What do you think?
Rate this book


242 pages, Paperback
First published January 1, 2014

" هل أدركت أننا الآن نتحدث عن موضوع شديد المعاصرة وليس موضوعًا تاريخيًا كما قد يوسوس لك الشيطان؟ "
يجد التاريخ لدينا أنه من الأسهل له أن يعيد نفسه بانتظام بدلا من أن ينشغل بصناعة أحداث جديدة، فهو يعلم أنه مهما أعاد نفسه، بل ومهما "باض" نفسه من جديد فلن يصرخ أحد في وجهه قائلا : " انتظر أيها التاريخ، فقد عشنا هذه الأحداث من قبل بحذافيرها، وعار عليك كل العار أن تكررها". ولذلك سنظل للأسف نعيش فخورين بتاريخنا دون أن نقوم بعمل عملية فتح بطن له تستأصل ما به من علل وأورام خبيثة، ومتصالحين مع آفة حارتنا التي شخصها حكيمنا المداوي نجيب محفوظ عندما قال : " آفة حارتنا النسيان". ـ
يسرني ويهنيني ××
×× أدفع ضرايب على عيني
أدفع ألوفي وملاييني ××
×× لكن تعالوا حاسبوني
أكون سعيد وأكون شافع ××
×× لو تتصرف على شيء نافع
مثلا مصانع ومدافع ××
×× ولا على القصر العيني
وأقطع لكم لحم أكتافي ××
×× وأبيع هدومي ولحافي
ولا أشوفش جايع ولا حافي ××
×× يغمني ويبكيني
ماهيش سياسة ولا عدالة ××
×× الأمة نُصّها شغالة
ونصّها التاني عاله ××
×× يتبطّ ويقول رقّوني
جيت إنت يادولة الموظف ××
×× بدل ما تهتم أو تنظف
بديت لنا تختلس وتخطف ××
×× من مال جناب أُمّك الماليه
الهف وشيل في الفلوس يا شاطر ××
×× وشغّل اللحس في الدفاتر
الدودة كانت دائما في أصل الشجرة، ولأن مجهودنا في علاج شجرة الوطن المصابة اقتصر دائما على استيراد مبيدات مسرطنة أو تقليم فروع الشجرة أو التفكير في حرقها أو في أحسن الأحوال انتظار معجزة لكي تثمر الشجرة، فقد كان لزاما ألا ننتبه أبدا إلى مكمن المرض ونتمكن من علاجه. ـ
وحدها الأمم المتخلفة لا تغير أسئلتها أبدا. أعلم بأن علاقة الإنسان بالسؤال علاقة سرمدية، وأؤمن بما قاله معلمنا نجيب محفوظ أن الحقيقة بحث وليست وصولا ، لكنني لا أتحدث هنا عن الأسئلة الكبرى حول الكون والوجود والغيب والتي لم تنقطع لحظة في تاريخ البشر، بل أتحدث عن الأسئلة المنشغلة بتفاصيل الحياة والتي لو عدت لصحف أوائل هذا القرن، بينما تجاوزته�� الدول المتقدمة وأصبحت مشغولة بأسئلة أكثر حداثة وتفاصيل أكثر تعقيدا، بينما نحن حتى الآن لم نتفق على أن الديمقراطية هي الحل "الأمثل" حتى لو لم يكن نهائيا، لأنه لا يوجد في الكون كله حل نهائي ، أعني الديمقراطية كسلوك ومنهج حياة وليس كديكور "قشري" نجمل به دكتاتوريتنا المفزعة في البيت والمدرسة والجامعة ومكان العمل وقصر الرئاسة، حتى الآن لم نتفق على أن التفكير العلمي وتدبر سنن الله في الكون هو سبيلنا الوحيد إلى الخلاص، ولذلك لم تصبح الخرافة لدينا مظهرا فلكلوريا كما هي في الغرب بل أصبحت وأمست أسلوب تفكير، حتى الآن لم ندرك أن العمل الجاد الحقيقي هو أجدى لنا من أن ننشغل بمحاكمة بعضنا بعضا وننسى أن حساب البشر على الله تعالى وحده لا شريك له. ـ
عندما تدير النظر فيما حولك يبدو لك أن الدين حاضر في كل ما حولنا من فرط ما نتكلم عنه، لكنك لو أطلت النظر قليلا لوجدته غائبا من كل ما حولنا، ربما لأننا لم نشهد عالما قدوة على غرار الإمام الحسن البصري يقتدي به المحكوم عندما يرى جرأته في نصح الحاكم، يروي لنا التاريخ كيف مر يوما على باب الأمير ابن هبيرة فوجد عددا من العلماء يقفون أمامه فقال لهم : " ما يجلسكم هنا؟ تريدون الدخول على هؤلاء الخبث��ء؟ أما والله ما مجالسهم بمجالس الأبرار، تفرّقوا فرّق الله بين أرواحكم وأجسادكم، قد شمرتم ثيابكم وجززتم شعوركم، فضحتم القراء فضحكم الله، أما والله لو زهدتم فيما عندهم لرغبوا فيما عندكم، لكنكم رغبتم فيما عندهم فزهدوا فيما عندكم". ـ
كل ما في الأمر أنني منذ زمن بعيد قررت أن أتحدث عن نواقص الآخرين وأخطائهم وعثراتهم، إلا مع من يشهد على نفسه أولا بأنه ناقص، والفضل في ذلك لشاعر العربية العظيم ابن الرومي الذي قرأت له بيتين من الشعر يقول فيهما :
أعيّرتَني بالنّقصِ، والنّقصُ شاملٌ ××
×××× ومن ذا الذي يُعطَى الكمالَ فيَكمُلُ
فأشهدُ أنِّي ناقصٌ، غيرَ أنّني ××
×××× إذا قِيس بي قومٌ كثير قُلِّلوا

"المعتاد أن يرجع الناس فى بلاد الله الواسعة إلى التاريخ ليدركوا كم تطورت أوضاعهم وتحسنت أحوالهم فيفرحوا بما حققوه و يهنئوا بما أنجزوه، أما في بلادنا التي ضاقت واستحكمت حلقاتها فنرجع إلى التاريخ لنعزي أنفسنا بأن ما نعيشه الآن شهدناه من قبل وعشنا فيه سنين طويلة ونردد تلك العبارات المقيتة التي تحضرنا كلما فتحنا كتاباً يحكي تاريخنا : "التاريخ يعيد نفسه" و "ما أشبه الليلة بالبارحة" و "تيتي تيتي زي ما رحتي زي ما جيتي"