اختفت الحقول تماما، لم يعد هنالك سوى صحراء تمتد حتى الأفق. السماء مدفونة أسفل الرمال، والشمس متربة. يوجد القليل من الصبار هنا وهناك والكثير من الكثبان الرملية التي ألقتها الرياح بدقة متناهية، كل شيء في الصحراءِ كامل، كل التفاصيل صغيرة ودقيقة كحبات الرمال الصغيرة الذهبية. الصحراء لا ينقصها أو يحدها شيء،أرض واحدة قديمة وأزلية وممتدة حتى الأفق، لا يحدها سماء ولا غاية، كأن الرحلة لا نهاية لها. الجمال تتقدم بإعياء وجوع إلى الأمام. تهمس، ترغو، تصيح، تستغيث بصاحبها، لكن جعفر يجيبها بحزن : "الصبر يا بنيتي، خيرتك منذ البداية؛ الصبر". والرجال لم يكونوا أفضل حالا منها، كانوا جياعًا، وجوهم شاحبة بلا دماء ومتربة بعناءِ السفر، وأجسادهم بدت كأنها تلتصق بروح الصحراء. أما نصر الدين فلم يكن أفضل حالا من الجميع، كان متوهًا وكانت الصحراء تليق بشروده.
تمنى الرجال أن تلوح بحيرة من بعيد أو بئر. لا، لن تلوحَ. كان جعفر يدرك ذلك وإيزابيلا التي فقدت خرائطها، أما بوصلتها فكانت تشير إليهم. لا يدرك جعفر كيف تاهوا في الصحراءِ فجأة، وهو الدليل الخبير الذي يعرف عدد رمال الصحراء وطرق القوافل والعيون. لا يوجد بئر هنا أو بحيرة. ومن يدري؟ ربما لم يعبر بشري هنا من قبل، وربما يسقطون في فخاخ الرمال المتحركة فتلتهمهم الصحراء الجائعة للأبد. لم يكن أمامهم سوى المضي للأمام على أية حال، فقد تساوت الجهات الأربع. والأفضل- لمن ارتضى السفر- ألا يعود إلى الوراءِ، لكن العطش والجوع قد ازداد بالرجال حتى بدأوا يهلوسون. لم ينظروا مع هذا نحو زاد نصر الدين؛ كانوا بحكم تجربة سابقة يعرفون عاقبة النظر إلى ما لست تملك. لكنهم شعروا في أعماقهم أن سبب ضياعهم في تلك الصحراء هو تلك الرحالة، امرأة تقود قافلة في الصحراءِ؛ فيا للشؤم!. أما يحيى فقد هلوس كثيرًا، كان يرى نصر الدين مقتولا ويرى الخنجر في يده.
دعا الرجال الرحمن الرحيم أن يرزقهم من حيث لا يحتسبون، وفجأة ظهر أمام قافلتهم قطيع غزلان يجري شاردًا في الصحراءِ. هلل الرجال، وأناخوا جمالهم، وطاردوها لكنها كانت سريعة للغاية فسقط الرجال، الواحد تلو الآخر، فوق وجوههم في الرمال الساخنة. لم يمسكوا بغزال واحد فقط، فما أسوأهم! حتى الغزلان الضعيفة والمريضة والهزيلة والصغيرة والعرجاء تركوها تهرب بعيدًا عنهم. وعندما تحركت القافلة مرة أخرى لم يعرف الرجال إن كان ذلك القطيع قد مر بالفعل من أمامهم وهرب بعيدًا أم أن ذلك محض حلم أو خاطر أو رؤيا راودتهم جميعًا فوق الجمال.
(مقطع من الرواية) متوفرة في معرض القاهرة للكتاب 2014 ..
مصطفى الشيمي
كاتب وروائى شاب حاز عدة جوائز أدبية منها "المركز الخامس في مسابقة كتاب اليوم الأدبية، الدورة الثانية 2010، عن فراشات ملونة (مجموعة قصصية) والمركز الثالث في مسابقة هيئة قصور الثقافة (دورة خيري شلبي 2012) عن عاهرة القمر (مجموعة قصصية). وفاز بالمركز الصثاني في مسابقة المواهب الأدبية 2015 (دورة بهاء طاهر عن مجموعة ليلى والفراشات.
مصطفى الشيمي قاص وروائي وباحث ، حائز على العديد من الجوائز الادبية الرفيعة في الوطن العربي: - جائزة كتارا للرواية العربية عن القط الأسود، فرع الفتيان، دورة 2019 - القائمة القصيرة لجائزة الهيئة العربية للمسرح عن مسرحية ملك في مدينة العجائب للأطفال، دورة 2019 - جائزة منشورات إبيدي لأدب الطفل عن قصة الأرنب هو الثعلب، دورة 2019 - القائمة القصيرة لجائزة الهيئة العربية للمسرح عن مسرحية القفص الذهبي للأطفال، دورة 2018 - القائمة القصيرة لجائزة ساويرس (الدورة رقم 13، 2017) عن رواية سورة الأفعى. - حاصل على منحة التفرغ من وزارة الثقافة المصرية لكتابة مشروع روائي جديد، عام 2017، 2018، 2019، 2020 - جائزة أخبار الأدب (الدورة الثانية 2016) عن باب الغريب/ رواية - جائزة الهيئة المركزية لقصور الثقافة (دورة فؤاد قنديل 2016) عن مصيدة الفراشات/ مجموعة قصصية. -جائزة دبي الثقافية (دورة 2015) عن الحياة خارج التلفاز (بنت حلوة وعود)/ مجموعة قصصية. -جائزة المجلس الأعلى للثقافة (دورة بهاء طاهر 2015) عن ليلى والفراشات/ مجموعة قصصية. -جائزة الهيئة المركزية لقصور الثقافة ( دورة خيري شلبي 2012) عن عاهرة القمر/ مجموعة قصصية. - القائمة القصيرة لجائزة كتاب اليوم الأدبية (اخبار اليوم) - الدورة الثانية 2010 - عن فراشات ملونة/ مجموعة قصصية. -جائزة مركز طلعت حرب الثقافية عن (مالبورو أحمر - موني - حزن النخيل) - دورة 2012 - جائزة دار جان للنشر الألمانية عن قصة إنجيل يهوذا - دورة 2012 - جائزة مركز رامتان عن قصة شبق الياسمين - دورة 2012 - جائزة مركز رامتان عن قصة ذات شتاء - دورة 2010 جائزة مركز رامتان عن قصة الكرسي الهزاز - دورة 2010 - جائزة كتاب جديد في السوق عن قصة فوق رؤوس الموتى - دورة 2009
كان لدى الكاتب أرضية خصبة لعمل مبهر لكنه زرع شجرة واحدة وتركنا معجبين بها متساءلين لما لم يكمل الحديقة. كان يستطيع تشييد بناء أدبي متكامل لكنه اكتفى بحجرتين منفصلتين وربط بينهما بقنطرة. لكن يبقى الإنجاز في الحدوتة التي أخذ يعمل عليها. في تلك الفكرة التي زرعها بالأمل الدائم في براءة الصغار وأنه القدر يختار أبطاله من حيث لا يعلمون ورغماً عنهم. في تلك الرحلة الشبيهة بكوميديا دانتي للبطل بين أموات القرية لعله يفهم. الشخصيات كان سطحية وهي إحدى الفرص التي تركها الكاتب بينما هو يكتب رواية بها حس صوفي ترك تلك النفوس البشرية تهرب منه دون غوص . شخصيات كثيرة كانت ثرية مثل ليلى وهشام ونعيم والخواجة لم أكتف مما كتب عنها ولم أقتنع بإعطائها صفاتها الشريرة والطيبة الملعونة والمقدسة فما ذكر عنها لا يكفي. وشخصيات أخرى ظهرت بلا سبب وذهبت بلا أثر مثل عالية و شهيد النخلة ويحيى وايزابيللا. هناك ثقل في التنقل بين أحداث الرواية وتقريرية تلك الأحداث حتى تشعر بتحيزات الكاتب وصوته عال في العمل. كما ان فصل العمل لجزئين والربط بينهما في النهاية لم يفد العمل كثيراً بل لعله هو العامل الأساسي لسطحية الأشخاص حيث أخذ من أرضية كل واحدة منها لصالح شخصيات أخرى لازمة لبدء حكاية منفصلة. أعتقد أنه لو قدم الكاتب عمل آخر بنفس الثيمة في المستقبل فإننا سنكون أمام رواية أكثر ثراء وإبهاراً وتميزاً.
الشيمى على صغر سنه بس فيه بذرة كاتب عبقرى مش عارف بعد 10 سنين مثلا هيوصل مستواه لحد فين مثلا بحس وأنا بقرأ للشيمى كان الواد ده الكتابه بالنسبه له زى حته من جسمه بيحركها زى ما هو عاوز
أتابع مصطفى الشيمي منذ أكثر من خمسة أعوام سواء عبر مدونته او موقع التواصل الاجتماعي أعلم قيمته جيدا في القصة القصيرة لكن حي أول عمل طويل أحظى بقرائته له حقيقة لا أدري ماذا يمكن أن أكتب عن تلك الرواية فهناك روايات تجتاحك وتصل لأعماقك وتختبىء داخل سراديب نفسك حتى تصبح جزء بداخلك من الصعب أن تعبر عنها حي من ذلك النوع تنوعت فيها الملاحم ملحمة قرية ضد طغيان عمدتها وغفره وملحمة الانسان وسعيه وبحثه عن الطريق وملحمة النفس وجنوحها وضياعها بين السبل تنوعت تلك الملاحم في عوالم وبيئات مختلفة والغريب أن الكاتب استطاع بعبقرية أن يحيا ويحيينا معه في تلك العوالم وتجد الرموز تختلف بين كل مكان وآخر تجد العفاريت مثلا حينا تعني المطاريد وحينا تعني الأموات وحينا تعني حلم وردي أو "وردة" الكاتب مثقف وقارىء جيد بل هو مفكر مميز يقرأ بعينه هو ويبحر في قصص الأولين ليستخلص الرمز ويقنعنا ب "الدائرة المغلقة الأزلية" التاريخ الذي يعيد نفسه بصياغة مختلفة ولأنني من محبي الروايات ذات الطابع الرمزي والفانتازي وبخاصة ان كانت على خلفية صوفية فأنا متحيز لتلك الرواية خصوصا أن كاتبها يعرف جيدا ماذا يريد وكيف يصل إليه تحياتي
متى تعطي رواية تمام التقدير؟ ذلك حين تسأل نفسك ماذا كنت تريد من الكاتب أن يضيف، فتجد نفسك لا تجيب، وإنما تطوي غلافها وتظل ممسكا بها. الرواية فانتازيا صوفية مكانية. من أعمال قليلة قرأتها مزجت الأبطال الشخوص بالبطل المكان، وعجنت المزيج في كعكة لا يتذوقها إلا مريد من أكثر ما يستحق الإشادة تغير حرف الكاتب قليلا وتغير رسمه كثيرا بين المكانين: القرية/قاهرة المعز، بما أعلى المكان كبطل يقسو على الكاتب ويتقمصه وليس العكس. كذلك تلك الرمزية التي لم تضيِّع الحدوتة، والتضفير التاريخي لعصر سعد زغلول بلا حاجة للإقحام، فأنت ترى الموقف السياسي شفيفا من أحداث في رؤية أخرى قد تكون بعيدة عنها. والأنجح جدا، هو سكب كل هذا الكأس على رأس المعاصرة وأحوال الأرض حتى هذه اللحظة. رواية تضاف لإنجازات الأدب العربي التي ستبقى
بهذا السوء يكون الفرق بين الوصف و التوصيف ---------------------------------------------------------------
(أنا الحق و الحق للحق حق ... لابس ذاته فما ثم فرق) لا خير من ذا اقتباس ابتدئ به قراءتي في رواية "حي" للكاتب مصطفى الشيمي، عن دار العين ..
مدخل الجزء الأول للرواية و المعنون ب "الشيخ" كان وصفا للمكان بأناسه، رائحته، مجمل عناصره، فكانت دهشتي بإجادة الكاتب للعبة الوصف، وكان سرده كاميرا ترصد بعدستها كل ما ترى و تنسج صورا تتشابك و تلتف حول قارئ لا يملك حيال ما يقرأ إلا أن يؤسر.
العادة عدو التقييم .. اعتياد المرء روعة ما، لهو أول خطواته في طريق البعد عن قيمتها الحقيقية، و ما يفرق بين كاتب و مجيد هو سعة جعبته و قدرته على الاحتفاظ بتلك النظرة الأسيرة لقرائه، فكانت دهشتي بسلاسة تقديم الكاتب لشخوصه و أبطاله و إقحامهم -وهي كلمة لا تليق بالسلاسة التي أتكلم عنها- في الأحداث و تفاعلهم معها، غير أن إشكالية التوصيف ابتدأت في التجلي فكانت الشائبة في رسم شخصية العمدة هشام و هو من أهم محاور الرواية، فلم يكن سنه متماهيا مع فعاله، وكان التهميش لشخصية ليلى والتي أجفل الكاتب حقها في الرواية، غير أن لكل عملة وجهان فكان عبد النعيم هو الوجه الضد لذلك القصور، تلك الشخصية التي كانت أبدع ما خلق الكاتب فأطر به عمله بما فيه من نواقص و متمات.
مرة أخرى بلغ اندهاشي بما أقرأ ذروته في الفصل الثالث من الجزء الأول و المعنون ب"الهوى" و الذي كان خير بداية لنهاية سرد الكاتب لمراحل التبدل و الانحدار -الذي كان متوقعا- للقرية و أحوال أناسها. و بخصوص السرد -و الشيء بالشيء يذكر- أتى السرد بطابع صوفي و لغة سلسة، بسيطة، لا تستعصي على قارئ و كان أروع ما فيه إجادة الكاتب للعبة الاسترجاع و التقديم في سرد الأحداث.
أما عن الشوائب وفيها الوجه الضد للبديع الذي سبق، فكانت بداية الجزء الثاني و المعنون ب"الطريق" و التي أتت بعيدة عن مناخ الرواية و منفصلة إلى حد ما عن جزءها الأول و كان من القصور خلفيات الشخوص التي ظهرت فيه، و العرض للحبكة التي ربطت بين ما كان و ما يكون من تراتبية للأحداث.
نهاية ... كانت الاقتباسات ملفتة جدا، في مواضعها، و متمة للمقطوعة التي عزفها الكاتب بدرجة لا يسعني معها إسقاطها من قراءتي، غير أنها أتت منقوصة بلا هوامش.
مجملا .. رواية بديعة فكرة و موضوعا و شيخا و طريقة رغم أنها المنتج الروائي الأول للكاتب.
(1) هل يكون من التحذلق أن أقول إن أول سطر في القسم الأول من الرواية يمكن أن يلخص ما فيها ؟ إذ تبدأ ببيت شعر صوفي بليغ للحلاج ، لكن الوزن ينكسر لخطأ مطبعي بسيط .. (*) *************************************** (2) يذهب (الشيمي) في أولى رواياته إلى أجواء التصوف الممتزجة بالأسطورة ، في رواية واحدة من شقين : الشيخ والطريقة (وهي تسمية موفقة) يجمع بينهما المكان وإن اختلف الزمن حتى يلتقيا في نهاية الرواية .. *************************************** (3) بداية القسم الأول قوية وسريعة ..تعريف بالقرية السحرية التي يعيش فيها الأموات عالما خاصا ويرتلون أغانيهم الحزينة ، ثم حدث مهم يزلزل السكون هو مقتل العمدة على يد ابنه ، وظهور للبطل (عبد النعيم) مغايراً لأهل قريته الخاضعين . يتباطأ الإيقاع بعد الفصل الأول ولا يرتفع حتى ينتهي القسم الأول كله ، وتفرط الرواية في غرائبيات كثيرة دون أن تذهب بالأحداث في نسق تصاعدي . تظهر شخصيات وتختفي دون تأثير كبير كالعمة صفية وعالية ، وتظهر شخصيات مؤثرة لكن الرواية لاتتعمق بها كثيرا مثل (حارث) والطفل (حسين) والشيخ (عبد الغني) .. ************************************** (4) علاقة متشابكة بين (عب�� النعيم) الحلبي الفقير ، وبين أم العمدة (ليلى) وزوجته ، منذ طفولته تبدأ ولا تنتهي ، حتى يموت مقيدا إلى جوار ليلى .وتعود الحياة إلى القسم الأول في نهايته باعترافات العمدة القديم (صاحب المقام) ، وحديث (شهيد النخلة) . اللغة موحية وأنيقة أغلب الوقت ، لكن وحدها لا تكفي - في رأيي - لدفع القارئ لمتابعة القراءة في غياب تطور الأحداث . *************************************** (5) في زمن أحدث يبدأ القسم الثاني . الإيقاع يبدأ سريعا هذه المرة أيضا ، ثم يهدأ مع الرحلة الصوفية الطويلة في الصحراء حيث الضلال تارة والوصول للمبتغى تارة . تمر شخصية (يحيى) مرور الكرام عكس ما يوحي به الفصل الأول حيث هو من يقود (نصر الدين) لرحلة السفر ، وتحفل الرحلة بومضات جيدة لكنها لا تحل مشكلة الإيقاع البطيء . (6) (نعيم) الذي خلص القرية من (حارث) فلم يحتفل به أحد يثور في النهاية محطما المقام ، ويستسلم بعدها لقدره ، يسلم الراية إلى شاب يحمل الثورة في قلبه آت من زمن جديد في نهاية جيدة تغلفها لغة راقية ملائمة . (*) البيت الصحيح : مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال ِ وفي الكتاب : الخمر بدلا من الخمرة ( الطبعة الأولى – دار العين)
انتهيت من رواية حي بالضبط في يوم ونصف، وكان هذا ثاني أو ثالث عمل أقرأه للشيمي (قرأت له قصة قصيرة أو اثنتين فقط) لكنه لم يخذلني. لرواية دسمة بالأحداث، وبالخيال، وأرهقتني فكنت أقرأ قليلا ثم أتركها وأعود إليها. الأحداث ممتعة والرواية تجبرك على الانتهاء منها وهي صغيرة الحجم على كل حال، والجزء الأول في القرية أراه ممتعا بشدة، وإن كان ينقصه عمق الشخصيات وهي سمة عامة سلبية في الرواية ككل. الرمز إن كان للشخصيات رموزا لم يكن واضحا، بل ربما كان مكررا في الطيبين وفي الأشرار على حد سواء. اللغة والأسلوب كانا مميزان جدا ولهما خصوصيتهما التي لا يمكن أن ينكرها أحد. لأجواء الصوفية المليئة بالاولياء والكرامات والشعر الصوفي (الحلاج ف الرواية) من لا يحبها؟ استمتعت بأجواء الرواية، رغم كثرة تفاصيل الخيال والتشبيهات التي أنهكتني، فكنت أتوقف ربع ساعة ما بين الفصول لأستريح. صراع الخير والشر والرحلة بينهما ممتدة طوال الرواية، يركز عليها المؤلف أكثر من تركيزه على الشخوص أنفسهم حتى ليبدون كأنهم شخص واحد..ﻻ أعرف إن كان ذلك متعمدا لكنه لم يعجبني.. انجذبت بشدة للطفل حسين ولرحلة نعيم في المقابر مع الموتى.. هاتان القصتان هما العالقتان في رأسي بشدة.. الكاتب متمكن من أدواته، والرواية مليئة بالخيال.. لكن ما عاب الرواية من وجهة نظري المحضة، أن فكرة أدب التسلية قد مضت بلا رجعة، أو لنقل أدب الحكاية، أنا لم يصلني شيء سوى حكاية، لم يصلني رأي من الكاتب أو فكرة ما أو قضية ما يحاول نقاشها، لا أعرف إن كان ذلك عيبا في أم في الرواية، لكنها وجهة نظري على كل حال. الرواية جيدة جدا واستمتعت بها جدا، وبحكايتها وبخيالها وبمعلومة مقبرة الصحابة في إحدى قرى المنيا، هذا أمرٌ لم أسمع به من قبل!. شكرًا مصطفى لم أندم على الوقت الذي قضيته في الرواية واستمتعت كثيرا.
الكاتب شاطر بالقدر الكافي اللي يخليك تدخل عالمه سحري بكامل رغبة انك تكمل تفاصيله وتتفرج عليها مشاعر مختلفة للظلم والقهر .. للجهل اللي بيرسخ فكرة مات الملك .. عاش الملك .. الجهل اللي يعمي الناس عن الحقيقة ويكملوا في ظلمهم لنفسهم .. الخوف اللي بيخرس اللسان عن الحق .. صور كتيرة ف الرواية مستخبية بين السطور منسوجة في 7 فصول .. تفاصيل كل فصل بتشد القارئ اكتر علشان يشوف عبدالنعيم اللي ف البداية كان مجرد مشاهد اخرس كان كده بالنسبة لي في الاول اللي عارف الحقيقة وشايف الناس بتضحك على نفسها وساكت جايز لو كان اتكلم كان مات من اول الحكاية .. وبعدها تايه في غواية الدنيا وبيتفرج بردو عالبلد اللي كل يوم حالها بيغرق في الوحل .. بيفصل الرواية حكاية نصر الدين اللي تم التنويه عنه في بداية الرواية وجايز هتنساه بعد ما تعيش مع تفاصيل القرية .. احساس ان نصر الدين مقحم على الرواية في بداية حكايته بس لكن بعد كده هتبدأ تفتكر انه مكمل لعبدالنعيم ..
الحكاية تقريبا موازية لفكرة جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي مع انها مختلفة تماما لكن ممكن يكون اللعب على الخيط نفسه او لمحات من الشخصيتين او فكرة الدرويش واعداه لمقابلة الشيخ المسئول عنه والشيخ يسلم درويشه الخيط علشان يكمل الحكاية بتاعة الشيخ
الفصل الاخير .. " الفناء " بالنسبة لي كان "استمرار " لان اكيد نصر الدين هيكمل
الرواية التي تجعلك تتأنى في قراءتها هي حتماً رواية غير عادية .. وهذا ما حصل معي أثناء قراءتي لرواية "حي" حينَ رأيتُ الغلَاف بتُّ أتساءل ما يمكنني إيجاده بين دفتي هذا الكتاب للوهلةِ الْأولى ظننتُ أنني سأقرأ شيئاً يملكُ حسّاً صوفيّاً - لَا أدري ما السبب - ولم يخب ظنّي - فيما بعد - حتّى وان لم تكن الصوفية هي أساس الرواية أثناء القراءة اكتشفتُ أنني أتعرف تفاصيل قرية وشخوصها بطريقة مبدعة تجعلني أنفصل عن هذا الزمن لِأختلط وأتعايش مع الزمن المروي والتفاصيل بإنبهار وعطش للمزيد وهذا ما جعلني أشعر في نهاية الرواية أنني لم أرتوي .. لَا أدري ما السبب الذي جعلكَ تشوّقنا لهذا الحدا ولَا تشبع فضولنا لمعرفة تفاصيل الشخصيات والعلَاقات بشكل أوسع ، أتبخلُ على قرائك .. ؟ ,, الرواية التي تنقلك بين الواقع الخيال الْأحلَام الجمال التاريخ الخرافات الحب الكره الملَائكة الشياطين الماضي الحاضر المستقبل فيما يقارب 140 صفحة هي رواية ذكية حتماً لروائي عبقري ,, بعد أن أنهيتُ الرواية عدتُ أفتش الغلَاف كنت أتوقع أن تكون قد كتبت تحذيراً :: " لَا تباع هذه الرواية إلّا لمن يملكُ روحاً شفافة وذكية فقط " ,, أحقّاً هذه أول رواية لك .. ؟ لمْ أندم أبداً على ثقتي بك وبقلمك وطلبي للرواية بعد أن كانت غير متوافرة هنا في الْأردن .. تستحق العناء ,,َ سلمت أناملك .. أتوقُ شوقاً للتالي دمتَ متألقاً .
اشبه برحله نيليه طويله .. برقصة تحت السماء .. بترك نفسك للتيار في البحر فلا تدري ان كنت تتحكم بجسدك ام يتحكم هو بك تلك اللذة وذلك الغموض الممتع في كل سطو وكل كلمة .. يُشعرك وكأنك تري الساقيه وتزور الخمارة وتجلس وسط الاطفال تنتظر ان تعرف كيف فعلها الارنب وتعشق ليلي وتذوب بعيناها وتلحق بالشيخ لتتعلم وتدخل الدار وترقص حتي تلامس يديك السماء تاريخيه صوفيه عِشقية خياليه تلك الروايه كنت من المحظوظين الذين كتب لهم معرفه مصطفي الشيمي عن قرب ومتابعه مدونته وقراءة روايته ،، من يعرف مصطفي يجد جزءاً من روحه بداخل الروايه بنفس النعومة والشفافيه والحب .. كل الحب
"حي" رواية قصيرة ذات نفحة صوفية فانتازية تدور أحداثها في قرية خيالية رسمها الشيمي بإتقان وبلغة مضبوطة وأظنها بداية مبشرة بمستقبل للكاتب في كتابة الرواية. الرواية كانت تحتاج لمزيد من الحوار بين الشخصيات والكثير من التركيز علي رسم الشخصيات بالإضافة لإخراج داخلي أفضل -وهذه مسؤلية الناشر- حيث الفواصل بين الفقرات والتي لم تكن موجودة من الأساس في مواضع ضرورية جدًا.. ولا تحتاج لتلك الأبيات المقتبسة من شعر الحلاج في بداية كل فصل والتي شعرت بأن كل منها غير متصل بسياق الفصل الموضوع في مقدمته ولا تضيف أليه شئ.. في المجمل فإن "حي" عمل جيد وممتع ويستحق القراءة.
اكثر ما يميز الرواية او الكاتب هو اسلوب السرد الذى جعلنى اكمل السطور لنهايتها حتى فى الاجزاء التى احسست فيها بتشتت ما بين الشخوص والرمزية المعقدة اكثر ما علق بذهنى رحلة المقابر فى الجزء الاول الصور جميلة ومميزة جدا احب الواقعية السحرية والحكى الغرائبي لكنى شعرت فى الكثير من الاحيان ان القرية بالنسبة لى كانت مشاهد منفصلة الى حد ما فجاء الجزء الثانى ليؤكد على الحكى والاشخاص نصر الدين وعبد النعيم ووردة وليلى لكن لم تبهرنى الاحداث بقدر الصور والمشاهد اجمالا الرواية جيدة
رواية قوية كبداية لروائي شاب في سن الشيمي. من حيث اللغة، وتطويعها، واختبار القدرة على اللعب بها، وهنا أقصد اللغة الصوفية، التي نجح الشيمي في رسمها وجعل القارئ يعيش في حالة من الوله والدروشة والتصوف والإعتلاء.
الجزء الأول (الشيخ) لم يكن قوياً كالثاني. وطبيعة العمل الذي أظن الكاتب كان يقصد أن يجعله هكذا منذ البدء (أعني طبيعته الواقعية السحرية) لم تأت منذ البداية.. بل تقريبا في آخر النصف الأول.. وذلك ما أثار استهجاني، رغم علمي بذلك قبل القراءة.. والنصف الأول لا يخلو من ملل، وحكي يجعلني كقارئ اقول (ماذا يجبرني على التكلمة فلست مهتماً بما جرى في هذه القرية الحمقاء).. ولكن يأتي القسم الثاني مسرعاً وقد نجد القراء أمثالي، الذين يحبون أسلوب السرد المشوق والممتع في ظل أحداث ليست مشوقة أو تحوي فقط المعنى.. نعم فالرواية ككل أرى أن أحداثها ليست مشوقة من حيث طبيعتها، وفقط تحوي للمعاني.. الفكرة عادية.. يبقى أن تدار بطريقة غير عادية.. كشأن أغلب الأعمال الأدبية.. فقلما نجد فكرة مبتكرة في هذا العالم.. وقد نجح القسم الثاني (الطريقة) في ذلك في ظني.. خاصة وهو القسم الذي يبرط الحكايتين بخيط واحد، وخاصة وما به من تسلسل منطقي في متابعة الاحداث، والسفر في الصحراء الذي أحببته كقارئ والذي وصفه الكاتب بجودة عالية، والبحث عن وردة.. انتهاءً بالوصول إلى نعيم وجلده.. النهاية جميلة جداً.. يسكن الساقية عفريتين.. امرأة ودرويش..
القسم الثاني من الرواية شفع لقسمها الأول.. ومشكلة رسم الشخصيات جعلت هناك مساحة من التشتت وفيرة عندي على الاقل، بين الشخصيات.. فالشخصيات المرسومة تقريبا هما اثنان.. عبد النعيم، ونصر الد��ن.. أما البقية .. فيتشابهون.. الرجال يتشابهون .. والنساء يتشابهن.. وكانت هذه مشكلة بالنسبة لي.
اللغة قوية جداً.. الحبكة والدراما جيدة.. الوصف جيد وسلس وغير متكلف.. الفكرة تم توظيفها في النصف الثاني.. أعجبني الإشارة في أكثر من مكان في الرواية إلى الجزء الخرافي من الدين وطغيانه على الجزء العقلي والعلمي والمنطقي، تذكرت قنديل ام هاشم عدة مرات اثناء قراءتي.. بالنسبة للرموز فلم اقرأ الرواية هكذا.. ربما تحتاج الى قراءة اخرى كي استخرج الرموز وما سمعته في حفل التوقيع من ذكر النبي ابراهيم وتحطيم الاصنام، وغيرها.. البناء والشكل النهائي الذي خرجت فيه الرواية لم يكن مفارقاً ولم يكن جديداً أو مبهراً.. عكس ما توقعت أنك تهتم به.. ربما لم تهتم به في هذه الرواية.. وتصاعدت في بنائك تصاعد عادي جداً.. بل قد يكون مملا في نصفه الاول.. العنوان جيد.. الصراع النفسي وغيره جيد جداً..
رواية تستعرض ايدولوجيا فكرية للشعب المصري وفلكلوره الديني في أزمان وأماكن مختلفة في شكل روائي جيد.. أعجبتني.. ولكنها لم تبهرني بما فيه الكفاية :)
حي ما بين الخرافة والأسطورة جاءت رواية حي في 142 صفحة من القطع القصير عبر قسمين هما "الشيخ، الطريقة" عبر كل قسم تأتي مجموعة من الفصول، وتحت كل عنوان كان هناك اقتباس صغير يشكل وحدة واحدة لكنها تتماس مع المكون الأساسي/النص وتتفاعل معه فكأنها تشكل جزءًا من كل، تتشابك الاقتباسات مع الحالة لتؤكد على التوحد. جاء العنوان عبر كلمة واحدة هي حي ربما لما تلقيه الكلمة من دلالة لها وجود راسخ في الوعي الشعبي، فكلمة حي هي في الأصل "الله حي" والكلمة لها مدلول في الموروث مرتبط بحالة الذكر والأناشيد الصوفية، يشكل المكان عنصرا مهما من عناصر رواية حي، فالمؤلف اتكأ على المكان كواحد من شخوصه له جزء من البطولة في النص، القرية المشبعة بالموروث والتي يشكل كل من فيها إما مريدا أو شيخا، يكرس المؤلف للوعي المتدني في القرية خاصة في استقبال الأهالي لمقتل العمدة، والكثير من الأفاعيل التي رسخت لوجود العمدة/الولي في نفوسهم، المقام/الترعة/النداهة/الجبانة، كلها مفردات قروية لها رسوخها في الأفهام وارتباطها بعناصر معينة من الخرافة تشكل جزءا من الموروث/الأسطورة في الوعي. جاء الزمن في رواية حي بعد ثورة 1919 وبالرغم من أن النص يتماشى مع كافة الأزمنة التالية لعدم ارتباطه بحوادث تاريخية تبرهن على اختيار المؤلف لتلك الحقبة بالذات لكن هناك رؤية واضحة فالحدث برغم تعلقه زمنيا بتلك الفترة لكنه لازال مستديما، فالشيخ والمريد والنداهة والصحراء والوعي الغائب/المتدني، كلها مفردات تليق بكل العصور، سوى أن هناك رحلة الإبل لنصر الدين والتي راعى فيها المؤلف إمكانيات تلك الحقبة من وصف كان موفقا فيه لعدد من الأمكنة التي عبرتها الرحلة. اللغة في رواية حي تأخذ الطابع الصوفي، والمؤلف عمد إلى التصدير لكل فصل باقتباسات مثل "مالي وللناس كم يلحونني سفها .. ديني لنفسي ودين الناس للناس" فالاقتباس هنا يكرس لتلك الحالة الشمولية التي عمد المؤلف وجودها. اللغة في حي جيدة وتناسب الوعي لتلك الحقبة الزمينة. يشكل الموت تيمة أساسية في الرواية ويطل بين الحين والآخر ملقيا بظلاله على الشخوص. حي رواية جيدة تشي بكاتب سيكون له مستقبل جيد جدا في عالم الرواية.
فانتازيا صوفية، مزج فيها الكاتب ثقافته وقراءاته في التراث الشعبي مع التراث الصوفي والتاريخي فأخرج هذه الملحمة الرومانسية الثورية الشعبية. كُتِبت الرواية بإتقان شديد يدل على قلم محترف، واستطاع الكاتب بثّ الروح في المكان فأصبح هو البطل الأول، تغلغل داخل كل الأبطال فأصبحتْ تراه في كل تصرفاتهم وكلامهم وأحلامهم. استطاع باقتدار أن يرينا عقلية "العامة " وكيف أنهم يمتلكون ذاكرة أسماك ودائمًا ما ينفث الإعلام بكل وسائله سمومه داخل عقولهم فيسمعوا ويطيعوا، أصبح المطاريد ثوريين، ثم تحولوا إلى عفاريت، وأصبح الظالم وليّ تُقام له الموالد، وتُسفَك في سبيله الدماء. تغليف الرواية بأبيات من شعر الحلاج تدل على الروح الصوفية الثورية للرواية، نظرًا لأن الأغلبية يقتنعون بأن الحلاج صوفي ثائر. مرورًا بطومان باي والحسين وسعد زغلول وابراهيم عليه السلام وانتهاءًا بالمسيح عليه السلام، في مزيج متقنٌ سلس، غير مقحم ولا مصطنع. ليلى.. وردة.. الأمل.. الثورة، كلها دلالات لنفس الكلمة وطرقٌ تؤدي لنفس الغاية، ظلت الكلمة نور خافتٌ لا يُرى، يغلف القرية فيعرف الناس جيدًا أنه موجود وينجذبوا نحوه في ساعات صحوهم، حتى صلبوه فخرج من رحم الأرض في صورةٍ أخرى. لم يسهب الكاتب في الرواية، تحكم في قلمه جيدًا بحكم أنه قاص، وفي نفس الوقت استطاع ألا يمارس هواية القاص المفضلة في الاختزال فخرجت الرواية موزونة مضبوطة الحجم. ما يمكن أن أعتبره عيبًا هو شعوري بأن نقلة نصر الدين من المدينة لحياة الترحال كانت تحتاج بضعة أسطر إضافية. شكرًا لمصطفى الشيمي على الرواية البديعة، وشكرًا لصابرين مهران على الغلاف العبقري
اختفت الحقول تماما، لم يعد هنالك سوى صحراء تمتد حتى الأفق. السماء مدفونة أسفل الرمال، والشمس متربة. يوجد القليل من الصبار هنا وهناك والكثير من الكثبان الرملية التي ألقتها الرياح بدقة متناهية، كل شيء في الصحراءِ كامل، كل التفاصيل صغيرة ودقيقة كحبات الرمال الصغيرة الذهبية. الصحراء لا ينقصها أو يحدها شيء،أرض واحدة قديمة وأزلية وممتدة حتى الأفق، لا يحدها سماء ولا غاية، كأن الرحلة لا نهاية لها. الجمال تتقدم بإعياء وجوع إلى الأمام. تهمس، ترغو، تصيح، تستغيث بصاحبها، لكن جعفر يجيبها بحزن : "الصبر يا بنيتي، خيرتك منذ البداية؛ الصبر". والرجال لم يكونوا أفضل حالا منها، كانوا جياعًا، وجوهم شاحبة بلا دماء ومتربة بعناءِ السفر، وأجسادهم بدت كأنها تلتصق بروح الصحراء. أما نصر الدين فلم يكن أفضل حالا من الجميع، كان متوهًا وكانت الصحراء تليق بشروده.