"من قال لك أن الاحتلال يفتح مدرسة لتعليم مكارم الأخلاق؟"
مجموعة قصصية من أدب الأرض المحتلة لعبد الرحمن عبّاد، ذكرتني بأرض البرتقال الحزين لغسان كنفاني، والحمراوي لرمضان الرواشدة، ونشيد الحياة ليحيى يخلف. لعل ما يجمع تلك الكتب هي القصص التي تنضح معاناة ومحاولات عيش حياة تتوسط الحرب والخراب والدمار. راق لي الإهداء: "إلى بلدي الحبيب، ولدي وأبي، هذه الرشحة من القلم وهذه الدفقة من الفؤاد". قصص واضحة، مؤثرة، وعاكسة لواقع أليم يُسَطِّر أبطاله مجدًا ويُعَلِّمنا دروسًا ممتدة عبر الأجيال. عندما تقرأ أدب الأرض المحتلة فلا بد لك من مصادفة كلمات مثل: "سلاح، أخبار، قبض، رمي، قنبلة، قبور، قصف، تحرير، خنادق، معسكرات، دبابات، موت، إطلاق نار، قذائف، هجوم، أسير، بنادق، رصاص، حجارة، تحقيق، مباحث، إسعاف، جثمان، نيابة، شهود، استغاثة، هلاك، صبر، نجاة، شهادة، قضية، محامي، إنذار، صحف، سجن، عقوبة، غارة، حرية". هذه مفردات ينشأ بها ومعها كل مواطن فلسطيني، كونها حياته وحياته هي قضيته، وقضيته هي وجوده ودونها كل شيء. محاولة فهم ما حدث وما يحدث وما سيحدث هو فعل إن لم يكن جنونيًا فسيقودك إلى الجنون.
يقول عبّاد أقولًا رائعة في تلك القصص:
"لا تتعجب، فالحياة تستطيع أن ترسم مثلثًا بأربعة أضلاع وأن ترسم بالفرجار خطًا مستقيمًا... قد تكون عنيدًا فلا تصدق هذا الحديث، وقد تلوي عنقك سخرية وحمقًا، إلا أن الأيام ستتكفل بتعديل رقبتك وتصحيح ما اعوج من رأيك".
"لا يستطيع الإنسان تغيير سلوكه بهذه السهولة، فلا الإنسان الذي تعودنا منه الضحك دائمًا يصدمنا أن نراه متجهمًا، وكأنه لعبة خرجت لتوها من المصنع فمرت تحت أيدي الرسامين فوضعوا فوق شفتيها ابتسامة بالطلاء، سشترط أن تلازمها حتى قبرها في سلة المهملات أو المزبلة".
"إن الإنسان مزيج من عدة ألوان، لا يمكنه خلطها جميعًا في لون واحد دون أن تؤثر بقية الألوان في المحلول، إلا أنه يستطيع أن يغلب لونًا على آخر".
"أُفَضِّل المعلم على الطبيب؛ يتحكم في مصير الجسم، أما المعلم ففي مصير الروح... وشتان بين الروح والجسم".
"الكل مسؤول، والحرية معناها المسؤولية".
"لم نسأله من قتل أباه لأننا نعرف مسبقًا أن الفرنسيين قد قتلوا معظم الرجال، فرحنا نترحم عليهم".