يتناول الكتاب تاريخ الصداقة عند الإغريق والرومان منذ هوميروس حتى القرن السادس قبل الميلاد، مرورا بالعصر الهلليني، وانتهاء بالصداقة في أوساط المسيحيين وغيرهم في القرن الرابع الميلادي. ويعتمد المؤلف ديفيد كونستان على الرصد الزمني التاريخي للتطورات التي طرأت على مفاهيم الصداقة، والمعايير المختلفة التي تميزها عن الروابط الودية الأخرى في أدبيات الأبحاث المعاصرة، ثم يعرض لأنواع الأدلة المناقضة للرأي السائد عالميا عن الصداقة في العصر القديم، على ضوء التحول الأنثربيولوجي الحديث في فهمنا للمجتمعات القديمة.
ويركز الكتاب على الجوانب الاجتماعية للصداقة، والمعايير التي تميزها عن العلاقات الأخرى، ولا سيما الحب الذي يتسم بمشاعر الغيرة ونزعة التملك. ويذكر تصنيف أرسطو للصداقة ضمن فئات ثلاث: صداقة تقوم على المنفعة، وهي علاقة عرضية تنقطع بانقطاع الفائدة؛ وأخرى تقوم على المتعة، فتنشأ سريعا، وتذوي سريعا بعد إشباع اللذة؛ وثالثة تتأسس على الفضيلة، وهي الصداقة الأبقى والأقدر على الاستمرار. وفي حال اجتماع الأنواع الثلاثة معا في علاقة واحدة، فتلك هي الصداقة الأكمل في معانيها وتجلياتها. وفي سياق خمسة فصول يحاول كونستان الإجابة على أسئلة ملحة تتعلق بموضوع الصداقة، ما سمات الصداقة التي جرى التأكيد عليها عالميا، وما المزايا الواجب توفرها في الصديق المخلص؟ متى يكون النقد بناء بين الأصدقاء، وما الفرق بين الصديق الوفي والمرء المتملق؟ هل هناك ارتباط بين التفرد والبوح الذاتي وحرية التعبير عن آراء خطيرة؟ هل تميل العلاقات بين الآباء والأبناء، والإخوة، والأحباب، والعمال وأرباب العمل، إلى "إقصاء الصداقة"، أم أنه يمكن لشخصين أن يكونا شقيقين صديقين، أو زوجين صديقين، أو عامل ورب عمل صديقين؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تثيرها هذه العلاقة الإنسانية.
يضيء كتاب "الصداقة في العصور القديمة"، لمؤلفه المؤرخ البريطاني ديفيد كونستان، على مجموعة أسئلة ملحة، حول الصداقة، مثل: ما هي سمات الصداقة التي جرى التأكيد عليها عالمياً؟ ما المزايا التي يجب توفرها في الصديق المخلص؟ كيف تطور مفهوم الصداقة عبر العصور؟ كيف تناولها بعض الفلاسفة في تحليلاتهم لها؟
يتناول الكتاب، عبر فصوله الخمسة، تاريخ الصداقة عند الإغريق والرومان، منذ هوميروس وحتى القرن السادس قبل الميلاد، مروراً بالعصر الهلليني، وانتهاءً بالصداقة في أوساط المسيحيين، وغيرهم في القرن الرابع الميلادي. ويعتمد كونستان على الرصد الزمني التاريخي للتطورات التي طرأت على مفاهيم الصداقة، والمعايير المختلفة التي تميزها عن الروابط الودية الأخرى، في أدبيات الأبحاث المعاصرة، ثم يعرض لأنواع الأدلة المناقضة للرأي السائد عالمياً عن الصداقة في العصر القديم، على ضوء التحول الأنثروبولوجي الحديث في فهمنا للمجتمعات القديمة.
ويركز الكتاب على الجوانب الاجتماعية للصداقة، والمعايير التي تميزها عن العلاقات الأخرى، لا سيما الحب الذي يتسم بمشاعر الغيرة ونزعة التملك. ويذكر المؤلف تصنيف أرسطو للصداقة ضمن فئات ثلاث: صداقة تقوم على المنفعة، أخرى تقوم على المتعة، ثالثة تتأسس على الفضيلة. وفي حال اجتماع الأنواع الثلاثة معاً في علاقة واحدة، فتلك هي الصداقة الأكمل في معانيها وتجلياتها.
وفي سياق خمسة فصول، يحاول كونستان الإجابة عن أسئلة ملحة تتعلق بموضوع الصداقة، بدءاً من الفصل الأول الذي يحمل عنوان اليونان القديمة، ويرى المؤلف أن الملحمتين الشعريتين المنسوبتين إلى هوميروس، تمثلان أقدم دليل على تاريخ الصداقة في العالم الكلاسيكي، مستشهداً بالعلاقة بين أخيل وباتروكلوس في الإلياذة، على أنها واحدة من ثلاث أو أربع صداقات أسطورية في العصر القديم، فالشاعر ثيوقريطس على سبيل المثال، يعتبرها صداقة نموذجية، بينما يمجد بايون السميراني، أخيل وباتروكلوس إضافة إلى ثيسيوس وغيره. كما يحدد المؤلف معنى: الصاحب، الغريب، الحب الشهواني، التابع المخلص، إلى أن يصل إلى الصداقة والصراع الطبقي.
ويناقش الكاتب في الفصل الثاني، الذي حمل عنوان المدينة الكلاسيكية، المصطلح اليوناني لكلمة "صديق". إذ تشير الوثائق إلى المصطلح الشائع لكلمة صديق في العصر الإغريقي الكلاسيكي "وما بعده". وعادة ما يستثني الأقارب والأنسباء المقربين، وكذلك المعارف البعيدين. كما يتحدث عن الصداقة والسياسة، متخذاً من مسرحية إلكترا ليوربيديس، نموذجاً لهذا المعنى لينتقل بعدها للحديث عن تفسير أرسطو لأنواع الصداقات.
وفي العالم الهلليني الذي احتل مساحة الفصل الثالث، يبين الكاتب حالة الأصدقاء غير المتكافئين، مشيراً إلى بعض الرسائل الرسمية التي تنسب إلى الخطيب إيزوقراطس، الذي مر بتجارب سيئة نتيجة صراحته مع بعض الأمراء الآسيويين، الذين يمنحون المتملقين الذين لا وزن لهم، مكانة تفوق الخدمات الحميدة التي يقدمها هذا الرجل. وتناول أيضاً حالة الأصدقاء في البلاط الملكي، والفرق بين الأصدقاء والمتملقين، وذلك بعد أن جرى تطوير المواضيع المطروحة في رسالة إيزوقراطس القصيرة، بشكل موسع بعد خمسة قرون، على يد "بلوتارخ" في أطروحته التي تحمل عنوان "كيف تميز بين المتملق والصديق" والتي كتبت في العام 100 ميلادي على وجه التقريب.
وفي الفصل الرابع، المعنون بـ "روما"، يستعرض كونستان الصداقة الرومانية، مشيراً إلى انه في الوقت الذي تبلورت فيه الأفكار الرومانية حول الصداقة، وأصبحت متاحة للدراسة، فإن تلك الأفكار كانت نتاجاً من التفاعل المعقد بين الثقافات، ومنها مراسلات شيشرون وأصدقاؤه التي تظهر الطريقة التي كان يجري فيها التفاوض على الصداقات في أوساط طبقات النخبة في روما، كما يعرج على الصداقة في مجال السياسة. ويلفت المؤلف إلى أنه كان شيشرون قد قدم في أطروحة بلاغية خطابية، في العام 84 قبل الميلاد، عرف فيها الصداقة حسب المصطلحات الأرسطية، "أنها تمني الخير لشخص آخر تحبه لذاته، مع تمنيه الخير لك أيضاً".
وفي الفصل الأخير: "المسيحي والوثني"، يتطرق المؤلف إلى موضوعة البوح الذاتي والصداقة المسيحية، مبيناً أنه كانت الصداقة حينها، في إطار الكنيسة، مشروطة بكل المبادئ اللاهوتية والأخلاقية من جهة، والاعتبارات التنظيمية، من جهة أخرى. وكان لحياة الرهبنة التي اتخذت أشكالاً متباينة في أنحاء مختلفة من الإمبراطورية، تأثير عميق على الأفكار الاجتماعية المسيحية. واستشهد كونستان برسالة القديس أمبرزو التي كتبها في أواخر القرن الرابع الميلادي، وفيها طور فكرة الانفتاح بين الأصدقاء. إذ قال: "هل ثمة ما هو أحلى من أن يكون لك صديق تجسر على البوح له بمكنون صدرك، كما لو أنك تحدث نفسك؟". وتناول المؤلف في هذا الفصل، موضوعات عديدة، منها: الصداقة والفضيلة، الصداقة عند غريغوريوس اللاهوتي.