
أما "الفصل الأخير من رواية لم تكتب بعد"0 فكان إغلاق الباب الموارب نهائيا، والعودة لوحدتها وأريكتها التي شهدت ولادة عالمها وموته، لتتحاشى نوع الحب الذي يهبها إياه الرجل، الذي يتقن الدخول لحياة الأنثى "وهو يزرع دربها بكلمات التفتح، وتفهم الظروف المتغيرة التي تهب على حياة الإناث" ليعاملها بعد حين "وكأنها دَيْن برسم التحصيل ويجب أن يحصّل، ثم يتم تمزيق الوصل"
"الرقم المطلوب" مغلق حاليا...فـ"هو" يجيبها لما تهاتفه متى أراد، ولا يصغي لنبض قلبها الذي يطلبه على عجل، ولا يدرك حيرتها وهي تحمل هاتفها بيدها، تقلبه تارة وتضمه لقلبها تارة أخرى، تريده بقربها فـالليل موحش وهو يمتهن الغياب...وهي تناديه:
"عُد فقط الليلة، الليل موحش وأنت تمتهن الغياب، الليل وحش كاسر يفغر فاه ليلتهمني وأنت تغط في عسل النوم...جزعة أنا في غيابك...لا أريدك حلم يأتي على وجل، يشق ليل نائم أرهقه السهر، ويغادر قبل أن تتضح ملامح الرؤية، أريدك بكلك حقيقة راسخة في قلب النهار، وأطراف الليل"
"على حافة الحب" يكتب الأديب أنثاه "في قلب الرواية" بقلمه الْعاقّ...وهي تلح عليه ألا يكتبها فصلا منها...لأنه يكتبها كيف يشاء، لا كما هي، يكتبها بين السطور الأشد حلكة، يعريها كما يشاء، يقتلها في صفحة ليعيد إحياءها في صفحة جديدة...يمثّل بجسدها ويقطع أجزاءه ويوزع الفتات على عابري السبيل
وفي "نعي"0 تقاوم المرأة إعلان موتها وهي حيّة، وكأنها تعلن أن الحياة والموت لا يعنيان فقط فناء الجسد وغياب الروح، فكم من الأحياء استقبلوا نعيهم بوضعهم على هامش الحياة؟؟!!0
تنبش "زقوت" الكثير من المسكوت عنه في مجتمعاتنا في "أزيز الرعب" و" انتصار" مما يخترق عالم الطفولة ويقض مضجعها وفي "نقوش بتاريخ اللعنة" و"ليلة توغل الياسمين"...تتوغل في الصراع الأزلي بين الكنّة والحماة...لما تغيب مخافة الله
المرأة في قصص زقوت عاشقة مندفعة، تحمل معولا تبني فيه قصة عشق، يهدمها الرجل بفهمه الخاص المغاير لفلسفتها في الحب والحياة...فهي تريد أن تكون كما يرغب، وهو يرى نفسه بأوصاف كاملة لا بد وأنها ما ترغب...فتذيبه من مخيلتها...وتقتل ذاكرتها...في محاولة للولادة من جديد...وإن فشلت أحيانا في البراءة من ذاتها
زقوت..وصّفت الواقع الذي تحياه الكثير من النساء ولكنني تمنيت لو كان معولها أكثر إشراقا ليلمح القوة في قلب المرأة وروحها...ويمنحها القدرة على كسر الحواجز ما دامت تطلب حقا من حقوقها...وأن تزدهي ريشتها ووشوشاتها بكل ألوان الطيف لترسم الجانب المشرق من حياتنا
قراءة في كتاب(وشوشات قلم أحمر) للكاتبة الأردنية رائدة زقوت محمود فلاح المحادين
الكاتبة من مواليد 1964في معان الأردن، حاصلة على شهادة الثانوية العامة الفرع الأدبي عام 1982 من مدرسة معان الثانوية للبنات، عملت في القطاع المصرفي لمدة ثمان سنوات، حاصلة على المركز الثاني في مسابقة (كوثر) التي نظمها مركز المرأة العربية للبحوث والتنمية في تونس عام 2009 عن مقالتها(الكتابة فعل حياة)، عضو في رابطة الكتاب الأردنيين واتحاد المدونين العرب واتحاد الكتاب الإلكترونيين العرب، صدرت لها هذه المجموعة القصصية عام 2011، ومجموعة (قهقهة واحدة تكفي) عام 2013،ورواية (نساء شرق) عام 2018
أقتبس من مقال طويل منشور في صحيفة الدستور عام 2012 للأديب نايف النوايسة قوله عن الكاتبة في معرض مراجعته الرائعة للمجموعة القصصية(انتصرت الأديبة رائدة زقوت في مجموعتها لقضية المرأة (أماً وبنتاً وأختاً وزوجة وحبيبة..)، وعرّت المجتمع الجاهل والعلاقات الاجتماعية الباهتة وغياب العقل في معادلة المرأة والحياة الكريمة.. ولا عجب لو جعلت من هذه المجموعة أنموذجا لأدب السرد النسوي الموجه لخدمة قضايا المرأة والمطالبة بحقوقها بطريقة أدبية جذابة، فضلا عن المستوى الفني الناضج المتقن الذي استوعب هذه القصص وقدمها تقديماً حسناً).بعد هذه الشهادة لا يستطيع قارئ مبتدئ مثلي أن يضيف أو يعلق ولكنني مع هذا سأدرج بعض الملاحظات التي لمستها وأنا أقرأ القصص التي تعمدت أن أقرأها وسط مجموعة من الكتب المتنوعة والدسمة نوعاً ما…
إن مأزق القصة هو السرد بينما رأسمالها هو الرمزية فمن نجى من السرد وتغلغل في الرمزية فقد نال قصة جميلة تعلق بذاكرة القارئ للأبد… قرأت المجموعة في أقل من مئة وعشرين دقيقة… تسعون منها كانت لقراءة أربع وعشرين قصة عالجت قضايا المرأة المختلفة والتي كان من الواضح انحياز الكاتبة لها بينما كانت الثلاثون دقيقة الباقية لقراءة القصص الأربع الباقية والتي شدتني لرمزيتها العالية وجعلتني اتوقف كثيراً عند قدرة الكاتبة على إجباري لإستخدام أقصى درجات تركيزي لمتابعة الزخم والمغزى وهي:عويل الريح، فورمات، براءة، ما يأخذه البحر….
هل اللغة السلسة والمفردات البسيطة والأحداث العادية جداً من إيجابيات القصة القصيرة أم من المآخذ عليها؟ برأيي أن كبار كتاب القصص في العالم وعلى رأسهم تشيخوف كانت قصصهم عادية ولكن ليس إلى الحد الذي يشعر معه القارئ بأنه يعرف ما الذي سيحدث بعد قليل! أعتقد أن هذا الخيط الرفيع هو ما يجعل القصة تنال مكانة رفيعة عند النقاد أولاً ومن ثم القارئ العادي…
إذا افترضنا أن القارئ ليس ساذجاً فسيكون على الكاتب أن يوصله إلى حالة من الإلتباس فيما إن كان ظهر بشخصيته الحقيقية في القصص أم أن مهارته جعلت القارئ يشك في ذلك! وبعدها سيكون بإمكان الكاتب أن يتسلل من نصوصه ليفسح المجال للقارئ في الإبحار في معانيها…
إن النصوص التي يلتهمها القارئ بسرعة دون أن يضطر إلى التوقف معها هي بالتأكيد نصوص محكمة البنية وناجحة في جميع الإختبارات الفنية لتظهر بهذه الهيئة ولكن هذا لا يغفر للكاتب عدم استغلاله لهذه المهارات في تسريب بعض الأفكار العميقة والمعقدة والتي تتجاوز فكرة النزاع بين الحماة والكنة أو نظرة المجتمع للمطلقة أو الحب القديم وعودته أو حاجة المرأة للزواج ان تطلقت في سن مبكرة رغم أن هذه قضايا مجتمعية خطيرة وحساسة، الأمر برمته متعلق بفكرة مسؤولية الكاتب العامة نحو مجتمعه والتي تتطلب منه الشمولية بالدرجة الأولى ومن ثم تقديم الحلول ووضع كل مسؤول أمام مسؤوليته أو كما يقال وضع اليد على الجرح وذكر من كان سبباً في شقه…
لغة متقنة واحكام رائع للتفاصيل هذا أقل ما يقال في هذه المجموعه القصصية الجميلة أحببت نقلها لتفاصيل عديدة من حياة المرأة على ما يبدو سأبحث عن كتب أخرى لها