إذا هلكت الثقافة، فما مصير أمل العالم؟ يحاول هذا الكتاب استنطاق تجربة مهنية طويلة في الكتابة والعمل الأكاديمي والصحفي والأدبي وإزاحة الضباب عن الكثير من الأسئلة الغرض منها تحويل دم الكاتب إلى حبر وضميره إلى كلمة، مستعرضًا الإنتاج السائد الذي يُوهم المتلقّي ويبطش بأسس الثقافة والأدب والفنّ بابتذال مروع ومتعمّد. وستجدون عبر صفحات الكتاب شواهد الخراب الكبير الذي أحدثه ما يسمونه "المثقف" بالثقافة، مُقلعًا بمركب الأموات إلى ما تبقّى للبشرية، فحينما تكتب بشكل سيء وتنتج فنون مبتذلة، فاليرقات الضارّة ستتزاحم على ما تقدمها لها كثقافة، بينما يجلس المثقف الحقيقي على حافة العالم وهو يرى الاسفاف والسرقة والإدعاء وكره المثقفين لبعضهم، في حين تنحصر مهام المبدع الحقيقيّ بالتعبيرعن الجمال الخفيّ والأصيل للعالم والشكل الحقيقي للحياة. في سرد سهل وممتنع استخدمه الكاتب الروائي ولكم الحريّة في تصديق ما جاء في هذا الكتاب الذي لم يسامح أحدًا.
كتاب متميّز، طرح جريء ورصين، يناقش الموضوعات الثقافية بكل صراحة وبدون مجاملات، عبّر عن ما كان في نفسي بأسلوب جميل راقي ومختصر. الكتاب أعجبني كثيرًا وسأقرأه أكثر من مرة بكل تأكيد
لماذا يكره المثقفون بعضهم في بداية الكتاب ستشعر بالضياع كثيراً و بثقل اللغة و كثرة الاستعراض بأسامي كتّاب و بعدها ستدرك أنّ الكتاب لا يتناول العنوان كموضوعه الأساسي، و لكن اليكَ نصيحة إذا أردت جواب العنوان فقط اذهب مباشرة الى الفصل الذي يحمل عنوان الكتاب و لكن إذا أردت قراءة عقل قارئ و كاتب ساخط و محبّ للفن و الجمال اذا اردت ان تطّلع على ازدحام الافكار في عقل هذا القارئ اكمل الكتاب يتناول هذا الكتاب الكثير من الآراء التي وافقته فيها و اختلفت معه في بعضها و هو أمر لا بأس به فلا يوجد هنا مخطئ و محقّ
في البداية كان يتحدّث عن الثقافة الحقيقيّة التي بدأت تتراجع في عصرنا الحديث(ولا أدري ما هي معايير الثقافة الحقيقية عنده)، و بدأت ثقافة الابتذال فمن يحصل على الجماهير هو اللذي يسمح لهم بنعته بالغبيّ و الضحك عليه، ولكن اتجّاه هذا الجمهور الى الثقافة المبتذلة (و علينا أن نفرّق بين الرأي و الحقيقة هنا) هو كونها سهلة الهضم و لا تحتاج الى فكّ الالغاز عنها لفهمها و هذا بالنهاية تيّار من عدّة تيّارات أخرى.
كذلك تحدّث عن ثقافة السرقة و قد وقع شخصيّاً ضحيّة لهذه السرقة و وضّح أوجه السرقة في الأدب، و أن السرقة الأدبية ليست أصالة و سيقيّد السارق ذاته في ايطار المبدع الحقيقي فينطفئ حين يخرج عن ذلك الايطار ذلك أنّه لم يحاول ان يبحر في شخصه ليكتب ما في نفسه فإلهامه خارجي و ليس داخلي.
مسألة النقّاد كذلك ناقشها بطريقة ممتعة في فصل إقلاع مركب الأموات و أضحكني بدليله عن عدم انتحار ناقد واحد على مرّ العصور و ذلك لأنّهم يتركون هذا الفعل لمن ينتقدونهم هم، و فرّق بين الناقد و المبدع و كون الناقد يركّز على الالفاظ و السطح بينما المبدع (لديه آراء رائعة عن ماهيّة المبدع) يحوّل اللّفظ الى صورة يلمس بها المتلقي، الناقد يتبع معايير نقدية ربما عمّرت و تطور العالم و هو لا زال متمسّك بها و هذا يقيّد المبدع و يقتل متعة القارئ كذلك فنعم صحيح الناقد مهم في الأدب و لكن بعضهم يقرأ بعين الصيّاد الذي يتصيّد النصوص ليقول "خرج عن النص" و الذي لو كنتُ ناقداً سأقوله بالطبع في هذه المراجعة عن هذا الكتاب :) ولكن الخروج كان موفّقاً في رأيي لا تهمني المعايير فكما قال في الكتاب "المبدع ليس كمبيوتر" ..
و بعدها يتناول قصّة الأدباء مع بعضهم البعض و يجيب عن سؤال العنوان في أكثر من فصل، و منذ بداية الكتاب الشرسة جدّاً هجم على الأدباء المتغطرسين و لنضيف اليهم المثقف(مع العلم لا يوجد تعريف حرفي للمثقف و قد لا يوجد مثقّف من الأساس كما قال الكاتب، لأننا نفتقر للمعايير التي تعيّن هؤلاء و لكن لا يزال بعض الأشخاص يحملونه كلقب لذواتهم)، يرى جمال أن أكبر عدو للأديب أو المبدع هو الأديب او المبدع المقابل له، فالأدباء يسخرون من أعمال بعضهم و يستهينون فيها لعدّة دوافع: الغيرة، الحسد، التقليل من الشأن، التنافسية…الخ و نحن نعلم أن عالم الأدب و الفن لم يكن عالماً نظيفاً بل كان قذراً حتى في العصور القديمة و محاكمة ارسطو كانت مثالاً على ذلك، ولكن لم يتأثر مجرى الأدب و الفن فبعدهم خرجت اعمال عظيمة و رائعة تتناول الانسانية و الجمال و لذلك ليست بالضرورة أن تكون قذارة هذا المجتمع سبب لتراجع الذوق العام. كما أنّه وبّخ المثقفين و الأدباء لعدم أدبهم و غطرستهم رغم ثقافتهم، و كما قال الوردي لا يوجد خطّ يصل بين الأخلاق و الابداع او الثقافة و مثال على ذلك ابن خلدون و لكن لنكن منصفين فالكاتب ادرك ذلك في اخر الفصل حين قال"ربما كتبهم (مثقّفة)، لكنهم -شخصيّاً- ليسوا مثقّفين". و ايضاً تطرّق لموضوع مهم جدّاً الا وهو عدم قراءة كتب الكاتب لا يعني أنّ القارئ أحمق و جاهل و غير مثقّف، فمن أنت حتى تكون كتبك غزيرة بالثقافه لدرجة أن تفويتها يعني الجهل عزيزي الكاتب ؟ فالثقافه مجرّد قشرة فوق كومة من الفوضى، فكيف صغت الفوضى تلك و آمنت بأن من لا يقرأها لن يفهم الفوضى؟ ابدع جمال حسين في هذه النقطة و أحسن ادراجها في هذا الكتاب. -و بالتأكيد سنأخذ بنصيحته الخاصّة بمجالسة الأدباء- فهو أعلم بهم منّي و قد سمع منهم عن أنفسهم ما جعله يفضّل الجلوس بجانب شخص صامت :)
كذلك ناقش العلاقات السيئة بين بعض الفناين و رواد الفلسفة و الادباء مثل سارتر و كامو و فان غوخ و صديقه، كدليل على سوء العلاقات في هذا المجتمع و لكن بالنهاية لكل قاعدة شواذ و هو يعرف ذلك.
في ختام هذه المراجعه تخلّص الكاتب في آخر الكتاب من شعلة الغضب التي كان يكتب بها في بداية الكتاب و بدأ يكتب بحبّ و اندهاش عن الأدب و الفن و الجمال و الإبداع و أقتبس منه هذا النص كختام لهذه المراجعة: "لم يولد الأدب عندما ذبح شهريار النساء بل عندما أوقفت شهرزاد جرائمه بالحكايات ولم يولد الأدب بوفاة انكيدو بل عندما أدرك أن الخلود بعيد المنال لم يولد الادب بهروبنا من العاصفة بل من خوفنا من عواصف لم تهب قط لم يولد الأدب من تنين يبتلعنا بل من عدم وجود هذا التنين، لقد ولد الادب من غير الموجود."
و لذلك الأدب أصعب من أن يتدهور بسبب "المسقفين" كما يقول بالسين أو النقّاد أو روّاد الثقافة المبتذلة، الأدب أعظم بكثير من أن يسقط بقوة غير قوة الله.
عنوان جاذب وصادق في آن واحد؛ لأننا كلنا نعرف أن هذا السؤال هو انعكاس لواقع مأزوم بين المثقفين.
هل هذا عنوان جاذب لمحتوى سخيف؟، لا، لم يكن كذلك، بل هو عنوان قوي مشتق من قوة بدن الكتاب.
عادة المؤلفين يبدأون بملاطفة القراء في البداية وباعتذارات لطيفة بأنه إن كان هناك من خطأ فمن نفسي والشيطان وعلى هذه الشاكلة؛ لكن جمال حسين علي بدأ بداية قوية جدا من أول صفحة ويقول: إن الخطر الأكبر الذي يهدد الثقافة، ليس الإنترنت ولا التلفزيون أو السينما ولا أي تطور تكنولوجي، أكبر الأخطار هو "الثقافة" نفسها حينما تُقدّم على نحو سيء.
إن الإبداع تراجع، ليس لتدني الذوق أو ندرة المواهب، بل لتراجع القِيم والمُثل العليا في كثير من وسائل النشر المهتمة بنشر المحتوى والمؤثرة في الوعي الجمعي لمجتمعنا المعاصر الذي وجد صعوبة في نهاية المطاف في التفريق بين الثقافة الحقيقية، والمزيفة، والعميقة والسطحية.
وعلى هذا فهو يلوّح بساطور نقدي بين السطور، وهو لا يمشي الهوينا بل يتعجّل؛ لأن الموضوع الذي يناقشه لا يليق به إلا التلويح بالساطور.
ومن الصفحات الأولى يتضح لنا مدى سعة مقرؤئية الكاتب فهو يستعرض ويستشهد بالكثير من المؤلفين والكتب مثل: سعيد مهران وسيد الرحيمي ولليف تولستوي وهوغو وبرونتي وسارتر والبير كامو.
ويعجبني كثيرا ما قاله عن النقاد المعاصرين: إنهم يتجنبون في الغالب الكتابة عن المستقبل، لأنهم منشغلون بالجدل عن أشكال السرد المعاصرة، فيما الأدب والفن يتدفقان أسرع من تفكيرهم.
وباعتقادي أننا لم نستفد كثيرا من أغلب النقاد المعاصرين، إنهم مشغولين بأبحاث الترقية وأعباء الجامعة؛ ليسوا متفرغين لنا وللأدب الحقيقي!
أستطيع القول وبكل جرأة أن الأفكار الموجودة في الكتاب كثيرة جدا، وكثيرة على كتاب واحد، كيف لان قلبه أن يودع هذه الأفكار الطيّارة بين دفتين، المفروض بين أدفف (إن صحّ الجمع طبعا).
ما أعجبني حقيقة هو إعادته لتعريف المثقف حينما قال: يعتقد البعض أن المثقف من قرأ كثيرا، والذكي من تلقّى تعليما جيدا وسافرا كثيرا، ويعرف لغات عديدة. لربما يكون لديك كل ذلك لكنك لست مثقفا وغير ذكي، فالثقافة والذكاء عنصران داخليان لا يمكن امتلاكهما لو لم يكونا متأصلين في شخصيتك. لا يأتيان من المعرفة فقط، بل من القدرة على فهم الآخر. هذه القدرات تتجلى في النقاش بالاحترام والتصرف المهذب في الأماكن العامة، وبحماية الطبيعة، وبعفة المظهر واللسان، وصون حرمات الناس، وحسن النية الواعية، وبإنارة الآخرين بمعارفك وأن يفيد علمك الناس، وآلاف التفاصيل الأخرى.
لقد تحدث بفصل كامل ليفرّق بين المبدع والناقد، والحقيقة أنه مسح بالنقاد بلاط بهو الثقافة، ولقد استعداهم بشكل مخيف، وكانت لغته في هذا الفصل تحديدا لغة حازمة إلى أبعد مدى.
ويجيب على سؤال الكتاب: لماذا يكره المثقفون بعضهم؟ لأنهم -المثقفين- سادة ذر الرماد في العيون، وهم أساتذة التظاهر بالمساعدة، لا ينشر لك ندوة مرموقة وصورة كتابك الرصين، لكنه يسلط الضوء على أتفه ما فيك. المثقفون أساتذة الشللية والانتقاء وسادة المعايير المزدوجة، ويملكون حصريا ابتكار عبادة الفرد قبل الساسة، هم أول من صنع الأصنام التي يأكلونها.
ويكمل ليقول: إن أخطر عدو للمثقف، مثقف مثله، يقلل من شأنه، ويمنع كتبه وحتى يحرقها، ولا يفعل هذا سوى مثقف مثله. إن تاريخ المث��فين مرير بالأمثلة..وما إن تحتدم المواجهة بين مثقف والسلطة الغاشمة، فأشد الطعنات وأقساها غدرا، سيتلقاها من مثقف مثله، وليس من عتاة الأمن. وهذه مصيبتنا، المثقف يضربه مثقف مثله، وليس حاكم أو جلاد.
ولعل من أجمل وأروع الفصول التي قرأتها في حياتي هو فصل (التواضع الثقافي) والذي قال فيه: يعد المختصون في التواصل بين الثقافات أن تعلم احترام الثقافات الأخرى والتفاعل معها هو شكل من أشكال التواضع الثقافي الذي يقابل الكفاءة الثقافية والأهلية الثقافية. لقد أصبحت فكرة (اللياقة الثقافية) شائعة كطريقة لمساعدة الأشخاص على التفاعل مع أولئك الذين يختلفون ثقافيا عنهم. هذا الوعي والانفتاح الثقافي سيساعدك على التنقل بنجاح في الاختلافات الثقافية التي ستواجهها في بيئات مختلفة، وهو أمر حيوي للعمل وبناء العلاقات مع أشخاص من ثقافات مختلفة. وبذلك فالتواضع الثقافي يساعدنا على فهم الناس من الثقافات الأخرى والتواصل معهم بشكل فعال.
هذا الكتاب وثيقة مهمة للغاية ولو كان لي الأمر لعممته على جميع المثقفين بوجوب قراءته؛ لأن هذا الكتاب لا يعطي مسكّنا للألم؛ بل هو ينظف الجرح بسكب كميات كبيرة من الملح.
الكتاب من القطع المتوسط لمؤلفه جمال حسين علي، يقع في 221 صفحة من القطع المتوسط، من إصدارات دار صوفيا، الصادر في 2023.
لماذا يكره المثقفون بعضهم، كتاب مستفز ومفيد أيضاً. فهذا الكتاب كما قرأته أنموذجاً للكتابة السيئة، إذ يقدم للقارئ منذ أول الصفحات درساً للكاتب كيف تخسر قارئك منذ البداية ويمنح القارئ استفزازاً للمضي في القراءة لتنمية العقل النقدي. تعلمنا من الكتّاب الكبار بأسلوبهم المتواضع أن من وجوه القراءة الناضجة معرفة الكتاب الغير نافع واصطياد غرض الكاتب ودوافعه من خلال الغوص في نصوصه والاشتباك ذهنياً وفكرياً معه. وبالتالي أخذ القرار بالاستئناف في القراءة أو العدول عنها. ففي كثيراً من الأحيان العدول عن استئناف قراءة كتاب ما هو دليل على نضجك كقارئ. وهذا الكتاب منذ بدايته تشعر بأنك أمام شخص فقد عقله وضاعت كلماته وتبخرت أفكاره، هو أول كتاب أقرأه ليس له موضوع ولا غرض وليست فيه فكرة. ولا أبالغ حين أقول لن تجد فقرة واحدة متماسكة.
• هناك نبرة سخط وتحدي وتهكم ومناكفة الاوساط الثقافية بدافع شخصي منذ القصاصات الاولى التي تسبق فصول الكتاب. " أعرف أن الأدباء يملون من كلامي ولكن لحسن الحظ لم أكتب لهم طوال حياتي " الكاتب ملئ بالغضب والحنق على الوسط الثقافي بل على الثقافة نفسها. لسان حال الكاتب ولغته ومفرداته توحي بأنه كرجل ناقم وساخط ومحتقراً لكل شيء جاء ثملاً وسط الجماهير ليخوص شجاراً مفتعلاً. لقد فشل الكاتب فشلاً ذريعاً في تبيان الغرض من هذا الكتاب ... انظر إلى الفقرة التالية : " نطمح أن يساعد هذا الكتاب القارئ على فهم الارتباط الصاخب من الأفكار و المشاعر و الأحداث، ونحاول أن نشعره باحترام النفس وبإلهام العقل والأحاسيس، آخذين في الاعتبار قلب العالم الذي لا يجوز أن نغشه بالعمق والأصالة على حساب الانتشار والجمهرة والقبول. لم نصل متأخرين، فالكتاب سيحاول كشف ما هو داخل العرض، في خضم عالم الذكاء المزيف، السهل و المقلد، لكيلا يغرقنا بالتزوير الملطف، بل ينبغي أن يدفعنا أكثر نحو الأصيل". وفي فقرة لاحقة يقول : "هكذا يأتي الكتاب ليساهم بالصراع من أجل الحصول على ثقافة حقيقية و أصيلة. وهذا ما نحاول الوصول إليه، لنرد الاعتبار إلى الذين ضحوا بأجمل أعمارهم و أوقاتهم في سبيل الإبداع النظيف والنقي"
• وفي المقال الافتتاحي للكتاب وتحديداً في صفحة 18 يقدم الكاتب نفسه وكتابه وبلغة استعلائية فيها من الاعتداد بالنفس ما يثير الشفقة بقوله : "نقدم لكم في هذا الكتاب واحدة من ثمار شجرتنا الثقافية كالكاتب الذي يتبرع برأسه إلى الناس مقدماً لهم معارفه ومشاعره على طبق من كتاب"
هل فهمت شيء ؟؟ أترك لك الإجابة.
• يغلب على لغة الكاتب ما يوحي بالتشويش وعدم وضوح الأفكار تجد أغلب الفقرات لا تقول شيئاً ولا تبين أمراً ولا تسير مع القارئ في أي طريق ... إليك الفقرة التالية المعنونة بـ الزمن كآخر:
ص 29 " إن النظر إلى الأسئلة المتعلقة بالوقت كآخر وثيق الصلة، بل مهم في حديثنا، لكونه عائماً مع عدم وجود تقدم واضح في أي اتجاه. ولا نقصد الوقت الخطي الذي اعتاد الفيزيائيون قياسه والباحثون التفكير فيه، بل وقت الآخر. الوقت الذي لا يمكن قياسه بشكل صحيح، الوقت الذي يرفض التقدم. "
في الفقرة السابقة التي لا توضح المفهوم الذي يطرحه الكاتب لا تجد بعدها سوى هذيان من نفس النمط. لقد كتب الكتاب بشكل يجعلك دون مبالغة تتشكك في الصحة العقلية والنفسية لمن أخرج هذه النصوص. وقس على ذلك جميع فصول الكتاب.
....................................
رغم كل ما سبق هناك كتب نراها سيئة ورغم ذلك هي مفيدة لأنها تجعلك تنتقد وتفكر وتعلل لماذا رأيتها سيئة. لدي قناعة شبه راسخة بأن من أخلاقيات نشر تقييمات الكتب، أن تنأى عن الذاتية في التقييم. أن تقول كتاب سيء وتصمت دون تعليل أو اشتباك فكري مع الكتاب. تعني نوع من الصبيانية والمراهقة الفكرية. وبتُ أؤمن بأن القارئ الجيد، هو الذي يعرف لماذا هذا الكتاب أو ذاك ضعيف أو إلى آخره من التعابير السلبية والأهم من ذلك أن يعرف كيف يقول ذلك و يبينه. ولقد حاولت في هذه المراجعة بأن أتقدم لو خطوة بسيطة في هذا المسار وحاولت أن أكون منصفاً قدر ما استطعت وبالرغم من ذلك كله قد لا أكون وفقت.
هل من يشكلون الحراك الثقافي الحالي، مثقفين أو مستثقفين؟
هذا الكتاب محاولة من الكاتب تسليط قلمه على الفئة الباغية في المشهد الأدبي المعاصر، حيث شحذ تقنياته ورفع سقف حرية الكتابة، فشرع في صب جام غضبه على كل من يراه خارج نطاق التصنيف، فلم يسلم من العتاب أي ناقد ، حيث كتب في الفصل الذي خصصه لهم تحت عنوان: إقلاع مركب الأموات، الفارق بين المبدع والناقد: " إرتكب النقاد كل الأخطاء التي يمكن أن تقترف، وحان الوقت، لكي يدفعوا الثمن تحت يوم هذا الفصل من الكتاب. ولولا ضيق الوقت وانهماكي بالأهم منكم، لحاسبتكم واحدا تلو الآخر. و باستثناء عدد محظوظ جدا من النقاد الذين هم بالأساس أدباء أفذاذ وأساتذة كبار، غير مقصودين إطلاقا بمادة هذا الفصل." أو صحافي ، حيث اعتبر الصحفيين أنهم لا يضجرون من الكذب و يستعيرون بطولات غيرهم... فيما اعتبر المستثقف أقل الناس شراء للكتب، هم كتاب وليسوا قراء... لا أدري ما الذي حدث بالضبط للكاتب مع كل هؤولاء -رغم سرده لبعض المواقف - ولكني أكاد أجزم أن الأمور بينه وبينهم لم تكن يوما على وفاق و أن التغيرات الاجتماعية التي طرأت على المشهد ككل لم يتوافق معه ولو قليلا... الكتاب ممتع للقراءة، رغم الشخصنة الموجودة فيه، فهو برأيي لم يؤسس على البعد الموضوعي ،رغم تحفظي على بعض المواضيع إلا أني أوافق الكاتب في بعض ما ذهب إليه، فالساحة الأدبية في الوقت الراهن لا تخلو من بعض الظواهر الهجينة والتي لا تخدم الأدب في شيء ولا ترفع الذائقة، بل تدفع به إلى مهالك و مسالك انحرافية أكثر...
من الكتاب:
❞ هذا "التواضع الفكري" وحتى الشخصي، غير متوفر للغالبية الساحقة من المثقفين وقيادات المؤسسات الثقافية، ربما لتواضعهم الفكري وفراغهم المعرفي وضعف شخصياتهم. ولسنا بصدد استعراض المواقف الطريفة التي يضعون أنفسهم فيها والتي كشفتها وسائل التواصل الاجتماعي بالبث المباشر، يومياً تقريبا، وأظهرت ضعفهم وضحالتهم في تناول قضايا الحياة الرئيسية. فما إن يخرج «المثقف» عن اختصاصه، يرتبك ويتلعثم ويخلط الأمور وتطير الثقة التي كان يتشدق بها أمام تلاميذه، ليكون بحاجة حقا إلى فصل «الأنا» عن الفكر.❝
إبداع الكاتب جمال في طرح القضية متدرجا من المواضيع العامة إلى أسباب كرهين مثقفين بعضهم البعض لأنني قرأتها على عجل فمن الإنصاف أن أعيد قراءةتها حتى استطيع تقييمه بإنصاف.