من يقرأ كتاب "بيليه أم مارادونا؟ الإجابة ميسّي"، للكاتب والإعلامي العُماني سليمان المعمري، الصادر أخيرا عن منشورات مجلة نزوى في مسقط، يعيش جوّا من الإمتاع والمؤانسة، وكأنه يلعب أو يتفرّج على مباراة حماسية لكرة القدم. وذلك لأن مقالات الكتاب التي تزيد على العشرين منسجمة الفضاء وهجينة المواضيع، يتداخل فيها التأمّلي بالتوثيقي، والفرجوي بالاستنباطي. كما أننا نكتشف من خلالها أن كرة القدم يمكنها أن تشكّل حياة كاملة. وهي ليست فحسب لعبة للتسلية، كما تبدو في الظاهر، بل يمكنها، حتى بالنسبة للمتفرّجين المتابعين من بعيد ومن خلف الشاشات، أن تشكّل موضوع حياة ومتابعة طويلة وشغفا محموما.
من باب الحماية من أن أُغتال، أقول إن هذه ليست مراجعة للكتاب، إنما فضفضة أوجبتها قراءتي للكتاب.
أنا لستُ رياضيًّا؛ لا أمارسها ولا أتابع مباراياتها ولا أعرف أسماء الفرق ولا اللاعبين مهما كانوا مشهورين، اللهم إلا بعض الأسماء التي صادف أن مرت علي، وكنت موجوداً قبل عدة أشهر عند الكاتب سليمان المعمري في خصب، يتحدث مع جمهوره عن الرياضة، وكنتُ صامتاً، فالأمر لا يعنيني.
نعم، لستُ رياضيًّا، لكن خلفيتي الرياضية ليست صفراً، إذ تابعت القليل من المبارايات، وكنت حاضراً في مسقط أمام الشاشة عام 2006 ورأيت نطحة زيدان، كما تابعت وتحمست لبعض مبارايات كأس العالم 2022 في قطر، بل وكتبت آنذاك مقالاً عن بشت ميسي بعنوان: «بشت الرجولة العربية العالمي»، أنا الذي لا يحب الرياضة.
مؤكَّدٌ أنني لستُ رياضيًّا، لكنني مارادونيًّا إلى حدٍّ ما، فقد أحببت لعبه وأنا صغير، ولم أقتنع بلاعبٍ آخر لا من قبله ولا من بعده، ليس لأنهم قليلو مهارة لا سمح الله، لكن لأنني لا أفهم في الرياضة ولست رياضيًّا.
إذن بيليه أم مارادونا؟ الجواب عندي ليس ميسي، إنما مارادونا، فهو الأصل ، وهو التاريخ، أما ميسي فلم يصل إلى مهارته، مع الاعتذار للرياضيين الذين يقرأون كلامي هنا.
لقد خُيِّرتُ بين هذا الكتاب، وبين كتابه (نظري ضعيف.. وعندي نظارة)، ورغم أنني كاتب وقارئ، والكتاب الثاني يتحدث عن القراءة والكتب، ورغم إصراري وتكراري الممل أنني لست رياضيًّا، مع كل ذلك اخترت هذا الكتاب، والسبب أنني قرأت الكثير في الأدب، لقد حان الوقت كي أقرأ عن الرياضة، إن جمال القراءة يكمن في أن تقرأ ما لا تعرف، لا ما تعرف.
الكتاب رائع وممتع فعلاً، إنما أريد أن أقول إن عبد الرحمن (المتعصِّب طبعاً) دخل عليَّ المكتب وأنا أقرأ، فأريته الغلاف ونفخت صدري أقول له: «وتقول إن أباك ليس رياضيًّا؟!».
تغير وجهه وقال: «كتابٌ سيء، ما هذا الذي تقرأه؟».
حطَّم مجاديفي، أشار إلى العنوان وقال: «بيليه، مارادونا، ميسي، هم عمالقة بالفعل، لكن الكرة مليئة بعمالقة آخرين غيرهم».
فتحت الفهرس وقلت له مدافعاً: «لا يمكن للكاتب أن يذكر كل العمالقة في العنوان، انظر، هنا قائمة بأسماء لاعبين رائعين».
سأل: «أين كرستيانو؟».
هنا أُسقط في يدي.. لستُ أفهم في الكرة حقًّا، لكن ليس إلى حدِّ ألاَّ أعرف كرستيانو.
قال: «كاتب عنصري»، وخرج.
أين كرستيانو في هذا الكتاب فعلا؟ مهما يكن فهو من عمالقة الكرة، ولا يليق تهميشه بهذه الطريقة، بغض النظر عن إن كنا نشجعه أو لا.
رأيته ذُكر في خمسة مواضع (عَرَضًا)، ليس على انفراد ولا من باب التخصيص، إنما كمقارنة.. مرة مع بيليه، ومرتين مع ميسي، ومرة مع إبراهيموفيتش، كل هذا من باب المقارنة فقط.. والمرة الخامسة أشاد الكاتب به، لكن ليس لاعباً، إنما إنساناً قدوة، في معرض دفاعه عن الرياضيين أنهم لا يفكرون بأقدامهم فحسب.
أنهيت الكتاب، كان ممتعاً حقًّا، أغلقته ووضعته على رف المكتبة.. ما لي أنا والرياضة كي أفتي فيها أو أحاسب كاتباً أنه ذكر فلاناً ولم يذكر الآخر؟ هذا الرغيف لم يخرج من مخبزي.