عائلة "السردار" نموذج للعائلة المكية العريقة، من خلالها نرى حياة مكة. وعلى الخصوص حياة النساء في مكة في الفترة ما بين 1945 حتى عام 2009 وهي الفترة التي شهدت تحولات كثيرة في حياة أهالي تلك المدينة التي تعيش على وقع وجود الحرم فيها. في عائلة يسيطر فيها الأب على كل مناحي الحياة يولد الطفل "عباس" (باهبل)، الذي كان أحد توأمين، بحسب ما قالت القابلة، لكن توأمه شرد! وعاش قريبًا من نساء العائلة، وقرر أن يكتب حيواتهن.
كتب: محمد تركي الربيعو - موقع قنطرة كثيرون مصابون بداء المدن التي ولدوا فيها وعاشوا فيها طفولتهم. ففي هذه المرحلة العمرية تتشكل قصص الأهل والجيران والاصدقاء، وتتحول القصص مع مرور الزمن إلى أحداث وحكايا وذاكرة عن المدينة وعاداتها. ويصبح الفكاك منها شيئا مستحيلا، حتى لو غادرناها إلى مدن أخرى.
ينطبق هذا الشي على الروائية السعودية رجاء عالم. إذ تحاول في روايتها (باهبل مكة 1945_2009) إكمال مشروعها الكتابي حول تاريخ مكة الاجتماعي والثقافي. فالمدينة -التي طالما ارتبطت في ذهنية المسلمين بالبيت الحرام وردائه الأسود- تبدو في جانب آخر وهي تتبدل بسرعة كبيرة.
تبدو الروائية المكاوية رجاء عالِم جريئة: فمكة -ملاذ الباحثين عن روحانيات وأمنيات- ها هي هوامشها تحمل قصص نساء وشبان من ثلاثة أجيال لجأوا للجنون ملاذاً لهم من واقعهم اليومي التقليدي. استقراء محمد تركي الربيعو لموقع قنطرة. فمكة التي نلوذ إليها باحثين عن أحلام وذكريات روحية وأمنيات -نحلم بتحقيقها بعد زيارتها- إذ بها تحمل في هوامشها وأطرافها قصص مئات النساء والشبان ممن جنّوا جراء واقعهم اليومي التقليدي. فالنبي محمد الذي قاد المدينة -قبل أربعة عشر قرنا نحو خيال ديني آخر- ها هم أبناؤها يعيشون في ظل مدينة بلا أحلام وخيال. وهي نتيجة ربما لا تذكرها عالم بشكل مباشر، لكن القارىء للرواية يشعر بها من خلال مشهد سكرية وهي تقول "الخوف من العيب قتلنا". ولعل هناك من سبق رجاء عالم في الحديث عن حياة الجنون، كروايات نجيب محفوظ عن القاهرة مثلاً، وروايات خيري الذهبي عن دمشق.
Raja'a Alem is a Saudi Arabian novelist from Mecca/Hejaz. She received her BA in English Literature and works as a tutor for the Center for Training Kindergarten Teachers in Jeddah, Saudi Arabia.
أكتفي بقراءة نصف الرواية..مش ذوقي خالص.. القصة كلها مفيهاش حاجة تشجعني إني أكمل الكتاب بجانب لغة الكاتبة كانت واقفة بيني وبين اندماجي مع العمل من أول صفحة...لغة فيها مصطلحات معرفهاش و الحوار كله بالعامية و مفهمتش فيه حاجات كتير وكأن الكتاب موجه لسكان مكة فقط..
الرواية طبعا دخلت القائمة القصيرة لجائزة البوكر بس أنا مش حجي علي نفسي و أكملها الصراحة .. العمر قصير والكتب الحلوة كتير..
رواية جميلة عن مدينة مكة، لا تخلو من الغرائبية لكنها مبينة بطريقة محكمة ومشوقة. يؤخذ عليها وجود الكثير من الكلمات من المحكية لأهل مكة مع حواشي قليلة جدا لم تفسر الكثير من الكلمات التي كان من الصعب فهمها، حيث كانت هذه الكلمات محلية جدًا وصعبة الفهم حتى في سياق الرواية الأمر الذي كان مزعجاً بعض الشيء ، فالقارئ من خارج السياق لهذه الرواية سيواجه صعوبة في فهم الكلمات وهذا ما حصل معي عند قراءتها.
لكن من جهة أخرى فإن صعوبة اللغة في بعض مواضع الرواية لم يقف سداً في وجهي لفهم العمل وما ترمي له الكاتبة، فقد وصلتني الفكرة تماماً. كقارئة، ليس بالضرورة أن أفهم كل كلمة ترد في العمل الذي أقرأه طالما أن المعنى وصلني. كما ذكرت، هذا عمل جميل ومكتوب بطريقة جيدة. كل التوفيق للكاتبة في جائزة البوكر.
رحلة غير عادية لمكة، ليست للعبادة ولكن للتعرف على حياة أهل مكة من خلال قصة عائلة السردار. تبدأ جذور القصة من اربعينيات القرن الماضي وحتى عام ٢٠٠٩. رأيت في القصة حجم التواجد والتأثير المصري على المجتمع السعودي، خصوصا مجال الفن والأفلام المصرية، حركات التحرر النسوية وكيف كانت صادمة ومرفوضة في أيامها لمجتمع موروثه الذكوري يملي عليه أن الأنثى عورة، كلها عورة جسدا وحتى اسما، مجرد أن يعرف اسم بنت السردار كان بالنسبة له عار لا يغتفر، السردار كان يوأد بناته ولكن بدون أن يدفنهم في التراب... جيل من الآباء يرفض أي جديد في عالم آخذ في التغير بتسارع مذهل، ولكنهم يرفضون أبسط المستجدات عليهم زي شوكة الطعام التي جاءت بها سكرية من مصر، ورفضتها المائدة السعودية. يأتي جيل الأبناء بآمال ترفرف ناحية المواكبة والتطور، ليحدث التصادم المتوقع الي ينتج عنه نوعين من الأبناء، من خضع وقصقص ريشه فأصبح نسخة من الأب، ومن قضى حياته معارضا، على أمل حياة أفضل للأحفاد. تأتي شخصية الحفيد عباس/نوري كنتيجة لهذا الصراع بشخصيته الفصامية التي يعادي كل نصف منها نصفه الآخر. قصة كهذه لا تنتهي بنهاية صفحاتها، ولكن نرى امتدادها في ما يحدث الآن في المملكة، التحرر التام من قيود الماضي، والسعي الى جعل المملكة مركزا حضاريا في كل المجالات من اقتصاد، فن، ثقافة، وسياحة.
من عالم مواز لمكة أخرى و مع نساء ال "السردار " ندخل إلى حكايات غريبة عن الوحدة و الحب و الموت . حكاية تبدأ بانهيار الدكتور السردار و انتحاره لنرجع فلاش باك و نعيش مع العائلة العتيدة في عبق مكة و المكيين و الجد مصطفى في المنزل الضخم لتتعاقب الحكايات وتتناسل و تموت بموت أصحابها إلى أن نصل إلى عباس و قرينه نوري و الحكاية الموازية بين سكرية و نورية و الانهيار الأخير و الكشف عن السر في النهاية . العمل يقدم لنا الوجه الآخر لأسرة مكية بخباياها الاجتماعية(الزواج/التسري/المثلية) و النفسية(الاكتئاب/الفصام /الهذيان) كما انه يكسر الصورة النمطيةعن المنطقة و قد كتب بلغة سلسة طعمت باللهجة المحلية و قدمت شخصيات العمل المختلفة الألوان. عمل ساحر و مميز أرشحه و بقوة 👍👍👍👍
مدهشة! للكاتبة قدرة على الايهام بتنقل القارئ لعالم من التوتر و التوجس تبقيك طوال الرواية في حالة من الشك المطلق: أين الحقيقة وأين الخيال؟ وكيف تدخل القارئ في حالة الفصام بدون ذكر اسمها و لا التنظير لها فلسفيا.. وكيف قامت بدمج فكرة القرين ببنية النص حتى ما عاد القارئ قادر يفرق من هي الشخصية الحقيقة. العمل يقدم لنا الوجه الآخر لأسرة مكية بخباياها الاجتماعية(الزواج/التسري/المثلية) و النفسية(الاكتئاب/الفصام /الهذيان) كما انه يكسر الصورة النمطيةعن المنطقة و قد كتب بلغة سلسة طعمت باللهجة المحلية و قدمت شخصيات العمل المختلفة الألوان. السرد بالفصحى كان بليغا ومعبرا أما الحوار فكان بالعامية المكية مما أضفى صدقا وحميمية للمشاهد ولكن صعبا لمن لا يعرفها، أعتقد لو كتبت الكاتبة الحوار بالفصحى لفقدت الرواية كثيرا من صدقها.
من خلال حياة عائلة السردار ، تسلّط الكاتبة الضوء على حياة النساء في مكّة في الفترة بين ١٩٤٥ و ٢٠٠٩ من عبودية باسم العيب والعرض والحب.. وماينتج عن تلك البيئة من ضغوطات نفسية بتوظيف مرض الفصام أو القرين..
● رواية بروح عائلة سي السيّد في رواية بين القصرين.. صحيح أن الإشتغال على الشخصيات والمكان كان حاضرا .. ولكن ..للأمانة لم أستمتع بقراءة الرواية و أرهقني الإستعمال المكثف للهجة المكية.. كما وجدتها عادية جدا إذ لم تأت بجديد.. توقّعت عملا أكثر تفصيلا عملا يتعلق بالمرأة المكية وليس طرحا نمطيا للمحاور المألوفة بصفة عامة عن الجسد والحب والزواج والجنس والأب المتسلط..
● ربما كان سقف توقعاتي مرتفعا باعتبار أنّه سبق للكاتبة الفوز بجائزة البوكر سنة ٢٠١١ عن رواية طوق الحمام !
في هذه الرواية تأخذنا رجاء عالم إلى عالم النساء المكاويات في الخمسينات من القرن الماضي، عبر حياة نساء عائلة السردار، التي يحكمها طاغية من طراز سي السيد، سيد البيت. ترسم لنا مفارقات الحرية بين الجارية التي يُسمح لها بالكينونة الحرة، والحرّة المحكومة بالسجن والوأد حيّة في بيت العائلة. ويصل الزمن بنا عبر قفزات متباعدة إلى العقد الأول من الألفية الجديدة، لنشهد تحولات المجتمع والعادات في حياة هذه النسوة.
وهي أيضا رواية عن الموت، وعن ما يمثله، وما يصنع فرقا بين الحي والميت، حين المرأة مؤودة في الحياة. وعن ما يعلق من صور من الحياة، تمر في ذهن المحتضر قبل رحيله.
باهبل، أو أبوالهبل (عباس/ نوري)، بدا لي شخصية ثانوية إلى أن تسيّد النصف الثاني من الرواية. بعينيه، في أفلامه التسجيلية، ينقل حياة العمّات. ومن خلال فصامه تجعلنا الكاتبة نعرف تجربة الشخص الشيزوفراني، ذو شخصيتين متباينتين، كيف يتعايش، وما الذي قاده إلى هذا، وكيف يتعامل محيطيه مع شخصيتيه.
النصف الأول من الرواية كان ممتعا ومشوقا جدا. لكن النصف الثاني، بعد رحيل طاغية بيت السردار، وانتقال الزمن وتحولاته السريعة، تركت الرواية أكثر برودا.
هذه ملاحظاتي على النصف الثاني من الرواية:
الحوارات في الرواية بالعامية المحكية الحجازية. لم يمكنني فهم كل ما قيل، لكن المعنى العام كان مفهوما. في النصف الثاني من الرواية صارت الحوارات تستولي على النص، مخلّفة السرد والمشهد في مساحة أصغر. بهذا شعرت أني أقرأ (سوالف). قلّ مقدار ما تفعله الشخصية وازداد مقدار ما تقوله، تستذكره، تسترجعه من احاديث الماضي.
بدا لي غريبا أن عباس/نوري لم يتحدث ع�� أمه بالمرة، بل كانت جميع مشاهده مع عماته. حتى لتخال أن الأم ماتت في ولادته (رغم عدم وجود اشارة لذلك، وظهورها الهامشي لاحقا). حياته الشخصية أيضا كانت هامشية في الرواية (دراسته/عمله/أبّوته الخ)، حتى لتخال أن لبّ حياته هو الهذرة مع عمته، والتفرغ لغسل شعرها وتفقد زينتها.
في النصف الثاني من الرواية يختفي الصراع (بأشكاله المتعددة) الذي اشعل الفصول الأولى مع موت السردار الكبير. الشد والجذب يتراجع وتصير الفصول رتيبة، كما لو أن كل فعل قد انتهى وبقي اجترار الماضي والذكريات وانتظار الموت متظاهرين بمحاولة تجنبه. الصراع الوحيد الذي يعلو هو ذلك بين عباس ونوري، الشخصيتين في رأس واحد.
يدخل الموت بقوته في فصول النصف الثاني، فصلا بعد آخر يتوالى سرد موت الشخصيات. إلى أن نصل إلى النهاية. بغض النظر عن الرتابة التي شابت فصول الرواية؛ يمكنني القول أن عرض رجاء للموت في هذه الرواية له تميزه لاسيما حين نصل الخاتمة ونرى ذلك التردد بين عالم الأحياء والأموات.
النصف الاول من الرواية خمس نجوم النصف الثاني نجمتين
على الرغم من أنّ الجوّ العام لهذه الرواية أعجبني والقصة بين دفّتيها متّعتني، إلا أنّ فيها ما عكّر مزاجي ولو قليلا، بدءا بالأسلوب الذي صافح الغموض وشد الإبهام من يده وأحرقه فنثره في ثنايا الصفحات، وكذلك استعمال التراكيب البيانية والبديعية بتكلّف أحيانا، وانتهاء باللغة التي أكاد أجزم أنني أستطيع أن أقع من العنوان حتى آخر العمل على مئات المفردات التي استخدمتها الكاتبة في السرد والحوار ولم أفهمها ولم توضّح معناها إلا فيما ندر لأسأل نفسي لماذا؟ هل كتبت الروائية عملها لسكان مكة وحدهم؟ والمشكلة أن كثيرا من تلك الكلمات لا أجدها في معجم أو كتاب فكيف سأفهم ما تقول؟ أم أنه ليس من المهم أن أفهم؟ ما لك يا رجاء كيف تحكمين؟.. ولكن رغم هذا التقديم فإن الرواية برأيي جميلة مضمونا وفكرا، جعلت فيها الكاتبة الفصام أو الشيزوفرينيا أو القرين أو المرض النفسي وسيلة لطرح ومعالجة قضيّتها الاجتماعية العميقة عن الحياة في مكة منتصف القرن العشرين وما بعده.. جاء العمل بالراوي العليم ويبدو أنها قريبة بطل الرواية باهبل أو الأبله السردار العلماني ربيب الباشا الاسطنبولي عباس أو نوري الذي يعاني من الفصام أو ازدواج الشخصية، وتقص علينا الساردة هنا بعد أن غيّرت الأسماء حكاية عائلة السردار عباس وعمّاته نورية وسكرية وحورية وبدرية وصبرية وغيرهن وجدته سكينة وجده مصطفى وأبيه سالم وأمه بيقم وأعمامه وأبنائهم وسواهم في عوالم متعددة أو موازية بين مكة وجدة منذ العام ١٩٤٥ إلى ٢٠٠٩.. وتشرع الراوية بالسرد بعد التقديم بقضية انتحار السردار العلماني في العام ٢٠٠٩ لتعود من بعدها إلى الأربعينات ثم تتقدم.. كان بناء الشخصيات متقنا جدا وتطوّرها مع الزمن مقنعا، وتأثير المكان والبيئة عليها واضحا، والكاتبة ماهرة هنا إذ جعلتني أعيش مع العائلة وأرى مشاكلها وأفهم كيف يفكر أبناؤها وبناتها، لم تكن برأيي أحاديث النساء مجرد حشو أو ثرثرة أو (كلام نسوان) خال من العمق والدلالة إن صح القول، بل كان مدروسا خادما للنص وممتعا في آن معا، ولم تجعل الروائية نصّها سهل المنال واضحا سلسا وإنما متحديّا مبهما بل إنها بالغت بالغموض مرات فمن خلال الأسلوب واللغة كثيرا ما اضطررت إلى أن أعود وأقرا ما قرأت من قبل لأفهم واستنتج ما لم أستنتجه من القراءة الأولى، وعليه فالنص مشغول باعتناء وخبث سردي لذيذ أحيانا ومرهق أحيانا أخرى.. في النص تأريخ وترميز وفلسفة وتوثيق وصراع واشتغال على البيئة والمكان واشتغال على النفس وخباياها وتبيان للتناقض وتشظ للزمن، ومزج للواقع بالخيال، ومواقف من التطور ووقوف على الأطلال وتعرية للعيب ومساءلة لبعض القيم والعادات والأعراف وانتصار للمرأة بعرض معاناتها وشيء من الكوميديا السوداء، وشيء من التصوّف، وشيء من الحب والموت، من غير إسفاف أو تنميط كما أحسب. أدّعي أنّ من العلامات الفارقة في النص شخصية نص لسان وشخصية ولد كفن فضلا عن ثنائية نورية وسكرية وكذلك الديكتاتور الشيخ مصطفى السردار وأمه نازك المصرية وشخصية عبد الجليل الأسطنبولي، نقيض أخيه الكريه عبد الصمد، وثنائية عباس ونوري الزيبق أو باهبل الذي ذكرني بباب الحارة.. التقييم: ٨/١٠
مختلفة أعجبتني كثيرا وأرهقتني أيضا. صورة المجتمع السعودي قاسية واضطهاد المرأة خصوصا آلمني كثيرا. لا عجب أن يكون الفصام والأمراض النفسية والانتحار نتيجة حتمية لتراكمات الانغلاق والحبس داخل التقاليد الجائرة. في تقديري الرواية تروي محطة ماضية من تاريخ السعودية وسنة 2009 التي أنهت بها رجاء عالم حكاية عائلة السردار ليست اعتباطية وهي إعلان لبداية جديدة في تاريخ السعودية .. أزعجني عدم فهمي للغة الدارجة السعودية، الكثير من الألفاظ لم يتم شرحها .. كما لاحظت أن الكاتبة كانت حذرة جدا في التعامل مع الدين. أحببتها
حتى الصفحة الأخيرة تجعلك رجاء عالم تحير: أين أول الحكاية وآخرها؟ وما الحقيقةُ وما الخيال؟ ومن الحيّ ومن الميت هُنا؟
الرواية كلها نصٌ سينمائي في شاشة عرض ذاكرة عباس على خشبةِ مسرح بيت السردار الكبير في سوق المُدّعى وقصر النزهة. عن عائلةٍ تمتدُ عراقتها وتصونها جبالُ مكة وحارسها الأمين مصطفى الكبير الذي يمسك برقابِ وأماني أهل داره من بناتٍ وبنين، فيأدها لتمضي الحياة في الدارِ كما وجد عليه آباؤه. يولدُ للسردار حفيدٌ تتلقفه أيدي البنات اللاتي حُرمت أرحامهن وأفئدتهن ماءَ الحياة، فيكبرُ على هدهدةِ أحلامهن التي رأى بها نوره، والذي وُصِم به جنوناً وهَبلاً. الجميع باحثٌ عن حياة لكن عباس أرادَ أن "يعيش" كما أرادت عماته قبله، وكلما حاول أن يكسرَ الأصنام مُثِلت له غيرها تحرسها وتشكلها عائلةُ السردار، وفي محاولةٍ للحياة يُولدُ نوري الذي مثّل كل ما أراد عباس أن يكونه؛ كان نوري تقمّصَه الذي تماهى معه وفيه فما عاد يعرف ذاته إلا به. عباس الزيبق حاول أن يظهر من خلال فنّه فأوصدوا في وجهه الأبواب، فتلاشى وظهر من أعين الموت؛ وكفى بالموتِ حياةً كما قد يقول عباس وهو يسامر عماته حياةً وموتاً. الرواية عملٌ عبقري في صورته الفنية والحبكات المتصلة والصور المتداخلة والحوارات التي وضعت المعضلات الكبرى في كلماتٍ ساخرة وبسيطة بلغة مكاويّة صعب عليّ فهمها في بعض المواضع، واستلذذتُ السخرية السوداء فيها وإن كانت تصدر عن حلوقٍ تجرعت همها. بعض الشخصيات كانت حاضرةً أكثر في البداية ثم تراجعت كطيفٍ كسكرية، وأخرى ظهرت في المنتصف كشخصيّة محورية كنورية. وأخرى كانت تحضر وتغيب كحورية.
"نحن بالنهاية أولاد موت" "أنا في حالة من الوعي الكوني وهذه الأفلام المستمرة في العرض للأبد رغماً عنا جميعاً هي وسيلتي لإثبات اللاموت.. الواحد منا كون" وتكتبُ الكاتبة حكاية باهَبَل الزيبق الذي مات ليُبعث حياة في كل فنٍّ.
**في قراءةٍ أخرى قد يُقال أن عباس باهَبَل ربته أكف نساءٍ فلبس لباسهن وصار يمشي في الأرض هبلاً يسميه فناً.
عندما شرعت في قراءة هذه الرواية، انبعثت في ذهني ذكريات رواية قرأتها ذات يوم في سن التاسعة عشرة. لا أستطيع استرجاع اسم المكتبة التي اقتنيتها منها، ولا حتى عنوان الرواية، لكن ما يعلق بذاكرتي بوضوح هو الشعور الذي غمرني عند انتهائي منها. وها أنا الآن، بين صفحات رواية مشابهة، أشعر وكأنني جزء لا يتجزأ من عائلة السردار، أنظر من زاوية أحداثها بشغف مترقب لما هو آتٍ .. كيف سيكون شعوري حين أضعها جانبًا بعد انتهائي منها، لكن من المدهش أن يظل كتاب قادرًا على استحضار شعورٍ عميق مر عليه أكثر من ثماني سنوات، وربما هذه المرة بشكل أكثر وضوحًا وأثراً✨—
"نولد إناثا.. هذه أول الحكاية." من أرض مكّة، قريبًا من الحرم.. تقع أحداث النساء وتتمدد فكرة الوأد، من تحت التراب، حتى الجدار الفاصل بين الحياة والحياة. ما يؤلمني، هو أن المرأة في أي بقعة جغرافية، وأي مرحلة زمنية. تتوق لحرية يرونها عيبًا. وفضاء يُغلق عليهن بسجن مؤبد. وصوتهن يُقطع فلا يصل ولا حتى الصدى. اللهجة المكيّة، كان لها وقع آخر في الرواية. رغم غريب اللفظ، لكنه مستحسن ومحبب. تداخل الخيال والحقيقة. الواقع وما سِواه. كل هذا جاء في حكاية رسمتها رجاء عالم بدقة وإتقان.
الرواية تتحدث عن أجيال من عائلة مكية كانت ممتعة في النصف الأول فقط، لو استمرت بطريقة السرد التاريخي الممزوج بجمل عامية لكان أفضل. ولكن النصف الثاني بالكامل باللهجة العامية وشفته ممل ولأني من الحجاز ملمة باللهجة فكيف للي وجدوها صعبة ومو مفهومة؟ الرواية فيها غرائبية وزادت في النصف الثاني وهذا النوع مايجذبني شخصيًا. شعرت بروح مكة وعنصر المكان رائع ولامسني جدًا ولكن بالغت في بعض المواضع وكأن مكة لاتحمل قدسية دينية وهنا نفرني من الرواية قليلًا ولا أعتقد إني كنت بقدر أكون موضوعية في هذا الجانب. هذه هي أول قراءة لي لرجاء عالم وممكن أعيد القراءة لها عمل آخر ويكون أفضل.
رواية رائعة ، تحتاج إلى تركيز و تأمل .. مكة بنكهة نساءها من تاريخ ١٩٤٥- ٢٠٠٩ . ينقل الصور لنا شخصية عباس أو بابل.. عاصر وجع النساء و ما تعرضن من آلام.
تبدأ الرواية بمشاهد من ٢٠٠٩ ثم تسترجع الحقبة بالتسلسل.
تصنيفها: واقعية سحرية / إجتماعي .
لغة: شملت اللغة المحلية المكية في الحوار ، و كانت مقصودة من الكاتبة ، لتظهر سمات الشخصيات و طريقة تفكيرهم ، بالإضافة إلى الأمثال الشعبية لكل سنة من الحقبة . الأسلوب : لغة عربية فصحى قوية في السرد ، حتى لو ذكر بعض مصطلحات الفصحى القديمة المكية ككلمة “الكرويتة ، المزرا “
لعبت الكاتبة على مدرسة الرمزية في كتابة الرواية ببعض الرموز مثل لحظة عري سكرية و تمردها ، بعدم الرضوخ رلى أوام�� مصطفى السردار . “ألا شبع إلا شبع الفرح الذي تشعره الطيور في طيرانها الحر ، و ألا جوع إلا جوع للطريق” ص٣١ ، “وقفت هناك مثل طير عار تحت أنظار الجند ، و لم يعرفوا لمن يردونها “ ص٣٣ .
رأت سكرية حريتها للذهاب إلى مصر، حيث تحرر المرأة.تبدل أسمها من قمرية ل سكرية ، حيث تبدل حالها، بعد ذهابها لمصر .
حورية:رمزها “حور العين” ، حيث مقيدة بعدم زواجها ، بخوف السردار عليها فاصبحت مثل الحوريات، صعبة المنال . “نصف لسان” : ملازم سكينة و دايما” يتصنت بالهمز و اللمز و لكنه يقول نصف الحقيقة . ولد كفن : رمزية اسمه ، هو الموت و لما أحب سكرية ، أرادها أن تتحرر من القيود و ذلك عندما تموت لا ملجأ للفرار من الإخضاع و القوانين التي تعسف المرأة .و عندما مات كفن ، استعصى لسكرية أن تتحرر .
“عباس” ، رمز اسمه الولادة العابسة أو عباسية الأحداث ، و قرينه “نوري” ، هو نور له “لتنويره” . الحمامة: لعباس معنى بعيد عضو التناسلي . قريب: طائر الحمامة ، و هو الحرية . فصل “جيهان” قمة العبقرية من الواقعية السحرية . “كان قلبه يشف حتى تحول لكريستال مثل تلك على القبة بموضع قدمي النبي إبراهيم و تعكس كل الأنوار المحيطة بالصحن “ “حين سجد الطفل لم يعد هو الجسد الملتصق بالرخام ، انفصلت روحه ، صارت روحه ترقب الحوادث ببصيرة لا يمكن تفسيرها لطفل ، ترقب الحرم من علوها في الفضاء “ . “ومن سجدته يسترق النظر ليكشف الملائكة و الغزلان التي سمع .. أقدام الملائكة ؟”
ظهور المهدي في الحرم : رمز الفتنة و التخبط لمكة في فترة ١٩٧٩ . تغير أحداث الروية بعد موت “مصطفى السردار” . أحببت فصل “فاتن حمامة سندروم” ، و مدى تأثر شعب مكة بالأفلام المصرية. التأثر بالحضارة الفرعونية ، بين في الرواية ، من ذكر نفرتيتي ، تسمية الجدة “نازك” بالفرعونية عندما ظنوا أنها أستحوذت على عقل سكرية ثم حكاية إيزيس و أوزوريس .
تدور الأيام و عباس يكبر و تعظه عمته “سكينة” بحوارات من العامية ، التي من الممكن أن تستقطبها لاقتباسات ، كدروس حياة . الوقت مر و توفت العمات و أصبح عباس عاري الشخصية بسبب قيود التي تربى. عليها .
في بيت المدعي ، انقلب السحر على الساحر، بزواجه لداليا ، الشخصية المودرن التي تعيب على انغلاقه أو بمعنى آخر تخلفه .
النهاية و جمال النهاية ، بها حبكة ملتوية ، بها رموز قوية عن مفهوم الموت و الحياة ، بطرح سؤال هل كل الموتى أحياء؟ و هل كل الأحياء موتى ؟ و نفهم الإجابة من خلال المفاجأة وراء عباس . متعة جميلة تحتاج إلى صبر لم فيها من تفاصيل .
طالعت الرواية فور اصدارها وتوفرها على ابجد، بغية كتابة مقال عنها، وفضولا بالتاكيد اثر غياب السعودية عالم لسنوات طوال.
دوما عن مكة، واقعها ( الواقع أخطر من أي حكاية مؤلفة، وأحيانا يعجز العقل يصدق الواقع)
هذا جزء من مقالي على موقع الرواية :
(تستهل الكاتبة السعودية روايتها "بَاهَبَل، مكة Multiverse " الصادرة حديثًا عن دار التنوير تقديمًا يوحي بواقعية حكاية سردها البطل عباس أو نوري مابين نوفمبر 2009 وابريل 2012 مشيرة تحريفها امورا لتبعدها عن ان تبدو قصة عائلة بعينها، ناعتة إياها ب "الصوت القديم يكتسي صوت العصر لأنه جزء من تاريخ مسيرة المرأة في تلك البلاد"•
يقول كونديرا: إن روح الرواية هي روح التعقيد، وإن كل رواية تقول للقارئ إن الأشياء أكثر تعقيدًا مما تظن. ولا شك أن عالم اتبعت هنا قول التشيكي ميلان بحذافيره! حيث تبدأ الرواية بمشهد انتحار استاذ في الجامعة( هكذا ظننت) من عائلة السردار العريقة، في قصر العائلة القديم بمكة، بعدما ترك رسالتان كتب على الأولى "إلى من يهمه الأمر" والثانية "إلى هيئة كبار العلماء"، لترتحل الكاتبة إلى مشاهد قديمة من حياة عماته نورية، حورية وسكرية بدءًا من 1946.
قدمت الرواية صور الحياة في مكة، من خلال خصوصية أسرة عريقة، ذو نفوذ ووجاهة، ظهر كبيرها مصطفى وكأنه سي السيد عبد الجواد بثلاثية محفوظ، يتحكم بأمور الأبناء والبنات معًًا، فيحرم ابن من دراسة يريدها، ويزوج بناته ممن أختاره لهن، ليرتسم المكان بطلًا أوحدًا حتى النهاية.
اعتمدت الروائية في بناءها للنص على رسم معالم الشخصيات الرئيسة، حيث أكسبت كل منهم كينونة خاصة، جعلت هوياتهم متفردة، غير رتيبة وبذات الوقت متكاملة ومتعايشة، فطرحت أفكارها باسلوب لغوي متمكن، صياغة ترتكز على المكان، بيئة ولهجة، في تصاعد زمني اُختتم بحديث عن الموت كما البداية.
هل ورطت رجاء العالم القارئ بحكايات متفرعة؟ حيّرته كلما توغل بالسيرة؟ أي أصنام أرادت هدمها؟ صنم العيب مثلًا ؟ "أكبر حبس عشناه كان في كلمة «عيب». عيب تخرج، عيب تشوف، عيب تسمع، عيب تضحك بصوت أو تردّ كلمة بنقاش. تعرف القَضَا والقَدَر؟ كلمة الكبار قضاء وقدر يحرم علينا نرده أو نناقشه" وأي حرية رغبت فيها؟ القرار أم الفرار !
رواية مكيّة من الطراز الأول، تعبق بمسك طيب أهلها، فيها من التلصص على عوالم النفس البشرية، ماقد يفسر تشتت الأحداث في بعض المواضع، أو لعله انفلات للذاكرة وقعت فيه عالم تخمينًا مني كتابتها النص في اوقات متباعدة، فما بين الجدة سكينة وداليا، جهيمان والفيلم التسجيلي، عباس ونوري عوالم تتأرجح مابين اليقين والواقع، التوهم والخيال.
باهَبَل المكيّ تغلب على أناه، جمّع أشلاؤه الموزعة على الأرض، وسطّر أيامه تاجرًا حينًا، واستاذًا في الجامعة أحيانًا أخرى. "لكن الواقع أخطر من أي حكاية مؤلفة، وأحيانًا يعجز العقل يصدق الواقع." )
نأتي الآن لتقييمي هنا :)
فكرة الرواية الأساسية قديمة ومعروفة، وقد ابدعت عالم بالطبع في تطبيعها بالعوالم النفسية، ولكن بأي مغزى .. التشتيت الذي غلف الرواية، باديًا كغموض ، أسقط تفاصيل لشخصيات عدة، ونقلاتهم في الحكاية .
المتعة في الرواية ، لاجواء مكة ففعلا تعبق بطيب أهلها، وتصلح بالتأكيد لمسلسل تلفزيوني او فيلم سينمائي.
مع ذلك ، آمل ان تمسي أحدى المرشحات النهائيات لجائزة البوكر هذا العام، حيث اعتقد ان السنوات الماضية افلتت الفوز لسبدة خليجية اكثر من مرة، وقد حان الوقت لذلك.
نجمتان للجزء الاول من الكتاب.. حيث اخذتنا الكاتبة الى اجواء مكة القديمة، و ذكرتنا بالليالي المكّاوية العتيقة.. اما الجزء الثاني من موت السردار الكبير و دخول الفن و الجنون، اصبح الكتاب ممل و فيه حشو كلام كثير غير مفهوم. اضافة، لغة الكتاب صعبة لغير الناطقين باللهجة المكّاوية القديمة.
This entire review has been hidden because of spoilers.
رواية مدهشة مقدرة الكاتبة على تصوير حالة الفصام، وتوظيف فكرة القرين، وخلط الحقيقة مع الخيال، وتوظيف اللهجة المكية في نصها، بكل سلاسة، من الأمور التي اضفت على الرواية سحر لا يوصف. اثناء قراءتي لها ظننت ان هناك اخطاء لا تغتفر في السرد، لكن بعد الرجوع للنص تكشفت لي عوالم ساحرة تحتاج لتيقظ كل ذرة من حواسي عند قراءة الرواية. أكثر ما أعجبني في هذه الرواية ابتعاد الكاتبة عن النزعة ( الويكبيدية) التي ابتلي بها كثير من الكتّاب. واقصد بها ميل الكتاب الى ضخ معلومات بشكل مباشر و كأننا نستمع لمحاضرة حول الأنا الأعلى مثلا و اللاشعور، أو نستمع لمحاضرة عن تاريخ الصراع في المنطقة… ما فعلته الكاتبة انها عبرت عن فكرتها سرديا من خلال تصوير الشخصيات و انتقاء الاحداث التي تسردها. فالحدث يجسد الفكرة المطروحة، ولا يخلو الامر من الاشارة ال تلك الفكرة بشكل عابر بعيدا عن نزعة المحاضرات. باختصار أحببت الرواية و كلي شوق لاعادة قراءتها مجددا بنسخة ورقية . #باهبل #رجاء_عالم #دار_التنوير
"نعم، أهل مكة من زمن دنيتهم وهم صنّاع أصنام: هُبل وذو العزة، وأبو تمرة… السردار الكبير صنم. صنم يهابونه"
با هبل رواية مكية بامتياز تصور من خلال عائلة السردار، العائلة المكية العريقة، تفاصيل المجتمع المكي، فكلنا يعرف مكة وتاريخها، ولكن ما ذا عن العادات الاجتماعية عن الفكر الجمعي لهذا المجتمع الذي حُكم بقدسية المدينة، قدسية المكان كانت سبباً بشكل او بآخر لتكوين ضغط اجتماعي حتّم أن تظهر فيه كل عائلة مكية عريقة بنفس قدر قدسية المكان! ولكن ما ذا تحت هذا الغطاء؟
باهبل صورة للإنسان والمكان من ١٩٤٥ إلى ٢٠٠٩ م
قراءة لرواية باهبل - مكه Multiverse للكاتبة السعودية رجاء العالم، والصادرة عن دار التنوير، احدى روايات القائمة القصيرة المرشحة لجائزة البوكر العربية ٢٠٢٤
لا يمكنني تحديد شعوري ناحية هذه الرواية، ولست أول من يشتكي من صعوبة اللهجة والعجز عن فهم أجزاء كثيرة منها، ولكني غرقت في بعض فصولها تمامًا وتمتعت. ما بين توثيق مدينة مكة في تلك الفترة الزمنية، وما بين عالم الأحياء والأموات، العقل والجنون والفصام، صنعت رجاء عالم شخصيات يمكنني تخيلها والتعاطف معها والرغبة في الاستماع لها.
"كان في رحلة غريبة كمن في رحلة حج لكل مواقع الخيبة في حياته". أعود متشوقاً لقراءة سرداً جديداً من "رجاء عالم" حيث مضى وقت طويل منذ آخر مرة قرأت لها أي عمل روائي، فقد كانت "عالم" من أوائل الكاتبات المحليات التي قرأت لهن وإكتشفت من خلالهن عوالم مغيبة من خلال السرد الذي يجيء بصبغة محلية وصياغة فريده من نوعها، عودتي إليها من خلال هذه الرواية جاءت مختلطة بمشاعر الحنين للقراءات القديمة وللإكتشافات الأولى للسرد الروائي المحلي ذو الطابع الحجازي بتفاصيله المبتكرة كما هي لغة "عالم" المبتكرة والقائمة على التفرد في صياغتها وطبيعة إنشائها، فهي تكتب بلغة فصحى عالية المعايير ومُشربة بشيء من الحس الشاعري الذي يجعلك مفتوناً بتتبع السرد بلغتها الخاصة وطريقة تصويرها لكل الأحداث والمجريات التي تحدث داخل فصول هذة الرواية.
تجيء رواية "عالم" هذة المرة بكل حكاياها وتفاصيلها من سراديب ذاكرة الحجاز لتنقل لنا سيرة سيدات ونساء عائلة "السردار" منذ الأربعينيات الميلادية وحتى الألفية الجديدة وتنتقل بين صور متعددة من سيرتهن، مُقلبه وجوههن وأسمائهن بين سطور هذا السرد، ناقلة لنا مجريات مغيبة عن أعين العابرين بجانب حيطان قصور "السردار" حيث جملة الأحداث تجري خلف جدران تلك المساكن وفوق أسطحهن بينما يلعب الصبيان والغلمان والجواري أدوار ثانوية في محيط تلك العائلة وتحت خدمتها وفي كنف رعايتها متأثرين بكل تلك الأحداث التي تقطع في مسار الحياة لتلك العائلة وفتياتهن.
تؤرشف "عالم" من خلال هذا النص تاريخ نساء مكة، من خلال محاولة نقل شكل المشهد لحياة المرأة المكيّة في تلك الحقبة الزمنية، ساعية لترك القارئ شاهداً على تحولات الزمن والمجتمع التي أثرت على حضور المرأة في المشهد العام داخل محيط العائلة والمجتمع، وعن دور الرجل في تغييب دورها وحصره في مواضع محددة وفي نطاقات معينة لفترة زمنية طويلة كان فيها هو زعيم المشهد وصاحب السلطة والمتحكم بمصيرها، حيث تعيش المرأة في دائرته الخاصة وكأنها من إحدى مقتنياته وليس لها أي سلطة على نفسها ولا تصرف يُحكم من شؤونها ويعزز إستقلاليتها.
بين "سُكّرية" و"حورية" و"نورية" ونساء عائلة "السردار" ووالدهم "مصطفى" وجدتهم "نازك" والصبي الملقب ب "نُص لسان" وشخوص آخرين تدور رحى الأحداث والرواية وينطلق السرد إلى طرق متعددة متنقلاً بين حكايا مختلفة من سيرة نساء الدار وأهل الحرم بطابع يحمل ملامح حكايا ألف ليلة وليلة وكتب الموروث الشعبي، فنرى تحرر "ًسكّرية" بنت الجارية "فرح"، ونشهد على زواج "بدرية"، ونتتبع معضلة "حورية" في الزواج من عشيقها ودور والدها في حرمانها من إتمام تلك الزيجة، وزواج "نورية" من "عبدالجليل" الإسطنبولي وقصة عشقه وتعلقه بها، بينما يتنقل "نُص لسان" بين الأسطح والدور الخلفية لنساء "السردار" ناقلاً كل حدث وخبر يجري في السراديب الخلفية للدار، شاهداً على كل فعل ومصيبة تجري داخل تلك الدور وفوق الأسطح دون علم الأب "مصطفى" المتحكم بمصير نساء الدار وأقدارهن.
مع بداية السبعينيات الميلادية يظهر وسط نساء عائلة "السردار" مولود ذكر جديد من صلب العائلة وتختلف مسمياته بين "عباس/نوري/باهبل" ويتنقل بين نساء العائلة لتربيته ويصبح شاهداً على المراحل المعاصرة من تاريخ العائلة وتاريخ نسائها بينما يأخذ دوره في سنوات لاحقة في تكوينة تاريخ تلك الأسرة وتاريخ نسائها، كذلك يحمل معه معضلة الفتق/الإنفصام الذي يتدلى من سره منذ ولادته وشياطينه الداخلية والاصوات التي تعيش في رأسه وإختفاء توأمه من بطن أمه لحظة الولادة وكأنه إلتهمه ليتشكل بداخله على هيئات متعددة، ويشهد كذلك على حوادث مصيرية من تاريخ الحرم المكي كحادثة "جهيمان"، وينطلق السرد في تتبع مسيرته داخل الأسرة على سنوات وأزمنة مختلفة حتى إنقطاع السرد مع نهايته.
يأتي حدث وفاة كبير عائلة "السردار" الأب الديكتاتوري "مصطفى" كنقطة تحول في تاريخ العائلة وينشب مع ذلك النزاع بين الأخوة "محمد" و"سالم" على إرث العائلة وتولي مقاليد السيادة في الأسرة، ليأتي مع ذلك تنصيب والد "عباس" "سالم" خليفة لأبيه في ديكتاتوريته وفرض سلطته على نساء العائلة، لتنقلب مصائر الكثير منهن في أحوال مختلفة وتدخل إلى مسارات جديدة في دائرة الصراع داخل محيط العائلة والمجتمع بشكله الأوسع.
يدور "عباس/نوري" تحت رحمة وشفقة ومداراة وظلم وتولع أولياء أموره به بين أبيه "سالم" وعماته "سُكرية" و"نورية" وبقية نساء عائلة "السردار" ويعيش صراعه الدائم مع توأمه الداخلي "نوري" وتلبس الشياطين له، كما هو الحال مع بقية نساء العائلة اللتين يعشن تحت خزعبلات السحر والشعوذة والأحلام الطارئة والأوهام الشيطانيّة والشكوك الدائمة حيال كل خادمة وعامل وشخص يدخل إلى منزل الأسرة أو يحل ضيفاً عليه، بينما ينغمس النص بطابع اللهجة المكيّة التي تضفي على حوارات شخوصه صبغة محلية ذات طابع شرقي نابعة من تضاريس مكة وما حواليها، كذلك تأخذ الحكايا والأقاويل التي يستشهد بها شخوص الرواية ذات الطابع والصبغة ليتطعم النص برونق لذيذ وساحر أشبة بحكايا النساء المخضرمات والمتجاوزات عصرهن إلى عصور أخرى بينما تدور كاميرا "عباس" لتسجيل كل ذلك لتصنيع فيلم تسجيلي عن تاريخ نساء عائلة "السردار" ليتم عرضه في المحافل السينمائية.
مع وصول السرد إلى الفصول الأخيرة يتداخل الموت مع شخوصه وتختلط وجوه الأموات بالأحياء وتَعبر الأرواح إلى مسار السرد وينكشف الوجه عن أن حقيقة هذا السرد بمجمله ليس فيلماً تسجيلياً بقدر ما هو شريط الذكريات العابرة لحياة تلك العائلة المكّية العريقة الذي عبر أمام ناظري بطل النص "عباس/نوري" لحظة تسليم روحه لربه من خلال إنتحاره، ومع إنفصام الشخصيات لدى "عباس" وتعددها ما عاد بالإمكان إدراك حقيقة الميت من الحي، ومع عاد هنالك أي أثر على تاريخ تلك العائلة إلا من خلال تلك المخطوطة التي ظهرت بين صفحات هذا السرد محتويه تاريخ العائلة وذكريات نساءها ورجالاتها، لينتهي بذلك الإكتشاف هذا السرد الممتع والفريد بشكل فنتازي وغرائبي بصورة مثيرة، مع ذلك لا أنكر أن تلك النهاية لم ترق لي لكن جاءت متناسبة مع أجواء النص وظروفه، وعلى العموم القراءة في هذا النص بالمجمل كانت قراءة حافلة بالمتعة والتشويق لكل ظروفها وشخصياتها وأحداثها.
رواية باهبل مكة رواية ثقيلة ليست سهلة ابدا وذات مستويات عدة للفهم وللشعور... مكة.. المدينة المقدسة.. افئدة الناس من كل الدنيا تفد اليها للعبادة وطلب المغفرة وسمو الروح.. ولكن.. تلك مدينة يسكنها بشر.. لا ملائكة.. البشر يعيشون.... يحبون.. يكرهون.. يخطئون.. يصيبون.. بل وربما حتى يقتلون... عاش هناك في زمن ما اناس يوئدون الينات..ويكبتون احلام الذكور.. لديهم من الجواري والعبيد وكأنه عهد الجاهلية... وكأن ما وصلهم من الدين طقوس فقط يؤدونها دون احساس بها ودون ان تنظم حياتهم وتسعدها كما اراد هذا الدين الذي بدأ في تلك البقعة...فكان التناقض بين صلاتهم في الحرم وخدمتهم للحجيج وبين ظلمهم لابنائهم... وعندما يحدث التمرد وتقوم الثورة على الاجداد وعلى بيت العائلة..يكون جنون وهبل.. جنون الكتب وجنون الفن... جنون الحرية وحتى جنون التعري...لكل بطل من الابطال جنونه... عندما يصبح الجنون و (الهبل) هو النجاة من سجن العائلة..فلنشاهد اذن كل هذا الجنون... تعرض الكاتبة قضاياها في مستويات عدة عبر سيرة عائلة السردار في جيلين متعاقبين ما بين مكة القديمة ذات البيوت البسيطة ومكة الحديثة بابراجها الفاخرة.. المستوى الاول مستوى اجتماعي.. هو قضية الابواب المغلقة على تقاليد مجحفة في بيت عائلة مكاوية من خلال رواية احد الاحفاد (باهبل) لحياة عماته حورية وسكرية ونورية .. حيث تشربت روحه بقطعة من كل منهن.. وايضا حياة اعمامه وجده وشخصيات اخرى... الخط السردي يبدا من عام 2009 ثم العودة فلاش باك الى 1945 حيث تبدا حياة العمات في بيت ابيهن الديكتاتور مصطفى السردار.. ( لما تتولد لهم بنت يتكتمو عليها والبنات تموت والناس ما يعرفوا ان عندهم بنات.. وأد في الحياة.. هذا البيت مقبرة واقفة ادوار ومجالس ونحن محنطين فيها.. هذا داء العوائل المخلولة مثل عائلتنا) تفاصيل البيت المكي القديم ووصف السوق والشوارع ويوميات العائلة من مناوشات وضحكات كان حميميا وصادقا جدا للحد الذي يجعلك وكانك تعيش معهم.. وكان كالعادة استخدام العامية المكاوية برغم صعوبتها لمن لا يعرفها دورا كبيرا في هذه الحميمية فجعل الابطال من لحم ودم فاصبحت تضحك لضحكهم البائس وتغتم بهمهم المؤلم.. المستوى الثاني مستوى نفسي... حيث الغموض الحائم للابد مابين المرض النفسي كالفصام ومابين تعدد العوالم المتوازية والقرين الروحي ( multiverse) كما في عنوان الرواية .. فسارت الرواية مابين الواقع والفانتازيا بشكل غامض ومربك الى حد كبير.. عن نفسي هناك شخصيات في الرواية لم اتبين للنهاية ان كانت حقيقية ام من خيال البطل ام من خيال العمات .. !! كان على البطل ان يعيش غريبا موصوما بالجنون لمجرد اختلافه وتفرده النفسي فلا احد يفهمه ولا يشعر به غير ماضيه المتمثل في العمات الثلاث اللاتي يمثل هو روحيا قطعا منهن.. غير ذلك من اب وابناء عمومة وزوجة وابناء وزملاء عمل كلهم غرباء... هل هو تفرده الروحي ام انه المرض النفسي؟؟؟ المستوى الثالث مستوى روحاني.. فكان الارتباط الروحي بالمدينة حين اعلن احد الاجداد ان ( مغادرة مكة خيانة روحية) .. وفي وصف مدخل مكة ( الذي يتوسطه نصب من تقاطع دورقين عملاقين لماء زمزم بانه رمز للعطش لفراق مكة والذي صار من المستحيل ريه بعد ان اغلقت للابد فوهة بئر زمزم وصار الماء المعجزة يضخ عبر مواسير) ومحاولة سرد جزء من تاريخها وشكل عمارتها وتقاليدها كنوع من التوثيق قبل ان تمحوها التوسعة والابراج الحديثة ومطاعم العولمة المنتشرة عبر طرقاتها... مكة ذات التركيبة السكانية المتباينة بسبب تعدد اعراق ساكنيها من عرب و ترك وافارقة وغيرها جعل لسكانها طبائع متباينة .. و علاقة مكة بجدة التي تعدها الكاتبة الشريان الذي يمد اهل مكة بالحرية القابعة على كورنيش البحر الاحمر...و هناك ايضا تأثر الابطال بالثقافة المصرية ادبيا وفنيا واجتماعيا... الرواية كما قلت ليست سهله: .. فمن ناحية السرد جاء احيانا غامضا فترجع بالصفحات للوراء لتفهم وخاصة في الخلط بين الواقع وبين الفانتازيا او لفهم حدث ما او شخصية ما.. هذا الرجوع كان مرهقا ولكن ليس مملا.. بالرغم من ذ��ك فهناك بعض من الفجوات الزمنية الفارغة في حياة عباس !! وكذلك بعض الشخصيات بترت فلم افهمها !! من ناحية اللغة : السرد بالفصحى كان بليغا ومعبرا اما الحوار فكان بالعامية المكية مما اضفى صدقا وحميمية للمشاهد ولكن صعبا لمن لا يعرفها... ولكن بالبحث عن المعاني كان الفهم اسهل .. اعتقد لو كتب الحوار بالفصحى لفقدت الرواية كثيرا من صدقها... فالصعوبة والبحث هنا افضل من عدم المصداقية من ناحية الشخصيات جاء وصف الابعاد النفسية والانسانية لها ساحرا وعميقا .. وجاء وصف جنونها جريئا جدا وثائرا الرواية بالنسبة لي تجربة استحقت ان اخوضها.. وقصة مدينة احببت ان اتعرف عليها اكثر من الناحية الانسانية وليس القدسية...
لِـ أتكلم بداية عن الجزء الأوّل من الرواية وهو أكثر ما أعجبني وتحديداً هو السبب الذي جعلني أُكمل الرواية حتى آخر صفحة! من أرض مكة تحكي رجاء حكايتها عن نسائها في خمسينيات القرن الماضي، تتجول بقلمها في البيوت والأسواق المجاورة للحرم لكِن التركيز الأكبر كان على بيت عائلة السردار، تُفصّل رجاء في شخصيات هذا البيت، تُبدع في خلق كل كيان وتكتب شخصية كل فرد بطريقة مدروسة وفريدة، تنجح في جعل القارىء يستمتع في القراءة وهو يتخيل نفسه يتجول في البيوت القديمة بمكة وأسواقها قبل مشروع التوسعة، تُسهِب في الوصف أحياناً وتختزل أحيانا أخرى لكنّها تُشبع القارىء بلغتها العذبة، جعلتني رجاء أرسم بخيالي عدة مصائر لشخصيات هذه الرواية عدا ماذكرته هي! عبّاس أو نوري : الشخصيتين المتناقضتين كالخطين المتوازيين لا يلتقيان، أعجبتني الفروقات بينهم، واختلاف كل شخصية عن الأخرى، من وجهة نظري أبدعت رجاء هُنا ويتضح للقارىء في النهاية كيف نجحت رجاء في طرح موضوع مهم من خلال تلك الشخصيتين " طبعا لا أقصد بالموضوع المهم الجرأة في الحوار والمثلية والإيحاءات الجنسية". نورية: الفتاة اللامبالية التي خرجت من عش والدها حُرّة طليقة لكنها سطّحت معنى الحُرية بسبب ما آلت إليه! حورية: الملاك الحارِس لعائلة السردار، ثُقل أصابني بعد ماعرفت حقيقة حكايتها في نهاية الرواية! سُكرية: التي خاب أملي فيها ! هذه الفتاة المتمردة التي استخفّت بوالدها وتسلطه وكسرت شوكة دكتاتوريته وانطلقت محلقة خارج سماء جدة مع جدتها المصرية، لم أتوقَع أن يقف بها الزمن عند هذا الحد وكأنها كانت غُصن جفّ وانكساره صار أسهل! رُبما لم تعجبني الرواية في مواضع ولعدة أسباب كثيرة لكن أهمها هو نساء بيت السردار وعلى رأسهن سكرية، كأن الكاتبة جعلت من بنات السردار يبحثن عن الانفتاح والتحرر لمجرّد الانفتاح فقط لا الانطلاق لا العيش لا الوجود وإثباته لا التعليم وممارسته لا الاختيار بل التجاوز فقط والمضي دون الالتفات دون الاهتمام لِما الحاجة إلى التحرر من العادات والتقاليد والدكتاتورية وإهانة المرأة واستعبادها وحبسها! لم تنجح الكاتبة في توجيه حياة هؤلاء النسوة حتى بعد الانتقال إلى جدة! هل بطريقتها هذه تُخبرنا الكاتبة أن الحُرية ليست بالجسد بل بالفكر! رُبما ! لكِن لماذا تشابهت مصائرهن جميعا ! لماذا لم تحلّق إحداهن نحو سماء الحرية لماذا اخترن جميعهن استمرار مشيهن على الأرض بدون التحليق أو على الأقل تجاوز أسوار البيت!
اللهجة العامية في بداية الرواية كانت معقولة ومقبولة لكن الكاتبة بدأت تحوّل الرواية إلى حوار عامّي فج مليء بالايحاءات الجنسية ! مما أفقد العمل قيمته ومُتعته، بالإضافة إلى اللهجة الحجازية بدون توضيح لمعاني المفردات، افتقار الرواية للهوامش سببت لي ضياع وعدم فهم أحيانا كثيرة. لم أحب اقحام الكاتبة للمثلية وفي عدة مواضع وعند أكثر من شخصية، أتفهّم لو كانت تناولت المثليّة كقضية شائكة تحتاج إلى حلول وتدخل عاجل وموضوع شاذ عن المجتمع المُحافظ إلّا أنها طرحته وكأنه شيء عادي جداً ! ومنتشر كثيرًا وموضع قبول في تلك الفترة ! تناولت الكاتبة عدة قضايا ومواضيع في هذا العمل دُون أن تُعطي كل موضوع حقه الكامل لو ركزّت على القليل منها لكان أفضل، أمّا عن إذا كان العمل يستحق القراءة أو لا فبرأيي رُبما هُناك أعمال أو مصادر عن هذه الحُقبة أفضل من هذا العمل .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته عدنا مع قراءة جديدة لرواية سعودية للكاتبة رجاء عالم وهي رواية #باهبل مكة Multiverse، هذه الرواية ضمن مشروع رجاء الروائي في توثيق بيئة مكة في الرواية. رجاء أشبعت فضول القارئ المهتم بتوثيق البيئة والثقافة في الرواية، فأنتجت أجمل نص روائي يوثق البيئة المكيّة من خلال عائلة سردار التي تحكمها العادات والتقاليد التي تجعل من الإنسان في تراجع عن عالمه.. وصورة كذلك بيئة المرأة الحجازية وما كانت تعانيه من تهميش وإقصاء عن الحياة برمتها وحكاية الجواري وخدمة الحجاج والعبيد وسُلطة الذكور على إناث العائلة، وإن طالت هذه السلطة الذكور أيضاً، ولكن بشكل ومنظور مختلف أخف وطأة مما هو على الإناث الآتي يجدن مخرجاً عن هذه السلطة في أشكال عدة منها الجنون والزواج والصرامة في تطبيق العادات والتقاليد ورفض كل ما هو جديد. فعندما يتشكل الخروج عن العادات والتقاليد التي كانت تقمع المرأة، وتلغى تواجدها في المشهد الحياتي اليومي في البيئة المكيّة على هيئة جنون والتفنن بذلك أي كوني مجنونة، حتى يُعترف بك وإلا لن أراكِ. واستطاعت رجاء عالم من خلال الرواية وشخصيات البطلات حورية وسكرية ونوريه، أن تنقل لنا موروث الزواج وما يترتب عليه من خزي وعار ضمن تلك العادات الحجازية القديمة، فتخيل أنه من الممكن أن ينكرُ الأب وجود بنات لديه في سن الزواج خوفاً من العار والخزي الذي سيلاحقه، وإن تم هذا الزواج، فسيكون دون علم العروس بطبيعة الحال !! هذا الجنون، وتحدي العادات والتقاليد يورّث للذكور أيضًا، ويناضل عباس/نوري كي يصل للحرية والتماهي مع أرواحه الأخرى في أطراف الأرض والخروج من العبودية التي كان يرفضها بكل أشكالها ما بين رغباته ورغبات والده والمجتمع وما يفرض عليه يتشكل الصراع المختلف في الجيل الأخير من عائلة سردار. هذا الصراع اتضح جلياً من خلال الشخصيات التي في الرواية، والتي رسمتها رجاء عالم بدقة متناهية جعلتنا كقراء نؤمن بما تؤمن به الشخصيات، ونجد لها المبررات لتصرفاتها مهما كانت. الرواية كُتبت في قالب لغوي بديع للغاية، فهي تنقلت ما بين اللهجة المكيّة ذات المفردات المستقاة من بيئات ومجتمعات أخرى بحكم توافد الحجاج واحتكاك سكانها بهم وما بين اللغة العربية الفصحى في السرد الروائي، فكانت توظف المفردات العامية في موضعها الصحيح ومعناه المقصود منه، وليس لمجرد وُجود هذه المفردة؛ وبذلك عبرت عن عراقة العائلة التي تحكي عنها وعن البيئة التي تنتمي إليها.
عدت بشوق للقراءة لرجاء عالم بعد فترة طويلة جداً من آخر قراءة لها.. وكانت كالعهد بها بلغتها الآسرة و سردها البارع ، حافظت رجاء عالم على لغتها المميزة وإن كانت هنا قد تبسطت وخففت من جزالتها نوعا ما لكون الحوارات في الرواية جاءت باللهجة الحجازية .
يقولون أهل مكة أدرى بشعابها و روائياً لا أحد أدرى بمكة والحجاز كرجاء عالم التي حملت على عاتقها نقل البيئة الحجازية بكل تشعبها وتعقيداتها وخباياها في معظم أعمالها. وباهبل كانت وثيقة أخرى ترصد فيها حياة أهل مكة منذ منتصف القرن العشرين وحتى بدايات الألفية .. من خلال حياة عائلة السردار وعلى مدى ثلاثة أجيال نتعرف على طبيعة الحياة الاجتماعية في مكة تلك الفترة وبعض الأحداث التي شهدتها ..ونتعرف على العادات ..حياة أهل الحارة ..التقاليد الاجتماعية المتعلقة بالزواج والولادة والموت والطلاق وغيرها.. بالإضافة لتوثيقها للعمارة المكية من خلال الوصف البديع للمباني والمساكن قديماً.
وأحد أهم المظاهر التي رصدتها بلا شك هي الكبت الذي كانت تعانيه النساء في تلك الحقبة والصراع الكبير الذي خلقته التحولات الاجتماعية في بدايتها التي قادتها في الرواية سكرية ابنة السردار .. ثم تتوالى التغيرات التي يقابلها صد و مقاومة منيعة من منظومة العائلة والمجتمع الذي ينفتح بصعوبة على الحياة والحرية.
ورغم المنع والتضييق كانت الأرواح تجد طريقها للحرية بشكل أو بآخر بالحيلة أو بالإكراه.. ومن هنا يُكمل عباس أو باهبل مسيرة التمرد بعد أن وقع منذ ولادته فريسة للاضطراب النفسي وهو يسير في درب تلك المرحلة المضطربة زمنياً التي شهدت بدايات الانفتاح والتغير في حياة أسرة السردار. يولد عباس بين موت وحياة وتذوب عنده الحدود بين ذاته وذاته الأخرى وبين الممنوع والممكن وبين الحرية وقيود محيطه وبين ماضيه يحاول من خلال توثيقه لماضيه وماضي العائلة أن يجد ذاته و جذوره وامتداده .
رواية شائكة وفيها أكثر من قضية وفكرة لتتبعها ولكن تربطها حكاية تسطو عليك وتذعن لها. كان هناك إسهاب وتطويل لاسيما بعض الفصول في نهاية الرواية .. وكان هناك لبس في ايضاح فكرة الانفصام عند البطل أربكتني ولكن تتضح بجلاء في النهاية .
مشاعِر مُدوِّخَة ومُتضاربة . هذا الكتاب من الكتب القليلة التي كانت نهايته مفتاحًا لي لأعود وأقرأ الفصول الأولى حتى أفكّ الخيوط المُتاشبكةَ في رأسي . هل انفكّت ؟ بل انعقدت أكثر . هذا الكتاب مجنون ،تجربة سيرياليّة ومُتشابكة .. لا أعلم كيف تحمّلت قراءته حتى النهاية ،وجدتني في بعض الفصول أكادُ أتداعى وأرمي هذا الكتاب عرض الحائِط . تسرد الكاتبة رجاء عالم في هذه الرواية قصّة عن عائلة مكيّة عريقة في تسلسل زمنيّ من منتصف الأربيعينيّات وحتى أوائل الألفيّة .حرّك هذا الكتاب فيّ مشاعرًا مُتضاربة ،نجحت الكاتبة في إيصالها وبلورتها ودسّها دسًا بين الحوارات الغرائبيّة التي كانت باللهجة المكيّة التي صعّبت على القارئ هذه الرحلة ،بل وجدتني مُستاءةً في بعض المواضع ��لتي لا تحمل حاشية ولا إشارة للمعنى .. هُناك رمزيّات إباحيّة كثيرة ،وتفاصيل محشوّة حشوًا ومُبروَزَةً بشكل يدعو للإشمئزاز .
عبّاس/نوري ،بطل الرواية وأكثر الشخصيات تعقيدًا مُصاب بفصامٍ زعزع كيان هذه الرواية وأدخل القارئ في متاهاتٍ عجيبة بين الصَّحوِ والخيال .
نجحت الكاتبة في نقلِ المشهد الماضي لنساء مكّة مُصغرًا في واقِع العمّات الثلاث (حوريّة ،نوريّة ،وسُكّرية) ، المجتمع المُجحف الذي جعل من معرفة اسم البنت وقتها عارًا تمثّل في قهرِ وخجل -الأب- السردار الكبير عندما جاءه الخاطبون فوَلوَلَ واستنكر مجرد معرفتهم بأن لديه بناتًا ،وحوادث أخرى كثيرةٌ كوّنت واقعًا قبيحًا لم نكن نعرف عنه الكثير متمثلاً في قهرِ ومعاناة النساء .
اللغة هيه أكثر ما شدّني في هذه الرواية وحملني على إكمالها ،مترافقةً مع الشخصيات الفريدة المحبوكة بإحكام والتي أردت معرفة ما سيكون مآلها .
"لولا يدُ حوريّة ،يشعُر بها مثل حريرة مُندّاة على حرقته، خبيرة في إطفاء الوجع والفجيعة!"
"أنتَ ولد حُبك للشيء القديم غير طبيعي. الآن عُمرك تحت العشرين لكنك في ذوقك عجوز،فوق المائة!"
"تفشل سكرية في تحديد موقفها من دور نورية في حياة عبّاس ،وفي تلك التغيرات ،فمن جهة هي تعزز حيويته وابتكاره،ومن جهة تُغرِّبُه عنها ،ومن طرف خفيّ تتمنى لو كانت سُكريّة التي تبعث فيه تلك الحيوية والجرأة."