كيف تصوَّرَ الإنسانُ القديم وجودَ اللّه؟ ومن هو اللّه في بعض الحضارات والديانات كالهندوسية والمسيحية؟ وكيف رسمت تياراتُ الفكر الإسلامي صورةَ الرّحمن؟ يجيب الدكتور محمّد شحرور في كتابه المكتشَف بعد وفاته عن هذه الأسئلة، كاشفاً عن تطوّر تصوُّر الإنسان عن الخالق عبر العصور والديانات المختلفة. كتاب يوجز رحلة الإنسان في البحث عن فهم الذات الإلهية، ويبيّن المحاولات لفهم تلك الذّات من خلال تجسيدها بمختلِف التصوّرات.
محمد شحرور (مواليد دمشق 1938) أحد أساتذة الهندسة المدنية في جامعة دمشق ومؤلف ومنظر لما أطلق عليه القراءة المعاصرة للقرآن. بدأ شحرور كتاباته عن القرآن والإسلام بعد عودته من موسكو واتهمه البعض باعتناقه للفكر الماركسي (رغم نفي جميع مؤلفاته لذلك). في سنة 1990 أصدر كتاب الكتاب والقرآن الذي حاول فيه تطبيق بعض الأساليب اللغوية الجديدة في محاولة لإيجاد تفسير جديد للقرآن مما أثار لغطا شديدا استمر لسنوات وصدرت العديد من الكتب لنقاش الأفكار الواردة في كتابه ومحاولة دحضها أو تأييدها.
هذا وقد كسب محمد شحرور العديد من المؤييدين والمعارضين لأفكاره في العديد من البلدان.
ولد محمد شحرور بن ديب في دمشق عام 1938، أتم تعليمه الثانوي في دمشق وسافر بعد ذلك إلى الاتحاد السوفييتي ليتابع دراسته في الهندسة المدنية، وتخرج بدرجة دبلوم فيها ليعين معيداً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق حتى عام 1968. حصل على الماجستير عام 1960 والدكتوراه عام 1972 ليعين فيما بعد مدرساً في كلية الهندسة المدنية في جامعة دمشق، حيث ما زال محاضراً حتى اليوم. بعد عام 1967 بدأ في الاهتمام بشؤون والقضايا الفكرية وبدأ بحوثاً في القرآن الكريم أو ما يطلق هو عليه (التنزيل الحكيم).
يشرح في كتابه مراحل تصور الإنسان عن الله، منذ بدء الديانات و حتى ديننا الإسلامي يبدأ بمرحلة تجسيد العبد في تصور الإله استنادًا إلى الوجود المادي: كالشمس و القمر و البحار و الرياح؛ في حضارات بلاد الرافدين و المعتقدات الهندوسية و المصرية القديمة.. ثُم إلى مرحلة تأليه البشر و أخيرًا إلى مرحلة نحت الإله كالأصنام. كل هذا ليوضح لنا أن الفكر القديم كان يعكس عجزهم عن تصور الإله بلا صفات جسدية و حسية، أي عجزهم عن تجريد تصورهم للإله
فأرسل الله الأنبياء ليوضحوا أن رؤية الله يجب أن تكون بالتجريد و التوحيد لا بالتشخيص، و بأن الله عز و جل مُنزه و أعظم من أن يُجسد و من الأمثلة حين هدم النبي (ص) الأصنام يوم فتح مكة، ليهدم معها كل الحواجز الفكرية و التشخيصية المُجسدة التي يضعها الإنسان بينه و بين الله، كالاصنام و الأهم من ذلك كالوسطاء الذين يضعهم الانسان بينه و بين الله.
يشرح أيضًا الكتاب أهمية العقل عند قراءة النص القرآني و آثار بعض المذاهب التي قامت بمحاربة الفلسفة و قمع العقل أمام النص الديني. و بالتالي إعطاء سلطة للرواية على العقلانية. مما أدى إلى اللجوء للعنف و الإكراه و الضغط المُجتمعي بغرض الدفاع و فرض المُعتقد، لا الحِجة و النقاش؛ فهم يرون أن العقلانية قد تؤدي للزندقة و ذلك لإيمانهم بعجز العقل و قصوره عن إدراك تلك المسائل الإلهية
ينتقل بعدها إلى ظاهرة مُمارسة الشعائر الدينية و الشكلية و إهمال القيم الإنسانية، لأنها لا شكل لها. فيصبح المسلم مُحتاجًا لإعلان إسلامه شكلًا من خلال المظاهر و الشعائر و يُهمل معيار الدين الأساسي و هو المعيار الأخلاقي.كأن يسجد و يكبر و بعدها يُمارس الكره و التعصب
و للأسف تُوفي قبل أن يُنهي كتابه الذي وصل ١٥٠ صفحة، عند آخر فِكرة طُرحت: هل أفعال الإنسان الواعية مخلوقة أم غير مخلوقة؟ هنا يرفض بأن تكون أفعال الإنسان مخلوقة، لرفض نسب أفعال الشر إلى الله، فالله هو أصل العدل. و الظلمُ قبيح في حقه تعالى. إن قُمنا بنفي حُرية إرادة الانسان في الفعل و الشر، فكأننا ننفي الغاية من وجود الحساب و العقاب
كتاب يوجز رحلة الإنسان في البحث عن فهم الذات الإلهية، ويبين المحاولات لفهم تلك الذات من خلال تجسيدها بمختلف التصورات. العصر العباسي حوَّل الدين الإسلامي من دين عقلاني إلي دين سطحي ساذج ولا أدل علي هذا الوضع من حديث بني الإسلام علي خمس الذي رسخ ثقافة الشكل بصورة لا يمكن تصورها، وصارت هذه الثقافة منتشرة في كل مجتمعاتنا بنسبة ١٠٠٪ فجعل هذا الحديث الإسلام محصوراً في الشعائر الدينية فقط، لأن الشعائر تقوم علي الشكل، أما القيم الإنسانية فقد ألغاها من قاموسه تماماً لأنه لا شكل لها. تجاهل القيم الانسانية يسمح باختراقها وتجاهلها كمعيار أساسي للدين…فداعش علي سبيل المثال يتباهون بتأديتهم صلاة الفجر وانطلاقهم بعدها مباشرةً لقتل الأبرياء تحت أصوات التكبير ، مع أن الإسلام يحرِّم قتل النفس بعير حق ويعتبرها من أشد الحرمات لما للنفس من حرمة عند الله. فالمجتمع هنا يتهاون في القيم الانسانية ولا يتساهل مع من يتهاون في الشعائر…
الكتاب سلس وواضح حتى نصل إلى الفصل الثالث، حيث تصبح الأفكار المطروحة أقل وضوحًا. كما أن هناك تكرارًا ملحوظًا في بعض الأجزاء، ويحتمل أن يكون ذلك نتيجة لوفاة الدكتور محمد قبل أن يتمكن من تحرير وتدقيق المواضيع في الكتاب.
تطور فكرة الإله عند الانسان وكيف وصلنا إلى هنا هذه اسئلة يجيب عليها الكتاب بأسلوب بسيط ومفهوم الكتاب هو آخر ما كتبه شحرور ولم يكمله إذ أنه توفي، والغريب أن مكان توقف الكتاب هو ذاته مكان توقف نقاش قديم في الفلسفة الإسلامية وهذا يدعو بلا قصد من الكاتب أننا فعلا بحاجة إلى إكمال مسيرة الوعي والتنوير
المراجعة في الطريق..من الكتب اللي تخليك متواضع و تفكرك قداش كمية معلوماتك ظئيلة جدا على العالم. نزيد نخمم في اللي قريتو و ساعود يوما ما نعطي تقييم بالنجوم..