ينظر للحبوب في يده.. مجموعة من الهموم التي أثقلت أيامه، لم تكن حبوبًا يشربها، بل كانت أيامه. أيام وأيام يضعها تباعًا دون ترتيب، فأي ترتيب ينبغي للسوء أن ينتظم فيه؟ وبعد أن انتهى رمى العلبة أرضًا، مثل شيء لم يعد له فائدة، علبة فارغة من الأيام الصالحة للحياة.. مثله تمامًا.
يحيى أحمد، روائي وقّاص سعودي، صّدر له عدة روايات ومجاميع قصصية، منها رواية «ذاكرة ليوم واحد»، مجموعة قصصية «ثم يموت مختنقًا بأيامه»، رواية «اختلاق» مجموعة قصصية «للعلاقات تاريخ انتهاء»، ورواية «بشرٌ يلتهمون ظلالهم».
انتهيت من قراءة المجموعة القصصية ليحيى وكتبت مجموعة تعليقات هو وحدة من سيقرأها. لكن صدقًا كل قصة قرأتها تمنيت لو تتحول لرواية عشان استمر بالقراءة ولا اتوقف، العمل رائع وتفوق على اخيه الأكبر ذاكرة ليوم واحد بالرغم ان حتى ذاكرة ليوم واحد رائع لكن ليس بروعة هذه المجموعة القصصية.
ما يميّز هذه المجموعة القصصية هو تنوّع أفكارها واختلاف أساليبها، إلى جانب المفاجآت التي اختبأ بعضها في نهايات غير متوقعة. وقد منحتني هذه القصص نظرة شاملة إلى قدرة الكاتب على التجريب، سواء على مستوى الشكل أو المضمون.
أُعجبت على وجه الخصوص ببعض المحاولات السردية الجريئة، كقصة "قصة كاتب" التي أدخل فيها الكاتب نفسه ضمن البناء السردي، ليحكي عن كاتب يكتب عن كاتب في سرد دائري لافت. كذلك جاءت قصة "وثائقي حول جوني عبد الرحيم" بأسلوب سردي مبتكر يشبه بناء الوثائقي، وكان هذا الشكل جذابًا ومختلفًا. أما قصة "توبة أنجبت إثمًا" فكانت مونولوجًا طويلًا، دعائيّ الطابع، تناولت فيه الشخصية أسماء الله الحسنى في سياق من المناجاة والاعتراف، مما منح القصة بعدًا روحانيًا مميزًا.
دائرة المقصيين طرحت موضوع "ثقافة الإلغاء" بطريقة تعتمد على الحوار وتدور أحداثها كاملة في مشهد واحد، فبدت كمسرحية قصيرة تختزل سجالًا اجتماعيًا معاصرًا.
في المجموعة أيضًا قصص ساخرة أضحكتني بذكائها وخفة ظلها، وأخرى أثّرت فيّ بعمق، مثل "ثم يموت مختنقًا", "الطش", "ثنائي شعور", و"إثبات رجولة"، التي عالجت مفهوم الرجولة المتوارث، مبيّنة الصراع بين جيل يحاول التمسك بتعريفه التقليدي للرجولة، وآخر يسعى لتحرير صوته من ذلك القيد.
أما القصص الرمزية فقد دفعتني لإعادة قراءتها وتأملها أكثر من مرة، نجحت أحيانًا في تأويلها، وفشلت أحيانًا أخرى، لكنها كانت ممتعة في الحالتين.
القصص الأربع الأخيرة وقفت أمامها بإعجاب كبير، لما حملته من خيال خصب وأفكار طريفة وخارجة عن المألوف.
وكما هي عادة المجموعات القصصية التي تضم عددًا كبيرًا من النصوص – وأكثر من 25 قصة هنا – لم تكن جميع القصص على نفس المستوى، لكن المجموعة كانت من التجارب المختلفة والمميزة، واستطاعت أن تترك أثرًا واضحًا.