قال أحدهم: "من حسن حظ البخل؛ أن الجاحظ كتب عنه، ومن سوء حظ الجود، أن التنوخي كتب عنه" وقد صدق.
كثير من هذه الأخبار والقصص جاء في كتب المختارات الأدبية، وليس للتنوخي كبير إضافة، اللهم إلا بعض الاختلاف في رواية الأخبار، كالاختلاف في أسماء المذكورين في الخبر أو القصة، ونحو ذلك مما لا يزيد وينقص.
التنوخي في تآليفه رجل ناقل، ليس له إلا الاختيار، وربما الصياغة، والشاعر يقول: قد عرفناكَ باختياركَ إذ كانَ دليلاً على اللبيبِ اختياره واختيارات التنوخي في النشوار، فيها التاريخ، والأدب نثراً وشعراً، ومستطرف الأخبار، ونوادر العامة وكلامهم، ومزيد على ذلك مما يفرح القلب، ويملء العين.
وشتّان بينَ مُتَخَيّر التنوخي في النشوار، ومتخيره في المستجاد. لست بسبيل المقارنة فهذا لا يمكن بينهما، فإن التنوخي اشترط في النشوار أن لا ينقل من كتاب، وفي المستجاد نقل من كل كتاب، بل ونقل المكرور المشهور.
لكن أقول: يكفي "المستجاد" أن يذكّر المرء بالجود، ويحسّنه في عينه، ويرى كيف أننا بعد ألف سنة وتزيد، ما زلنا نثني على حاتم، وابن جدعان، والمهلب، فيعظُم في نفسه أمر الكرم، ويود لو سلك سبيلَ القوم، لما يرى من حسن أحدوثتهم.