التغيير هو الثيمة الرئيسة لهذا الكتاب. ومن يعرف محمد اليحيائي، ويعرف تجربته الممتدة منذ منتصف ثمانيات القرن العشرين، كتابةً وصحافةً ومساجلةً واشتغالاً بالشأن العام، يعرف أن الدعوة إلى التغير، بمعانيه ودلالاته السياسية والاجتماعية والثقافية، شكلت الخيط الناظم لمُجمل طروحاته واهتماماته. وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى سنوات ما قبل انتفاضات الربيع العربي، سنرى أن المواقف والدعوات التي أطلقها للإصلاح والتغيير في وطنه عُمان، وعلى الصعيد العربي، كانت بمثابة جرس الإنذار الذي دقه كاتب وصحافي راقب، عن كثب، التحولات السياسية والاجتماعية في المنطقة العربية، وكان قريباً من كثير من الفاعلين ومن النخب السياسية والثقافية فيها، مفادها؛ التغيير ليس خيارا أنما ضرورة لاستقرار الأوطان، وخروجها من دائرة التخلف الحضاري. وإذا كان مصطلح "الربيع" ارتبط في أذهان الكثيرين، خلال العقد الأخير، بالثورات والانتفاضات الشعبية التي شهدتها بلدان عربية عديدة، وما انتجته من أحداث وارتدادات، بعضها لا يتفق والمحمولات السعيدة لكلمة الربيع، لا سيما مع الموجة المضادة ومفاعيلها، فإن "الربيع الآتي"، الذي يبشر به محمد اليحيائي في كتابه هذا، ويضعه عنوانا له، لا يرتبط، بالضرورة، بربيع الشعوب العربية المغدور، إنما بربيع الشعوب الذي سيعود، بالربيع الذي سيزهر حرية ذات يوم، وبأن ثمة ربيع آت لا محالة.
تبدو مصطلحات مثل الديمقراطية والتغيير والمدنية وحقوق الإنسان وغيرها، من المصطلحات البراقة التي يتمنى المواطن العربي تطبيقها في عالمنا العربي الغارق بالمشكلات السياسية والاجتماعية والحقوقية على حد سواء، ويناقش الدكتور محمد اليحيائي هذه القضايا في كتابه (الربيع الآتي: عن الأمل والحرية والتغيير) من خلال مقالاته ودراساته التي جمعها بهذا الكتاب، وحاول فيها تشخيص مشكلات الفرد العربي العائقة للتحول الديمقراطي، والعلاقة الرابطة بينه وبين الأنظمة القائمة من الباب الواسع لفكرة الديمقراطية، فالديمقراطية وعي وممارسة قبل أن تكون أمنيات، ويرى في إحدى مقالاته أنه من الأفضل أن تقوم في دول الخليج بطريقة أكثر موائمة بين الأسر الخليجية الحاكمة وشعوبها، ويسهب (اليحيائي) في كتابه عن اختلال روابط الثقة بين الحكومات العربية وشعوبها، والكيفية القاصرة التي تعالج بها الأنظمة العربية المطالبات الشعبية بالمشاركة السياسية، وتحسين أوضاع الناس الاقتصادية الذي بدوره أدى إلى تفجر ثورات الربيع؛ لعدم تفهم النظم العربية لهذه النداءات خلال العقود الماضية. فالشرخ القائم بين المنظومة الشعبية ونظم الحكم العربية هو بالمقام الأول يتعلق بعدم فهم النظم الحاكمة لمتغيرات وعي الفرد العربي والفضاء المفتوح لسرعة تداول المعلومات والأفكار وغيرها من العوامل التي أفرزت تيارات شبابية متفجرة بالإرادة والطموح و الأحلام بغد أفضل، ولا يضع (اليحيائي) كل المشكلات القائمة في الجغرافيا العربية على الحكومات القائمة أو السابقة رغم أنها المعرقل الأكبر للتحول الديمقراطي المنشود للشعوب العربية بل إن المسؤولية أيضا تقع على الفرد العربي، هذا الفرد الذي ما زال مكبلاً بالأعراف والتقاليد والقبلية والمذهبية أو كما يشخصه (اليحيائي) بالكلمات التالية "...فالفرد العربي - رغم أنه فرد في ظاهره - إلا أنه ليس فرداً في وعيه وتفكيره، بل لا يبدو أنه فرد حتى في مشاعره إنما هو جزء من الجماعة «العائلة والقبيلة والعشيرة والمذهب، يفكر بما تفكر فيه، ويقرر قرارها. لا فضاءً خاصاً للفرد العربي ولا حيزاً خاصاً به. لا قيمة له في ذاته ولا حتى في اسمه. قيمته في قربه وبعده من الجماعة ومن مركزها، وقيمة اسمه أو قوته تأتي من قيمة اسم الجماعة وقوتها. فمن هو ليس ابناً لفلان فهو لا أحد، ومن لا ينتمي إلى القبيلة أو العشيرة أو المذهب الفلاني فهو لا أحد أيضاً. حتى في أكثر المجتمعات العربية مدنية ومدينية كلبنان ومصر وتونس، لا قيمة ولا قوة للفرد خارج جماعته أو عشيرته...". ويفرد (اليحيائي) في هذا الكتاب بعض الدراسات التي قدمها لأهم ثورتين عربيتين عايشهما واقعا وكان قريبا من بعض رموزها، و هنا الحديث عن الثورة التونسية و المصرية، التي يرى (اليحيائي) أن شبكات التواصل الاجتماعي قامت بدور المغذي الرئيس في استمرار الزخم الثوري للثوار، وعلى رأس هذه الشبكات موقع (فيسبوك) فالارقام التي أوردها (اليحيائي) في دراساته تبين مدى الدور المحوري الذي لعبه موقع الفيسبوك لتداول الأخبار وسرعة تبادلها بين الجماهير المحتشدة في الساحات العامة، وهو ما شكل علامة فارقة أو لنقل فهما بين زمنين مختلفين، زمن ما زال يستمد رجاله قراراتهم من أفكار كلاسيكية أمنية إن صح التعبير للسيطرة على الإعلام الرسمي بوصفه الإعلام الذي سيهدئ غضبة الثوار، و زمن آخر آمن أفراده أن هناك إعلاماً بديلاً باستطاعته كسر القيود الاعلامية المحيطة بهم لإيصال صوتهم المطالب بحياة كريمة في أوطانهم، حاول (اليحيائي) في هذا الكتاب التركيز في أغلب المقالات على الفرد العربي وما يواجهه من إشكاليات كبرى على الأصعدة كافة للتحول الديمقراطي، الذي يبدو والحال هذه أن خريفه دائم على عكس ما يتمنى الفرد العربي أن يكون أقرب لربيعه.
نجمتان ونصف ربما لو قرأته في وقت آخر (قبل السابع من أكتوبر ) مع اعتقادي السابق أن الغرب رغم عقليته الاستعمارية الاستشراقية وهندسته الانقلابات العسكرية يحمل قدر ما من الخوف والاحترام تجاه مواطنيه لكان لي رأي آخر في الكتاب، لكن مشاهد المظاهرات والفصل والتعسف تجاه كل من خرج عن خطوطه شاهدة على نفاقه الواضح وهشاشة (القيم الغربية) هل نستطيع الاستفادة من تجارب الغرب ؟ نعم كما نستفيد من تجارب الشرق وعالم الحيوان وعوالم النبات هل الغرب ونموذجه قدوة أو مثال لنا؟ لا علينا أن نصنع نموذجنا الخاص بنا وبمجتمعاتنا ............................ تميز الكاتب بمنهجيته وتنظيمه وعقلية الباحث ظاهرة وواضحة في كتابه. يعيب الكتاب خاصة في بدايته، استطراده في الحالة العمانية والخليجية والتكرار الباعث للملل فصلي المفضل رغم قصره(بين فاشيتين :العسكر هم الحل، وليس الديمقراطية)
كتاب جميل عبارة عن مقالات يعرض فيها الكاتب بعض آراءه عن الربيع العربي كما سُمِّيَ وخاصة في عُمان، وعن دولنا العربية أنظمة الحكم والشعوب وعن الحُلم الديموقراطي والحرية..